نقاش حاد تعيشه الأوساط الإسرائيلية مع أول تصريح لليميني المتطرف إيتمار بن غفير رئيس حزب "عوتسما يهوديت"، بعد تعيينه وزيراً لوزارة الأمن القومي، بسبب ما طرحه من مطالب قبل توقيع اتفاق الائتلاف الحكومي، وما لاقته من تحذيرات من تداعياتها، التي قد تبدأ في الضفة وتمتد حتى المناطق الحدودية شمالاً وجنوباً.
بن غفير كشف عن أنه قدم أكثر من مطلب حول التعامل مع فلسطينيي القدس والضفة، فإلى جانب توسيع صلاحيات وزارته، التي كانت تقتصر على الأمن الداخلي، بعد أن عدل اسمها إلى وزارة "الأمن القومي"، دعا إلى تعديل أوامر إطلاق النار للجيش الإسرائيلي.
الوزير اليميني المتطرف طالب بمنح الضوء الأخضر لكل جندي بإطلاق النار على أي فلسطيني يرمي نحوه عبوة ناسفة أو يقذف حجراً، وهو ما سماه إسرائيليون "دعوة لهدر دم كل فلسطيني من شأنها إشعال المنطقة برمتها".
في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، قال بن غفير إن مطالبه هذه قادرة على حفظ النظام والأمن، مضيفاً أنه طالب بطرد عائلة كل فلسطيني ينفذ عملية ضد شخص أو هدف إسرائيلي، وتزامن ذلك مع تسريب جلسة داخلية لكتلة حزبه، وهو يرشدهم إلى كيفية العمل من أجل ضمان قانون الإعدام ضد الفلسطينيين.
ورداً على سؤال حول إذا ما كانت تعليمات إطلاق النار ستطبق أيضاً على كل مستوطن أو يهودي يرمي حجراً على جندي، رد بن غفير بشكل قاطع "لا"، كما جاء رده مماثلاً على سؤال "الإعدام" لكل إسرائيلي يقتل فلسطينياً.
تصريحات بن غفير هذه أثارت عاصفة نقاش في إسرائيل، فيما يواصل رئيس الحكومة المكلف بنيامين نتنياهو جهوده لضمان توقيع اتفاقيات الائتلاف مع بقية الأحزاب، حيث يواجه عراقيل وصعوبات خصوصاً مع اليميني بتسلئيل سموطرتش.
وحذرت جهات سياسية وأمنية من تداعيات تجاوب نتنياهو مع مطالب بن غفير، التي ستوصل إسرائيل إلى وضع سيكون من الصعب معرفة نتائجه.
جيش داخل الضفة
يشكل الاتفاق الذي وقعه نتنياهو مع بن غفير واحداً من أخطر اتفاقيات الائتلافات للحكومات الإسرائيلية، بدءاً من تسمية وزارته "الأمن القومي"، بدل "الأمن الداخلي"، وهي الوزارة التي تولت مسألة أمن مواطني إسرائيل وبالأساس نشاط الشرطة، التي تتحمل مسؤولية الحفاظ على أمن السكان، فهذا التغيير يمنحه صلاحيات واسعة تتجاوز مناطق الخط الأخضر نحو الضفة الغربية.
وزير الأمن بيني غانتس حذر من تداعيات خطيرة على إسرائيل بعد تعديل تسمية الوزارة وتعيين بن غفير في رئاستها، بحيث "يقيم جيشاً خاصاً به"، وعبر عن موقفه عبر صفحته الخاصة على "فيسبوك" فقال، "الاتفاق مع بن غفير يكشف الاتجاه الذي تسير نحوه الحكومة الجديدة، الذي بموجبه ستفكك صلاحياتها إلى شظايا من الوزارات، وفقاً لمصالح سياسية".
أضاف غانتس "سيكون هناك تجاوز لصلاحيات الجيش والشرطة في الضفة الغربية، خصوصاً بعد أن وضع نشاط حرس الحدود ضمن صلاحيات وزارته، ما سيؤدي إلى تفكيك هيئات عسكرية تعمل معاً حتى الآن، والسؤال إذا كانت وزارة "أمن قومي" أم أنها وزارة تفكيك الأمن إلى شظايا من الصلاحيات ومن ثم تشكيل جيش خاص لبن غفير".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي رأي غانتس فإن "توسيع صلاحيات الوزارة الجديدة يشكل مخاطر عدة، فإلى جانب ما سيشكله الجيش الخاص لبن غفير من خطر على ممارسة القوة العسكرية، بالتالي ارتكاب أخطاء أمنية جدية، فستشكل هذه الوزارة ضغوطاً دولية شديدة، وسنصبح أمام وضع صعب ترافقه تناقضات على الأرض وإخفاقات أمنية خطيرة سيكون نتنياهو مسؤولاً عنها".
وشرح غانتس أخطار توسيع صلاحيات بن غفير بأنه "عندما تضطر القيادة العسكرية إلى تفعيل القوة العسكرية ولا تكون قوة حرس الحدود تحت إمرتها (ضمن توسيع الصلاحيات انتقال حرس الحدود إلى مسؤولية وزارة غفير)، أو عندما يتلقى حرس الحدود أمراً بالعمل في الضفة الغربية، خلافاً للحاجة إلى تفعيل القوة التي يقررها القائد العسكري للمنطقة أو رئيس أركان الجيش، فستنشأ فوضى أمنية".
