الجرأة هي السمة الغالبة على السينما التونسية، وفي فيلم "حرقة" كانت هناك رسائل صريحة ضد الظلم وانتهاك المواطن البسيط، قدمها ببراعة المخرج المصري - الأميركي لطفي ناثان، ولعب الممثل التونسي الشاب آدم بيسا دور "علي" الشاب المقهور الذي يجد نفسه فجأةً مسؤولاً عن شقيقتيه الصغيرتين بعد وفاة والده الذي ترك له تركة هائلة من الديون، ويحاول الشاب بيع الغاز، لكنه يواجه سلسلة من الفساد متجسدة في الإتاوات والتعنت ضد حصول الفقير على لقمة العيش. وفي النهاية، وبعد محاولات كثيرة لمواجهة الظلم، لا يجد مفراً من حرق نفسه أمام الجميع اعتراضاً على ما يتعرض له الفقير المعدم، وفي مشهد مأسوي يدمي القلوب يحترق الشاب وسط الشارع ولا يحرك أي شخص ساكناً في إشارة واضحة لعدم القدرة على الاعتراض أو حتى الصراخ.
والفيلم يدور بعد 10 سنوات من وفاة الشاب التونسي محمد بوعزيزي الذي أحرق نفسه بعد صدام سيطر فيه الظلم من قبل الشرطة والمسؤولين في تونس، ليشير بكل شفافية لعدم جدوى الثورة أو الحديث عن التغيير وتسيد الاستسلام من الناس المتعايشة مع منظومة الفساد.
وعرض الفيلم في مهرجان "كان" السينمائي بنسخته الأخيرة في قسم "نظرة ما"، وحصل آدم بيسا على جائزة أفضل ممثل، وكذلك أحدث الفيلم ردود فعل كبيرة أثناء عرضه في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بدورته الثانية، ليحصل آدم كذلك على جائزة أفضل ممثل.
محاربة الفساد
التقت "اندبندنت عربية" آدم بيسا، حيث تحدث عن مشاركته بالعمل وردود الفعل، ورسالته، والتعاون مع مخرج غير تونسي في ما يخص قضايا تونسية ملتهبة لها علاقة بالمواطن البسيط.
وقال بيسا إنه سعيد بمشاركته في مهرجان البحر الأحمر السينمائي وزيارته السعودية، وانتابته فرحة غير عادية من الاستنارة والتلقي والحفاوة التي قابل بها الجمهور العربي والسعودي والعالمي الفيلم على رغم تعبيره عن شأن تونسي داخلي، لكنه يمس كل عربي مهموم بالتغيير ومحاربة الفساد.
وأضاف بيسا أنه لم يدهش من التفاعل الكبير لكون الفيلم إنسانياً من الدرجة الأولى ويعالج قضية محلية يرى فيها المواطن العربي نفسه جزءاً منها. وتابع، "لا تحتاج المشاعر الصادقة إلى وسيط، ولا تجد عقبة في الوصول إلى القلوب والعقول طالما القضية حقيقية وواقعية وتوضح ظلماً يعرفه الجميع وتناقش فساداً يحتاج إلى وقفة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال الممثل التونسي إنه أحب التمثيل منذ صغره على رغم أنه لم يدرسه بشكل أكاديمي، لكنه قرأ كثيراً عنه وتدرب على يد متخصصين، حتى ترشح لأفلام عدة، كان منها فيلم "حرقة"، مشيراً إلى أن مخرج الفيلم لم يلتقه في البداية وجهاً لوجه، لكنه قابله عبر تطبيق "زووم"، وكان ذلك وقت تفشي فيروس كورونا، وتم التحضير للفيلم والتصوير خلال أشهر قليلة بعد اقتناع المخرج به.
وأضاف آدم أنه تفاعل كثيراً مع القصة ومعاناة الشاب الفقير بائع الغاز الذي يعاني الأمرين في الحصول على لقمة عيشه ومواجهة الفقر من جهة، والفساد والظلم من جهات أخرى.
