تعمل الجمعيات الاستيطانية في القدس بشكل حثيث على تهويد المدينة من خلال شراء المنازل والعقارات فيها بطرق شتى، تبدأ بتقديم الإغراءات للفلسطينيين ولا تنتهي بالتزوير.
ويقول الفلسطينيون إن تلك الجمعيات تتمتع بدعم مالي وقانوني من قبل الحكومة الإسرائيلية من أجل الوصول إلى غالبية يهودية في القدس المحتلة وترحيل الفلسطينيين منها.
ويشكو الفلسطينيون من أن المحاكم الإسرائيلية تشكل أداة للسلطات الإسرائيلية في سعيها إلى تفريغ القدس من الفلسطينيين وامتلاك المنازل فيها.
وفي البلدة القديمة للقدس، يدور صراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين حول كل سنتيمتر مربع فيها وعلى دونم أرض خارجها.
طرد بالقوة
وخلال الأسبوع الماضي، طرد الجيش الإسرائيلي بالقوة المسلحة خمس عائلات فلسطينية من منازلها في القدس المحتلة، استعداداً لتسليمها إلى المستوطنين.
ففي حي الصوانة في القدس المحتلة، استولى مستوطنون يوم الاثنين الماضي على مبنى مكون من أربع شقق سكنية بعدما باعه مالكه إلى رجل أعمال روسي منذ ثماني سنوات، قبل أن يقوم الأخير بنقل ملكيته إلى جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية.
ويقع المنزل في منطقة استراتيجية وحيوية ويطل من الجهة الشرقية على البلدة القديمة، كما يتاخم تماماً البؤرة الاستيطانية المسماة "بيت أوروت"، التي تضم 32 وحدة استيطانية.
ونتيجة هذا التسريب، يواصل المستوطنون إقامة شريط من الأحياء الاستيطانية حول البلدة القديمة، وجميعها تطل على المسجد الأقصى، سواء من خارج الأسوار أو داخلها، حيث توجد أكثر من 80 بؤرة استيطانية.
ويوم الأربعاء الماضي، طرد الجيش الاسرائيلي عائلة صيام من منزلها في بلدة سلوان بالقدس واعتقل جواد صيام أحد قاطني المنزل، وهو ناشط في الدفاع عن العقارات الفلسطينية.
وقالت مصادر لـ"اندبندنت عربية" إن والدة صيام المقيمة في الأردن باعت المنزل لحركة "إلعاد" الاستيطانية، فيما يرفض أولادها ذلك.
وكانت المحكمة المركزية الاسرائيلية في القدس قضت قبل أيام بإخلاء العائلة الفلسطينية لمنزلها لمصلحة حركة "إلعاد" الاستيطانية، التي تنشط في الاستيلاء على المنازل الفلسطينية في حي سلوان.
ويقول أفراد في العائلة إن "إلعاد" لجأت إلى أساليب التزوير والسماسرة وحصلت على دعم "حارس أملاك الغائبين" الإسرائيلي (حكومي)، من أجل وضع اليد على المنزل.
ويعتبر قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي، الذي صدر عام 1950، الأداة الأساسية لدى إسرائيل للسيطرة على أملاك اللاجئين الفلسطينيين وكذلك أملاك الوقف الإسلامي.
ويتيح القانون الإسرائيلي لسلطات الاحتلال الإسرائيلي السيطرة على أملاك كل من "هُجّر أو نزح أو ترك حدود دولة إسرائيل حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 1947، "وتُعتبر كل أملاكه بمثابة أملاك غائبين تنقل ملكيّتها إلى دولة إسرائيل".
ويرى حاتم عبد القادر، القيادي في حركة "فتح" في القدس، في حوار مع "اندبندنت عربية"، أن هناك تزايداً ملحوظاً في بيع أو تسريب المنازل في القدس، مضيفاً أن معدل التسريب أصبح ثلاثة منازل في السنة خلال السنوات الثلاث الماضية بعدما كان منزلاً واحداً في السنة.
