Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التحطيب الجائر يترصد أشجار غزة الخضراء

يقول الحطابون إنهم مضطرون إلى ذلك بهدف كسب قليل من المال

تستخدم غزة 200 شجرة يومياً في فصل الشتاء على شكل حطب لأغراض التدفئة والطهي (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة)

على مقربة من أكبر شجرة في غزة التي تجاوز عمرها 150 سنة، مسك الحطاب ياسين منشاره الكهربائي، وبدأ في قطع جذوع الأشجار التي تصادف طريق آلاته بغرض جمع أخشابها وتحويلها إلى حطب متعدد الاستخدامات.

وتمكن ياسين خلال ساعات عمله السبع من إعدام نحو 10 شجرات مثمرات بيعت كلها في السوق المحلية بقيمة دولار أميركي واحد لكل كيلوغرام.

 

أشجار غزة

ياسين واحد من أصل مجموعة كبيرة من الحطابين يعملون موسمياً في هذه المهنة في قطاع غزة مع بدء فصل الشتاء تحديداً، غير آبهين إلا بالربح القليل، ولا يعرف ما هي أعداد الأشجار التي استطاع هؤلاء تحويلها إلى حطب وبيعت في السوق المحلية بثمن بخس.

وعمل ياسين الذي لم يجد بديلاً عنه رغم بحثه المستمر، يعدّ اختراقاً واضحاً للقانون الفلسطيني بشأن البيئة، فضلاً عن أنه ثاني أسباب التصحر في غزة بعد الزحف العمراني، وأدى إلى تقلص المساحات الخضراء المزروعة بأشجار مثمرة.

يمتهن ياسين التحطيب مجبراً، فهو يكره أن يقطع الأشجار ويعدم البيئة، لكنه يقول إنه مضطر إلى ذلك بهدف كسب قليل من المال. ويضيف "روحي تنازعني وأنا أقف على حافة الأرض والمنشار بيدي أقطع به أشجار بعضها أكبر من عمري، لكنها الحاجة التي أجبرتني على تجريف الأرض، فعلياً أنا أكره تحويل الشجر إلى خشب وحطب، ولكن ألجأ لذلك في فصل الشتاء فقط".

في الشتاء يزيد التصحر

من ناحية عملية، ينتعش التحطيب داخل القطاع في فصل الشتاء، حيث تبدأ المهنة في ديسمبر (كانون الأول) وتستمر حتى مارس (آذار) من كل عام، وفئة كبيرة من سكان غزة تستهلك الحطب لأغراض التدفئة في ظل استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي منذ عام 2006 حيث تتراوح ساعات التغذية بالتيار ست ساعات يومياً فقط.

وفي مهنة ياسين لا توجد رحمة بالشجر، فهو يقطع جذوعها من دون تمييز "أقتلع كل الأشجار سواء المثمرة أو الحرجية وحتى تلك المخصصة للزينة من دون مراعاة لعمر الشجرة أو قيمتها، فالمراد تحويل خشبها إلى حطب".

وشيئاً فشئياً يختفي اللون الأخضر من غزة، وتتقلص مساحته، بسبب التحطيب الجائر الذي يعد بوابة للزحف العمراني، وأسبوعياً، يأتي ياسين على مساحات كبيرة مزروعة بأشجار الحمضيات والزيتون، ويشير إلى أنه "بسبب التحطيب انحسر وجود شجرة الجوافة، وخلال عام من الممكن أن تنقرض إذا لم تتخذ الجهات المعنية تدابيرها".

وفي فصل الشتاء، يستهلك القطاع يومياً 200 شجرة تقريباً لأهداف التدفئة والطهي.

التصحر محظور في القانون

يعاني قطاع غزة من التصحر، وبات يعدّ في مقدّم المشكلات التي تواجه البيئة الفلسطينية، لا سيما أن التدخل البشرى اليومي يسهم في الزيادة المتسارعة لهذه الظاهرة، وتعد مهنة التحطيب ثاني أسباب انتشار ظاهرة التصحر من دون دراية من العاملين فيها لما سيؤول إليه مصير الأراضي الزراعية في غزة.

