Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منى مرعي تعود إلى الحرب اللبنانية بعين طفولية حاذقة

في مجموعة "شياطين الدومينو" قصص أناس في بناية بيروتية تحت القصف

من رسوم الأطفال في الحرب اللبنانية (جمعية الفنانين اللبنانيين)

تفيد منى مرعي في عنوان فرعي حملته مجموعتها القصصية "شياطين الدومينو" الصادرة حديثاً عن "دار النهضة العربية"، بأن هذه القصص إنما هي "حكايا وهمية من بناية حي المعلوف". وهذا ما يتجسد فعلاً في القصص القصيرة العشر. تكتب مرعي المتخصصة في النقد المسرحي الأكاديمي، قصص بناية حي المعلوف بين أطفال وراشدين في طريقة سردية موجزة ومقتضبة، وبعيداً من الإطناب، موردة في أحيان كثيرة الأسماء وأسماء العائلات وخصائص كل شخصية على حدة: خصائص خلقية وخلقية.

يقع القارئ إذاً على شخصيات متعددة ومتنوعة من الحياة اللبنانية اليومية من ثمانينيات القرن الـ20. من أولاد وأهل وجيران إلى أقرباء وأتراب. يتعرف القارئ على شخصيات تتصرف وتنمو وتتفاعل في جو الحرب والقذائف والقصف والمضادات الجوية، فالقاصة تسرد أحداثاً خارجة عن السيطرة بصيغة ضمير المتكلم "أنا" أو "نحن" في نوع من التذكر والعودة للوراء والاسترجاع.

يحار القارئ إن وجب فعلاً تصنيف هذا النص ضمن خانة المجموعات القصصية أو ضمن المذكرات أو السيرة الذاتية، فالقصص مترابطة ومتداخلة على أكثر من صعيد. أولاً، الراوية هي نفسها والبناية كذلك والبلد والزمان والشخصيات وفضاء تطور الأحداث. القصص متواصلة متداخلة ومتشابكة لدرجة أن طباع شخصية في إحدى القصص ترافقها إلى القصة التالية، وقد تكون القصة العاشرة والأخيرة، هي القصة الوحيدة التي يمكن إخراجها من حيز هذا التصنيف، فهي الوحيدة التي تعود إلى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الـ20 ولا يقع القارئ فيها على أثر للراوية أو العائلة أو الحرب اللبنانية.

أبطال الدومينو

يثير عنوان هذه المجموعة القصصية فضول القارئ بما لا شك فيه. فمن شياطين الدومينو؟ هل هم كائنات خيالية، فضائية، مخترعة؟ ما العلاقة التي تربط الكاتبة أو الراوية بهم ولماذا هم بالتحديد؟

لكن الإجابة تأتي سريعاً ومنذ الصفحة الأولى، فتقول الراوية: "وكنا نحن كأحجار الدومينو". (ص: 9). تتكرر هذه الجملة في القصة القصيرة الأولى وتوضح للقارئ أن شياطين الدومينو إنما هم الصغار أتراب الراوية وشركاؤها في "الزعرنات" و"الشيطنات" و"الألعاب". حتى أن الراوية تعود في الصفحة التالية لتوكد المعنى هذا، وتفضح مقصد العنوان عندما تقول: "وكنا، نحن، أحجار الدومينو. لم نتحول بعد إلى شياطين". (ص: 10). وكأن شياطين الدومينو هي فئة عمرية ينتقل الصغار فيها من مرحلة أحجار الدومينو البريئة إلى أحجار دومينو شيطانية. إنما لماذا هذه اللعبة بالتحديد؟ ولماذا اختيار عنوان لعبة اجتماعية ودمجها مع اسم كائن شرير سيئ تتحدث عنه الكتب السماوية وتحذر منه؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تأتي صفحة الغلاف التي تقدم مجموعة عناصر مرصوفة معاً على شكل فستان امرأة لتزيد من غموض هذا النص. هل هو فستان الأم؟ هل هو فستان الجارة؟ هل هو فستان المرأة التي ستصبحها الراوية؟ هل هي الحرب التي تعلق في خيوطها كل شخصيات القصص؟

تحتل الحرب حيزاً كبيراً من النص، فهي محرك الأحداث وهي الفضاء الجامع الذي تنضوي تحته الشخصيات. الأحداث في القصص كلها تدور عموماً في سنوات الحرب مع تحديد، أحياناً لسنوات بعينها (1982- 1986- 1987- 1989...). أخبار العائلات والمدرسة والأصدقاء والأعياد والمناسبات والهرب والتنقل والتهجير وسؤال "هل نحن مسلمون أم مسيحيون؟"، تدور كلها ضمن سنوات الحرب اللبنانية من دون أن تتحول الحرب إلى الوحش الذي اعتادت الرواية اللبنانية أن تصوره. الحرب في هذه المجموعة القصصية نوع من خلفية سردية أو إطار زمني لا يؤثر مباشرة في الراوية إلا متى أثر في لعبها مع أصدقائها أحجار الدومينو الآخرين. تقول الراوية بصوت طفولي بريء: "إنها الحرب. تجعلنا نفرح بكل شيء. نفرح لانقطاع التيار الكهربائي بحيث يضيق ذرع أهالينا بنا داخل الغرف الضيقة، فيسمحون لنا باللعب في الكوريدورات. هناك يلتئم جمع أحجار الدومينو ونهوج كموج تحده صرخات أم عماد، المرأة التي يهابها الجميع حتى الرجال". (ص: 60).

"شيطنات" طفولية

من الموضوعات (الثيمات) الجميلة المطروقة في هذه المجموعة القصصية هي موضوع الطفولة وأخبار الصغار ومشكلاتهم وتصرفاتهم ولعبهم و"شيطناتهم". فتقول الراوية: "حين نكون في الخامسة أو السادسة من العمر، يأتي الجحيم صغيراً بحجم سيارات ’الماتشبوكس‘ كي يكون مؤاتياً لحجمنا". (ص: 26). أخبار سريعة عن أحوال اللعب والمنافسة والمؤامرات تقدمها مرعي في أسلوب تصويري وصفي قد تكون برعت فيه بفضل خبراتها المسرحية. فالنصوص كلها مكتوبة بأسلوب تصويري إيحائي ينقل القارئ إلى البناية والحي والدرج و"الكوريدور"، وغيرها من الأماكن التي يتنقل بينها أصدقاء الراوية من "أحجار الدومينو" الصغار.

"شياطين الدومينو" مجموعة قصصية سلسلة تقدم قراءة استعادية، سهلة وذكية، لأيام الطفولة واللعب مع الأتراب والتكاتف على الأهل في زمن الحرب اللبنانية. لغة الراوية نفسها تتعمد توظيف الجمل السهلة البسيطة التي قد تستعملها أية فتاة صغيرة في السن. وكأن اللغة نفسها أصبحت أداة بيد الكاتبة لمحاولة الإمساك بالذاكرة والتاريخ والماضي. تقول الكاتبة منى مرعي في حضور واضح لها يخترق نصها ويتحدى دور الراوية: "كم عدد الحكايات التي يتوجب علي إعادة ترتيب تفاصيلها كي تبلغ انسيابها المرجو في الذاكرة؟ هذا الأثر الذي يتبقى من الحروب التي حصلت والتي لم تحصل. أضحك". (ص: 36).

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة