Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مونديال "الصلاحيات" في لبنان: منافسات كثيرة بلا حسم

"التيار الحر" وعون يفشلان في إسقاط نصاب الحكومة والراعي يخشى من إهمال انتخاب الرئيس

رئيس الوزراء نجيب ميقاتي يلتقي بوزراء في القصر الحكومي بالعاصمة اللبنانية بيروت 5 ديسمبر 2022 (أ ف ب)

انتهت "مباريات" الصلاحيات في التصفيات التي لا نهاية لها للمبارزات اللبنانية حول المواقع في السلطة السياسية إلى ما يشبه التعادل بالنسبة إلى بعضهم وإلى "نتيجة 1-صفر"، بالنسبة إلى آخرين.

بهذه السخرية السوداء يمكن وصف ما خلصت إليه دعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي إلى جلسة مجلس الوزراء لاتخاذ قرارات ضرورية وملحة تتعلق بأمور إنسانية وصحية استثنائية، بينما يعترض "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل ورئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون على هذه الدعوة ويحاول منع انعقادها بحجة أنها غير شرعية وغير دستورية ومناقضة للعيش المشترك.

ويرى التيار أن الحكومة في حال تصريف أعمال بحكم أنها مستقيلة ولا يحق لها أن تجتمع وتمارس صلاحيات الرئاسة الأولى بسبب الشغور فيها.

"التيار الحر" يستعيد سجال تأليف الحكومة

ما يستدعي وصف المنازلة التي حصلت بلغة منافسات "المونديال" الكروي في قطر، أنها مستمرة منذ أشهر ومرتبطة بالتنافس على إعادة تكوين السلطة بدءاً من انتخاب رئيس الجمهورية، ويصح إطلاق تعبير "المونديال" نظراً إلى الإلحاح الدولي على تسريع انتخاب رئيس الجمهورية الذي تحول دونه الخلافات المستعصية بين الفرقاء.

وأدت المبارزات إلى امتناع وزراء "التيار الحر" وبعض حلفائه عن حضور جلسة مجلس الوزراء وفي ذهن قيادته أنها ضمنت غياب أكثر من ثلث الوزراء (تسعة من 24 وزيراً)، مما يسقط نصاب الثلثين اللازم دستورياً، فإذا بوزيرين من المحسوبين على حلفاء "التيار" يشاركان فيها نتيجة اتصالات أجريت مع أحدهما، بينما جاء حضور الثاني بحجة محاولة إقناع ميقاتي بتأجيلها لبضع ساعات.

في النهاية عقدت الجلسة بالموعد المحدد، الإثنين الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، واتخذت قرارات منها تسعة تتعلق بالشؤون الحياتية والصحية والمالية معظمها في ما يخص رواتب الموظفين والعسكريين وتأمين اعتمادات لأدوية مرضى السرطان وغسل الكلى بعد تأجيل ما تبقى من 25 بنداً كانت على جدول الأعمال.

أخذت الجلسة طابع التحدي، خصوصاً أن السجال حولها سلك منحى طائفياً حول صلاحيات رئيس الحكومة السني ودعم "الثنائي الشيعي" لدعوته وممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية المسيحي بغيابه.

والسجال الطائفي حول الصلاحيات كان بدأ قبل انتهاء ولاية الرئيس عون في 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي أثناء محاولات تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات كي تتولى سلطات الرئيس باعتبار أن الشغور في هذا الموقع كان متوقعاً قبل أشهر من نهاية عهد عون.

وحينها كان النائب باسيل يسعى إلى الحصول على حصة الأسد في التشكيلة الحكومية التي ستحل مكان الرئيس، وفق ما ينص عليه الدستور للتحكم بقراراتها، الأمر الذي لم يتجاوب معه ميقاتي، مدعوماً من رئيس البرلمان نبيه بري (واكتفاء "حزب الله" بدور الوساطة بين حليفه باسيل وميقاتي) ورئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط وقوى أخرى.

بيان باسم تسعة وزراء

تدحرجت الأمور خلال الـ24 ساعة التي سبقت الجلسة بشكل دراماتيكي بعد صدور بيان باسم تسع وزراء هم عبدالله بو حبيب وهنري خوري وموريس سليم وهكتور حجار ووليد فياض ووليد نصار (الوزراء المسيحيون الحلفاء لـ"التيار الحر" والمقربون من باسيل) وجورج بوشيكيان (يمثل حزب "الطاشناق الأرمني) وأمين سلام (سني سماه باسيل وعون) وعصام شرف الدين (درزي يمثل حليف باسيل طلال أرسلان).

البيان دعا ميقاتي إلى إعادة النظر بالدعوة وأكد أن الوزراء الواردة أسماؤهم لن يحضروها ونص على أن "فاجأنا رئيس الحكومة المستقيلة بدعوتنا إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء بجدول أعمال فضفاض ومتخبط من 65 إلى 25 بنداً، فيما حكومتنا هي حكومة تصريف أعمال (بالمعنى الضيق للكلمة) ولم تجتمع منذ اعتبارها مستقيلة في أيار الماضي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ورأى البيان أن "موضوع المرضى والمستشفيات والأمور المهمة يمكن حلها من دون انعقاد مجلس وزراء كما تم سابقاً"، مذكراً بصدور مرسوم اعتبارها مستقيلة عن رئيس الجمهورية، بالتالي لا يجوز لها أن تجتمع ولا يمكن ممارسة هذه الصلاحيات من قبل رئيس الحكومة وحده أو بغياب وزراء.

وكرر البيان القول إن الدستور "لا يسمح لحكومة تصريف أعمال أن تستلم صلاحيات رئيس الجمهورية وهي فاقدة للصلاحيات الدستورية وللثقة البرلمانية"، وذكر "بالتزام رئيس الحكومة ومكوناتها أن لا تعقد أي جلسة إلا في حال توافر أمرين لازمين، حدث طارئ لا يمكن معالجته إلا من خلال مجلس للوزراء وموافقة كل مكونات الحكومة".

وأشار إلى أن "ليس هناك أي أمر طارئ وضروري لا يمكن معالجته من دون مجلس الوزراء، كما أنه لم يتم لا التشاور ولا الموافقة لا على البنود ولا على الجلسة من الأساس".

كما ذكر بممارسة "سابقة لحكومة كاملة الصلاحيات مسؤولياتها بطريقة صحيحة ومنسجمة مع الدستور، فكان يتم إطلاع الوزراء على جدول الأعمال ومشاورتهم وكانت تتم موافقتهم على القرارات وتوقيعهم على المراسيم كونهم يمارسون جميعهم صلاحيات رئيس الجمهورية".

هجوم عوني وموقف للراعي ورد لميقاتي

البيان أعاد سرديات السجال الذي أخذ أحياناً طابعاً حاداً أثناء المناكفات على تشكيل الحكومة طوال الصيف الماضي، بل منذ اعتبار الحكومة مستقيلة في 22 مايو الماضي إثر بدء ولاية البرلمان الجديد.

وتزامن البيان مع هجوم من الإعلام المقرب من باسيل وعون على وقع بيان أصدره الأخير، هو الأول له منذ مغادرته القصر الرئاسي، اتهم فيه ميقاتي بـ"محاولة الاستئثار بالسلطة وفرض إرادته على اللبنانيين خلافاً لأحكام الدستور والأعراف والميثاقية"، معتبراً أنه "كشف عن الأسباب الحقيقية التي جعلته يمتنع طوال خمسة أشهر عن تأليف الحكومة".

واتهم ميقاتي الإعلام التابع لعون بتأويل كلام للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي على أنه يعارض المس بصلاحيات الرئاسة، فالراعي دعا ميقاتي إلى "تصويب الأمور" واعتبر أن "حكومة تصريف الأعمال هي حكومة تصريف أعمال الناس لا حكومة جدول أعمال الأحزاب والكتل السياسية".

لكنه شدد كما فعلت القوى السياسية المسيحية غير الممثلة في الحكومة مثل حزبي "القوات اللبنانية" و"الكتائب" اللذين يتهمان "التيار الحر" بالمشاركة في تعطيل جلسات البرلمان الثمانية لانتخاب رئيس الجمهورية بالتصويت بالورقة البيضاء ثم بإفقادها نصاب الثلثين، على أولوية انتخاب رئيس للجمهورية، الأمر الذي يسمح بانتظام عمل المؤسسات الدستورية لأنه يؤدي إلى تشكيل حكومة جديدة حكماً، كذلك فعل تيار "المردة" الذي يرأسه المرشح سليمان فرنجية والذي شارك ممثلاه بالحكومة في اجتماعها.

ورد ميقاتي على "الإعلام العوني" مؤكداً أنه "يأخذ في الاعتبار هواجس البطريرك ومواقفه"، مشيراً إلى أنه اتصل به شارحاً له الضرورات الملحة التي تحتم انعقاد مجلس الوزراء لإنفاذ قرارات استثنائية.

وأوضحت مصادر لـ"اندبندنت عربية" أن ما يهم البطريرك الراعي ألا تتحول اجتماعات مجلس الوزراء إلى غطاء لاستمرار الفراغ الرئاسي وأن يستسهل بعض الفرقاء تسيير شؤون الدولة وإهمال أولوية انتخاب الرئيس.

 وقلص ميقاتي جدول أعمال الجلسة من 65 إلى 25 بنداً، جرى إسقاط بعضها عند انعقادها من أجل إزالة أي انطباع بأن ثمة مصالح فئوية خلفها، ومن هنا تصنيف النتيجة عند بعض المراقبين أنها أقرب إلى "التعادل".

دور "حزب الله" وبري في خرق المقاطعة؟

اللافت أن وزيرين ورد اسماهما في البيان الصادر باسم الوزراء التسعة لم يمتثلا لمضمونه بمقاطعة مجلس الوزراء، مما أفشل عملية إفقاده النصاب، هما وزير الصناعة الأرمني جورج بوشيكيان (الطاشناق) والكاثوليكي الصديق لعون هيكتور حجار.

وقال مستشار ميقاتي الوزير والنائب السابق نقولا نحاس إنه تمت صياغة البيان الصادر باسم الوزراء التسعة من دون علمهم وإن بعضهم أبلغ ميقاتي بذلك، وجل ما قيل لهذا البعض من قبل قياديين في "التيار الحر" مقربين من باسيل، إن بياناً سيصدر حول دعوة ميقاتي إلى مجلس الوزراء من دون إطلاعهم على مضمونه، وإنهم فوجئوا بتضمينه مقاطعة الجلسة وأجروا اتصالات في هذا الصدد فطلب منهم باسيل التزام نصه، خصوصاً أن بعضهم كان تبلغ من باسيل أثناء مشاورات تأليف الحكومة قبل أشهر بأنه يريد استبدالهم لأنهم يتراخون مع ميقاتي.

لكن قيادة "الطاشناق" طلبت من ممثلها حضور الجلسة نظراً إلى إلحاح البنود التي في جدول أعمالها، فيما ارتأى حجار الذي يتولى حقيبة الشؤون الاجتماعية الحضور نظراً إلى أنه كان طلب من ميقاتي تضمين جدول الأعمال بنداً يتعلق بالمساعدات التي تقدمها وزارته.

إلا أن مصادر سياسية أبلغت "اندبندنت عربية" أن "حزب الله" وبري اللذين أيدا انعقاد الجلسة حين شاورهما ميقاتي، لعبا دوراً في إقناع "الطاشناق" بحضورها.

وفي رأي بعض المراقبين أن "الحزب وجه رسالة إلى باسيل بأنه ضد تحكمه بالقرارات الحكومية، رداً على إصراره على رفض تأييد مرشحه للرئاسة سليمان فرنجية وهجومه على الأخير".

بذلك يقول المراقبون تصبح النتيجة 1- صفر لمصلحة "حزب الله" مقابل باسيل، يستفيد منها ميقاتي في مبارزته مع الأخير، لكن وزير العمل مصطفى بيرم الذي يمثل "حزب الله" نفى رداً على سؤال أن يكون "الحزب" ضغط على حزب "الطاشناق" قائلاً "نقدم في بعض الحالات رؤيتنا، فإذا اقتنع الشخص يمشي معنا".

أما بري، فله صداقة خاصة مع الوزير حجار وهو ترأس بعد جلسة مجلس الوزراء اجتماعاً لكتلته النيابية ولقيادة حركة "أمل" التي اعتبرت أن "عقد الجلسة الحكومية مع تفهم واحترام كل الآراء خطوة في مسار عدم استقالة السلطة التنفيذية من مسؤولياتها الوطنية وبداية فتح أفق معالجة القضايا الاجتماعية الملحة".

وقال حجار إنه طلب من ميقاتي التراجع خطوة إلى الوراء "وكنت أتمنى أن تتوقف الجلسة لنعود بعد الظهر للبحث في كيفية إدارتها، المعركة ليست معركة من انتصر ومن لم ينتصر، بل السؤال هو كيف ستدار شؤون البلاد في هذه المرحلة".

ميقاتي وجرائم الامتناع

نقل عن ميقاتي قوله خلال الجلسة "ما يؤلمني أن يحاول بعضهم وضع الأمور في خانة حسابات طائفية ومذهبية، فلا أحد منا يرغب في أن يأخذ مكان رئيس الجمهورية، فليتم انتخاب رئيس جمهورية بشكل سريع، الدستور كلفنا بمهمات معينة، لو لم نعقد الجلسة لكان القطاع الصحي، لا سيما مرضى السرطان وغسيل الكلى تعرضوا لضربة كبيرة".

وأضاف "إذا كان بعضهم يتلطى وراء الدستور والعيش المشترك نقول له إنهما لا يتحققان بموت الناس ولن يحصل ذلك على يدنا، في قانون العقوبات هناك بند يختص بجرائم الامتناع، وإذا كنا سنجاري الداعين إلى عدم عقد هذه الجلسة، نكون مشاركين في جريمة قتل بالامتناع، وهذا لن يحصل، هذه رسالتي إلى اللبنانيين وإلى كل المراجع الروحية والنيابية والسياسية والاجتماعية، فإذا كانوا يريدون للبلد أن ينهار نهائياً، أنا لست مسروراً بهذه المهمة التي أتلقى فيها مئات الطلبات وأنا عاجز عن تنفيذها".

المزيد من تحلیل