Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعاظم سلطة شي جينبينغ في الصين

عندما وصل شي جينبينغ  إلى السلطة عام 2012 لم يكن من الواضح أي نوع من القادة سيكون

حملة مكافحة الفساد كانت إحدى سياسات شي المميزة التي حظيت بشعبية لدى الجمهور ومكنته بسهولة من تهميش بقية منافسيه المحتملين (أ ب)

عندما وصل شي جينبينغ إلى السلطة عام 2012، لم يكن من الواضح أي نوع من القادة سيكون.

خلال صعوده المطرد ولفترة طويلة عبر صفوف الحزب الشيوعي الحاكم، لم تلمح شخصيته المتواضعة الإمكانات إلى أنه سيرتقي يوماً ليغدو واحداً من أكثر القادة هيمنة في الصين الحديثة أو أنه سيضع البلد الصاعد اقتصادياً وعسكرياً على مسار تصادم مع النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من المؤكد تماماً أن شي سيظفر بولاية ثالثة مدتها خمسة أعوام في زعامة الحزب في نهاية مؤتمر حزبي كبير كان قد افتتح، اليوم الأحد، وهو ما يعد تعارضاً مع العرف غير الرسمي لفترة الولايتين التي كان أسلافه قد اتبعوها في الحقبة الأخيرة. لكن الشيء غير المعلوم هنا هو إلى متى سيبقى في السلطة وما الذي سيعنيه ذلك للصين والعالم.

"أرى شي يشق طريقه في المؤتمر العشرين على الأغلب"، يقول مدير معهد الصين في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن ستيف تسانغ مضيفاً: "المسألة تتعلق بمدى القوة التي سيخرج بها من هذا المؤتمر، إلا أن من المحتم أنه لن يخرج أضعف".

لقد نجح شي بالفعل على مدار الأعوام العشرة الماضية في مراكمة السلطة وتركيزها في يده على نحو يتجاوز بشكل كبير أسلافه المباشرين، هو جين تاو وجيانغ زيمين، بل حتى منافسة زعيمي الحزب الشيوعي المهيمنين الآخرين ماو تسي تونغ الذي قاد البلاد حتى وفاته عام 1976، ودنغ شياو بينغ الذي قاد الصين عام 1978 في رحلة صعودها من الفقر إلى ثاني أضخم اقتصاد على مستوى العالم.

حملة مكافحة الفساد كانت إحدى سياسات شي المميزة التي حظيت بشعبية لدى الجمهور ومكنته بسهولة من تهميش بقية منافسيه المحتملين. حتى إن أحكاماً بالإعدام مع وقف التنفيذ كانت صدرت في الشهر الماضي بحق وزير سابق للعدل ونائب سابق لوزير الأمن العام.

تسانغ أكد أن حملة مكافحة الفساد المستمرة هذه تظهر أن "أي شخص يقف في طريقه سيسحق".

ينحدر شي، البالغ من العمر 69 سنة، من خلفية ملائمة للصعود إلى القمة. فلقد حظي بالامتيازات في بدايات شبابه في بكين باعتباره ابن شي تشونغسون، نائب رئيس الوزراء السابق وأحد قادة الفدائيين في الحرب الأهلية التي جلبت الشيوعيين الماويين إلى السلطة عام 1949.

إلا أن أسرته أصبحت من المغضوب عليها في فترة التقلب في ظل حكم ماو خلال الفوضى التي سادت الثورة الثقافية 1966-1976 والتي شهدت نفي المثقفين إلى الريف وإخضاع كثيرين للإذلال العلني والضرب الوحشي تحت مسمى الصراع الطبقي.

حتى إن والده سجن وأرسل وهو في عمر الـ15 سنة للعيش في قرية ريفية فقيرة في مقاطعة شانكسي عام 1969 في سياق حملة ماو لتثقيف شباب المناطق الحضرية بالتعلم من الفلاحين، وأسوة بالقرويين الآخرين عاش شي في كوخ منحوت في جبال المنطقة.

ويقال إن التجربة قوّت عود شي ومكنته من فهم نضالات سكان الريف، حيث بقي هناك لمدة ستة أعوام إلى أن حصل على منحة دراسية من جامعة تسينغهوا المرموقة في بكين التي يتوق إليها كثيرون.

