Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما حال "الباعة المتجولين" الذين تسببوا في انتفاضة 2011 التونسية؟

يحاولون استمالة المارة لاقتناء بضائعهم وسط توجس من ملاحقة أمنية

بائع تونسي متجول (أ ب)

في وقت تستعد تونس لإحياء الذكرى الـ11 لاندلاع شرارة انتفاضة 14 يناير (كانون الثاني) 2011 التي أطاحت نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بعد 23 عاماً قضاها في الحكم، لا يزال وضع الباعة المتجولين الذين تسبب أحدهم ويدعى محمد البوعزيزي في تفجر الانتفاضة، يراوح مكانه.

في العاصمة تونس يضيق نهج إسبانيا، المحاذي لمحطات برشلونة المخصصة للمترو والقطارات الكبيرة بالباعة المتجولين الذين يثيرون صخباً منقطع النظير، وهم يحاولون استمالة المارة لاقتناء بضائعهم وسط توجس لديهم من ملاحقة الأمن لهم، لا سيما أن السلطات تنشر دوريات بشكل يومي للتصدي لما تسميه "ظاهرة النصب الفوضوي".

ويعد هذا النهج مقصد بؤساء تونس كما أثريائها الطامحين لاقتناء سلع بأبخس الأثمان، فيما يعتبر بسط ما يراد بيعه على الرصيف أمراً محظوراً وهو ما يجعل السلطات الأمنية تنفذ في مرات عدة حملات ضد الباعة.

وكان البوعزيزي أقدم على حرق نفسه في 17 ديسمبر (كانون الأول) إثر مصادرة السلطات عربة كان يستخدمها لبيع الخضراوات والفواكه، وأيضاً للتنديد بعدم التحرك إثر الاعتداء عليه من قبل الشرطة.

"مضايقات يومية"

في مدخل نهج إسبانيا، يلقي محمد وهو بائع متجول رفض الكشف عن هويته الكاملة خشية الملاحقة الأمنية، عيناً على بضائعه وأخرى على المارة والسيارات تحسباً لقدوم الأمن.

ويقول محمد (24 سنة) إن "البيع هنا ملاذي الأخير في ظل الوضع الصعب، أقضي قرابة 10 ساعات عمل هنا أفضل من أن ألجأ إلى السرقة أو النشل أو التسول من أجل توفير القوت لعائلتي".

وأوضح "نتعرض يومياً لمضايقات من قبل السلطات الأمنية والشرطة البلدية، عليهم أن يتفهموا موقفنا، هل نحن سعداء بالعمل هنا؟ ليس لدينا خيار وسط أزمة البلاد الاقتصادية وعدم منحنا أي ميزة بعد الانتفاضة التي قامت ضد التهميش والفقر".

ومن جانبه، يذكر خليفة (37 سنة) بينما كان يجمع بضائعه من أحذية وملابس مستعملة استعداداً للمغادرة بعد مكوثه لساعات في نهج إسبانيا، "أصبحنا نتعايش مع المضايقات التي تتسبب بها السلطات الأمنية"، وأردف "لا نجني من البيع في الشارع سوى بضعة دينارات لا تكفي حتى لتغطية حاجاتنا، ومع ذلك الأمن والشرطة البلدية لا يتوقفان عن تقييد نشاطنا عبر حجز ومصادرة بضائعنا وهو ما يحرمنا من قوتنا اليومي".

وأوضح "الانتفاضة قامت بعد أن حرق البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد (محافظة تونسية) لكن اليوم لم يتغير وضع الباعة".

كانت تونس شهدت منذ أشهر حوادث كثيرة أثارت جدلاً لافتاً حول مصير الباعة المتجولين، من بينها إقدام أحدهم على الانتحار في محافظة بن عروس المتاخمة للعاصمة إثر مصادرة ميزان يستخدمه في العمل كبائع متجول، فيما قتل شاب آخر في ساحة الجمهورية في العاصمة على يد عناصر الجمارك.

وأثارت هذه الحوادث الاستياء والمخاوف من أن تتسبب في اندلاع جولة من التصعيد بين الشارع والأجهزة الأمنية المكلفة متابعة الباعة المتجولين في مناخ يتسم بأزمة اقتصادية وسياسية حادة، على رغم تعهد الرئيس قيس سعيد بإصلاح أوضاع البلد.

حملات أمنية

وعلى رغم أنها قامت في السابق ببعث مشروع مهم وهو تدشين سوق في العاصمة خاص بالباعة المتجولين الذين نجحوا في الحصول على إجازة من السلطات لعرض بضائعهم هناك، إلا أن السلطات التونسية تتجه إلى المقاربة الأمنية في معالجة ظاهرة "النصب الفوضوي".

