Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غابات لبنان حطب الشتاء المقبل للتدفئة والطبخ

في ظل الأزمة الاقتصادية وندرة مادة المازوت وارتفاع أسعارها

الدولة اللبنانية تتراخى في حماية العابات (اندبندنت عربية)

في الشتاء المقبل، سيحترق ما تبقى من غابات لبنان، بعدما قضت حرائق الصيف على ملايين الأمتار الحرجية من أقصى الشمال وعكار، إلى أقصى الجنوب، صعوداً إلى الجبل. هذه ليست نبوءة أو من أعمال التنجيم، إنما نتيجة واقعية لأزمة الطاقة والوقود في لبنان، وهي من آثار سياسات الدعم غير المدروسة التي أزهقت روح ما تبقى من احتياطي العملات الصعبة من دون أن تنجح في توفير مظلة أمان اجتماعي. فأسعار المحروقات في لبنان تضاعفت خلال العام المنقضي، فيما بقي الحد الأدنى للأجور على حاله ليساوي ثمن صفيحتي بنزين، أو جرتي غاز منزلي في السوق السوداء. أمام ذلك، لم يجد أبناء الأرياف من بد إلا العودة إلى مسالك السلف والتحطيب إزاء برد الشتاء القارس. ولا ننسى إقبال كثير من الأسر على إعادة إحياء "مواقد الحطب" من أجل الطبخ وتسخين المياه في ظل تحليق سعر الغاز.

الشتاء بلا مازوت

في فنيدق عكار، على ارتفاع ألفي متر عن سطح البحر، لم يتبقَ من الأشجار الحرجية المعمرة إلا أجزاء من جذوعها. ويختصر سميح عبد الحي، رئيس البلدية، المشهد بأن "الغابات التي استغرقت آلاف السنين لتنمو وتكبر يتم نسفها خلال ثوان بفعل المنشار". كلام رئيس البلدية يُعطي انطباعاً سلبياً لمستقبل الغابات في عكار وأنحاء لبنان. ويشير عبد الحي إلى أن هذه الجرائم البيئية تهدد عشرات الأنواع من الأشجار والنباتات التي تمتد على مساحة 25 مليون متر مربع ضمن فنيدق.

في تلك المنطقة، يعيش السكان من الزراعة وتحديداً التفاح، وتنتمي فئة واسعة من أبنائها إلى المؤسسة العسكرية. هذا العام، عانى التفاح من أزمتي التصدير وعدم تأمين المحروقات للتبريد. لذلك، اضطر المزارع العكاري إلى بيع صندوق التفاح وزن 25 كيلو غراماً بدولارين أميركيين. ومن الطبيعي أن ينعكس هذا الأمر على قدرة المواطن الذي يقطن المناطق المرتفعة والجبال على تأمين المحروقات.

يشتكي الأهالي أن ثمن برميل المازوت يزيد على 3 ملايين ليرة،  بالتالي ليس بإمكانهم الحصول عليه للتدفئة في ظل درجة حرارة تتراوح بين -3 و -4 درجات خلال فصل الشتاء.

يقارن عبد الحي حال عكار اليوم مع حالها قبل سنوات. ففي السابق، كان 20 في المئة من السكان يعتمدون على الحطب في التدفئة، و80 في المئة منهم على مادة المازوت الذي يتم تخزينه في أواخر الصيف، وكان متوافراً في المحطات ولدى الموزعين. أما اليوم، فقد انعكست الآية وأصبحت الغالبية الساحقة من الحطابين الذين قصدوا الغابات من أجل قطع الأشجار الخضراء.

من يحمي الغابات؟

يوضح عبد الحي أن بعض الغابات محمية، والأشجار فيها ملك لوزارة الزراعة، ولكن لا تنفيذ على أرض الواقع. ويقول إن اتحاد بلديات القيطع منذ عام 2004، رفع الصوت للحفاظ على الثروة النباتية، ولكن الدولة لم تستجب. لذلك، كلّت بلدية فنيدق متخصصاً لمسح مليون متر مربع لحماية غابة العزر، وهي من الأشجار النادرة الوجود في منطقة الشرق الأوسط. وقد أودع القرار البلدي لدى وزارة البيئة. وكان هناك مخطط لإنشاء متنزه وطني يمتد من الضنية إلى عكار ضمن المنطقة الحرجية، لحماية الأراضي والشجيرات من أشكال التعدي الجائر ومن الزراعة فيها أو الرعي، مضيفاً أن "لا رغبة في تغيير معالم المنطقة أو الحفاظ على طبيعتها البكر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد عبد الحي أنه في منطقة غابات القموعة التي تمتد على ملايين الأمتار المربعة، يوجد مخفر تابع لوزارة الزراعة، ولا يوجد فيه سوى عنصرين اثنين، وأمنت البلدية آلية لهذا المركز لأن الدولة لم تجهزه، ويتم تزويده بالمازوت على نفقة البلدية من أجل القيام بالدوريات. ويرى أن هذا العدد الضئيل غير كاف، خصوصاً أن الحراس هم موظفون رسميون، ولا يوجدون في المنطقة إلا خلال الدوام الرسمي.