 

"تشحذ السكاكين على الحجر ويصقل الناس بالمشقة"  مقولة كان ذكرها شي لمجلة صينية عام 2001 مضيفاً: "في كل وقت كنت أواجه المشكلات بعدها، كنت أفكر كم كانت الأمور صعبة في السابق، بالتالي كانت جميع الصعاب تهون في نفسي".

وبعد إتمام دراسته الجامعية أخذ شي يرتقي سلم المناصب البيروقراطية فقضى ثلاث سنوات في وزارة الدفاع ومن ثم أصبح سكرتيراً للحزب في مقاطعة جنوب بكين قبل أن يقضي 17 عاماً في مقاطعة فوجيان بدءاً من منصب نائب عمدة مدينة شيامن عام 1985 متدرجاً عبر سلسلة من المناصب وصولاً إلى منصب حاكم المقاطعة عام 2000.

انهار زواج شي الأول بعد ثلاث سنوات، وعام 1987 تزوج بينغ ليوان زوجته الحالية وهي مغنية معروفة وموظفة في فرقة الأغاني والرقص التابعة لجيش التحرير الشعبي، ولدى الزوجين ابنة واحدة هي شي مينغزي التي درست في جامعة هارفارد وليس لها أي دور في السياسة الصينية.

ويتذكر الصحافي ألفريد وو المتخصص في تغطية شؤون شي لوسائل الإعلام الحكومية الصينية في فوجيان قائلاً إن شي كان شخصية متواضعة الإمكانات ولم يكن حازماً على النحو الذي يجعله زعيماً وطنياً.

ويقول وو، وهو الآن أستاذ مشارك في السياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية: "في الوقت الحاضر يختلف شي جينبينغ  تماماً عن شي جينبينغ  الذي كان حاكم مقاطعة".

نقل شي إلى مقاطعة تشيجيانغ المجاورة عام 2002 حيث أصبح سكرتيراً للحزب هناك لأكثر من أربع سنوات وهو المنصب الأعلى الذي يفوق رتبة حاكم المقاطعة. بعد ذلك عيّن لفترة وجيزة سكرتيراً للحزب في شنغهاي المجاورة عام 2007 بعد أن سقط سلفه في فضيحة فساد.

خلال فترة عمله في فوجيان وتشيجيانغ وشنغهاي كان ينظر إلى شي في المقام الأول على أنه براغماتي لم يقدم مقترحات جريئة ولكنه دعم بشكل عام الإصلاحات الاقتصادية التي بدأها دينغ واستفادت منها على وجه الخصوص المناطق الساحلية مثل تلك المقاطعات الثلاث.

كما عارض الفساد حين كان حاكماً في فوجيان بعد فضيحة تهريب كبيرة، وهو ما قد بدا مؤشراً إلى الحملة الوطنية التي جاءت بعد صعوده إلى قمة السلطة.

دفع شي إلى القيادة الوطنية عام 2007، وذلك عندما انضم إلى اللجنة الدائمة قوية النفوذ التابعة للمكتب السياسي للحزب الشيوعي تمهيداً لتعيينه في أعلى المناصب في المؤتمر المقبل عام 2012.

سيطر شي بعدها على الجوانب الاقتصادية والعسكرية وجرى تكريس اسمه في دستور الحزب إلى جانب ماو من خلال الإشارة إلى أيديولوجيته التي صارت تعرف باسم فكر شي جينبينغ.

وتتسم هذه الأيديولوجيا بالغموض إلا أنها تؤكد إحياء مهمة الحزب قائداً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً للصين ودوره المركزي في تحقيق هدف "التجديد الوطني" وإعادة البلاد إلى مكانة بارزة في العالم.

وزادت حكومة شي من دور القطاع الصناعي الحكومي في وقت أطلقت حملات مكافحة الاحتكار وأمن البيانات على شركات القطاع الخاص المزدهرة بما في ذلك مجموعة "علي بابا" Alibaba Group العملاقة للتجارة الإلكترونية وشركة "تينسنت" Tencent القابضة، مالكة خدمة المراسلة الشهيرة "وي تشات" WeChat.

كذلك نجح شي في إحياء شعار "الرخاء المشترك" الذي يعود أصله إلى بروباغندا خمسينيات القرن الـ20 في إشارة إلى الفجوة المتنامية بين الأغنياء والفقراء، ولو أنه من غير الواضح ما إذا كانت الحكومة تخطط لأي مبادرات كبرى لمعالجة هذه الفجوة.

