Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الشجرة المجهولة" خطر بيئي أم حل لمشكلات الصومال؟

غزا نبات الـ"غرنوا" أراض زراعية واسعة... لا يحتاج إلى التسميد ويتمتع بقدرة كبيرة على النمو

بدأ الأهالي بإنتاج العلف للحيوانات من نبات الغرنوا (موقع لاندر بروسوبيس)

تتعرض خمسة ملايين هكتار من الأراضي في القرن الأفريقي لغزو من نبات يطلق عليه الصوماليون اسم "غرنوا" أي "المجهول"، وتتوالى التقارير حول نجاحه في غزوه المحموم للمراعي والوديان والأراضي الزراعية، بحيث أصبح يشكل خطراً على التنوع البيئي الفطري، بحلوله السريع مكان نباتات محلية أصيلة، لم تصمد أمام نجاحه في مقاومة التقلب المناخي، والنشاط البشري الجائر رعياً وتحطيباً.

ما هي شجرة الغرنوا؟

وفي معرض التعريف بهذا النبات الغريب، قال الدكتور حسين حاجي، عالم النباتات الصومالي المقيم في العاصمة الصومالية مقديشو، إنه وفقاً لدراسات نشرت في عام 2006، فإن نبات "بورسوبوس جوليفلورا" المعروف باسم "غرنوا" أو "علي غروب" محلياً، والمعروف في موطنه الأصلي باسم "ميسكيت" أو"ألغروبا"، والشهير عربياً باسم الـ"غاف عسيلي الأزهار"، هو نبات شجيري قد ينمو إلى ارتفاع 12 متراً، أدخل إلى البلاد في أوائل عام 1950 في منطقة غرب بربرة من قبل خبير بريطاني في مجال الغابات اسمه "داوسون" لمكافحة التصحر والعواصف الرملية وتثبيت الكثبان الرملية، ومن ثم في السبعينيات والثمانينات، أدخل في مناطق عدة من البلاد للحد من تدهور البيئة نتيجة لقيام السكان بالتحطيب الجائر من أجل استخدام أخشاب النباتات المحلية كوقود أو للبناء، ومن هناك بدأ انتشاره بغرض "التخضير"، أو بصورة تلقائية نتيجة لتغذي الحيوانات والطيور عليه، وإلقائها البذور مع فضلاتها بعد نقله لمسافات متفاوتة.
وأضاف حاجي "وهذا النبات من العائلة البقولية، وبذلك لا يحتاج إلى التسميد، نظراً إلى لوجود العقد النيتروجينية في جذوره، التي يمكن أن تبلغ أعماقاً تزيد على عشرة أضعاف طول النبات، وتمتد سطحياً حتى مسافة خمسين متراً، ما يمنحه مع قدرته الكبيرة على النمو، فرصةً أكبر للنجاح في كل أنواع التربة حتى الفقيرة منها، ويجعله يتفوّق على النباتات المحلية بطيئة النمو في الهيمنة على مساحات واسعة خلال فترات زمنية قصيرة نسبياً".


أضرار الشجرة

وفي ظل تصاعد الشكوى من نبات "غرنوا" في القرن الأفريقي، ركز المهندس الزراعي، سعيد عسله، على مباعث تلك الشكوى، وقال "يحمل هذا النبات الدخيل خطورةً كبيرة على قطاعات الزراعة والرعي والثروة الغابية، إذ يغزو المراعي المشاع وحقول المحاصيل، ويزاحم كل أنواع النباتات، ما يؤدي إلى تقليل مساحات المحاصيل والمراعي، إذ يحل محل المراعي العشبية المحلية المستساغة للحيوانات، والأشجار والشجيرات المتوطنة، إذ تشير تقارير إلى إفراز جذور هذا النبات مواد تعرقل قدرة بقية الأنواع النباتية المحلية على امتصاص المغذيات الموجودة في التربة، ما يؤدي إلى إضعافها وجعلها عرضةً للأمراض، والعجز عن تحمل الجفاف وحرارة الشمس، بالتالي فنائها وإفساحها المجال أمام مزيد من توسع هذا النبات الدخيل"، وأضاف عسله أنه "من خلال الملاحظة تبين أن الحيوانات التي تتغذى على الثمار النيئة من هذا النبات لفترات طويلة، قد تصل إلى فقدان للشهية وخسارة الوزن والهزال والإسهال والحمى والشلل والنفوق، بخاصة الخيول والماعز، ما يؤدي إلى انخفاض إنتاجية الحيوانات أو خسائر في القطعان، كما تؤدي كثافة نمو هذا النبات إلى الحد من وصول الناس والحيوانات إلى المراعي والمزارع، وكذلك إلى موارد المياه، نظراً إلى الإصابات التي تسببها الأشواك الحادة للنبات. كما توفر كثافة نموه مأوى للحيوانات المفترسة والزواحف والعقارب، وليس هذا فقط، بل يعد ملجأ للخارجين عن القانون، ومصدر خطر أمني على التجمعات البشرية، إضافة إلى إسهامه في خفض منسوب المياه في الآبار السطحية نتيجة شراهته في استهلاك المياه الجوفية، وتوفيره التغذية لذكور البعوض الذي تنشر إناثه مرض الملاريا".

استخداماته في موطنه الأصلي

ومع تتبع تعامل البشر مع هذا النبات في موطنه الأصلي، وللاطلاع على الخبرات التي اكتسبوها من خلال التعايش معه على مدى قرون، أفادت خبيرة التغذية، نعمة علي، بأن "السكان الأصليين للأميركتين استخدموا ثمار هذا النبات لتكون الملجأ الأخير لهم في مواسم الجفاف لتجنب سوء التغذية والمجاعة عبر تجفيف قرونه وطحنها وصنع الكعك منها، وكذلك إضافته إلى الحساء كمادة لتثخينه وزيادة قيمته الغذائية، كما استخدموا أجزاءه في طبهم التقليدي عبر  استخدام مسحوق قرونه في صنع علاجات لمحاربة فطريات القدم الرياضية، وتطهير لسعات الحشرات ولدغات الحيوانات، وإذابته في الماء للتخفيف من الإمساك، ويستخدمون النسغ الفاتح اللون في علاج آلام المعدة، وكمشهٍ للأطفال لتناول الأدوية المرة نظراً لحلاوته، بينما يستخدم النسغ القاتم الذي ينز من جروح النبات، في علاج صلع الرجال عبر خلطه بنباتات أخرى، كما يضاف إلى نوع من الصابون للغرض ذاته، كما يستخدم في تطهير الجروح والقروح والحروق الشمسية، واستخدموا جذور الشجرة لعلاج آلام الأسنان، واستفادوا من شاي أوراقه لتخفيف آلام المعدة وفتح الشهية، إضافة إلى استخدام خشبه في صنع الأثاث والأدوات والمقابض، ومصدر للوقود وحفظ الأطعمة بالتدخين، واستفادوا من زهوره طعاماً ومصدراً جيداً ودائماً لتغذية النحل وإنتاج العسل".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


طرق التعامل مع الشجرة

مع تراكم الانطباع السلبي حول نبات "غرنوا"، كان من الضروري فهم طرق التعامل معه، والحد من تأثيراته ومخاطره، ولدى سؤال الناشط البيئي رجل الأعمال الصومالي، غوليد أحمد، عن ذلك أجاب، "لاحظت حجم انتشار شجيرات المسكيت في المدن والأرياف في بلادنا، كما لمست مقدار الشكوى لدى السكان من الآثار السلبية لهذا النبات، فالإحصاءات تشير إلى انتشاره في أكثر من 550 ألف هكتار من المراعي والوديان والأراضي الزراعية، أي 5500 كليومتر مربع في صوماليلاند لوحدها، أي أكثر من ضعف مساحة دولة كـ"لوكسمبورغ"، ناهيك عن بقية مناطق القرن الأفريقي، لذا قمت بتأسيس مؤسسة لاندر بروسوبيس، للتوعية وتوفير التدريب والأدوات لسكان الأرياف، وكذلك نصبنا فرناً خاصاً لتحقيق أكبر استفادة ممكنة من تحويل خشب هذا النبات إلى فحم، ونسعى للنجاح من أجل جعل هذه الآفة نعمة تحقق لأبناء وطننا عوائد تعوضهم عما خسروه بسبب ضعف التوعية وقلة الإمكانات".
وتابع أحمد "على رغم شراسة هذا النبات، وقدرته الهائلة على تجاوز العقبات التي يواجهها على مستوى قلة المياه أو فقر التربة أو حتى حرارة الجو، فإنه يمكن ليس فقط الحد من آثاره السلبية، بل تحقيق فوائد منه، لكن يحتاج السكان إلى التدريب والتوعية في طرق الحد من انتشاره الجائر عبر التقليم واستخدامه سماداً أخضر للأراضي الزراعية، وتقليل فرص انتشار بذوره بصورة غير متحكم بها، إضافة إلى الاستفادة من منتجات النبات التي تتمثل في الخشب الذي يمكن استخدامه كبديل وفير للنباتات المحلية التي أضعفها التحطيب الجائر، من حيث جعله مادة للبناء ومصدراً للحطب والفحم، إضافة إلى الاستفادة من ثماره بكل الصور الممكنة، وأهمها جعله علفاً للحيوان بعد معالجته بطرق تمنع انتشار بذوره القاسية غير القابلة للهضم بصورتها الطبيعية، ويمكن تحويل هذا النبات إلى نعمة بدل الشكوى والتذمر منه".