مستوحى من بوعزيزي
وأوضح أن الفيلم بالفعل مستوحى من قصة بوعزيزي مفجر الثورة التونسية، ولم يخش أن يقدم فيلماً به هذه الجرعة السياسية الضخمة والتي تحمل مواجهة قوية واتهاماً لا يقبل المناقشة لكل الفاسدين، وقال، "لم أخش تقديم فيلم بهذه الجرأة، فالفنان صوت من لا صوت له، ولا يمكن أن يتخلى عن قضايا وطنه ومواطنيه، ولعل الفيلم رسالة تؤكد استمرار الفساد واحتياج الجميع للوقوف في وجهه، ويكفي أن نعرف أن هناك أكثر من 100 شاب تونسي حرق نفسه بعد بوعزيزي".
رؤية محايدة
وعن عمله مع المخرج المصري - الأميركي لطفي ناثان وكونه غير تونسي ما قد يراه البعض بعيداً من قضايا المجتمع، قال، "بالعكس، مثل ذلك الشخص ينظر بشكل شامل ويقدم رؤية صريحة ومحايدة وعادلة، وهو أبرز ما يميز مخرج الفيلم، فالرؤية الخارجية قد تكون الأفضل لأنه رأى من بعيد كل شيء واستطاع التعبير بحيادية وشفافية وبشكل فني رائع أعجب كل من شاهد الفيلم. وهو صاحب رؤية رائعة وموهوب".
ويرى بيسا أن دور الفن هو تغيير المجتمع قائلاً، "تحمست جداً عندما قابلت مخرجة مصرية أوضحت لي أن هناك فيلماً غير القانون في مصر وهو فيلم (أريد حلاً)، ولهذا فالفن ليس دوره فقط الترفيه، لكن طرح القضايا ومحاولة التغيير وشحن الوعي الخاص بالمواطنين والتعبير عن القضايا الإنسانية".
قسوة النهاية
وعن قسوة مشهد النهاية كشف بيسا عن أن الشاب حرق نفسه ولم يتحرك الناس، وهذا قد يصدر فكرة عدم وجود أمل من الصراخ في هذه الفترة، واستمرارية الظلم واستشرائه بشكل أكبر حتى من فكرة الاعتراض الفردي مهما كان قاسياً وموجعاً.
ونبه أنه يحب تقديم الشخصيات المؤثرة والملهمة التي تمس الناس. وقال إنه ابن الثورة والقومية العربية، وتعايش مع الشخصية بشكل فعلي وتلاحم مع الناس أشهر عدة قبل تصوير الفيلم.
وكشف آدم عن أن الفيلم حقق رد فعل عالمياً خلال عرضه في مهرجانات عالمية وشعر الناس بمأساة الشخص العربي.
سعداء والموصل
وحول مشواره الفني بالسينما العالمية والعربية كشف بيسا عن أنه قدم فيلم "سعداء" مع المخرجة الجزائرية صوفيا جاما، وهو فيلم فرنسي - جزائري أنتج عام 2017، ومن بطولة كل من سامي بوعجيلة ولينا خضري وفوزي بنسعيدي ونادية قاسي وأمين لنصاري. وتجري أحداث الفيلم في الجزائر بعد سنوات على انتهاء الحرب الأهلية، وعرض الفيلم بمهرجانات عالمية، وحصل على كثير من الجوائز، وبعدها تعرف عليه بعض صناع السينما العالمية وقدم فيلم "الموصل"، وهو فيلم أكشن أميركي من إخراج ماتيو مايكل كارنهان وبطولة سهيل دباش وإسحق إلياس، وتم عرضه يوم 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 على منصة "نتفليكس".
وفيلم "الموصل" مقتبس من تحقيق صحافي نشر بإحدى الصحف الأميركية، عن عناصر من قوات الشرطة العراقية يقررون الانشقاق عن مهامهم ومقاتلة تنظيم "داعش" الإرهابي، ويأتي كل ذلك في صراع من أجل إنقاذ مدينتهم الموصل من بطش عناصر التنظيم.
ثم قدم فيلم "ثور" وجسد دور رئيس مع النجم العالمي كريس هيمسورث، ولم يقدم دور غير عربي، بل شخصية عادية، ورفض في البداية أن ينحصر في دور عربي أو إرهابي. وأشار إلى أن نظرة الغرب للممثل العربي اختلفت كثيراً ويرون أنه قادم بقوة، وهو الذي سيخلف الممثل الأميركي والإيطالي قريباً جداً.