Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن و"طالبان"... هل يحسم الاتفاق المرتقب 20 عاما من الحرب؟

المباحثات تتضمن انسحاب أميركا عسكريا مقابل تطهير البلاد من الإرهاب... ومراقبون: إنجازه مرهون بدمج الحركة في السلطة

المبعوث الأميركي للسلام في أفغانستان زلماي خليل زاده خلال حديث مع ممثلين من طالبان بالدوحة (أ.ف.ب)

استأنف المفاوضون الأميركيون وممثلو حركة طالبان الأفغانية، اليوم الثلاثاء، محادثات السلام في قطر وسط أجواء "يخيم عليها التفاؤل"، وفق تعبير دبلوماسي أميركي رفيع المستوى، لقرب التوصل لاتفاق نهائي قد ينهي نحو عقدين من الحرب المستعرة في هذا البلد الآسيوي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتأتي مؤشرات التفاؤل وفق تعبير الدبلوماسي الأميركي الذي تحدث لـ"اندبندنت عربية"، بالتزامن مع توصل الحركة المتشددة ومسؤولون حكوميون أفغان للتوافق بشأن إعداد "خارطة طريق للسلام" والالتزام بـ"الحد من العنف" في البلد الغارق بالفوضى منذ 18 عاماً، بعد أشهر من المباحثات تقدمت حينا وتراجعت أحيانا.

وبحسب الدبلوماسي الأميركي، "بات الطرف الأميركي وطالبان على مقربة من تحقيق اتفاق والتوصل لسلام، جوهره قائم على انسحاب واشنطن العسكري من أفغانستان بحلول سبتمبر (أيلول) المقبل، مقابل تعهد الحركة بعدم السماح باستخدام أفغانستان كقاعدة للإرهاب". ومع الاقتراب من إنجاز الاتفاق، يتساءل المراقبون بشأن قدرة هذا الاتفاق على تحقيق صمود في وجه التحديات العالقة أمامه، سواء على الأرض أو فيما يتعلق بدمج الحركة في السلطة مجددا؟، فضلا أن خيارات واشنطن في أفغانستان ما بعد الانسحاب؟.

وتتباين الآراء بشأن احتمالية إسهام الاتفاق في انتشال الولايات المتحدة نفسها من أطول حرب خاضتها على الإطلاق، أو ربما لا يجلب السلام بين الحكومة الأفغانية المدعومة أميركيا، ومن تصفهم بـ"المتشددين".

 

 

مؤشرات إيجابية

بعد أشهر من مباحثات أميركية مضنية مع حركة طالبان منذ يوليو (تموز) من العام الماضي، تخللتها زيارات مكوكية لمسؤولين أميركيين لأفغانستان ودول الجوار، تحاول واشنطن جاهدة الانسحاب من البلد الغارق في "العنف والحرب" تنفيذا لأحد الوعود الانتخابية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترمب قبل وصوله إلى البيت الأبيض في يناير (كانون الثاني) 2017.

وأخيرا وبعد أشهر، جاءت أبرز المؤشرات الإيجابية في وقت متأخر من مساء الاثنين، حيث تعهّدت حوالى 70 شخصية أفغانية (تمثّل كلّاً من حركة طالبان والحكومة والمعارضة والمجتمع المدني) في بيان صدر في ختام مباحثات سلام استضافتها الدوحة على مدار يومين، بـ"إعداد (خارطة طريق للسلام) والوصول إلى هذا الهدف. ووعد المندوبون الأفغان بـ(الحدّ من العنف) والعمل على عودة المهجّرين ورفض تدخّل القوى الإقليمية في الشؤون الداخلية الأفغانية".

وبحسب البيان الختامي الصادر عن الاجتماع الثالث بين طالبان وسياسيين أفغان، عقب اجتماعين مماثلين عُقدا بموسكو في مايو (أيار) وفبراير(شباط) الماضيين، "فإنّ المشاركين تعهّدوا بضمان حقوق المرأة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، وفقاً للإطار الإسلامي للقيم الإسلامية". وقالت المديرة التنفيذية لـ"شبكة النساء الأفغانيات" ماري "إنّ هذا ليس اتفاقاً، بل أساسٌ لبدء النقاش". وأضافت "الجيّد في هذا هو أنّ الطرفين اتّفقا".

ووقع البيان الختامي في 700 كلمة، وقرأه بلغة البشتون أمير خان متّقي الذي كان وزيراً في نظام طالبان السابق (1996-2001)، وبلغة الداري حبيبة سرابي، نائبة رئيس المجلس الأعلى للسلام في أفغانستان، الذي أنشأه الرئيس السابق حميد كرزاي. وقوبل بتصفيق حارّ من المشاركين.

وكان المبعوث الألماني إلى أفغانستان ماركوس بوتزل، الذي شاركت بلاده مع قطر في تنظيم اجتماع الدوحة قال، بعيد اختتام الاجتماع، "إنّ أهمّ ما ورد في البيان الختامي هو النداء والوعد بالحدّ من العنف في أفغانستان". ووفق مراقبين "مثّلت مشاورات الدوحة محاولة جديدة لتحقيق اختراق سياسي".

وعدّ اللقاء الأول في موسكو اختراقا بين الطرفين. وفي مشاهد استثنائية استمع مسؤولو طالبان لنساء تحدثن في اجتماع موسكو، وهو الأمر الذي لم يكن يمكن تصوره إبان حكم طالبان الذي أطاحت به القوات التي تقودها الولايات المتحدة في 2001. وطرحت طالبان أيضا رؤيتها على الحاضرين أمام عدسات التلفزيون في مشهد نادر بعد سنوات من رفض الحركة الجلوس مع ممثلي الحكومة الأفغانية.

وبعيد انتهاء المباحثات المباشرة بين طالبان والمسؤولين الأفغان، استأنفت اليوم الثلاثاء الولايات المتحدة المفاوضات مع طالبان، رغم إجراء المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد مباحثات منفصلة مع ممثلي الحركة خلال الساعات الماضية، لبحث سبل التوصّل لاتفاق يتيح انسحاب القوات الأميركية مقابل عدد من الضمانات.

وأكّد زلماي خليل زاد، السبت الماضي، "أنّ الجولة السابعة من مناقشات السلام التي تجريها الولايات المتحدة مع حركة طالبان هي الأكثر إنتاجية حتى الآن". موضحاً: "للمرة الأولى يمكنني القول إننا أجرينا نقاشات معمّقة، مفاوضات، وأحرزنا تقدّماً في النقاط الأربع، وهي الإرهاب، وانسحاب القوات الأجنبية والمفاوضات الأفغانية الداخلية ووقف إطلاق النار".

في المقابل، أعرب المتحدث باسم طالبان في قطر سهيل شاهين عن ارتياح الحركة للمفاوضات الحالية مع الولايات المتحدة. وكتب على تويتر "نحن مسرورون بالتقدم الذي أُحرز، ونأمل أن يتم إنجاز العمل المتبقي. لم نواجه أي عراقيل حتى الآن".

ملامح الاتفاق الأميركي مع طالبان

بحسب دبلوماسيين أميركيين، "يركز الاتفاق المتوقع إتمامه بين واشنطن وطالبان، على بندين رئيسيين هما الانسحاب الأميركي من أفغانستان، وتعهّد الحركة بعدم توفير قاعدة لجماعات إرهابية"، وهو ما قالت الولايات المتحدة إنّه أحد أسباب الاجتياح الأميركي لهذا البلد قبل 18 عاماً.

الدبلوماسيان، وإن تطابق حديثهما بشأن تفاؤل الأوساط الأميركية الرسيمة بقرب التوصل لاتفاق مع طالبان وإنجاز مهمة الانسحاب، فإنهما أشارا في الوقت ذاته إلى وجود بقاء القضايا العالقة لا سيما فيما يتعلق بملف حقوق المرأة ومشاركة الحركة في السلطة، فضلا عن دور القوي الإقليمية في أفغانستان، وبينها الهند وباكستان.