ومع ترهل الاقتصاد عقب قيود جائحة كورونا وتصدي الحكومة للديون العقارية المتصاعدة، يزداد القلق من أن شي يخطط للتحول عن استراتيجية دينغ "الإصلاح والانفتاح" التي حققت أربعة عقود من النمو.

وينظر وو إلى شي باعتباره أحد تلاميذ ماو المتمردين ضد دينغ الذي سمح للقطاع الخاص بالازدهار وسعى إلى إقامة علاقات إيجابية مع الغرب. ويقول وو: "إنه معاد للولايات المتحدة ومعاد للغرب".

ينبع نهج شي الأكثر تصادمية من الاعتقاد بأن الوقت حان لصين أقوى للعب دور أكبر في الشؤون الدولية والوقوف في وجه الضغط الخارجي.

شي لم يتوان أيضاً عن استفزاز اليابان والهند وجيران آسيويين آخرين من خلال الضغوط المطالبة بالجزر المتنازع عليها في بحري الصين الجنوبي والشرقي، والأراضي المرتفعة في جبال الهيمالايا. كما عمل على تصعيد الضغوط العسكرية والدبلوماسية على تايوان، الجزيرة ذات الحكم الديمقراطي التي يقول الحزب الشيوعي إنها جزء من الصين.

 

أما في شأن العلاقات مع الولايات المتحدة، فتراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ قيام العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام 1979 وسط إبقاء إدارة بايدن على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب ومنع وصول الصين إلى التقنيات الأميركية المهمة.

وبالنظر إلى النظام السياسي الغامض في الصين والسيطرة على وسائل الإعلام، يظل من الصعب معرفة ما إذا كان أي شخص في قيادة الحزب يعتقد بأن شي يقود البلاد في الاتجاه الخاطئ.

وقال الخبير في السياسة الصينية في الجامعة الأميركية في واشنطن جوزيف توريغيان: "ليست لدينا أي فكرة عما إذا كان السياسيون في قمة السلطة يعتقدون بأن أداء شي جينبينغ ضعيف أو لا".

وفي داخل الصين، عمل الحزب الشيوعي تحت حكم شي على زيادة الرقابة وتشديد القبضة المحكمة أصلاً على الخطاب والإعلام وفرض مزيد من الإجراءات الصارمة على المعارضة وفرض الرقابة حتى على وجهات النظر الانتقادية المعتدلة وسجن أولئك الذين يعتقد بتجاوزهم لما هو مسموح.

كما احتجزت السلطات الصينية ما يقدر بمليون أو أكثر من أفراد الجماعات العرقية ذات الغالبية المسلمة في منطقة شينجيانغ الصينية في حملة قاسية ضد التطرف وصفتها الولايات المتحدة بالإبادة الجماعية. وفي هونغ كونغ، ردت حكومة شي على احتجاجات واسعة النطاق بقانون أمن وطني صارم قضى على المعارضة السياسية وغيّر طبيعة المدينة التي كانت حرة ذات يوم.

كما يواجه شي تحدياً لسياسات حكومته القاسية المتمثلة في "صفر كوفيد " التي تسببت في خسائر اقتصادية وبشرية، إذ قامت مجموعات صغيرة من السكان بتنظيم احتجاجات خلال إغلاق دام شهرين في شنغهاي في وقت سابق من هذا العام.

وفي احتجاج سياسي نادر علق أحد الأشخاص لافتات من أعلى طريق سريع في بكين هذا الأسبوع تدعو إلى الحرية وليس الإغلاق وتحث العمال والطلاب على بدء إضرابات لإجبار شي على مغادرة السلطة. وأزيلت تلك اللافتات على وجه السرعة وانتشرت الشرطة وجرى محو أي ذكر للحادثة بسرعة من الإنترنت.

والتزمت الحكومة هذه السياسة التي كان ينظر إليها سابقاً على أنها سياسة ناجحة نظراً إلى أن "كوفيد-19" دمر أجزاء أخرى من العالم. وعلى رغم وجود استياء محتدم، بخاصة أن الحياة تعود إلى طبيعتها في بقية أنحاء العالم، إلا أن معظم الناس لا يجرؤون على التحدث.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من دوليات