فرص اقتصادية

كذلك، أشارت خبيرة التغذية نعمة علي إلى الإمكانات الاقتصادية التي يمكن تحقيقها من مئات ملايين أشجار "غرنوا" في البلاد، فقالت "إن مسحوق قرون ثمار هذا النبات أصبحت دارجة في قطاع التغذية العضوية، وتعد من الأغذية الفائقة الجودة "Super Food" فقرون ثمار هذا النبات تحتوي على قيمة غذائية عالية، ففيها من البروتين بنسبة 40 في المئة، أكثر مما في فول الصويا الذي يحتوي على 35 في المئة، ومعظم محتواها يتكون من سكر الفركتوز المفيد لبعض مرضى السكري، خالية من الغلوتين، وذات محتوى عال من الألياف والدهون غير المشبعة أوميغا 3، وهو مضاد للفطريات ورافع للمناعة، كما يحتوي على نسبة عالية من المعادن مثل الكالسيوم والمغنيسيوم والبوتاسيوم والحديد وحمض ليسين الأميني، ويتم تسويق مسحوقه في الولايات المتحدة بأسعار تصل إلى 25 دولاراً للكيلوغرام الواحد".
من جهته، اعتبر الناشط غوليد أحمد أن "هناك إمكانات مفتوحة أمامنا لحل مشكلات كبيرة تعاني منها مجتمعاتنا بالاستفادة من هذا النبات، في الوقت ذاته الذي نحد فيه من انتشاره غير المفيد، يمكن استخراج الديزل العضوي من بذوره، كما أن الإنتاج المتوقع من مساحة الأرض التي يحتلها النبات يمكن أن تقي أكثر من 25 مليون إنسان من سوء التغذية، إضافة إلى كونه مصدراً جيداً وبديلاً عن الأعلاف المستوردة في مواسم الجفاف، ما يضمن نمو قطاع تربية الحيوانات والرعي بشكل مطرد، ويجعل لدى بلادنا فوائض غذائية قابلة للتصدير، بدلاً من حالة الاعتماد على الخارج، وأرى أن الاستثمار في التعامل مع هذا النبات استثمار ناجح يفوق مجالات عدة من الاستثمارات التقليدية، وعوائده المالية المتوقعة جيدة، كما أن العوائد المجتمعية والبيئية أيضاً لا يمكن تجاهلها".


المطلوب من الحكومات والمجتمع المدني

في المقابل، شدد المهندس الزراعي "عسله" على أهمية مكافحة هذا النبات الدخيل، قائلاً إن "هذا النبات غريب عن أرضنا هذه، ويشكل خطراً على التنوع الحيوي الطبيعي، لذا من الضروري توفير التوعية اللازمة والأدوات الضرورية لسكان الأرياف للحد من انتشاره، ومن واجب البلديات كذلك عمل برامج لمكافحته، فهو يجمع بين تضييع فرص الزراعة وتبديد المياه الجوفية الشحيحة، بل ويشكل خطراً صحياً وأمنياً، لذا يجب أن تكون جهود التوعية والمكافحة هي الهدف الرئيس للتعامل معه، وتركيز الجهود الساعية إلى الاستفادة منه على مبدأ الحد من تكاثره".
من جهته، لفت الناشط البيئي غوليد أحمد إلى المصاعب التي تواجه السكان في الاستفادة من الأمر الواقع الذي يمثله هذا النبات، فقال "إن المساعي التي يبذلها كثير من المواطنين للحد من سلبيات هذا النبات، وتحويل بعض تلك السلبيات إلى إيجابيات، تواجَه بقلة الموارد الموضوعة في خدمة مسألة مصيرية كهذه، فنحن أمامنا كثير لنخسره بعدم التعامل مع هذا النبات، والواقع يفرض على الجهات الرسمية القيام بجهود مكافحة جدية عبر برامج قومية، أو عبر دعم المشاريع المبتكرة الساعية لخلق فرص اقتصادية، والحد من البطالة، وتوفير مصادر دخل لسكان المناطق الريفية من النبات ذاته، الذي صعب حياتهم على مدى العقود الثلاثة الماضية، ونحن في المجتمع المدني والقطاع الخاص نحاول، لكننا يوماً بعد يوم نكتشف ضخامة المهمة التي أمامنا ما لم تتوفر الاستثمارات اللازمة لتحقيق النجاح".

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة