Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شي جينبينغ ومفارقة السلطة والتوازنات الداخلية الشائكة

ما تكشفه إخفاقات ماو عن مركزية السيطرة

في الصورة أعلاه طبقان تذكاريان تظهر على أحدهما صورة ماو تسي تونغ وعلى الآخر صورة الرئيس الصيني الحالي، أكتوبر 2017  (رويترز)

حقق شي جينبينغ، الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، نصراً كاملاً في المؤتمر العشرين للحزب في منتصف أكتوبر (تشرين الأول). فهو لم يحصل فحسب على ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات غير مسبوقة، على رغم أن ذلك كان متوقعاً على نطاق واسع، بل تمكن أيضاً من ملء المكتب السياسي ولجنته الدائمة بأشخاص موالين له. وفي استعراض للسلطة السياسية الكبيرة التي يتمتع بها، أجبر اثنين من منافسيه الرئيسيين على التقاعد، وهما رئيس الوزراء لي كه تشيانغ وعضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي وانغ يانغ، على رغم أنهما لم يبلغا سن التقاعد غير الرسمي وهو 68 سنة. كذلك، تعرّض النجم الصاعد الأصغر سناً "هو تشون هوا"، عضو المكتب السياسي الحالي والتلميذ المحمي لرئيس الحزب السابق "هو جينتاو"، للطرد من المكتب بشكل غير رسمي في اللحظة الأخيرة.

وعلى رغم ذلك، عوضاً عن ضمان عقد آخر من النجاح كزعيم مهيمن للصين، من المرجح أن يؤدي انتصار شي إلى دخول مرحلة من التنافس السياسي بين الموالين له الذين يتوقون لاكتساب رضاه ونيل الأفضلية في الصراع الحتمي على الخلافة. وبطريقة موازية، فإنّ هيمنة شي سياسياً لن تضمن نجاح السياسات التي تمس الحاجة إليها من أجل تلبية حاجات السكان والمنافسة الاستراتيجية الصينية الأميركية. في الواقع، جمع شي قوة قسرية قد تجعله محصناً تقريباً داخل النظام، لكن هذه القوة محدودة الاستخدام عند السعي إلى تنشيط النمو الاقتصادي، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا، ومعالجة الكارثة الديمغرافية التي تلوح في الأفق. 

وفي بعض النواحي الأساسية والمثيرة للاهتمام، تذكّر نتائج المؤتمر العشرين للحزب بنتيجة المؤتمر التاسع للحزب في أبريل (نيسان) 1969. آنذاك، وصل ماو تسي تونغ، الزعيم المسيطر للحزب الشيوعي الصيني، إلى ذروة قوته. وتماماً كما فعل شي بعد خمسة عقود، استخدم ماو مؤتمر الحزب لكي يملأ المكتب السياسي ولجنته الدائمة بالموالين له. لكنّ هيمنة ماو زعزعت استقرار الحزب، عوضاً عن جعله أكثر استقراراً، إذ إنّه في غياب خطة الخلافة، ظهر تنافس وحشي بين أتباعه، الذين شكلوا فصائل متناحرة. وكانت النتيجة النهائية كارثية: حزب مدمر، وبلد مصدوم، ومجتمع فقير. في غضون ثلاث سنوات من وفاة ماو في عام 1976، كان إرثه في حالة خراب، وتولّى منافس سابق له إدارة الحزب، وتبنّى الحزب الشيوعي الصيني إصلاحات على أساس اعتبارات السوق التي كان ماو يبغضها بغضاً شديداً. إذاً، سيكون من المفيد لشي أن يركّز على النتائج.

حرب مفتوحة

بدأت الأمور في الانهيار بالنسبة إلى ماو بعد وقت قصير من مؤتمر عام 1969. في غضون عام، نشب صراع شرس على السلطة لخلافة الديكتاتور العجوز [ماو]، بين المجموعتين اللتين ساعدتاه في إطلاق الثورة الثقافية في عام 1966، أي الجيش بقيادة وزير الدفاع لين بياو، وعصابة الأربعة، وهي مجموعة من مروجي الدعاية للحزب برئاسة زوجة ماو، جيانغ كينغ، على رغم أن ماو كان قد اختار لين خليفةً له، إلا أنه أصبح مرتاباً بشكل متزايد بشأن سلطته وقرر الوقوف إلى جانب عصابة الأربعة بغية تحجيم فصيل لين.

