Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعود بريطانيا إلى "بيت الطاعة" الأوروبي؟

إعادة التفاوض حول "بريكست" قد تكون الحل المتاح لتجنب مزيد من الخسائر

ناشطون يطالبون بالعودة إلى الاتحاد الأوروبي بعد فشل "بريكست" (رويترز)

بعد عامين على بدء الخروج الرسمي لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وعام على تنفيذ اتفاق الخروج، بدأت أغلبية البريطانيين تدرك أضرار بريكست. ليس فقط بالنسبة إلى مؤشرات الاقتصاد الكلي للمملكة المتحدة، من معدلات نمو وتضخم وميزان تجاري، وإنما في تفاصيل الحياة اليومية للمواطنين وما له من تبعات سياسية.

ينعكس ذلك بالتالي على اتجاهات التصويت في الانتخابات البريطانية والمستقبل السياسي لحزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض. ليس أدل على ذلك التغير في توجه الناخب البريطاني بالنسبة إلى بريكست من الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "سافانتا" بشكل حصري لصالح صحيفة "اندبندنت" قبل أيام وأظهر أن أكثر من ثلثي البريطانيين يؤديون الآن إجراء استفتاء على الانضمام مجدداً إلى الاتحاد الأوروبي. وهذا تحول كبير عن توجهات الناخبين في استفتاء بريكست عام 2016 حين صوت نصف البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي.

لا يقتصر ما أصبح يدركه المواطنون البريطانيون من تبعات بريكست على مسائل شكلية من قبيل تغيير جواز السفر، وأنهم في المطارات والمنافذ الأوروبية لا يمرون من المخارج السريعة لمواطني دول الاتحاد. وإنما أصبح الناس يقارنون الوضع المعيشي في دول الاتحاد مع التردي الهائل في بريطانيا، ويتزايد وعي الجماهير بأن سبب زيادة كلفة المعيشة وارتفاع الأسعار ليس فقط وباء كورونا وحرب أوكرانيا، بل أيضاً خروج بلدهم من الاتحاد الأوروبي.

الضرر الاقتصادي

بحسب تقديرات كل المؤسسات الدولية ومراكز البحوث البريطانية، فإن بريطانيا في وضع اقتصادي أسوأ من كل نظرائها في دول مجموعة الـ20 باستثناء روسيا. كما أن أسعار الطاقة والغذاء في دول أوروبا، المفترض أنها أكثر تضرراً بشكل مباشر من حرب أوكرانيا والعقوبات على روسيا، أقل ارتفاعاً من أسعارها في بريطانيا.

أجرت غرفة التجارة البريطانية الشهر الماضي مسحاً شمل أكثر من ألف شركة أكثر من نصفها لها معاملات تجارية مع الخارج اشتكت كلها من المشكلات الهائلة التي أثرت في نشاطها نتيجة الإجراءات الجديدة المتعلقة بالتجارة مع دول الاتحاد الأوروبي. فما زالت أوروبا الشريك التجاري الأكبر لبريطانيا، وقالت نسبة 77 في المئة من تلك الشركات إن قواعد التجارة الجديدة مع أوروبا بعد بريكست أضرت بأعمالهم.

فمع خروج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة، أصبح التعامل تجارياً بحاجة إلى إجراءات كثيرة من ملء نماذج وعمليات تفتيش وتدقيق ومراقبة وغيرها لا تطبق على التجارة بين دول الاتحاد. كما أن اتفاقات التجارة الثنائية التي أبرمتها بريطانيا بعد بريكست لم تؤد إلى انتعاش التجارة البريطانية كما كان يروج المتحمسون لبريكست.

وقدر مركز الإصلاح الأوروبي أن التجارة البريطانية انخفضت بنسبة سبعة في المئة في الصيف الماضي نتيجة بريكست، وتوقع انكماش الاقتصاد البريطاني بنسبة 5.5 في المئة مع تراجع الاستثمار في بريطانيا بنسبة 11 في المئة على الأقل بسبب بريكست. وبحسب تقرير المركز فقد الاقتصاد البريطاني ما يصل إلى 40 مليار جنيه استرليني (58 مليار دولار) في الربع الثاني من العام الماضي 2022 كان يمكن توفيرها لو ظلت بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي.

لكن هل من الممكن فعلاً أن تجري بريطانيا استفتاء جديداً من أجل العودة للحضن الأوروبي والالتحاق مجدداً بالسوق الأوروبية المشتركة؟ لا يعتقد كثير من المحللين والمعلقين البريطانيين أن ذلك أمر محتمل، على الأقل الآن. مع أن الأضرار الاقتصادية على مدى عامين قد تبرر ذلك، إلا أن هناك اعتبارات سياسية تحول دون إمكانية إجراء مثل هذا الاستفتاء.

اعتبارات انتخابية

على رغم ما يبدو من تصاعد التأييد الشعبي للعودة إلى أوروبا، لا يبدو أن ذلك يغير من توجهات أغلبية النخبة السياسية البريطانية بشأن العلاقات مع القارة الأوروبية. فما زال فريق البريكست في حزب المحافظين يقود الحكومة، على رغم تغييرها ثلاث مرات في نحو عام. ورئيس الوزراء ريشي سوناك من المتحمسين لبريكست مع سلفيه ليز تراس وبوريس جونسون.

صحيح أن وزير الخزانة جيريمي هنت من الفريق الآخر في حزب المحافظين الحاكم الذي صوت ضد بريكست، لكن أغلب الحكومة وقطاع مهم من نواب الحزب في البرلمان تقودهم مجموعة الأبحاث الأوروبية التي يتزعمها جاكوب ريس-موغ ضد أوروبا بقوة.

