Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يبتلع التضخم الطبقة المتوسطة في تونس؟

سجل مستويات قياسية في أكتوبر ومتخصصون يحذرون من ضرب الاستهلاك ومطالبات بتحديد هامش ربح للمنتجين

ارتفاع أسعار السلع والتضخم تسببا في تراجع القدرة الشرائية لدى التونسيين (أ ف ب)

يواصل التضخم في تونس الارتفاع، بالتزامن مع اضطراب الأسواق وعدم توافر السلع الغذائية وزيادة أسعارها، ما يعد محركاً ومنذراً بتوتر اجتماعي، خصوصاً في ظل توقعات متزايدة تشير إلى استمرار وتيرة التضخم في الأشهر المقبلة، بعد أن بلغ مستويات قياسية عند 9.2 في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تلك النسبة التي لم تسجلها تونس منذ أكثر من 30 سنة، مع توقعات بتخطيه حاجز الـ11 في المئة، مما دفع المتخصصين إلى إطلاق تحذيرات من انعكاس ذلك على القدرة الشرائية للتونسيين واتساع رقعة الفقر، وتراجع الطبقة المتوسطة.

وارتفعت أسعار المواد الغذائية نسبة إلى الانزلاق السنوي (الناتج المحلي الإجمالي) بنحو 12.9 في المئة، نتيجة لزيادة أسعار البيض بنحو 33.3 في المئة، وكذلك لحم الضأن 21.1 في المئة، والزيوت الغذائية 20.8 في المئة، والخضر الطازجة 18.5 في المئة، ولحوم البقر 15.1 في المئة، وأسعار الدواجن 15 في المئة.

كما ارتفعت أسعار مجموعة التغذية والمشروبات 0.8 في المئة في أكتوبر الماضي مقارنة بسبتمبر، تأثراً بارتفاع أسعار البيض 11.3 في المئة، ومجموعة الأجبان ومشتقات الحليب 3.4 في المئة، وأسعار لحم الضأن 2.5 في المئة، إلى جانب ارتفاع أسعار لحم البقر 2.2 في المئة، بينما تراجعت أسعار الدواجن 2.7 في المئة، وفقاً لبيانات المعهد الوطني للإحصاء التونسي.

وحول المواد المصنعة سجلت ارتفاعاً  9.6 في المئة بأسعارها مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي ويفسر ذلك بالزيادة التي عرفتها أسعار مواد البناء 10.3 في المئة والملابس والأحذية 9.7 في المئة، ومواد التنظيف 9.4 في المئة، وارتفعت أيضاً أسعار الخدمات، وأدى ارتفاع الأسعار المحددة من قبل المطاعم والمقاهي والنزل 9.6 في المئة في زيادة أسعار الخدمات في المجمل 6.2 في المئة، بينما ارتفعت أسعار الملابس والأحذية 6.1 في المئة في أكتوبر الماضي مقارنة بسبتمبر، تزامناً مع انتهاء موسم التخفيضات وزادت أسعار الملابس 6.1 في المئة، والأحذية 7.3 في المئة، والأقمشة 1.2 في المئة، والأكسسوارات 2 في المئة في الوقت الذي سجلت أسعار المساكن والطاقة المعتمدة منزلياً ارتفاعاً 0.7 في المئة بسبب الزيادات في أسعار مياه الشرب العمومي، وخدمات التطهير 5.4 في المئة.

وشمل التضخم الأسعار المؤطرة (المدعمة) وكذلك الحرة، وعرف التضخم الضمني في شهر واحد (من دون احتساب الطاقة والتغذية) زيادة بلغت 7.4 في المئة، في حين ارتفعت أسعار المواد الحرة 10.3 في المئة مقابل 6 في المئة للمواد المؤطرة، وناهزت الزيادات للمواد الغذائية الحرة بحساب الانزلاق السنوي 15.3 في المئة مقابل 0.5 في المئة بالنسبة للمواد الغذائية المؤطرة.

وفقاً لما سبق شهد مؤشر أسعار الاستهلاك للعائلة التونسية ارتفاعاً واحداً في المئة خلال الشهر الماضي مقارنة بالشهر السابق له، في حين سجل 1.1 في المئة في سبتمبر، ويعود التطور في الأسعار بالأساس إلى ارتفاع أسعار الملابس والأحذية والمواد الغذائية، وأسعار المساكن والطاقة المنزلية.