أدت مناورات ماو السياسية إلى نتائج عكسية بشكل ملحوظ في سبتمبر (أيلول) 1971، عند تحطم واحتراق طائرة كانت تقل لين وعائلته في منغوليا، الذين زُعم أنهم كانوا يحاولون الفرار إلى الاتحاد السوفياتي بعد محاولة اغتيال فاشلة ضد ماو. وفقاً لطبيب ماو الشخصي، تدهورت صحة الديكتاتور البالغ من العمر 77 سنة بسرعة. من الناحية السياسية، لم يتعاف ماو قط لأنه لم يستطع أن يشرح للحزب كيف أنه اختار كخلف له رجلاً شريراً لدرجة أنه حاول اغتياله، كما أنّه لم يستطع العثور على مرشح مقبول آخر ليكون خليفة له. وفي عام 1974، اضطر إلى إعادة دينغ شياو بينغ، الذي سخر منه باعتباره "صاحب الطريق الرأسمالي" وطرده من الحزب في عام 1966، من أجل تسليمه إدارة الحكومة، ما مهد الطريق أمام دينغ لهندسة عودته السياسية، وتدمير جزء كبير من إرث ماو، بعد ثلاث سنوات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الواقع، قد تنتظر شي مخاطر مماثلة. على مدار العقد الماضي، قام بشكل منهجي بترقية زملائه المقربين الذين عملوا معه عندما خدم في مناصب حزبية إقليمية رفيعة المستوى في فوجيان وتشجيانغ وشنغهاي، بالإضافة إلى مسؤولين من شنشي، وهي مقاطعة أسلافه، حيث أمضى أكثر من أربعة سنوات من العمل في الأرض في حركة " الشباب الهابطين إلى الريف" [أو "حركة النزول إلى الريف" التي أطلقها "ماو" بهدف إرسال الشباب المثقفين من المدن إلى الحقول من أجل تعلم الزراعة] خلال الثورة الثقافية. من بين الأعضاء الستة الآخرين في اللجنة الدائمة للمكتب السياسي، كان لي كيانغ Li Qiang  (القائد الثاني والمرشح المستقبلي الذي قد يُكلّف بتولي رئاسة الوزراء) الذي استلم منصب مدير مكتب شي في تشجيانغ لمدة ثلاث سنوات (2004-2007). أما تساي تشي، العضو الذي يحتل المرتبة الخامسة في اللجنة الدائمة، فقد عمل تحت قيادة شي في كل من فوجيان وتشجيانغ. وهناك أيضاً دينغ شيويه شيانغ، المقرر أن يكون نائب رئيس مجلس الدولة التنفيذي [نائب رئيس الوزراء] وقد عمل لفترة وجيزة في عهد شي في شنغهاي في عام 2007 وكان مدير مكتب شي على مدار العقد الماضي. وينحدر كل من تشاو ليجي (العضو الذي يأتي في المرتبة الثالثة والرئيس المقبل للمؤتمر الشعبي الوطني) ولي شي (قيصر مكافحة الفساد في الحزب) من مقاطعة شنشي.

من وجهة نظر شي، من المنطقي تماماً ألا يضع خطة خلافة الآن. ومن شبه المؤكد أن تعيين خليفة في المؤتمر العشرين سيجعله زعيماً ضعيفاً تكاد ولايته تنتهي. لكن ما ينجح على المدى القصير قد يكلف شي والحزب غالياً. فهناك عدد من العوامل التي تجعل غياب خطة الخلافة أمراً محفوفاً بالمخاطر. على رغم أن الموالين لشي يدينون بمناصبهم له، إلا أنه لا يبدو أنهم يملكون روابط شخصية عميقة مع بعضهم البعض، إذ إنّ مساراتهم المهنية لم تلتقِ أو تتشابك. في عالم النخبة الصينية الهوبيزي [بالعودة إلى فلسفة توماس هوبز]، من المستحيل عملياً على كبار القادة تطوير علاقات شخصية عميقة إذا لم يعملوا معاً لفترة طويلة. وحقيقة أن شي يفضل ترقية زملائه الصغار السابقين هي دليل على أهمية الثقة التي يتم تكوينها من خلال التفاعلات الشخصية المباشرة. وقد يؤدي الافتقار إلى الثقة الشخصية بين هؤلاء الموالين إلى الانقسام وإثارة الخصومات.