والتصحر، بحسب الباحثين في الشأن البيئي، لا يعني غزو الكثبان الرملية الأراضي فقط، إنما التدهور المستمر للنظم البيئية نتيجة الأنشطة البشرية، كما يعدّ واحداً من أخطر التحديات الإنمائية في عصرنا هذا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويمنع القانون الفلسطيني أنشطة التحطيب أو قطع الأشجار لاستخدام الأرض في أعمال البناء، وتنص المادة رقم (18) من قانون البيئة، على أنه "يحظر تجريف الأراضي الزراعية أو نقل تربتها بهدف استعمالها في غير الأغراض الزراعية، ويعاقب كل من يجرف أراضي أو يسهم في تسويتها أو نقل تربتها بهدف البناء عليها أو استخدام أشجارها خشباً وحطباً وفقاً للشروط والضوابط المقررة من الجهات المختصة".

يقول المدير العام للشؤون القانونية في المجلس التشريعي أمجد الآغا إن "الزحف العمراني كان السبب في الاعتداء على الأراضي وظهور مهنة التحطيب، لكن نعمل على الحد من عمليات اقتطاع الأشجار الحاصلة في قطاع غزة من خلال تشديد الرقابة على ملاك الأراضي الزراعية منعاً لتجريفها وإعدام الأشجار، ولدينا خطط تتمثل في زراعة الأشجار في كل مكان حتى في الطرقات".

تقلص المساحات

تبلغ مساحة قطاع غزة 365 كيلومتراً مربعاً، وتشير بيانات وزارة الزراعة لعام 2018 إلى أن مساحة الأراضي الصالحة للزراعة كانت تبلغ 266 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر)، بينما تقلصت إلى 140 ألف دونم، ويستخدم منها 90 ألفاً لأغراض زراعة الخضروات، وهذه الأراضي لا تعاني من التصحر، و50 ألف دونم لأغراض البستنة الشجرية بما في ذلك الفواكه والزيتون، وهذه الأراضي الأكثر عرضة للتصحر وفق القياس والتقويم للعام الحالي 2022. وتقدم الـ 50 ألف دونم المتبقية ربع الإنتاج الزراعي الذي يحتاجه سكان غزة، في وقت يستورد سكان القطاع معظم سلته الغذائية بسبب التصحر الذي يضرب الأراضي الخضراء.

عقوبات على قطع الأشجار

ويقول مسؤول التواصل والإعلام في وزارة الزراعة أدهم البسيوني إنهم يحاولون وقف التصحر ويعملون على الحد من قطع الأشجار لغرض التحطيب، ولا يسمحون بقطع سوى تلك الأشجار التي انتهى العمر الافتراضي لها أو تلك التي تصاب بالأمراض ويصعب علاجها.

ويضيف "عندما نتحدث عن الحطب يعني أننا نتحدث عن الزحف العمراني، فمهنة الحطب لا تمثل خطورة لكن بسبب التمدد في البناء باتت هذه الحرفة ظاهرة، وعملية التشييد السكني هي سبب التصحر"، ويشير إلى أن "وزارة الزراعة تحاول عدم السماح بالتعدي على الأراضي الزراعية من خلال ضوابط صارمة، إذ ترفض تحويل الأراضي الزراعية إلى حطب أو مناطق عمرانية لأن التمدد السكاني الكبير الموجود في غزة يحتاج إلى سلة غذائية كبيرة".

ويوضح البسيوني أنهم يفرضون عقوبات على أي شخص متورط في قطع أي أشجار من المساحات الزراعية المنتجة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن وزارة الزراعة تزرع سنوياً أكثر من 10 آلاف شجرة زينة أو حرجية لزيادة المساحة الخضراء.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير