Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحقق "زراعة الصحراء" الأمن الغذائي للجزائر؟

إنتاج وفير للخضراوات والفواكه ومخاوف من تحول الجنوب إلى حقل تجارب يستنزف المياه الجوفية

نجاح الفلاحة في الصحراء شجع الشباب والمستثمرين الجزائرين على الانتقال إلى الجنوب   (الإذاعة الجزائرية)

أسهم الإنتاج الوفير للخضراوات والفواكه الذي تم الحصول عليه من الأراضي الصحراوية بجنوب الجزائر في تغيير السياسات الحكومية المتعلقة بالاقتصاد، وخصوصاً في جانبه الفلاحي.

وكانت الأراضي الصحراوية بجنوب الجزائر إلى وقت قريب رمز الحرارة والجفاف، ومصدر دخل للبلاد من خلال حقول النفط والغاز.

ووضع النشاط الزراعي بمختلف المناطق الصحراوية السلطات أمام الأمر الواقع، بعد أن تمسكت منذ فجر الاستقلال بـ"عقم" الجنوب زراعياً، وفضلت الاهتمام بأراضي الشمال لضمان قوت الجزائريين.

وعلى الرغم من محاولات سابقة لاستصلاح مئات الآلاف من الهكتارات، وتشجيع الشباب والفلاحين على الانتقال إلى الجنوب، فإنه لم يتحقق المرجو بسبب السياسات، التي وضعتها مختلف الحكومات.

لكن أخيراً نجح العديد من الشباب بإمكاناتهم الخاصة في الحصول على نتائج إيجابية كشفت "سوء" تقدير المسؤولين، بعد أن حولوا الكثبان الرملية إلى حقول لزراعة الخضراوات والفواكه، الموسمية منها والمبكرة.

دعم الدولة

أستاذ الاقتصاد، كمال بن علي، قال في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن النهوض بهذا القطاع الاستراتيجي في الصحراء يحتاج إلى دعم من الدولة. وأشار إلى ضرورة تزويد هذه المناطق بالكهرباء، وشق الطرق، وتخفيف الإجراءات البيروقراطية للاستثمار، سواء ما تعلق باستصلاح الأراضي أو إقامة مصانع تحويل الإنتاج الزراعي، وفتح أبواب التصدير، وتشجيع الشباب على الانتقال إلى الجنوب من خلال تقديم التحفيزات والامتيازات والإمكانات.

وأضاف بن علي أن التجارب أثبتت أنه يمكن زراعة كل المنتجات الفلاحية في الصحراء، وبجودة عالية في ظل عدم الاعتماد على المواد والأسمدة الكيماوية بشكل واسع، ما يمنحها صفة المنتجات العضوية.

وشدد على أنه حان الوقت لأن تلتفت السلطات إلى هذه المناطق التي عانت التهميش، وجعلها مناطق للحياة الكريمة ولخلق الثروة، مؤكداً ضرورة إجراء جرد دقيق للأراضي الزراعية والموارد المائية الجوفية ونوعيتها، من أجل وضع سياسات مشجعة تضمن تحقيق الأمن الغذائي.

الاكتفاء الغذائي

بدوره، يشدد أستاذ العلوم السياسية، صادق حنة نور الدين، على ضرورة أن تتحول الفلاحة إلى محرك حقيقي للنمو الاقتصادي من خلال رفع الإنتاج. ويرى أن هناك إمكانات استثمار كبيرة في الجنوب أمام توفر المياه السطحية والجوفية والمساحات الصحراوية الشاسعة، التي يمكن سقي مليوني هكتار منها.

وأشار نور الدين إلى أن أهداف السياسات الفلاحية العمومية في جنوب البلاد تستهدف الرفع من الإنتاجية، وتحسين مستوى معيشة السكان، وتطوير القطاع الفلاحي.

بالمقابل، يرى الباحث في الشؤون الزراعية، رضا لعويسي، أنه من الصعب إقناع الجزائري بالاستثمار في الصحراء لعوامل منطقية متعلقة بالأموال الضخمة التي يتطلبها. وأوضح أن المنتجات الزراعية الاستراتيجية يجب أن تكون من أولويات الدولة لضمان الأمن الغذائي، وقال "لو تتوفر الإرادة الحقيقية فإن الجزائر بإمكانها ضمان الاكتفاء الغذائي في غضون أربع أو خمس سنوات".

وقال لعويسي إن هذه "الإرادة تعتمد على السلسلة الزراعية المتكاملة التي تقوم على إنتاج زراعي بمقاييس عالمية في الصحراء، يأخذ في الحسبان الميكنة والتوجه نحو الصناعات التحويلية وحل المشكلات المرتبطة بالتخزين والنقل والدمج بين تربية الحيوانات والمنتجات الاستراتيجية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

التجاوب الحكومي

وأعلنت وزارة الفلاحة عن الشروع في إنتاج مادتي السكر والزيت وتجريب زراعة القطن في الصحراء، في مشروع يمتد على مساحة 11 ألف هكتار. وأشار المدير العام لديوان الحبوب، محمد بلعبيدي، خلال جلسة استماع نظمت من طرف لجنة الفلاحة والصيد البحري والبيئة بالبرلمان، إلى ضرورة تشجيع زراعة الحبوب في الجنوب، لا سيما شعبة القمح، من خلال جلب المستثمرين نحو هذه المناطق.

وقال بلعبيدي، إن "القدوم إلى الجنوب يتطلب مساهمة البنوك في تمويل الاستثمارات الفلاحية التي تستلزم حفر الآبار وجلب البذور والأسمدة، كما يتطلب استحداث وسائل نقل حديثة لتموين المناطق المجاورة والشمال".

وتبقى فكرة الزراعة في الصحراء تلقى قبولاً وسط المهنيين، لكن بين التثمين الحكومي وتباطؤ الدعم تتخوف أطراف عدة من أن تتحول الصحراء الجزائرية إلى حقل تجارب للمنتجات الفلاحية، بشكل يستنزف ثروة المياه الجوفية في ظل غياب خطط استراتيجية ودراسات استشرافية.

الأمين العام للمنتدى الاقتصادي الجزائري والخبير الزراعي يحيى زان ثمن هذه التجارب. وقال "لكن لا ننسى أننا أمام تحدي الحفاظ على النظام البيئي الصحراوي، وعلى المياه الجوفية في ظل شح الأمطار والجفاف المسجل في السنوات الأخيرة".

وأضاف أن كل الإنجازات لا تتحقق إلا من خلال إشراك خبراء الزراعة من أصحاب الكفاءات في إعداد خطط، بعيداً من الحسابات السياسية والولاءات التي لا تخدم قطاعاً اقتصادياً كالفلاحة"، كما انتقد غياب سياسة زراعية مستقرة تمكن البلاد من استغلال الفلاحة الصحراوية استغلالاً عقلانياً ومدروساً.

مخاطر

من ناحيته، نبه المهندس الزراعي، محمد مالحة، من خطورة الضغط على الموارد المائية المهددة بالجفاف، ما قد يؤدي إلى قلة المياه مستقبلاً، مشيراً إلى أن ذلك يدفع إلى مراجعة فكرة الزراعة الصحراوية، لا سيما في ظل غياب دراسات حقيقية وواقعية عما إذا كانت المياه الجوفية متجددة أو لا.

وقال مالحة إن "هناك مشكلات عدة ينبغي حلها، فمثلاً لدينا 20 مليون نخلة تواجه خطر الاندثار بسبب الجفاف والتصحر وتراجع الموارد المائية، وهي أولوية على السلطات أخذها في الاعتبار".

وأضاف أن "التأسيس للاقتصاد الأخضر يتطلب قرارات سياسية شجاعة، لأن الواقع يختلف عن الكلام المسوق في صالونات السياسة".

اقرأ المزيد