في غضون ثلاث سنوات من وفاة ماو، تحول إرثه إلى أثر بعد عين

 

علاوة على ذلك، سيتمكن أتباع شي من تكوين فصائل خاصة بهم. باستثناء وانغ هونينغ، الأكاديمي السابق الذي شغل منصب كبير المنظرين الأيديولوجيين للحزب [كبير الباحثين في عقيدة الحزب] لما يقرب من ثلاثة عقود، فإن جميع الموالين لشي تقريباً في اللجنة الدائمة لديهم شبكات مؤيدين خاصة بهم بُنيت على مدار سنوات حين كانوا رؤساء محليين في الحزب. ويجب عليهم الاستمرار في ترقية مناصب مؤيديهم من أجل توسيع قاعدة قوتهم الخاصة. وتجدر الإشارة إلى أن نجاحهم في تعزيز شبكاتهم يعتمد بشكل حاسم على دعم شي. وفي النضال من أجل نيل حظوته، من شبه المؤكد أنهم سيتنافسون، لا بل من الممكن أن ينشأ نزاع بينهم. وفي الوقت نفسه، لن يكون تفويض السلطة سهلاً لأن عملية صنع القرار في عهد شي أصبحت شديدة المركزية. بالتالي، قد يتم الخلط بين التفويض والمحسوبية. ومن الممكن أن يؤدي إعطاء مزيد من السلطة لفصيل واحد أكثر من غيره إلى إثارة الغيرة والاستياء بين منافسيه.

ولا شك في أن مثل هذه المنافسة بين الفصائل يمكن أن تكون لمصلحة شي لأنه سيتمكّن من تحريض المجموعات على بعضها البعض. في الواقع، يستفيد شي من التوترات بين أتباعه لأن التنافس يجعلهم يعتمدون عليه في ضمان أمنهم. وعلى رغم ذلك، فإن الصراع المفتوح بين الفصائل من شأنه أن يجبر شي على الانحياز واختيار أحد الجانبين. وهذا قد يؤدي إلى عواقب أسوأ. في سياق متصل، تسببت الحرب بين الفصائل في السنوات الأخيرة من حكم ماو في اختلال وظيفي سياسي منهِك على مستوى القمة، وبلغت ذروتها في نهاية المطاف في نزاعات حياة أو موت، لم تتم تسويتها إلا من خلال انقلاب مدعوم من الجيش. في هذه المرحلة، يبدو أن الاختبار الحاسم الذي سيخضع له شي على المدى المتوسط سيكون الحفاظ على تماسك تكتله الجديد وتجنب صراع شرس على الخلافة بين الموالين له.

واستكمالاً، ستخلق سلطة شي مشكلات أخرى. على غرار كل الرجال الأقوياء، سوف يتذوق قريباً ما أطلق عليه عالم النفس داتشر كيلتنر "مفارقة السلطة". وأحد مظاهر هذه المفارقة هو العلاقة العكسية بين مقدار السلطة التي يجمعها الرجل القوي وإحساسه بالأمان: فكلما زادت السلطة التي يتمتع بها، قل شعوره بالأمان. في الأنظمة الاستبدادية، يكتسب الرجل القوي السلطة عادةً من خلال تدمير الخصوم، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى خلق أعداء حقودين مدى الحياة. كذلك، لا يتمتع الرجل القوي بحماية مؤسسية: كثيراً ما يتم استبعاد الحكام المستبدين من السلطة على يد أعضاء من داخل النظام نفسه، وليس من خلال الإجراءات السياسية العادية.

وعلى رغم عدم وجود ما يشير إلى أن النخب المتنافسة تتآمر ضد شي، فمن غير المرجح أن تهدّئ سلطته الهائلة خوفه من تآمر الأعداء، سواء كانوا حقيقيين أو من نسج خياله. وقد يؤدي انعدام الأمن هذا إلى نشوب صراع شرس بين القيادات العليا في الحزب. في سنواته الأخيرة، عمد ماو المرتاب بشكل يستعصي شفاؤه إلى طرد لين ودينغ وأطلق حملة لتشويه سمعة شو إن لاي، الذي اعتُبر أكثر أتباعه خضوعاً ربما. على ما يبدو كان ماو يخشى أن يكتسب شو قوة كبيرة بعد سقوط لين. 

رجل ليس قوياً كفاية

تكون سلطة الرجل القوي محدودة دائماً. في الأوتوقراطية الأوليغارشية، نادراً ما تمتد سلطته إلى ما وراء الدائرة الداخلية للنخب العليا. في الحالة الصينية، ربما يعني ذلك أعضاء اللجنة المركزية (205 كاملي العضوية و 171 عضواً مناوباً). ومن أجل تحفيز مَن هم خارج هذه الدائرة وإلهامهم، سيتعين على شي الاعتماد على أدوات أخرى، على غرار الجاذبية الأيديولوجية والكاريزما الشخصية (وهما صفتان تميّز بهما ماو بشدة) أو تفويض السلطة للمرؤوسين البارعين (وهذا تخصص دينغ).

