Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قمة سعودية - صينية تعزز شراكة تجارية وسط اضطراب الاقتصاد العالمي

محللون: نسق تصاعدي نحو توازن دولي واتفاقات تفتح الطريق أمام استثمارات مشتركة

اتفاقيات مشتركة متوقعة بقيمة 29 مليار دولار بين السعودية والصين على هامش القمة بين البلدين (غيتي)

تشهد العلاقات الاقتصادية والتجارية السعودية - الصينية تطوراً مستمراً ونسقاً تصاعدياً خلال العقدين الماضيين، مع حرص الرياض على عقد اتفاقات عدة أسهمت في ارتقاء الشراكة الاقتصادية والعلاقات الثنائية بين البلدين.  ويأتي ذلك في وقت ترى الرياض أن العلاقات الراهنة يجب أن تقدم الأمور الاقتصادية قبل السياسية مع اتجاه العالم حاليا نحو خلق شراكات جديدة، لتظل العلاقات مع الغرب والشرق موجودة لكن العلاقة القوية للرياض مع الصين بخاصة، ستعزز نفوذ السعودية وأهميتها الاستراتيجية إقليمياً ودولياً، ومع الغرب تحديداً لما تمثله من دور محوري في معادلة التوازن العالمي. 

الشراكة الاقتصادية

وأكد محللون ومتخصصون في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، أهمية الشراكة بين السعودية مع الصين بعد أن شهدت العلاقات الثنائية قوة دفع كبيرة خلال السنوات الأخيرة، من خلال رفع مستوى العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة وتأسيس اللجنة المشتركة الصينية - السعودية رفيعة المستوى، وذلك من خلال زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى الرياض عام 2016، وزيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز للصين عام 2017، وزيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبكين عام 2019.  وأضاف المحللون "أن مستقبل العلاقات بين البلدين يحمل آفاقاً أوسع وأشمل عبر نقاط الالتقاء بين ’رؤية السعودية 2030‘ و ’مبادرة الحزام والطريق‘ الصينية التي تحيي طريق الحرير، إذ تستفيد السعودية من موقعها الاستراتيجي لوصل قارة آسيا بأفريقيا".وستشمل زيارة الرئيس الصيني قمة سعودية - صينية برئاسة الملك سلمان بن عبد العزيز والرئيس الصيني شي جينبينغ ومشاركة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وذكرت وكالة الأنباء السعودية (واس) أن برنامج زيارة الرئيس الصيني سيتضمن عقد "قمة الرياض الخليجية -الصينية للتعاون والتنمية" و"قمة الرياض العربية - الصينية للتعاون والتنمية"، وذلك بمشاركة قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي والدول العربية.  وسيتم خلال القمتين مناقشة سبل تعزيز العلاقات المشتركة في المجالات كافة، وبحث آفاق التعاون الاقتصادي والتنموي. وقال دبلوماسيون لوكالة "رويترز" إنهم يتوقعون أن يوقع الوفد الصيني عشرات الاتفاقات مع السعودية ودول عربية أخرى في مجالات تشمل الطاقة والأمن والاستثمارات.  وذكرت وكالة الأنباء السعودية اليوم الثلاثاء أنه سيتم توقيع اتفاقات مبدئية بأكثر من 110 مليارات ريال (29.26 مليار دولار) خلال قمة سعودية - صينية هذا الأسبوع. 

نسق تصاعدي 

من جهته، أكد المتخصص السعودي في التجارة الدولية الدكتور فواز العلمي أن التجارة المتبادلة بين السعودية والصين تسير بنسق تصاعدي خلال العقدين الماضيين، إذ إن بكين هي الشريك الرئيس للرياض في التجارة السلعية، كما تحتل السعودية المركز الأول كوجهة للاستثمارات الصينية الخارجية خلال النصف الأول من العام الحالي.وأضاف العلمي أن زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للسعودية تحمل مؤشرات إيجابية للبلدين ودلالات عميقة تجاه استراتيجية تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية، في ظل اضطرابات الاقتصاد العالمي وأزمة نقص الطاقة، فيما تفتح الطريق للتعاون في مجالات الفضاء والتكنولوجيا والصناعات الجديدة في الطاقة.وأوضح أن السعودية والصين تستهدفان تعميق التعاون الاقتصادي بينهما عبر نقاط الالتقاء بين "رؤية 2030" السعودية ومبادرة "الحزام والطريق" الصينية، إذ تستفيد السعودية من موقعها الاستراتيجي لوصل قارة آسيا بأفريقيا. ولفت العلمي إلى أن اتفاقات الرياض مع دول الشرق والغرب معاً ستبقي هدفاً سعودياً استراتيجياً لتعزيز تكاملها الاقتصادي في الأسواق العالمية المتنامية. 

زيارة مهمة  

وأكد المتخصص في الشؤون الصينية العربية الدكتور محي الدين ماهيونغ أهمية زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى السعودية، قائلاً إن الرئيس الصيني يزور الرياض للمشاركة في المؤتمر العربي - الصيني والمؤتمر الصيني - الخليجي الذي تستضيفه الرياض في التاسع من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.    وأضاف خلال اتصال مع "اندبندنت عربية" من بكين أن الزيارة تأتي أيضاً لتعزيز التعاون الصيني - العربي على الصعد كافة، مشيراً إلى أن الزيارة ستشهد توقيع عدد من الاتفاقات الاستراتيجية المهمة بين البلدين وبخاصة في قطاع الطاقة والبنية التحتية وتعزيز الاستثمار المشترك بين البلدين.وقال الدكتور محي الدين "إن العالم يشهد اليوم أزمة طاقة، وباعتبار أن الصين مستورد كبير للنفط فهناك اهتمام متزايد من الصين بالنفط السعودي والخليجي بشكل عام"، لافتاً إلى أن الصين تمتلك منتجات صناعية، وبالنظر إلى أن السعودية دولة غنية بالنفط فسيكون هناك اهتمام صيني بهذا الجانب، إذ إن نقص الطاقة لدى الصين يعد نقطة ضعف لثاني أكبر اقتصاد في العالم.

حضور متزايد للشركات الصينية 

وتوقع الدكتور محي الدين أن تعزز الزيارة حضور الشركات الصينية في السعودية مع إطلاق الرياض مشاريع عملاقة، قائلاً إن "هناك حضوراً متزايداً للشركات الصينية هناك، لكن نتوقع تدفق مزيد من الشركات الصينية بعد الزيارة المهمة للرئيس الصيني".

 

وقفز التبادل التجاري بين السعودية والصين من 3 مليارات دولار عام 2000 إلى 87.3 مليار دولار عام 2021، أي أنه تضاعف أكثر من 29 مرة خلال عقدين، ووصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 87.3 مليار دولار في 2021، وبلغت قيمة الصادرات الصينية للسعودية 30.3 مليار دولار، فيما بلغت واردات الصين من السعودية 57 مليار دولار.  وتعد الصين الشريك التجاري الأول للسعودية تليها الولايات المتحدة، بينما تمثل السعودية أكبر شريك للصين في غرب آسيا وشمال أفريقيا، وقد تمكنت السعودية خلال سنوات قليلة من أن تصبح المصدر الأول للنفط إلى الصين، متفوقة على روسيا الجارة الشمالية والشريك الاستراتيجي لبكين.

تجارة النفط حجر الأساس 

ولا يزال التعاون في قطاع النفط الذي يشكل حجر الأساس للعلاقات بين الصين والشرق الأوسط قوياً على رغم تعطل الدبلوماسية الشخصية والرياح الاقتصادية المعاكسة التي تواجه بكين وتحديات سوق الطاقة.  ومن المؤكد أن عمليات الإغلاق في بعض المدن الصينية بسبب فيروس كورونا أدت إلى انخفاض الطلب المحلي على النفط لدى أكبر مستورد للخام في العالم، إذ يمثل النقل حوالى نصف استهلاك البلاد من النفط، في حين كانت واردات الصين من النفط خلال الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام أقل بنسبة 4.3 في المئة من الفترة نفسها العام الماضي. ومنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا عززت الصين وارداتها من النفط الخام الروسي المخفض بشدة، لكن الصين لا تزال تحصل على ما يقرب من نصف النفط المستورد من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا تزال السعودية أكبر مورد للصين، ولا تزال بكين الزبون الرئيس لمنتجي النفط الخليجيين ولإيران. وتظهر بيانات الجمارك الصينية أن السعودية أكبر مورد للنفط إلى الصين، فهي منشأ 18 في المئة من إجمال مشتريات الصين من النفط الخام، وبلغ إجمال الواردات 73.54 مليون طن (1.77 مليون برميل يومياً) خلال الأشهر الـ 10 الأولى من 2022، بقيمة 55.5 مليار دولار.  وبلغت واردات النفط العام الماضي 87.56 مليون طن بقيمة 43.9 مليار دولار، تمثل 77 في المئة من إجمال واردات الصين السلعية من السعودية،كما أن لدى "أرامكو السعودية" التي تديرها الدولة صفقات توريد سنوية مع نصف دزينة من المصافي الصينية بما في ذلك "سينوبيك" و "سي إن بي سي" و "سي أن أو أو سي" و "نورينكو"، إضافة إلى شركة التكرير الخاصة "شيجيانغ بيتروكيميكال كورب".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واتخذت "أرامكو السعودية" أوائل العام 2022 قراراً استثمارياً نهائياً ببناء مصفاة ومجمع للبتروكيماويات بـ 10 مليارات دولار شمال شرقي الصين، في أكبر استثمار منفرد لها في البلاد.  والمشروع الذي أطلق عليه اسم شركة "هواجين أرامكو للبتروكيماويات" هو مشروع مشترك يضم "أرامكو" و"مجموعة هواجين للصناعات الكيماوية"، وهي وحدة تابعة لـ "نورينكو" و"مجموعة بانجين سينسين الصناعية". ويضم المشروع المتوقع أن يبدأ تشغيله عام 2024 مصفاة تبلغ طاقتها 300 ألف برميل في اليوم، ومصنع إيثيلين بطاقة 1.5 مليون طن سنوياً، ومن المقرر أن توافر "أرامكو" ما يصل إلى 210 آلاف برميل يومياً من النفط الخام.  والاستثمار المشابه الآخر الوحيد لـ "أرامكو" في الصين هو حصة 25 في المئة في شركة التكرير والبتروكيماويات المحدودة في مقاطعة فوجيان التي تسيطر عليها شركة التكرير الحكومية العملاقة (سينوبك)، والتي بدأت العام 2008 بتشغيل مصفاة تبلغ طاقتها الإنتاجية 280 ألف برميل يومياً، ومجمع إيثيلين بطاقة 1.1 مليون طن سنوياً. 

ووقعت "أرامكو" خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2018 مذكرة تفاهم مع حكومة تشجيانغ لاستثمار تسعة في المئة في "تشجيانغ للبتروكيماويات" التي تدير أكبر مصفاة منفردة في الصين بطاقة 800 ألف برميل يومياً، ولم يتم الإعلان عن أي تقدم آخر منذ ذلك الحين. 

وبالمثل تمتلك "سينوبك" 37.5 في المئة في شركة "ينبع أرامكو سينوبك للتكرير"، وهي مشروع مشترك مع أرامكو يشغل مصفاة بطاقة 400 ألف برميل يومياً في ينبع على ساحل البحر الأحمر. 

