Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أربعة إعدامات مشوبة بالعنصرية والأخطاء الفادحة في أميركا

جرت في 48 ساعة لكن الإنسانية والسرعة تستعصيان على ولايات عدة

الصور من أعلى اليسار وباتجاه عقارب الساعة: موراي هوبر، ستيفن باربي، كينيث يوجين سميث وريتشارد فيرتشايلد (أسوشيتدبرس)

أدخل في الصباح البارد ليوم الأربعاء الماضي، رجل يبلغ من العمر 76 عاماً يُدعى موراي هوبر، إلى غرفة الإعدام في سجن "إيمن" في بلدة فلورنسا بولاية أريزونا الأميركية، الذي سبق إدانته بجريمة قتل مزدوجة في عام 1980. وقد رُبط هوبر إلى سرير نقل المرضى، فدخل الغرفة مستلقياً عليه بانتظار تلقيه حقنة تضع حداً لحياته.

بيد أن المسؤولين عن عملية الإعدام، فشلوا مرات عدة في إدخال أنبوب وريدي يوصل أدوية الإعدام إلى جسمه، ثم لجأوا في نهاية المطاف إلى وضع قسطرة في شريانه الفخذي، بالقرب من أعلى ساقه.

استدار هوبر نحو القاعة المقابلة، وألقى نظرة على الشهود الذين كانوا يتابعون عملية الإعدام على الجانب الآخر للزجاج. وأفيد بأنه قال لهم "هل تصدقون ما يحصل؟"، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة وتُعلن وفاته في الساعة العاشرة و34 دقيقة من ذلك الصباح.

حتى في الولايات المتحدة، إحدى الدول القليلة في العالم التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام، حفل الأسبوع الماضي بالعنف على نحو استثنائي، إذ جرى التخطيط لتنفيذ 4 عمليات إعدام في خلال 48 ساعة. وقد شابت عمليات القتل تلك، أخطاء واتهامات بالعنصرية والتمييز، وادعاءات بالبراءة. وأُلغيت إحداها بعدما أمضى المسؤولون على تنفيذها أكثر من ساعة، من دون أن يتمكنوا من إدخال أنبوب طبي إلى وريد محكوم عليه بالعقوبة القصوى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تكرر الأمر أيضاً في ولاية تكساس حيث أُعدم ستيفن باربي البالغ من العمر 55 عاماً يوم الأربعاء أيضاً، بعد إدانته في فبراير (شباط) من العام 2005 بقتل صديقته السابقة الحامل وابنها الصغير. وقد تطلب الأمر 90 دقيقة كي يعثر القيمون على التنفيذ على وريد لإدخال الأدوية القاتلة إلى جسمه.

ويتهم محامو باربي المسؤولين في الولاية بأنهم يتبعون بشكل غير صحيح القرار الصادر عن "المحكمة العليا" في شهر مارس (آذار) الفائت الذي يفرض على الولايات احترام طلبات المحكوم عليهم بأن يكون في رفقتهم رجال دين داخل غرفة الإعدام.

استطراداً، علقت مايا فوا مديرة مجموعة المحاماة "ريبريف يو أس"  Reprieve US بعد تنفيذ عمليات الإعدام، مشيرة إلى أن "الموجة الأخيرة من الإعدامات الفاشلة بالحقن المميتة، أظهرت أنه بغض النظر عن طبيعة الأدوية المستخدمة، ومهما كان البروتوكول المتبع، فإن السجناء المدانين غالباً ما أمضوا اللحظات الأخيرة من حياتهم في معاناة وضيق مؤلمين".

وأضافت، "إن العثور على وريد لإدخال الأنبوب كان من الصعوبة بمكان حتى بالنسبة إلى عاملين طبيين متمرسين ومدربين. وغالباً ما واجه المسؤولون في السجون مصاعب في العثور على وريد المحكوم عليهم بالإعدام، الأمر الذي عرض هؤلاء لمحنة طويلة من آلام الوخز والجروح. وبتنا نرى مع كل مشهد مروع في غرف الموت، عواقب الإصرار على المضي قدماً في هذه الطرق الفاشلة لتنفيذ الإعدام في الوقت المحدد له". في اليوم التالي، نفذت ولاية أوكلاهوما العقوبة القصوى بحق ريتشارد فيرتشايلد البالغ من العمر 63 عاماً، لقتله ابن صديقته البالغ من العمر 3 سنوات في عام 1993.

وأفاد محامو فيرتشايلد أن ذلك الرجل المدان بالعقوبة القصوى نشأ في منزل تعرض فيه للإساءة، وعانى من إدمان الكحول والمخدرات في سن مبكرة، وأصيب بصدمة في رأسه حينما كان ملاكماً مراهقاً. وقد ألحقت هذه العوامل جميعها ضرراً بحكمه الأخلاقي على الأمور في وقت لاحق. وعلى الرغم من مؤشرات التحذير هذه، لم يُقدم محاموه الذين رافعوا عنه في البداية على إثارتها أمام المحكمة، على الرغم من أن "المحكمة العليا" وجدت أن مثل هذه الأسباب يمكن أن تبعد عنه حكم الإعدام.