وحمل غانتس نتنياهو المسؤولية كاملة عن الأوضاع الخطيرة المتوقعة في الضفة الغربية وتداعياتها على المنطقة، وقال "هناك مسؤول واحد عن الأمن القومي بجميع عناصره، وهو رئيس الحكومة، ولا يمكن سوى أن نرى خطوة نتنياهو بمثابة اعتراف بأن رئيس الحكومة الحقيقي سيكون بن غفير، بالتالي فقد اختار نتنياهو هذا الوضع المعيب، الذي سيقود إلى خطر أمني".
أكثرية راضية
على رغم ما كشف عنه توسيع صلاحيات وزارة بن غفير الجديدة وخطرها على الأمن الإسرائيلي، خصوصاً بعد نقل قوة حرس الحدود تحت سيطرته، فإن 49 في المئة من الإسرائيليين عبروا عن رضاهم عن تعيينه بهذه الوزارة.
علماً بأن 52 في المئة عبروا في استطلاع رأي عن تشاؤمهم من قدرة الحكومة على إيجاد حلول لوقف العمليات والمواجهات في الضفة الغربية والقدس، بينما رأى 31 في المئة فقط أنها قادرة على ذلك، وهي معطيات تعكس تناقضات داخلية.
تطوير النقب والجليل
وإذا كان تعيين بن غفير يشكل خطراً أمنياً على إسرائيل والإسرائيليين، فإن تعيين وزير من حزبه لوزارة "تطوير النقب والجليل"، بمثابة خطر آخر على مستقبل ووجود فلسطينيي 48، شمالاً في الجليل وجنوباً في النقب، فهذه الوزارة التي تعنى بالمشاريع والميزانيات الخاصة لفلسطينيي 48 تواجه اتهامات بممارسة سياسة تمييز عنصري وإجحاف حتى من حكومات اليسار والوسط.
ومع تولي أكثر الأحزاب الإسرائيلية تطرفاً وفاشية، كما أطلق عليه حتى يهود إسرائيليون، فإن ذلك سيشكل خطراً حتى على وجود فلسطينيي 48، وإذا كانت الحكومات الأكثر اعتدالاً من نتنياهو ولا يوجد فيها أي وزير يميني متطرف، تخطط للهجرة القسرية لفلسطينيي 48 بطريقة غير مباشرة من خلال سياسات لا توفر التعليم والعيش بكرامة للشباب الفلسطيني، بالتالي تدفعهم إلى الهجرة.
إلا أن حكومة متمثلة في هذه الوزارة بشخص بن غفير ستعمل على تهجير الفلسطينيين عبر مصادرة أراضيهم ومنعهم من البناء والتطور، بينما تنشغل في المقابل بتنظيم المستوطنات الجديدة في الضفة الغربية، والصلاحية التي تشملها هذه الوزارة.
وضمن ما حصل عليه بن غفير في اتفاقيات الائتلاف تولي حزبه وزارة جديدة أطلق عليها "التراث" ورئاسة لجنة الأمن العام في الكنيست ولجنة الكنيست المشرفة على عائدات إسرائيل من التنقيب عن الغاز.
تغيير الوضع القائم
بعد ساعات من إطلاق تصريحاته الحربية ضد الفلسطينيين، اتجهت الأنظار نحو الأقصى، حيث اقتحم عشرات المستوطنين ساحاته بحماية مشددة من الشرطة، ليعود بن غفير مرة أخرى إلى العناوين عبر تعهده للمستوطنين وناخبيه بأنه سيعمل على تغيير "الوضع القائم" في ساحات المسجد بكل ما يتعلق بصلاتهم فيه وشرعنة البؤر الاستيطانية.
وعلى عكس ما أعلنه نتنياهو فور تكليفه مهمة تشكيل الحكومة، لن يكون قادراً على إنهاء مهمته سريعاً، وهو ما يضعف الآمال التي وضعها رئيس الحكومة المكلف نصب عينيه عند حصوله على كتلة يمين متمثلة بـ64 مقعداً.
وبسبب المطالب المتزايدة لشركائه في كتلة اليمين، وهي مطالب متناقضة بين حزب وآخر، سيكون من الصعب تشكيل الحكومة قريباً، فحتى بعد اقتراح التناوب على الوزارة بين الأحزاب أو التوجه نحو تعديل قوانين خاصة تناسب تولي هذا النائب أو ذاك منصباً وزارياً، لم ينجح نتنياهو في التوصل إلى اتفاق معهم.
إضافة إلى ذلك، يطالب كل حزب بالوزارة التي يرى أنها ستكون سنداً لسياسة حزبه أو تلك التي يمكن ضمن صلاحياتها مضاعفة العنف والعنصرية والتطرف تجاه الفلسطينيين.
صراعات داخل الليكود
أمام المحادثات الماراثونية، التي يجريها نتنياهو لضمان تشكيل الحكومة، وعرض مناصب وزارية بسخاء على أحزاب الائتلاف، تدور معركة داخل حزب الليكود في معظمها موجهة ضد نتنياهو وياريف لفين، المكلف إجراء المفاوضات مع أطراف الائتلاف.
فيرى نواب وقادة الليكود أنهم بعد الجهود الكبيرة التى بذلت لضمان نجاح نتنياهو لم يبق لهم سوى فتات المناصب، واتهم معظم نواب الليكود لفين بأنه يتعمد إضعاف الليكود من أجل مصالحه الشخصية، حيث لم تتبق حقائب وزارية كبيرة للمسؤولين في الحزب، باستثناء حقيبة الأمن والخارجية.
وبحسب كبار المسؤولين في الليكود، فإن لفين يدير المفاوضات مع الشركاء في الائتلاف المستقبلي بطرق تضمن إضعافاً متعمداً لكبار مسؤولي الحزب، بالتالي تتاح له الفرصة أكثر لتزعم الليكود بعد نتنياهو.