وبحسب الدبلوماسيين، "فإن أهم ما يميز المرحلة الراهنة من التفاوض هو وجود الإرادة السياسية لتحقيق اختراق، فضلا عن التوافق الواسع في الداخل الأميركي لإنجاز الانسحاب العسكري من أفغانستان"، وأوضحا "أن الجولة الأخيرة من التفاوض كانت الأكثر مصارحة، وعزما في المضي قدما نحو تحقيق اتفاق سلام"، مشيرين إلى "أن أحد أبرز الأمور التي كانت تعثر المفاوضات هي تمسك الحركة بـضمانات أميركية كافية لتخليها عن السلاح".

في الاتجاه ذاته، أوضح مسؤول أوروبي تنخرط بلاده في الملف الأفغاني، أن "الإرادة السياسية متوافقة للوصول إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان"، معربا عن اعتقاده هو الآخر "بقرب أجل إعلان الاتفاق وسحب القوات الأميركية من  أفغانستان".

وبحسب تقارير أميركية فإن مسعى الرئيس ترمب لسحب القوات الأميركية المتبقية في أفغانستان، (عددها 14 ألف عسكري)، من أحد الأمور القليلة التي تحظى بتوافق واسع في الأوساط الأميركية، في خطوة من شأنها وقف العملية العسكرية التي بدأت باجتياح واشنطن لأفغانستان في أعقاب اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

وأعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال زيارة إلى كابول أواخر يونيو (حزيران) الماضي أن بلاده تسعى إلى اتفاق مع متمردي طالبان قبل الأول من سبتمبر (أيلول) المقبل، أي قبل موعد الانتخابات الأفغانية التي قد تشكل عامل فوضى.

 

أي مستقبل ينتظر الاتفاق؟

فيما لا تزال المؤشرات على الأرض توحي بصعوبة التوقف السريع والعاجل لأعمال العنف بشكل عاجل أو على المدى القصير، تتباين آراء المحللين والمراقبين بشأن مستقبل الاتفاق الذي قد تتوصل إليه واشنطن وطالبان، وانعكاساته على الواقع.

وتزامناً مع اجتماع الأطراف الأفغانية بالدوحة، شهدت البلاد الأحد الماضي هجمات دامية لمسلحين ألقت بظلالها على جهود إنهاء الحرب، حيث فجّرت طالبان سيارة ملغومة أمام مجمع أمني حكومي وسط البلاد، ما أسفر عن مقتل 14 شخصا وإصابة 180 بينهم عشرات الأطفال.

وبحسب الإحصاءات الأممية فإن 3804 مدنيين، بينهم أكثر من 900 طفل، قتلوا وأصيب 7 آلاف في 2018 ليكون بذلك العام الأكثر دموية بالنسبة للمدنيين خلال الصراع في أفغانستان، بالتوازي مع اتساع سيطرة طالبان وبسط نفوذها على مساحات من الأراضي الأفغانية أكبر من أي وقت مضى منذ الإطاحة بها من السلطة في 2001. ما يدفع المراقبين من تقليل رؤيته المتفائلة بشأن نجاح الاتفاق المرتقب على الأرض.

وبحسب مايكل أوهانلون، مدير قسم الأبحاث لدى مجلة "فورين بوليسي"، "فإن أحد المؤشرات السلبية في نجاح أي اتفاق هو قلة الثقة بين طالبان والحكومة الأفغانية بقيادة الرئيس أشرف غني التي تعتبرها الحركة منعدمة الشرعية ودمية في يد الولايات المتحدة"، وهو ما قد يلقي بظلاله بين الحين والآخر على أي مسارات مستقبلية للعلاقة بين الطرفين.

وذكر أوهانلون، "أن احتماليات تمسك طالبان بقوة مسلحة منفصلة في مواجهات القوات الحكومية، سيكون أشبه بتقنين الأوضاع نحو احتمالات اندلاع حرب أهلية في أي وقت". ومن ثمّ "فإنه يعتبر أنه من الضروري أن تترك الولايات المتحدة للأطراف الأفغانية التفكير في شكل المبادلات، والمقايضات السياسية الكفيلة بتلبية المطالب الأساسية، وتهدئة مخاوف وهواجس كل طرف".    

في المقابل، أوضحت مديرة قسم آسيا في مجموعة الأزمات الدولية لورل ميلر "أنه على الرغم من وجود المؤشرات الكافية لقرب التوصل لاتفاق بين الولايات المتحدة وطالبان قبل سبتمبر (أيلول) المقبل، لكن اتفاقا بين الطرفين حصرا لا يعني اتفاق سلام لأفغانستان". وتابعت "مثل هذا الاتفاق لا يعالج المسألتين الجوهريتين الصعبتين حول الدور الذي ستلعبه طالبان أو لا تلعبه في السلطة في أفغانستان، وما الذي سيحل بالحكومة الحالية وبنظام الحكم الذي أسهمت الولايات المتحدة في قيامه".

بدوره يقول مايكل كوغلمان، نائب مدير قسم آسيا في مركز وودرو ويلسون الدولي، "إن أي مباحثات ناجحة مع طالبان تفترض تماسكاً داخلياً في صفوف الحركة، وهذا غير صحيح". مشيرا إلى "انقسام داخلي عميق بين أطراف متنافسة داخل طالبان تتنافس مع بعضها البعض للتأثير على عملية صنع القرار".

ووفق كوغلمان، "فإن أبرز الانقسامات الموجودة داخل طالبان هي تلك القائمة بين الملا هبة الله أخوند زاده، زعيم الحركة الجديد بعد مقتل سلفه الملا أختر أحمد منصور في غارة عسكرية أميركية عام 2016 وبين شبكة حقاني، الفصيل الأبرز عسكرياً داخل الحركة بقيادة سراج الدين حقاني". معتبراً "أن هذه الانقسامات تُثير الشكوك حول ضمانات الحركة ذاته في تخليها عن العنف والانخراط في السلطة".

تكلفة "مرعبة" للحرب

وفق تقديرات سابقة هذا العام، لمجلة "فوربس" الأميركية "فإن الحرب في أفغانستان كلفت الولايات المتحدة حتى الآن نحو تريليون و70 مليار دولار، إضافة إلى مقتل أكثر من 2400 جندي أميركي وإصابة عشرات الآلاف بجراح وتشوهات وإعاقات دائمة". موضحة "أنه على الرغم من كل هذه التكلفة الإنسانية والمالية فشلت واشنطن في القضاء على طالبان، وبدأت مفاوضات مباشرة معها بهدف التوصل إلى تفاهم ما بحيث يمكنها وضع حدٍ لهذا النزيف المالي والبشري المستمر ومغادرة أفغانستان".

فعلى مدار نحو 18 عاما استطاعت طالبان، التي تشير تقديرات وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بتراوح عدد مقاتليها ما بين 20 و40 ألف شخص يحملون السلاح مقابل 350 ألفا عدد أفراد الجيش وقوات الأمن الأفغانية، أن تصمد أمام القوات الأميركية وحلف شمالي الأطلسي التي تم نشرها في أفغانستان لدعم القوات الحكومية التي وصلت في مرحلة ما إلى 140 ألف جندي مدعومين بأحدث الأسلحة وموارد مالية لا محدودة.

وتراجع عدد القوات الأميركية في أفغانستان في الوقت الراهن إلى أقل من 14 ألف جندي، إذ يقتصر دورها على التوجيه والتدريب، بينما تتولى القوات الأفغانية تنفيذ معظم المهام القتالية.

وتقول وزارة الدفاع الأميركية "إن الحكومة الأفغانية تسيطر على نحو 58% من الأراضي فيما تسيطر طالبان على 20% ويبقى نحو 22% من الأراضي مناطق متنازع عليها حتى الآن، خلفت الآلاف من القتلى الأفغان ومئات الآلاف من المهجرين".

اقرأ المزيد

المزيد من سياسة