ناقوس خطر

من جهته، دق رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك (هيئة مستقلة) لطفي الرياحي ناقوس الخطر تجاه انفلات الأسعار في الأسواق الحرة وقال لـ"اندبندنت عربية" إن "النسب المعلنة لا تعبر عن التضخم الحقيقي في البلاد الذي يشعر به المستهلكون، فهو أعلى من التقديرات التي تعتمدها الجهات الرسمية".

وحذر الرياحي من الزيادات المتتالية غير المدروسة في أسعار المحروقات، معتبراً إياها "سبباً رئيساً في ارتفاع أسعار السلع والخدمات، خصوصاً النقل الذي يمثل أساس الانفلات الحاصل"، موضحاً أن "هناك ارتباطاً وثيقاً بين ارتفاع أسعار السلع والنقل، إذ يعد الأخير المعني بحركة تدفق السلع في الأسواق الداخلية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال إن "الحكومة سعت إلى الحفاظ على ضخ السيولة لدعم بعض المواد الأساسية الغذائية المؤطرة للتخفيف من حدة ارتفاع الأسعار، وعلى رغم الاضطراب في التزويد فإن الوضع يختلف مع المواد ذات الأسعار الحرة التي تشهد زيادات غير مبررة لا تعكس تكاليف الإنتاج".

ودعا رئيس المنظمة الحكومة إلى توسيع قائمة المواد المؤطرة وتحديد هامش الربح لدى المنتجين والسيطرة على مسالك توزيع السلع للضغط على التضخم المنذر باتساع رقعة الفقراء، إذ تصل معدلات الفقر في تونس إلى 18.9 في المئة على اعتبار خط 5.5 دولار لاحتساب المقدرة الشرائية وفق بيانات البنك الدولي في ظل نسبة بطالة فاقت 15 في المئة في السنة الراهنة.

تراجع القدرة الشرائية

في المقابل، رفض عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، منير حسين، وصف التفاقم المسجل بالتضخم المستورد، معتبراً أنه عامل من جملة معطيات أخرى مرتبطة بالتعامل الحكومي منذ سنوات مع الوضعية الاقتصادية المتأزمة والأسلوب المعتمد لإعادة هيكلة الاقتصاد التونسي الذي يشكو غياب الاستراتيجية المناسبة للواقع ومراعاة الأبعاد الاجتماعية للسياسة الاقتصادية.

وتابع أنه "تم الانفتاح على السوق الذي انتهجته تونس منذ عقود في المقابل لم ترتفع الأجور أسوة بالبلدان المتبعة لسياسة الانفتاح".

وحول التضخم قال حسين إن "نواته تتمثل في الانطلاق بتحرير الأسعار والتخلي التدريجي عن الدعم، تزامناً مع تعويم الدينار التونسي وهو ما تسبب في فقدانه جزءاً كبيراً من قيمته وتدني سعره تجاه اليورو"، مؤكداً أن "الاتحاد الأوروبي هو الشريك الاقتصادي الأول لتونس ما مهد لارتفاع أسعار الأسمدة المعتمدة في الزراعة والمواد الأولية المستعملة في تصنيع الأغذية، علاوة على الخدمات التي اشتعلت أسعارها كنتيجة حتمية للزيادات في أسعار المواد النفطية".

وأشار إلى أن "الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من عشر سنوات تتحمل مسؤولية عدم التخطيط لاستبدال منوال تنموي برمته لتجسيد اقتصاد السوق، إذ لم يقع تنشيط الاستثمار ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة لخلق الثروة بالتوازي مع تحرير الأسعار ورفع الدعم".

الفئات الفقيرة كبش فداء

وتابع حسين أن "عواقب ذلك كانت تقديم الفئات الفقيرة كبش فداء لإنجاح هذا الانتقال المشوه والمنقوص وتنفيذ الالتزامات مع الجهات المانحة، مع فقدان الجزء الأعظم من الطبقة المتوسطة في تونس لتوازنها وإصابتها بالهشاشة والتحاقها بالفئة الفقيرة، بعد أن كانت مفخرة النموذج التونسي لعقود سابقة".

وحذر عضو الهيئة المديرة للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، من أن "الارتفاع المخيف في نسب التضخم يضرب أحد أهم محركات الاقتصاد وهو الاستهلاك بالتالي تعثر الإنتاج وإعاقة النمو".