Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف نفهم انخفاض المواليد وارتفاع السكان في مصر؟

118 طفلاً كل ساعة ومطالب بتسريع جهود تنظيم الأسرة لوقف قطار الزيادة الذي يدهس التنمية الاقتصادية

عدد سكان مصر ارتفع 250 ألف نسمة خلال 56 يوماً فقط (أ ف ب)

على الرغم من مرور نحو 50 عاماً على أول البرامج الحكومية الخاصة بالقضية السكانية في مصر، فإن بركان الزيادة السكانية لا يزال آخذاً في الانفجار.

عدد سكان مصر ارتفع 250 ألف نسمة خلال 56 يوماً فقط، ليصل في الداخل إلى 104 ملايين و250 ألف شخص. وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن مصر تزيد مليون نسمة كل 221 يوماً، بمعدل 4625 يومياً، أي 118 مولوداً جديداً في كل ساعة، ما يعني مولوداً كل 19 ثانية.

القضية السكانية التي تصفها الدولة بالأزمة لا يكاد يخل منها أي حديث للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي منذ توليه السلطة، باعتبارها معوقاً رئيساً لجهود التنمية، وكان آخرها كلمته اليوم الخميس خلال افتتاح مدينة المنصورة الجديدة، حيث قال إن الزيادة السكانية المستمرة "تلتهم معدلات النمو التي يجري إنجازها". مؤكداً أن بناء المدن الجديدة "لا يمثل رفاهية، بل هو ضرورة قصوى في ضوء الزيادة السكانية المطردة والحاجة الملحة لامتدادات عمرانية متكاملة لاحتواء هذه الزيادة".

وفي كلمته بالمؤتمر الاقتصادي 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قال إن الزيادة السكانية المستمرة هي "أزمة تئن منها الدولة وتستمر المعاناة بسببها، على الرغم من الحديث عنها طيلة العقود الماضية". مضيفاً، أن تلك الأزمة تدفع للتساؤل في شأن ما إذا كانت المؤسسات الدينية والصحية والتعليمية بذلت جهوداً قوية لمواجهة تحدي الزيادة السكانية وتوعية المواطن، وأن الدولة لا يمكن أن تكون مسؤولة عن الإنفاق عن كل الأسر.

انخفاض المواليد

الإعلان عن الزيادة الجديدة جاء بعد ثلاثة أشهر من تقرير حكومي كشف انخفاضاً كبيراً في معدل المواليد، الذي بلغ 2.85 مولود لكل سيدة، وفق المسح الصحي للعام الماضي، مقابل 3.5 مولود لكل امرأة وفق مسح عام 2014، لكن مستشار رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حسين عبدالعزيز رفض الربط بين الرقمين.

وأشار عبدالعزيز إلى أن هناك "زيادة موسمية" للمواليد تحدث في بعض الأشهر من كل عام، وهي بين يوليو (تموز) إلى أكتوبر، بالتالي الزيادة بمقدار ربع مليون نسمة جاءت جزئياً في تلك الأشهر.

وقال عبدالعزيز، لـ"اندبندنت عربية"، إن متوسط الإنجاب لدى المصريات كان في عام 2014، 3.5 مولود لكل سيدة، وتراجع إلى 2.85 مولود وفق آخر مسح صحي أعلنت نتائجه في أغسطس (آب) الماضي.

وأكد أن أثر ذلك الانخفاض يظهر تدريجياً، حيث انخفض عدد المواليد من 2.7 مليون عام 2014 إلى 2.2 مليون سنة 2021، وهو ما يصفه بالإنجاز.

ورفض عبدالعزيز ما يتردد في شأن الفشل في الملف السكاني طيلة 50 عاماً، لأن متوسط عدد الأطفال للأسرة كان سبعة في بداية اهتمام الدولة بالملف السكاني، لكنه الآن أقل من ثلاثة، بالتالي فقد تحقق إنجاز، لكنه يبقى أقل من المأمول، لأن إمكانات الدولة ما زالت لا توازي حجم الزيادة السكانية.