ويخشى سوناك أن يبدو مخالفاً لتوجه بريكست فيخسر كتلة تصويتية مهمة استعداداً للانتخابات العامة في العام المقبل 2024. خصوصاً وأن آخر انتخابات عامة قاد فيها بوريس جونسون الحزب عام 2019 أتت بأغلبية برلمانية للمحافظين على أساس أن جونسون يمكنه إنجاز بريكست تنفيذاً لاستفتاء عام 2016.

إنما المشكلة الآن أن مواقف نواب الحزب الحاكم ربما لا تعكس خريطة التصويت الشعبية حين يأتي موعد الانتخابات. فأغلب من يشتكون الآن من أضرار بريكست هم من المناطق التي أغلبيتها من المحافظين الذين صوتوا في استفتاء بريكست لصالح الخروج.

ليست الاعتبارات الانتخابية معضلة حزب المحافظين الحاكم وحده، بل إن المعارضة أيضاً منقسمة بشأن بريكست وقضايا أخرى. ربما كان حزب الليبراليين الديموقراطيين واضحاً في موقفه من قبل الاستفتاء وحتى الآن في أنه ضد بريكست ومع البقاء في السوق الأوروبية المشتركة، لكنه ليس حزب المعارضة الرئيس.

أما حزب العمال، الذي تشير استطلاعات الرأي إلى إمكانية أن يهزم المحافظين في انتخابات العام المقبل ويشكل الحكومة، فموقفه المعلن هو "إصلاح" بريكست وليس نقضه أو إجراء اسفتاء ثان بشأن العودة لأوروبا.

وأوضح زعيم حزب العمال السير كيير ستارمر موقفه في أول أيام هذا العام، فإذا فاز حزبه فإن حكومة العمال ستسرع قانون التخلي عن قواعد الاتحاد الأوروبي – أي تأكيد وتعميق بريكست. تلك المزايدة على حكومة المحافظين الحالية هدفها بالتأكيد كسب أصوات الناخبين المؤيدين لبريكست، وهي مغامرة في ظل ارتفاع عدد الرافضين لبريكست بحسب استطلاع الرأي الحصري الذي نشرته "اندبندنت".

كان ستارمر سابقاً من المعارضين لبريكست قبل استفتاء 2016 ومن المؤيدين لفكرة إجراء استفتاء جديد حول العودة للاتحاد الأوروبي، لكن مغامرته الآن بتغيير موقفه 180 درجة لاعتبارات انتخابية تعكس الخلافات داخل حزبه بشأن أوروبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اتفاق بريكست

يرى التوجه الوسط بين النخبة السياسية والاقتصادية البريطانية أن بريكست حدث ولا يمكن إلغاؤه، إنما المشكلة الأكبر هي اتفاق بريكست الذي يتهم الآن بوريس جونسون بأنه أسرع في التوصل إليه من دون اهتمام سوى بأن يظهر على أنه "من أنجز بريكست"، بالتالي فالمتاح الآن لبريطانيا هو إعادة التفاوض على اتفاق بريكست الذي يحكم العلاقات التجارية والاقتصادية وغيرها بين بريطانيا والاتحاد.

هذا التوجه ليس متأثراً باعتبارات الانتخابات، وإنما يستهدف بالأساس تلافي القدر الأكبر من الأضرار التي وقعت على بريطانيا نتيجة بريكست. لكن المناوئين لأوروبا في حزب المحافظين سارعوا في الأيام الأخيرة، عبر تصريحات نواب وكتابات معلقين محافظين خاصة في صحيفة "التلغراف"، بالضغط من أجل التسريع بإلغاء كل القواعد الأوروبية من القوانين البريطانية.

وتتعلق تلك القواعد بجوانب كثيرة يعني إلغاؤها تعقيد العلاقات أكثر مع الاتحاد الأوروبي، وتراوح ما بين بنود تتعلق بحقوق الإنسان إلى حماية البيئة والشروط الصحية المشددة التي تعتمدها أوروبا. وفي حال التسريع بإلغائها سيكون احتمال إعادة التفاوض حول اتفاق بريكست أكثر صعوبة.

في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي نشرت صحيفة "صنداي تايمز" تقريراً عن أن حكومة رئيس الوزراء ريشي سوناك تدرس إمكانية التفاوض مع بروكسل على اتفاق تجارة بالنموذج السويسري. فمع أن سويسرا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، لكنها تستفيد من الوصول إلى السوق الأوروبية الموحدة في مقابل قبولها بقواعد التجارة الأوروبية وسماحها بحرية الانتقال بين دول الاتحاد وبينها، إضافة إلى مساهمة سويسرية بسيطة في موازنة الاتحاد في بروكسل.

لكن الجناح المناوئ لأوروبا في حزب المحافظين سارع إلى نفي ذلك، معارضاً بقوة أي توجه من الحكومة للتفاوض مع أوروبا على اتفاق بهذا الشكل. ربما يكون وزير الخزانة جيريمي هنت من أنصار إعادة التفاوض مع الأوروبيين لتحسين أوضاع الاقتصاد البريطاني المتردية. لكن رئيسه ريشي سوناك لن يغامر بذلك، خصوصاً مع مزايدة زعيم حزب العمال على الحكومة بوعده التسريع في "تمزيق" القواعد الأوروبية.

على الأرجح، سيظل ذلك الجدل قائماً من دون حسم طوال هذا العام حتى مع احتمالات زيادة شعور البريطانيين بالأضرار المباشرة على حياتهم نتيجة بريكست. وربما لن يكون هناك أي تغيير في الموقف من العلاقات مع أوروبا قبل أن تأتي حكومة جديدة نتيجة الانتخابات العام المقبل 2024.

المزيد من دوليات