ويطالب بتشكيل صندوق مالي لشراء العقارات في القدس المحتلة ممن يرغب من الفلسطينيين في بيع منزله، لأسباب ديموغرافية تتعلق بامتلاك منزل أوسع حتى لا تصل تلك المنازل إلى المستوطنين.
ومع أنه يقول إن ذلك لا يرقى لأن يصبح ظاهرة، وإن عمليات تسريب المنازل للمستوطنين معزولة عن تقاليد المجتمع الفلسطيني المتمسك بأرضه ومنازله، إلا إنه يحذر من ازدياد هذه الحالات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويطالب بضرورة مكافحة بيع المنازل إلى المستوطنين من خلال وضع روادع قانونية ومادية وأخلاقية تحول دون ذلك، متهماً السلطة الفلسطينية بعدم وجود إرادة سياسية لها للتعامل مع بيع المنازل بشكل حازم وحاسم. وأضاف أنها فشلت في التحقيق في بيع مبنى آل جودة في البلدة القديمة في القدس على الرغم من إعلانها تشكيل لجنة تحقيق حول ذلك، مشيراً إلى أن اللجنة لم تشكّل من الأساس.
ولا يبعد المبنى الضخم المكون من ثلاث طبقات إلا عشرات الأمتار عن المسجد الأقصى، حيث اشتراه رجل أعمال فلسطيني قبل أن يبيعه لمصلحة جمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية.
وبشأن اتهام السلطة الفلسطينية بعدم القيام بواجباتها في القدس المحتلة، رفض محافظ القدس عدنان غيث ذلك، مضيفاً أن القيادة الفلسطينية تضع القدس المحتلة في أعلى سلم أولوياتها.
ونفى في حوار مع "اندبندنت عربية" وجود شخصيات نافذة في السلطة الفلسطينية على علاقة ببيع عقار آل جودة في حارة السعدية بالبلدة القديمة، لكنه أشار إلى أنه لا يملك معلومات حول مجريات عمل لجنة التحقيق.
وشدد غيث على أن الجمعيات الاستيطانية في القدس تعمل بغطاء قانوني ومالي من السلطات الإسرائيلية، مضيفاً أن تلك الجمعيات تملك أرصدة مالية بملايين الدولارات.
ولفت إلى أن الجمعيات الاستيطانية تعمل بأساليب ملتوية، وتستغل قانون أملاك الغائبين وضعاف النفوس لشراء المنازل من الفلسطينيين، مضيفاً أن معظم الفلسطينيين يرفضون كل الإغراءات لبيع منازلهم على الرغم من ظروفهم الصعبة.
صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية، في يونيو (حزيران) الماضي، على بيع أملاك للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية للجمعية، بعد فشل محاولات بطريركية الروم الأرثوذكس إلغاء البيع عبر الطعن بقرار المحكمة المركزية التي أقرت عملية البيع عام 2017.
وتعود قضية العقارات إلى عام 2004 عندما حصلت ثلاث شركات إسرائيلية مرتبطة بجمعية "عطيرت كوهانيم" الاستيطانية على عقارات تملكها الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية، بينها فندقا "البترا" و"إمبريال" الواقعان على مدخل باب الخليل في الحي المسيحي، وبيت "المعظمية" في الحي الإسلامي داخل البلدة القديمة.
وبامتلاكها لهذه العقارات، تصبح "عطيرت كوهانيم" مالكة لغالبية المباني الواقعة عند مدخل باب الخليل، أحد الأبواب الرئيسة للبلدة القديمة والسوق العربية.
وقال دانيال لوريا، العضو في جمعية "عطيرت كوهانيم"، إنه "يجب أن يكون الجميع قادرين على الشراء والبيع في المناطق الواقعة تحت السيادة الإسرائيلية".
ويحاول نحو 320 ألف فلسطيني البقاء في القدس الشرقية التي أعلنتها إسرائيل جزءًا من عاصمتها "الأبدية" في عملية مخالفة للقانون الدولي.
وازداد عدد المستوطنين اليهود في القدس الشرقية منذ عام 1967 من بضع مئات إلى 210 آلاف اليوم.