محطات الطاقة

  وكانت شركة تطوير المرافق السعودية "أكوا باور" المملوكة جزئياً لصندوق الثروة السيادي السعودي قالت في سبتمبر (أيلول) الماضي إنها اتفقت مع صندوق طريق الحرير على الاستثمار المشترك في محطة طاقة تعمل بالغاز بقدرة 1.5 غيغاوات في أوزبكستان مقابل مليار دولار، وهي جزء من "مبادرة الحزام والطريق" للصين، كما تقوم شركة هندسة الطاقة الصينية (CEEC) التي تديرها الدولة ببناء محطة طاقة شمسية بقدرة 2.6 غيغاوات في منطقة الشعيبة السعودية، مملوكة أيضاً لشركة "أكوا باور" أكبر مشروع للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط.  

 

 

وخلال النصف الثاني من القرن الـ 20 عندما بدأ دنغ شياو بينغ (1978-1989) حملة التحديث الخاصة به ونظر إلى الشرق الأوسط وغرب آسيا باعتبارهما المكان الوحيد الذي يمكن أن يوفر كميات هائلة من النفط والغاز، أصبحت الصين مهتمة بالمنطقة، وبحلول نهاية عام 1993 أقامت بكين علاقات دبلوماسية مع جميع الدول العربية الكبرى.  

وعلى مدى العقدين الماضيين أصبحت الصين منخرطة بشكل متزايد مع أعضاء مجلس التعاون الخليجي الستة، السعودية والإمارات والبحرين والكويت وعمان وقطر، وفي حين أن اهتمام بكين بالمنطقة ربما كان مدفوعاً في البداية بحاجات الطاقة إلا أن العلاقة تتنوع الآن، إذ أصبحت الصين شريكاً مهماً لدول مجلس التعاون الخليجي في عدد من المجالات، مثل الاستثمار في البنية التحتية وتجارة السلع والخدمات والتكنولوجيا الرقمية والدفاع. 

 

 

وفي حين برزت الصين خلال العقود الأخيرة كشريك تجاري مهم لعدد من دول مجلس التعاون، وبخاصة السعودية، إذ تعتمد معظم حكومات دول مجلس التعاون الخليجي على تجارة الطاقة لدعم تنويع اقتصاداتها، بينما تطلب الصين النفط والغاز الخليجي لتشغيل اقتصادها. 

وإلى بداية القرن كانت الصين تصدر مجموعة واسعة من السلع مع تكثف استثماراتها وتشييد البنية التحتية، وتنقل التكنولوجيا وتستورد نصف حاجاتها الطاقية من المنطقة.

كما أكدت بكين الأهمية الاستراتيجية لعلاقاتها الاقتصادية مع دول الخليج العربي خلال مناسبات عدة، وأثناء جولته الرسمية في المنطقة عام 2022، أكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي أن بكين تريد "ضخ زخم جديد لتحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتسريع المناقشات حول إنشاء منطقة تجارة حرة".

"طريق الحرير" يمر عبر الشرق الأوسط

  وحتى مع اتخاذ الصين خطوات لتشديد "مبادرة الحزام والطريق" في ظل الانتقادات الصينية لملف الديون في البلدان الفقيرة التي يمر عبرها مشروع الحزام، فإن أنشطة "مبادرة الحزام والطريق" في الشرق الأوسط لم تصل إلى طريق مسدود، ففي يناير الماضي وقعت الصين والمغرب مذكرة تفاهم لتسهيل التنفيذ المشترك لـ "مبادرة الحزام والطريق"، كما تعهد المسؤولون الصينيون بالمضي قدماً في السعي إلى تحقيق الانسجام بين المبادرة "ورؤية مصر 2030"، وخلال النصف الأول من عام 2022 تلقت دول الشرق الأوسط أكبر حصة (33 في المئة) من مشاركة الصين لـ "مبادرة الحزام والطريق"، أي الاستثمار إضافة إلى البناء، و57 في المئة من الاستثمارات.