سجلت محاكم العراق ارتفاعاً في موشر الزواج الثاني لأسباب مختلفة، إذ يؤكد باحثون أن الزواج من زوجة ثانية ليس مشكلة بل حلاً في مجتمعات عدة منها المجتمع العراقي، الذي تعرض لحروب أثرت في أعداد الرجال والنساء، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي دفعت كثيراً منهم للعزوف عن الزواج أو حتى الانفصال والهجرة.
في وقت سابق أفصحت مكاتب البحث الاجتماعي في محاكم البلاد عن الجداول البيانية للإحصاء الخاص بالمعاملات أن "حجج الإذن بالزواج الثاني بلغت 1602 حجة، وكان نصيب محكمة استئناف البصرة منها 229 حجة، تلتها محكمة استئناف نينوى الاتحادية (220 حجة)، وأتت بالمرتبة الثالثة محكمة استئناف صلاح الدين بـ201 حجة إذن بالزواج الثاني، ومن ثم جاءت بقية الاستئنافات".
أما في ما يخص حجة "الضرورة القصوى" فإن مجموعها بلغ 1526 حجة، وكان النصيب الأعلى منها في البصرة بـ233 حجة، ومن ثم الأنبار بـ181 حجة، تلتها نينوى بـ129 حجة.
وكشف الإحصاء عن الأسباب المؤدية إلى ارتفاع إعداد حجج الإذن بالزواج الثاني التي بلغت 1602 حجة، وأرجعتها إلى عوامل عدة منها "عدم قدرة الزوجة الأولى على الإنجاب، أو إصابتها بمرض مزمن أدى إلى تقصيرها في أداء واجباتها الزوجية، أو رغبة الزوج في التعدد لتحسن المستوى الاقتصادي له".
أما عن الزواج المبكر وإصدار حجج "الضرورة القصوى" بأعداد بلغت 1526 حجة، فأرجعه تقرير الإحصاء إلى "ضعف الحال الاقتصادية للعائلة وكثرة أفرادها من البنات، وأيضاً العرف العشائري الذي يقضي بتزويج الفتيات في عمر صغير، أو عدم رغبة القاصر في إكمال دراستها".
الأوضاع العامة
تقول المحامية غفران الطائي إن "المشكلات الاجتماعية والظروف المحيطة بالعائلات العراقية، سواء أكانت غنية أو في وضع اقتصادي معقول، وكذلك الوضع الصحي لبعض الزوجات، يدفعان إلى الزواج الثاني"، مشيرة إلى أن ذلك "مرتبط أيضاً بالأوضاع العامة، وهو متصاعد في كل الفترات الزمنية التي تعتبر مستقرة أمنياً، ففي الأوقات التي تكون الأوضاع غير مستقرة كفترة كورونا أو فترات عدم الاستقرار الأمني التي شهدتها البلاد يلاحظ انخفاض عدد هذه الحجج، لكن حالات الزواج الثاني موجودة منذ مئات السنين وكذلك شرعها الدين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعن شروط الزواج بالمرأة الثانية ضمن القانون العراقي، كشف الخبير القانوني علي التميمي عن أن القانون أجاز الزواج الثاني بطلب حجة إذن من خلال التقدم لقاضي محكمة الأحوال الشخصية، كما أجاز القانون العراقي طلب حجة إذن للزواج شرط وجود المقدرة المالية للزوج على إعالة زوجتين، لافتاً إلى أنه يجب أن تكون هناك مصلحة مشروعة، مثل أن تكون الزوجة الأولى مريضة أو عقيمة، وفي النهاية تكون السلطة التقديرية للقاضي، فإذا خاف من أن الزوج لن يعدل بين الزوجتين يتم رفض طلب الزواج الثاني.
وأضاف التميمي "لابد أن تحصل موافقة من الزوجة الأولى بحسب القانون العراقي على قبول الزواج الثاني من خلال سؤال القاضي لها، ويتم تبليغ الزوجة الأولى خلال فترة أسبوع، فإذا امتنعت عن الحضور تعتبر موافقة ضمنياً، ويقوم القاضي بطلب الإثبات والشهود للحال المادية للزوج والحال الصحية للزوجة الأولى".