واكتفى المتحدث باسم وزارة الداخلية فاكر بوزغاية في الرد على طلب تعليق من "اندبندنت عربية" بالقول إن "الحملات الأمنية ضد النصب الفوضوي موجودة بشكل يومي وستستمر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن جنوح السلطات إلى المقاربة الأمنية منذ أعوام في مواجهة الباعة المتجولين يثير انتقادات، خصوصاً بعد حوادث هزت الشارع في تونس.

ففي الثامن من سبتمبر (أيلول) الماضي، قتل شاب يبيع سجائر يشتبه في أنها مهربة بالرصاص الحي خلال مطاردة أمنية من قبل عناصر من الجمارك، في حادثة فجرت احتجاجات داخل أحياء عدة، فيما تعهدت السلطات بفتح تحقيق وأوقفت عدداً من عناصر الجمارك الذين يشتبه في مسؤوليتهم عن الحادثة.

وقبل هذه الواقعة، شن الباعة المتجولون سلسلة من التحركات للضغط على السلطات بهدف تنظيم نشاطهم أو الامتناع عن ملاحقتهم، لا سيما مع تصاعد تحذيرات خبراء اقتصاديين من أن "النصب الفوضوي" سيقود إلى تعميق الأزمة الاقتصادية للبلد.

وكان الخبير الاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان نبه في وقت سابق من أن الاقتصاد الموازي بتونس اتخذ شكلاً فظيعاً وخطراً، بخاصة أن بعض التقديرات يشير إلى أنه بلغ نسبة 50 في المئة أو أكثر من حجم الاقتصاد الوطني ككل.

ورأى سعيدان أن ذلك يشكل خطراً على الاقتصاد وعلى دور الدولة في الاقتصاد بصفة خاصة، لكن السلطات لا تعلق على ذلك وتكتفي فقط بتسيير دوريات ضد الباعة المتجولين، وهو ما ترى فيه أوساط حقوقية مقاربة غير ناجعة.

اقتصاد شارعي

اللافت أنه على رغم أن الظاهرة تفاقمت منذ تفجر الانتفاضة في 2011، إلا أنه إلى حد الآن الهوة واسعة بين التوصيف الذي تطلقه السلطات عليها وما تقوله المنظمات الحقوقية والباعة المتجولون أنفسهم.

يعتبر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر أن "الاقتصاد الشارعي يمثل جزءاً من الاقتصاد غير المنظم ونشأ نتيجة لسياسات الدولة التي أقصت فئات اجتماعية وتحول إلى شكل من أشكال المقاومة التي يعيشونها".

وأبرز بن عمر في تصريحه أن "اليوم مسؤولية الدولة ليست مكافحة الظاهرة وهو أمر صعب، خصوصاً أن السلطات ليس لها بديل لهؤلاء الباعة مثل منحهم وظائف، اليوم الحل يكمن في تنظيم هذا القطاع من خلال إيجاد فضاءات مناسبة، لأن هناك أمراً لافتاً وهو أن الفئات الشعبية وغيرها تتجه إلى هذه الأسواق لأنها تجد سلعاً ربما أقل جودة لكنها بأسعار في المتناول".

وشدد على أن "المطلوب تنظيم هذه الظاهرة بعيداً من منطق الطرد ويجب توفير فضاءات تقدم مسالك آمنة لتوزيع مثل هذه السلع، لكن القضاء عليها يصعب إذا لم يتم في إطار تصور منظومة تنموية جديدة تستوعب هذه الفئات، وهي رؤية تفتقدها الدولة التونسية حالياً".

تجدر الإشارة إلى أن أحد المنتديات كان نشر أخيراً دراسة متكاملة حول الباعة المتجولين في نهج إسبانيا، وهو واحد من أبرز الأمثلة على تمركز هؤلاء الباعة بحيث شملت الدراسة 300 بائع وكشفت عن أن "82 في المئة من هؤلاء الباعة ليسوا منضمين إلى المنظومة البنكية في تونس"، مما يعني أن ليست لديهم حسابات ولا تعامل مع البنوك في البلاد ويعكس حال الهشاشة التي يعيشها هؤلاء.

كما أظهرت تفوقاً واضحاً لدى الذكور على حساب الإناث بالنسبة إلى العاملين في هذا القطاع، وهو ما يمكن ملاحظته في نهج إسبانيا حيث لا توجد نساء كثيرات يبعن بضائع هناك.

وفي ظل الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعصف بتونس يبقى من غير المؤكد ما إذا كانت السلطات ستتحرك لمعالجة هذه الظاهرة بطرق أخرى أكثر سلاسة ومرونة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات