يبدو أن الزيارة الأخيرة لمبعوث الأمم المُتحدة غير بيدرسون إلى سوريا، الخميس 11 يوليو (تموز)، قد فتحت أفقاً ما أمام ملف اللجنة الدستورية السورية، لتكون رافعة وأداة لإيجاد مصالحة وحل سياسي ما للمسألة السورية. فقد أُعلن عن تأسيس هذه اللجنة في 31 يناير (كانون ثاني) 2019 في اجتماعات أستانة التي تضم روسيا وتركيا وإيران، لكنها لم تشكّل بعد.
وفيما اتفق على أن تضم اللجنة 150 عضواً، اتفق أن تكوّنها ثلاثة أطراف بشكل متوازن، ثُلث (50 عضواً) لكل من النظام والمعارضة، وتختار الأمم المُتحدة الثلث الأخير من الخبراء والمجتمع المدني. واللجنة بمثابة برلمان سيقر الدستور.
عراقيل النظام
حاول النظام السوري طوال الفترة الماضية وضع العراقيل أمام الثلث الخاص بالأمم المتحدة، وكان مقترحه الوحيد أن يختار هو ثلث الفئة الثالثة التي من المفترض أن تكون من حصة الأمم المتحدة، وإذا حقق ذلك يكون قد سيطر عملياً على اللجنة. لكن في نهاية المطاف. وبعد إجبار النظام السوري للموافقة على أغلبية الأسماء المقترحة من الأمم المُتحدة، فإن ستة منها بقيت عالقة بين الطرفين، وأصر النظام السوري على أن يرشح هو أربعة منهم، وأن يبقى للمبعوث الأممي حق ترشيح الاثنين الآخرين، وهو ما تحول إلى عقدة منذ شهور.
الأمر نفسه كان ينطبق على رئاسة اللجنة، إذ أصر النظام السوري على أن تكون اللجنة برئاسة شخصية من ترشيحه، لأنه الجهة السيادية على الأرض.
موافقة
ظلت المعارضة السورية، عبر الهيئة السورية العليا للمفاوضات، ترفض مقترحات النظام، إلى أن ضغطت روسيا على النظام السوري للموافقة على حلول وسط في شأن هذين التفصيلين، اللذين يبدو أن بيدرسون قد استطاع تجاوزهما خلال اجتماعاته الأخيرة في العاصمة السورية دمشق، والتي غادرها الخميس 11 يوليو، ويلتقي الجمعة 12 يوليو، في إسطنبول، هيئة التفاوض السورية العليا المعارضة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت مصادر سياسية من المعارضة السورية وذات اطلاع لـ "اندبندنت عربية" إن بيدرسون حصل على موافقة من النظام السوري لأن يكون ترشيح الأسماء الستة الباقية من قائمة الثلث الخاص بحصة الأمم المتحدة مناصفة بينه وبين الأمم المتحدة، بحيث يكون لكل طرف الحق في ترشيح ثلاثة أعضاء. كذلك فإن النظام السوري قد وافق على مبدأ الرئاسة المشتركة لهذه اللجنة، والصلاحيات المتساوية بين الرئيسين.
أضافت المصادر أن بيدرسون ناقش في دمشق موضوع آليات عملية التصويت داخل هذه اللجنة، حيث يحاول النظام أن يوسع قدر الإمكان تكبير قاعدة المصوتين على أي قرارات داخل اللجنة، لخلق أكبر قدر ممكن من العرقلة.
اجتماعان ممهدان
وكشفت مصادر لـ "اندبندنت عربية" أن النتائج التي حصل عليها بيدرسون في زيارته إلى دمشق أتت من مباحثاته المطولة في العاصمة الروسية موسكو، خلال زيارته لها، في 4 و5 يوليو.
فهناك، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لبيدرسون تفكيك تعنّت النظام السوري. وهو ما دفع المبعوث الدولي إلى زيارة دمشق.
اجتماعات بيدرسون الروسية جاءت بعد أسبوع من الاجتماع الثنائي الذي عقده الرئيسان الأميركي دونالد ترمب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، على هامش قمة العشرين في مدينة أوساكا اليابانية في 28 يونيو (حزيران)، وقد بحثا في ملفات أوكرانيا وفنزويلا وسوريا، إلى جانب ملفَي إيران والأسلحة النووية.
عاملان فاعلان
يبدون أن النِظام السوري قد استهلك أداوته وأوراقه كافة لتعطيل تشكيل اللجنة الدستورية. لكن المراقبين يُشيرون إلى عاملين ميدانيين شديدي التأثير في قدرة النظام السوري في هذا الخصوص. ومجرياتهما ليست في مصلحة النظام، وهما:
جولة القتال الأخيرة التي بدأها النظام السوري في منطقة إدلب، والتي كان يسعى من وراء نصر سريع فيها، إلى تجاوز الضغوط والمساعي في المسار السياسي عبر النصر العسكري. لكن الأمور جرت بعكس ما خطط النظام السوري له. فلم يُحرز أي تقدم حقيقي على الأرض، سوى حملات القصف الجوي المتواصلة على مناطق المدنيين الخارجة عن سيطرته. وهو ما استدعى شجباً وضغوطاً دولية على موسكو لتضع حداً لدعمها الكامل للنِظام السوري.
كذلك فإن الساحة السورية شهدت تراجعاً لنفوذ إيران لمصلحة روسيا، كان مشهد التغيرات الأمنية الأخيرة شاهداً عليها. فإيران كانت تحثّ النظام على عدم الدخول في أي مساومة سياسية مع المعارضة السورية، وأن يكون النصر العسكري التام السبيل الوحيد لإنهاء المسألة السورية.