تأتي هذه الأزمة، لتسلط الضوء مجدداً على ملف تعيين حراس الأحراج الذين نجحوا في مباراة مجلس الخدمة المدنية، ولكن لم يتم إدخالهم الخدمة الفعلية بسبب رفض رئيس الجمهورية ميشال عون التوقيع على مرسوم التعيين بحجة عدم التوازن الطائفي في التوزيع. وفي ظل غياب هؤلاء، يعاني هذا القطاع من حالة شغور، وتزداد المخاطر من اندلاع حرائق واتساع نطاق التحطيب بسبب عدم توافر فرق الرقابة الميدانية.

جولة وزير البيئة

في أعقاب تشكيل الحكومة، جال وزير البيئة ناصر ياسين في المناطق، وتفقد المواقع الطبيعية والغابات للاطلاع على الواقع البيئي. وشملت هذه الجولة منطقة عكار التي تعد رئة لتجديد الأوكسيجين والطبيعة في لبنان. وكانت قد تعرضت هذه المحافظة لأضرار كبيرة في أعقاب الحرائق التي امتدت من القبيات إلى أكروم، وصولاً إلى الهرمل والحدود السورية.

تعلق أوساط وزير البيئة على الشكاوى التي أطلقتها البلديات في عكار من القطع الجائر للأشجار المعمرة، وتحويلها إلى حطب من أجل التدفئة. وتلفت إلى أن "الغابات محمية بموجب قانون الغابات، ولكن العبرة في التنفيذ الذي يقع على عاتق وزارة الزراعة". وتطلب وزارة البيئة تقييم الأثر البيئي عند تجهيز الأراضي الزراعية وما يشمل ذلك من تسطيح وتفريغ واستصلاح وغيره. وهذا الكلام يصدُق على ما جرى في وادي زبقين في جنوب لبنان، حيث قطعت مساحات واسعة من الأشجار بحجة الاستحصال على رخصة من وزير الزراعة السابق عباس مرتضى.

الحطب للتجارة والشطارة

في موازاة انتشار "التحطيب من أجل التدفئة"، هناك شق آخر ألا وهو التحطيب من أجل التجارة وتحقيق الأرباح. ففي الأعوام الماضية أدى الارتفاع التدريجي في سعر المازوت قياساً بأسعار الحطب، إلى قيام بعض العائلات ببناء المدافئ، وهي متعددة الاستخدام مقارنة مع "صوبيا المازوت". وتلفت المواطنة شدا إلى أن "تكلفة نقلة الحطب هذا العام بلغت 250 دولاراً أميركياً، فيما تحتاج العائلة إلى أربع نقلات حطب خلال موسم الشتاء". وتؤكد أن الخيار استقر على الحطب، لأن المازوت مقطوع، وفي كل مرة يحاول اللبناني شراء المازوت يجد نفسه عرضة للاستغلال.

وتلفت شدا إلى أن التاجر الذي اشترت منه الحطب قدم لها عروضاً مختلفة، إذ تباين ثمن الطن باختلاف نوع الحطب. وتؤكد أن أفضل الأنواع هو السنديان والليمون وهما الأغلى. وتضيف أن التاجر اشترط زيادة سعر "النقلة" بسبب صعوبة الحصول على المازوت. وقد تأخر التسليم لمدة أربعة أشهر.

في موازاة ذلك، أعاد اللبناني نفض الغبار عن "القبو" و"غرفة تخزين الحطب"، بسبب الخوف من انقطاع مادتي المازوت والغاز. وبدأت أسر كثيرة تشتري "الصاج" على الحطب من أجل إعداد الخبز، أو الموقدة للطبخ. وسواء أكان ذلك على سبيل الاحتياط أو تغيير نمط المعيشة، فذلك بدأ ينتشر بصورة واسعة في القرى، حتى أنه بات ملحوظاً في بعض الأحياء الشعبية من أجل إعداد الطعام والتدفئة.

المزيد من منوعات