وتنص المادة 41 من الدستور المصري على أن "تلتزم الدولة بتنفيذ برنامج سكاني يهدف إلى تحقيق التوازن بين معدلات النمو السكاني والموارد المتاحة، وتعظيم الاستثمار في الطاقة البشرية وتحسين خصائصها، وذلك بإطار تحقيق التنمية المستدامة".

معدل الإنجاز

ولفت مستشار رئيس جهاز التعبئة العامة والإحصاء إلى أن معدل "الإنجاز" لا يسير بالسرعة المطلوبة، ولا بد من اتخاذ بعض الخطوات لتسريع الوتيرة، مشيراً إلى أن المسح الصحي السكاني كشف وجود 14 في المئة من السيدات لديهن "حاجات غير ملباة" وهن راغبات في تنظيم الأسرة لكنهن لم يجدن الوسائل الملائمة، ما يعني أن الوصول إليهن سيقلل من المواليد.

كذلك 20 في المئة من المواليد خلال السنوات الخمس الأخيرة كانوا "غير مخططين" بمعنى أن الوالدين لم يكونا راغبين بالإنجاب في ذلك التوقيت أو لم يكونا راغبين من الأساس فيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن في الوقت نفسه أشار عبدالعزيز إلى الوصول لنسبة "لا بأس بها" في ممارسة تنظيم الأسرة، وهي 66 في المئة من السيدات المتزوجات، إلا أن الدولة تحتاج إلى جهد أكبر للوصول إلى نسبة 75 في المئة مثلاً، وبذل مزيد من الجهد لنشر تنظيم الأسرة بالمناطق ذات معدل الإنجاب المرتفع وبالتحديد ريف الوجه القبلي، الذي يزداد فيه متوسط الإنجاب بنحو طفل عن المتوسط العام.

وأكد أن ذلك يحتاج إلى تضافر جميع المؤسسات والجهات، سواء وزارة الصحة أو المؤسسات التعليمية، وكذلك الهيئات الدينية لنشر التوعية الدينية وكذلك الإعلام.

في مارس (آذار) الماضي، أطلقت الحكومة المصرية المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، الذي من بين أهدافه رفع وعي المواطن بالمفاهيم الأساسية للقضية السكانية وبالآثار الاجتماعية والاقتصادية للزيادة السكانية، من خلال استهداف ستة ملايين سيدة في سن الإنجاب ومليونين من الشباب المقبل على الزواج، وذلك في نحو 1520 قرية على مستوى 52 مركزاً بـ20 محافظة.

إلا أن المتخصصة في التربية ولاء شبانة ترى أن المشروع على الرغم من أهدافه الجيدة فإنه لا يصل بالشكل المطلوب لجمهوره المستهدف، مطالبة بالتركيز على النزول للشوارع والمنازل وعدم الاكتفاء ببث رسائل إعلامية، خصوصاً مع ضعف التعرض للإعلام في كثير من المناطق.

وقالت شبانة، لـ"اندبندنت عربية"، إن المناهج التعليمية يمكنها لعب دور في توعية الفتيات، خصوصاً بالمرحلة الثانوية، عبر مفاهيم صحة الأسرة، وكذلك يمكن أن تلعب المدرسة دوراً في الوصول إلى الأسر من خلال أولياء أمور الطلاب عبر فرض تدريبات إجبارية للتوعية بالقضية السكانية كشرط لالتحاق أبنائهم بالمدارس، وغيرها من الأفكار التي تسهم في إيصال الرسائل التي تريد الدولة توصيلها للمواطن.

استمرار الزيادة السكانية بمعدلاتها الحالية قد يعني نتائج كارثية في المستقبل، فبحسب تصريحات صحافية لنائب وزير الصحة طارق توفيق، فإن هناك 3 سيناريوهات لمعدلات الزيادة، أولها أن يكون معدل الإنجاب 3.5 طفل لكل سيدة ويعني ذلك وصول عدد السكان إلى نحو 183 مليون نسمة عام 2050، أما في حال ثبات معدل الإنجاب عند 3.07 طفل لكل سيدة سيكون عدد السكان المتوقع 160 مليون نسمة في عام 2050.

أما السيناريو الأكثر تفاؤلاً، فهو نجاح الاستراتيجية القومية للسكان والوصول بمعدل الإنجاب إلى 2.4 طفل لكل سيدة ما يعني وصول عدد السكان إلى نحو 152 مليون نسمة في عام 2050.

استمرار الزيادة

بترجمة تلك الزيادة على الخدمات للمواطنين، فإن استمرار معدل الإنجاب بين ثلاثة وأربعة أطفال للأسرة يعني أن عدد المدارس الذي يصل حالياً إلى 37 ألفاً تستوعب 20 مليون طالب و964 ألف مدرس، ستحتاج الدولة لزيادتها إلى 70 ألف مدرسة وتوفير 1.8 مليون معلم لتلبية احتياجات 38 مليون طالب في حال وصول عدد السكان إلى 192 مليون نسمة عام 2052، وفق دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وفي القطاع الطبي، يوجد حالياً 128 ألف طبيب يعاونهم 214 ألف ممرض في ألفي مستشفى، بينما تحتاج مصر إلى مضاعفة تلك الأعداد في عام 2052، إذ سيصل عدد الأطباء المطلوب توافرهم إلى 257 ألف طبيب يعاونهم 429 ألف ممرض في أربعة آلاف مستشفى، في حين أن تناقص معدل الإنجاب إلى 2.1 طفل لكل أسرة سيتطلب توفير 207 آلاف طبيب و345 ألف ممرض وثلاثة آلاف مستشفى.

وأشار صندوق الأمم المتحدة للسكان إلى أن 59 في المئة من النساء المتزوجات بمصر يستخدمن وسائل تنظيم الأسرة وفق أرقام عام 2014، وزادت تلك النسبة إلى 66 في المئة عام 2021، ما يعني تزايد انتشار تلك الوسائل بين المصريات.

وأعلنت وزارة الصحة، الإثنين الماضي، بدء إطلاق حملة "نظمي" للتعريف بمفهوم صحة الأسرة والصحة الإنجابية للعاملات والعاملين بالجهاز الإداري للدولة مجاناً، وذلك بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، حيث تشمل الحملة 16 وزارة على مدار ثلاثة أشهر ثم تمتد لباقي الوزارات.

وتعمل المؤسسات الدينية الرسمية على نشر الوعي بتنظيم الأسرة، حيث أصدرت دار الإفتاء فتوى تؤكد أنه جائز شرعاً، وفق الوسيلة التي تناسب ظروف الزوجين، وفي فبراير (شباط) 2021، أطلقت وزارة الأوقاف حملة للتوعية بتحديد النسل.

وضمن جهود التوعية، تطلق وزارة التعليم المصرية شراكة مع الأمم المتحدة لدمج مفاهيم الصحة الإنجابية في النظام التعليمي، بما يشمل المدارس الإعدادية والثانوية، بهدف "تثقيف الشباب والسكان في سن الإنجاب حول تنظيم الأسرة من خلال أساليب مختلفة بما في ذلك دمج التعليم السكاني الشامل في المناهج المدرسية"، وفق بيان لمكتب الأمم المتحدة قبل أيام.

القانون هو الحل

أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق يرى أن الحكومة المصرية عجزت وفشلت في كبح جماح الزيادة السكانية على مدار عقود، لأنها اعتمدت فقط على "المواعظ" والعمل على رفع مستوى الوعي، بدلاً من اللجوء إلى قوانين رادعة تجبر المواطن على الاكتفاء بطفلين.

وقال صادق، لـ"اندبندنت عربية"، إن على الدولة فرض ضريبة خاصة لمن ينجب الطفل الثالث، وتتضاعف في حال إنجاب الرابع وهكذا، إضافة لإلزام الراغبين في الزواج بتقديم دليل على أنه متعلم، مثل شهادة محو أمية، وهو ما يحد من الزواج في المناطق الريفية.

وأضاف أن الانخفاض في معدل المواليد على مدار السنوات الماضية نتاج ضبط الطبقتين العليا والمتوسطة لمعدلات الإنجاب، لكن الطبقة الدنيا ما زالت محتفظة بأفكار "العيل بييجي برزقه" وغير مبالين بممارسة تنظيم الأسرة، على الرغم من أن العدد الكبير من الأطفال يحرمهم من الحصول على حياة وتعليم لائق، بسبب التركيز على الكم بدلاً من الكيف، بحسب تعبيره.

وبحسب تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تزيد نسبة الفقراء مع زيادة حجم الأسرة، حيث تشكل نسبة الفقراء بين الأسر المؤلفة من أقل من أربعة أفراد نحو 7.5 في المائة، بينما الأسرة المكونة من 10 أفراد أو أكثر 80 في المئة منهم فقراء.

الإرادة السياسية

قبل ثلاث سنوات اقترح أحد أعضاء مجلس النواب مشروع قانون يمنح مزايا إضافية للأسرة التي لا تنجب أكثر من طفلين، مثل تخصيص نسبة لا تقل عن خمسة في المئة للالتحاق بالكليات والمعاهد العسكرية والشرطية، وأسبقية لأداء فريضة الحج بالقرعة لأحد الوالدين أو كليهما عند بلوغ سن الخمسين، إلى جانب منح أحد الوالدين علاوة خاصة على الراتب حتى بلوغ الابن الثاني 10 سنوات، ومعاشاً إضافياً حين بلوغه سن الـ60، إضافة إلى تخصيص خمسة في المئة من مشروعات الدولة في الإسكان الاجتماعي، وتخفيض الرسوم الدراسية بنسبة 20 في المائة، وتخصيص نسبة لا تقل عن خمسة في المئة للتعيين بالوظائف الشاغرة في الجهاز الإداري للدولة، لكن مشروع القانون لم يجد طريقه للإصدار.

وأرجع أستاذ علم الاجتماع عدم صدور مثل تلك القوانين إلى عدم وجود إرادة سياسية للاصطدام مع العادات والتقاليد المتجذرة في المجتمع المصري، مثل الثقافة الذكورية التي ترى في كثرة الإنجاب دليلاً على القوة، وكذلك عدم تصدي البرلمان للقضايا الأساسية إرضاء للشارع.

 وأشار إلى أن الضغط الاقتصادي المتزايد على موارد الدولة يضغط على الحكومة لسن تشريعات تكبح جماح الزيادة السكانية، لأنه مهما زادت معدلات التنمية فإن الزيادة السكانية تحبطها، لأن تعداد مصر يزداد بنحو 2.5 مليون نسمة سنوياً، ما يوازي نحو ربع سكان تونس وثلث سكان لبنان على سبيل المثال.

ولفت إلى أن علماء الاجتماع المصريين حذروا من عدم تناسب موارد الدولة مع الزيادة السكانية منذ الثلاثينيات من القرن الماضي.

ووفق تقارير حكومية، فإن مصر جاءت في المرتبة الأولى على مستوى الدول العربية من حيث عدد السكان، والثالثة أفريقياً، والـ14 عالمياً، ومن المتوقع أن يساوي عدد سكان مصر في عام 2050 إجمالي عدد سكان 15 دولة أوروبية.

تضاعف الأعداد

تضاعف عدد سكان مصر مرات عدة بدءاً من عام 1850 حين كان التعداد نحو خمسة ملايين، وبعد 100 سنة وصل العدد إلى 20 مليوناً ثم تضاعف إلى 40 مليوناً عام 1978، وفي عام 2007 بلغ عدد المصريين 70 مليوناً ثم 92 في عام 2016، وتخطى الـ100 مليون في 2020.

وبدأت مصر في منتصف السبعينيات من القرن الماضي برامج لتنظيم الأسرة، ونجحت في خفض معدل خصوبة المرأة المصرية من 5.6 طفل لكل امرأة عام 1976 إلى ثلاثة أطفال في 2008، لكن مع إهمال ملف الزيادة السكانية في أعقاب عدم الاستقرار السياسي ارتفعت نسبة الخصوبة إلى 3.5 طفل للمرأة في 2014، لكن الدولة عادت إلى الاهتمام بالملف عبر إطلاق حملة "2 كفاية" في يناير (كانون الثاني) 2019، وهي حملة إعلامية وتوعوية تدعو إلى الاكتفاء بطفلين.

المزيد من تقارير