Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"جنائن معلقة" يفضح حقائق الغزو الأميركي للعراق

الفيلم مستوحى من قصة حقيقية ويعرض بمهرجان البحر الأحمر ومخرجه يكشف التفاصيل والتحديات

يتطرق فيلم "جنائن معلقة" إلى الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية لغزو أميركا للعراق (إدارة المهرجان)

ما زالت المعاناة التي يعيشها العراقيون منذ الغزو الأميركي هي البطل الأساسي لموضوعات أفلامهم، فالألم يطغى على كل شيء، ومرارة الدمار الذي أحدثته الولايات المتحدة لا يمكن ترميمه داخل أرض ووجدان أهل بلاد الرافدين.

في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة تفجرت تلك القضايا بقوة من خلال الفيلم العراقي المثير للجدل "جنائن معلقة"، الذي تدور أحداثه حول الشقيقين طه وأسعد، اللذين يعملان في جمع المخلفات من مكب نفايات في بغداد.

الأخ الصغير أسعد، الذي يبلغ (12 سنة) يعثر على دمية جنسية في مكب نفايات الجيش الأميركي، مما يشكل تغيراً كبيراً في حياته ويؤثر في علاقته بأخيه.

كما يتطرق العمل إلى حكايات الدمار في العراق، الذي سببته الحروب التي نتج عنها عديد من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الفيلم من بطولة وسام ضياء وحسين محمد وإنتاج مصر والعراق وفلسطين والسعودية، ومن إخراج أحمد ياسين الدراجي.

أبرز التحديات

في لقاء مع "اندبندنت عربية" تحدث مخرج الفيلم عن أبرز التحديات التي واجهته وسبب اختيار هذه الفكرة وطغيان السياسة على السينما العراقية.

وقال الدراجي "عشنا تجارب قاسية جداً، والتصق اسم العراق بالويلات والحرب والتدمير، وربما كانت التجارب السابقة في السينما والفن العراقي جميعها تتحدث بصراحة ومباشرة عن هذه الأمور، لكني في جنائن معلقة أردت تقديم عمل إنساني يعبر عن الدمار من دون ذكر حتى كلمة واحدة تخص الحرب".

وأضاف "كان هدفي الوحيد أن أقدم حكاية تشبه العراقيين لمجتمع ما بعد الحرب، خصوصاً أن الأجيال الجديدة من العراقيين متطلعة لمعرفة الحقيقة، لكن بشكل جديد، لأن لديها رغبة في الانفتاح على العالم كله وتبادل الثقافات، وتتميز تلك الأجيال أن لديها تقبلاً وسعة صدر وتفهماً وذكاء تجاه مختلف الأشياء، عكس الأجيال القديمة، مثل جيل الآباء والأمهات والعقليات التقليدية في النظرة إلى الفن والقضايا الحساسة عندما يكون بها مسحة من الجرأة".

 

وعن فكرة الفيلم وجرأة تناول دمية جنسية في أحداثه، قال الدراجي "أعلم أن المهمة خطيرة جداً، والتعبير عنها بواسطة ما أريده كان ضرباً من ضروب الخيال والجرأة، وربما يطلق البعض أسماء وعبارات أكثر تجريحاً مما سبق، لكني كنت مصمماً أن أقدم ما أريده كما أريده".

وأشار إلى أن "الفكرة بدأت عن تجربة حقيقية حدثت لي، حيث وجدت صديقاً مقرباً يحمل شنطة بها دمية جنسية كبيرة وأخبرني أنه عثر عليها في مكب نفايات الجيش الأميركي بالعراق، وبعد سنوات طويلة من هذه الواقعة قررت تقديمها بشكل يعكس الأحداث التي عاشتها البلاد والويلات التي تسببت فيها القوات الأميركية".

وأوضح "بدأت الفكرة في رأسي منذ 2006، وبدأت كتابتها في 2016، وتنفيذها في 2020، وللأسف تفشى فيروس كورونا وقتها بشكل مزعج، لكننا تحدينا كل الصعاب للتنفيذ".

تنفيذ عربي

وقال الدراجي "حتى ينفذ الفيلم كان عليَّ أن أجد جهة إنتاج مقتنعة بالعمل، وتعبت كثيراً في رحلة البحث، لكن المنتجة هدى الكاظمي تحمست جداً للفكرة ووضعت كل ما تملك في سبيل تنفيذها، كما جمع الفيلم بين جهات إنتاج عديدة، مثل مهرجان البحر الأحمر ممثلاً عن السعودية، ومي عودة من فلسطين ومحمد حفظي من مصر وعدد كبير من المنتجين الآخرين".

وأشار إلى أن ما أسعده أن "الفيلم عمل عربي وفكرته وطنية، ومن إنتاج عربي بالكامل، فلا يوجد أي منتج أجنبي بالمشروع، كما تم تصوير الفيلم بالكامل في العراق، وبطاقم عمل محلي من دون الاستعانة بأي كوادر أجنبية، وهذا شيء يجعلني أفتخر وأعتز بالتجربة كلياً، حيث كانت رغبتي منذ البداية أن يتم العمل بهذا الشكل".

رمزية مقصودة

سألناه عن رمزية وجود الدمية الجنسية في مكب نفايات الجيش الأميركي داخل العراق، وهل قصد التلويح بأن الولايات المتحدة دنست العراق وخربته ولكن بشكل غير مباشر؟ فأجاب "نعم، وبكل صدق هذا هو السبب الأساسي وهدفي من تقديم الفيلم، فالغزو الأميركي للعراق دمرنا كلياً وحطم بلادنا، وهو ناتج عن ظلم وافتراء، وكان يؤرقني مثل غيري إثبات ذلك في عمل فني يصدر للعالم ويوضح كيف ظلم الأميركيون العراق من دون سبب حقيقي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قاطعناه بأن هناك أعمالاً أميركية تظهر هذه الحقيقة بكل وضوح، وتؤكد أن الغزو كان مؤامرة مثل فيلم "أسرار رسمية" للنجمة كيرا نايتي ورالف فينيس، الذي يحكي أنه خلال التحضير لغزو العراق تصل أسرار لمخبر بريطاني عن مؤامرة أميركية، واقتراح لابتزاز الدول الأصغر حجماً لكي تصوت لصالح الحرب على العراق، وعندما نشر الصحافي مارتن برايت تلك الوثيقة المسربة في صحيفة "ذا أوبزرفر"، غضب مجلس الأمن وتصدرت القصة عناوين الصحف.

ورد الدراجي بأن "الجميع كان يعلم أن الغزو الأميركي مؤامرة على العراق لأسباب تخص أميركا، لكن العالم صمت تجاه المؤامرة فدمر شعباً ما زال يعاني حتى الآن، ولهذا لا تكفي عشرات الأعمال للتعبير بشكل أو بآخر عن تلك المأساة، ونبه أن بعض الأفلام الأميركية الحديثة بالفعل تتحدث عن مساوئ الغزو على الشعب العراق والأميركي وتكشف عن كل المؤامرات بوضوح".

مشاركات عالمية

شارك فيلم "جنائن معلقة" في مهرجان فينيسيا السينمائي، وكذلك البحر الأحمر، وعن ردود الأفعال أشار الدراجي إلى أنه "أمر رائع أن يكون الفيلم الأول الذي يمثل السينما العراقية في مهرجان عالمي ومهم مثل فينيسيا، فهذا أمر يدعو إلى الفخر بالتأكيد، لأنه عراقي الصناعة مئة في المئة، وعربي الإنتاج، لذلك مشاركته في فينسيا هو وجود تاريخي للدولة في فترة حساسة جداً، وبمرحلة انتقالية صعبة تمر بها البلاد وشعبها".

وقال إن "مشاركة العمل دولياً ونجاحه وكونه مؤثراً في نظر المشاهدين منح الأمل للشباب العراقي، ورفع من روحه المعنوية كثيراً، لأنه أكد بشكل مباشر أنه في الإمكان صناعة شيء يليق بنا كعراقيين، ولأكون أكثر صراحة، أنا فخور وسعيد بهذا الحدث التاريخي، وأشعر أنني انتصرت للسينما العراقية، لأن حجم استقبال الفيلم كان رائعاً".

ولفت الدراجي إلى أن مشاركة الفيلم في محافل دولية وعالمية هي بالفعل رسالة موجهة للعالم كله، خصوصاً الدول الكبرى المتسببة في حجم الدمار الذي فتت دولة كبيرة وعريقة ما زالت تعاني تلك الويلات الأميركية.

وأكد أن عرض الفيلم في مهرجان البحر الأحمر السينمائي بجدة له وقع خاص، لأن المهرجان منصة مهمة، وما يقوم به المسؤولون عن الثقافة في السعودية أعاد له ولزملائه كثيراً من الأمل.

الرد على برادلي كوبر

كشف الدراجي صحة ما تردد بأنه استفز كثيراً من فيلم للنجم العالمي برادلي كوبر بعنوان "القناص الأميركي"، ولهذا حاول الرد من خلال فيلم عراقي على أكاذيب شهدها بالفيلم، بحسب قوله.

 

وقال "بالفعل مشاهدتي هذا الفيلم عام 2015 كانت دافعاً قوياً لتنفيذ مشروع فيلم، لأنني شعرت بالإهانة الشديدة من طريقة التناول، حيث صور الفيلم القناص الأميركي الذي يقتل الناس في الشوارع وعبر الشرفات بأنه بطل، بل وضحية أيضاً، وصور العرب أنهم مجرد توابع لشهواتهم فقط ولا يحركهم غير ذلك، وهذا ازدراء كبير جداً، وصورة مشوهة مزدوجة تثير الغضب والمرارة، لذلك قررت تقديم فيلم لأقول للعالم فلنر ماذا فعلت أميركا ونفاياتها في الشعب العراقي".

وشدد على أنه قرر أن يقدم قصة من واقع الشارع العراقي بشكل إنساني وحقيقي وصادق وبيد عراقية أمينة، بدلاً من أن يأتي أجنبي ليعبر عن أي قصة عراقية بطريقة تشوبها الشبهات أو المعلومات المغلوطة.

الرفض من "كان"

ونفى الدراجي معلومة أن الفيلم رفض من قبل مهرجان "كان" في الدورة الماضية لأسباب سياسية.

وأوضح أن الفيلم خرج في اللحظات الأخيرة لعدم الانتهاء من مراحل الصوت والمكساج.

وأشار إلى أنه خلال الفترة المقبلة سيشارك الفيلم في مهرجانات أخرى، متمنياً أن يعرض بجميع الدول العربية وأن يحظى بتوزيع جيد ليراه الجمهور العربي في كل مكان.

المزيد من فنون