الأسباب والدلالات
تشير الناشطة النسوية دعاء غازي إلى أن "ظاهرة الزوجة الثانية تزداد في مجتمعنا العراقي لأسباب عدة، منها تزايد أعداد الأرامل، خصوصاً ما بين عامي 2003 و2006. إضافة إلى بروز وانتشار العنف الأسري تجاه الفتيات اللاتي يرضين بأي نصيب من أجل الفرار من واقع أليم أسوأ".
وتابعت "قانون الأحوال الشخصية لسنة 1959 يجيز تعدد الزوجات بإذن القاضي، ويشترط القدرة المادية للزوج، وأن تتوافر مصلحة مشروعة في الزواج مرة أخرى مثل مرض الزوجة الأولى بشكل يمنعها من أداء واجباتها تجاه الزوج، أو عدم قدرتها على إنجاب الأطفال"، مستدركة "لكن وجود الزوجة الثانية اليوم يتم بسرية وعقد زواج على يد شيخ، وأكثر النساء يكتفين بذلك".
مثل هذه الظواهر، بحسب غازي، تعيد المجتمع إلى عصور الظلام، إضافة إلى أنها إهانة حقيقية للمرأة، ودليل على مدى الظلم الاجتماعي الذي تعانيه النساء، وقد طالبت ناشطات بوقفة احتجاجية تعيد للمرأة كرامتها من خلال محاسبة الشيوخ الذين يواصلون تحرير عقود الزواج خارج المحاكم.
من جهته اعتبر الباحث العراقي صالح لفتة أن "للزواج الثاني أسباباً كثيرة وظروفاً معينة، منها أسباب دينية تستند إلى أن الشريعة الإسلامية تبيح تعدد الزوجات، ومجتمع العراق باعتباره إسلامياً يرى أنه لا مشكلة فيه، وهناك أسباب أخرى منها إنجاب الزوجة الأولى مواليد إناثاً، وأسباب اقتصادية تدفع بمن لديهم إمكانات مادية جيدة للزواج من أخرى".
وأكمل "الزواج من زوجة ثانية ليس مشكلة بل حل في مجتمعات عدة ومنها المجتمع العراقي الذي ترتفع به نسب العانسات والمطلقات والأرامل، وأيضاً أغلب رجال العراق الذين يتزوجون للمرة الأولى يختارون فتاة شابة، مما يعني أن المطلقات والأرامل والعوانس لا أمل لهن في الزواج من جديد وهذا ظلم، والحل في تعدد الزوجات الذي ربما يسهم في احتواء مشكلات الأرامل والمطلقات وتقليل نسب العنوسة في العراق".
أوضاع اقتصادية صعبة
قال الباحث الاقتصادي بسام رعد إن "المرأة تشكل ما يزيد بقليل على نصف سكان العراق، فيما لا تزال مشاركتها في سوق العمل متدنية، وتشير المسوحات الإحصائية إلى أن هناك نحو 13 مليون امرأة في سن العمل، مليون منهن فقط يعملن، وغالبيتهن موظفات في القطاع الحكومي، مما يعني أن مساهمة المرأة في النشاط الاقتصادي والنمو تكاد لا تذكر، وهو ما ينطوي على عواقب اقتصادية كلية خطرة".
في المقابل يؤكد رعد أن "تحسين الفرص المتاحة أمام المرأة يسهم في توسيع نطاق التنمية الاقتصادية من خلال رفع معدلات التحاقها بالتعليم مثلاً".
وزاد "أسهم عدم تمكن المرأة من تنمية إمكاناتها الكاملة في سوق العمل وعدم توفر فرص العمل أمامها وتدني الأجور المدفوعة لها في جعلها أسيرة وضع اقتصادي صعب، إضافة إلى تفاقم المشكلات الاجتماعية والعائلية، ومع عزوف بعض الشباب عن الزواج بسبب الظروف الاقتصادية فإن المرأة قد تقبل بأن تكون زوجة ثانية كونها بحاجة إلى الاستقرار العائلي وترغب في أن يكون لها سند في هذه الظروف الصعبة".
ورأى رعد أن "العمل على زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل وتعزيز الفرص الاقتصادية أمامها يؤدي إلى زيادة مهارات قوة العمل، حيث إن المرأة تمتاز بارتفاع مستويات التعليم مقارنة بالرجل، كما أن حصولها على دخل أكبر سيسهم في زيادة التحاق الفتيات بالتعليم إذ تصبح المرأة المتعلمة العاملة قدوة للإناث بالتالي نخلق دورة حميدة في المجتمع".