لكن على رغم استثمارات الحزب الضخمة في إعادة إحياء الفكر الشيوعي المتشدد في السنوات الأخيرة، فقدَ مثل هذا التفكير جاذبيته. وعلى رغم أن شي قد يحظى بشعبية بين المواطنين الصينيين العاديين، إلا أنه كزعيم لا يتمتع بنفس جاذبية ماو. والبديل الوحيد الذي وجده شي للأيديولوجيا والكاريزما هو القومية. بيد أنّ السجل الحافل للقومية الصينية باعتبارها أداة تحفيز لا يُعتبر واعداً، وفي السنوات الأخيرة، يبدو أنه لم ينجز سوى القليل بخلاف تأجيج رهاب الأجانب. 

في الواقع، سيشعر شي بشكل متزايد بالفائدة المحدودة لسلطته. في أغلب الأحوال، قد يكون نوع القوة التي حصل عليها في المؤتمر العشرين أمراً حاسماً من أجل تحديد تركيبة النخب في القمة وردع التحديات التي تواجه سلطته. لكن هذه القوة قليلة الفائدة في تنفيذ السياسات العزيزة على قلبه، مثل مشروع "الرخاء المشترك" القائم على المساواة، والاكتفاء الذاتي في مجال التكنولوجيا، والأمن الاقتصادي الأكبر، والنمو المستدام. ويتطلب تحقيق هذه الأهداف تعاوناً بين أعضاء بيروقراطية الحزب الواسعة، والأهم من ذلك، مئات الملايين من العمال ورواد الأعمال والمهنيين الذين تحركهم إلى حد كبير المصلحة الذاتية، وليس الولاء للرجل في القمة. من الناحية العملية، من المرجح أن يؤدي هذا المظهر الذي تتجلى فيه مفارقة السلطة إلى إحباط أجندة شي الطموحة الموجهة نحو الأمن. وقد يجد دائماً أن سياسته لا ترقى إلى مستوى التوقعات على رغم صلاحياته الشخصية التي لا نقاش فيها.

واستطراداً، يجب على الرجال الأقوياء الذين لا يستطيعون تحقيق نتائج مبهرة أن ينتبهوا بشكل خاص إلى صراعات الفصائل والخلافة. لقد فشل ماو في تجنب كليهما، وأدى عجزه عن توحيد تكتله بعد عام 1969 إلى إفساد خطط الخلافة التي وضعها، وتوفي من دون وجود خليفة حقيقي له. في المقابل، لم يكن سجل دينغ في التعامل مع أمور الخلافة خالياً من الشوائب، بيد أنّه قام بذلك بصورة أفضل بكثير مقارنة مع ماو، إذ إنّه بعد طرد اثنين من القادة الليبراليين في ثمانينيات القرن الماضي، تمكن من إنقاذ إرثه من خلال اختيار حذر لاثنين من التكنوقراطيين، أولاً "جيانغ زيمين" ثم "هو جينتاو"، لتولي المناصب العليا في الحزب. وقد أكملا مشروع "الإصلاح والانفتاح" الذي بدأه دينغ، وإن كان بوتيرة غير منتظمة، لمدة عقدين، إلى أن وصل شي إلى السلطة. والجدير بالذكر أن قدرة دينغ على ترجمة سلطته إلى نجاح اقتصادي ساعدت في الحفاظ على إرثه، الذي بقي جزء كبير منه على حاله على رغم التغييرات التي اعتمدها شي في المسارات السياسية خلال العقد الماضي. 

وبصفته طالباً مهتماً بالتاريخ، يجب أن يكون شي على دراية بإخفاقات ماو بعد تحقيق الهيمنة في عام 1969 ونجاح دينغ على رغم اضطراره إلى تقاسم السلطة مع زملائه الثوريين البارزين في الثمانينات. ومن المستحيل معرفة الدروس التي قد يستخلصها شي من هذين المثالين المتناقضين. لكن عليه أن يأخذ في الاعتبار إمكانية أن تكون الهيمنة السياسية نقمة في ثوب نعمة. وعوضاً عن السماح له بقيادة حزبه وبلده خلال الأوقات العصيبة، في وقت يمكن للسلطة غير المقيدة بأي عقال أن تولد صراعاً داخلياً وتعيق الحكم الفعال.

لذا، بالنسبة إلى شي، فإن الفوز بمعركة حاسمة في المؤتمر العشرين للحزب لا يضمن قطعاً انتصاراته المستقبلية. في الواقع، عليه أن يلقي نظرة على نكسات ماو في سنواته الأخيرة للتأكد من أنه لا يشبهه بأوجه شتى.

* مينكسين بي هو أستاذ دراسات حكومية في بريتزكر ’72 في معهد توم ومارغوت بكلية كليرمونت ماكينا

مترجم من فورين أفيرز، نوفمبر (تشرين الثاني) 2022

المزيد من آراء