في ذلك الصدد، يرى القس دون هيث رئيس "تحالف أوكلاهوما لإلغاء عقوبة الإعدام" Oklahoma Coalition to Abolish the Death Penalty إنه "ينبغي ألا نُضطر إلى رفع لافتات على الطرقات ونكتب عليها ’لا تقتلوا مرضى عقليين‘  Don’t Kill the Mentally Ill، و’أوقفوا إعدام المحاربين القدامى‘ Stop Executing Veterans". وأضاف في تصريح له أن "هذا هو رابع شخص مصاب بمرض عقلي وتلف في الدماغ تنفذ ضده الولاية حكماً بالإعدام في عام 2022. ويبدو ألا نهاية تلوح في الأفق لهذا المسار. أمامنا الآن 23 عملية إعدام أخرى مقررة في الأشهر الـ26 المقبلة. وولاية أوكلاهوما تُحكم من أناس ذوي قلوب قاسية".

واستكمالاً، قد تكون أكثر عمليات الإعدام إثارة للجدل هي تلك التي نُفذت في حق موراي هوبر في ولاية أريزونا. إذ أشار منتقدوها إلى أن قضيته مشوبة بالتحيز وبأدلة مشكوك في صحتها، إضافة إلى شبهة بالفساد لجهة تورط "قسم شرطة شيكاغو" خلال فترة طغت عليها العنصرية وإساءة معاملة المشتبه بهم وتعذيبهم، إلى جانب عدد من الإدانات الباطلة التي نُقضت في وقت لاحق. وتدل القصة على التشعبات التي تحيط بعملية الإدانة بالعقوبة القصوى، وشبه استحالة إبطاء آلية تنفيذ ذلك الحكم بمجرد توصل المحكمة إلى قرار.

وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1980، زُعم أن هوبر ارتكب جريمة قتل ثلاثية في ولاية إيلينوي، ثم تورط بجريمة قتل مزدوجة في فينيكس (عاصمة ولاية أريزونا) في الشهر التالي. وكان هوبر معروفاً جيداً لدى شرطة شيكاغو بسبب تورطه في السابق بنشاطات إحدى العصابات، لكن لم يلق القبض عليه إلا حينما اشتُبه فيه بسبب قضية أريزونا.

وأثناء احتجازه في إيلينوي، أكد هوبر أنه تعرض للتهديد بالخنق، وقد أدخل عناصر من الشرطة أصابعهم في حلقه. وبعد أعوام، أصدرت "محكمة الاستئناف" قراراً بإلغاء الحكم بالإعدام الصادر في حقه، بعدما عثرت هيئتها على دليل يشير إلى تجاهل حدوث تحيز عنصري محتمل أثناء محاكمته. وجاء القرار متأخراً، إذ أسهمت الإدانة في ولاية إيلينوي بإقناع محاكم ولاية أريزونا بإصدار حكم بإعدامه.

كذلك زعم ممثلو الادعاء في القضية المرفوعة ضده في ولاية أريزونا أن هوبر كان أحد ثلاثة قتلة جرى استئجارهم للإجهاز على ويليام ريدموند، ويحمل لقب بات، لمصلحة رجل أعمال متورط مع العصابات، سعى إلى السيطرة على أعمال الطباعة التي يديرها ريدموند وأعمالها المربحة المحتملة مع كازينوهات مدينة "لاس فيغاس".

لم ينجُ من إطلاق النار سوى شاهدة واحدة، هي ماريلين زوجة ريدموند. فقد زعمت في إفادات مختلفة، أن الهجوم نفذه ثلاثة رجال سود، ثم تحدثت عن رجلين أسودين وثالث أبيض أنيق كان يرتدي بزة. وبعد ذلك، أبلغت المحققين بأنها لن تتمكن من التعرف على أي من المشتبه بهم.

لم يكن هناك في الواقع دليل مادي على تورط هوبر في إطلاق النار في فينيكس، لذلك اعتمد المدعون بشكل كبير على شهادة السيدة ريدموند. وذكر مسؤولون أنها انتقت هوبر ومدعى عليه آخر في التهمة هو ويليام براسي، من بين الأشخاص الذين عُرضوا أمامها. وقد جرى ذلك على الرغم من عدم وجود أي سجل مكتوب أو مقابلات مسجلة لدى الشرطة تؤكد تورطهما في الجريمة (كبصمات أصابع أو غيرها من الأدلة)، لكن المسؤولين يملكون تسجيل فيديو للسيدة ريدموند أثناء محاولتها التعرف على المدعى عليه الثالث.

لا تتوقف علامات الإنذار عند هذا الحد. إذ أُدين هوبر مع رجل أسود آخر، من جانب هيئة محلفين أعضاؤها بكاملهم من البيض، في الوقت الذي مثل هوبر محامياً عاماً يفتقد الخبرة الكافية، إذ تخرج في كلية الحقوق قبل نحو عام.

وبعد إدانة هوبر، كشفت الولاية عن أنها قدمت مخدرات ومالاً وسمحت بزيارات زوجية لأحد الشهود الرئيسيين الآخرين في القضية. وبناء على ما كشف عنه، تمت تبرئة جويس لوكيزيتش زوجة الشريك التجاري لريدموند والعقل المدبر المزعوم لعملية القتل بموجب تعاقد. ولاحقاً، أُكدت براءة جويستي أكدت براءتها عقب محاكمات عدة.

 

في سياق متصل، حوكم روبرت كروز الذي زُعم أنه استأجر هوبر والقاتلين الآخرين، 5 مرات، ثم بُريء أيضاً. وصدرت في حق جميع المتهمين في قضية هوبر أحكام الإعدام نفسها، لكنهم توفوا قبل إعدامهم. وبالتالي، بات هوبر الوحيد الذي يواجه استحقاق الإعدام في غرفة الموت.

واستكمالاً، حاجج هوبر بأنه إذا أتيحت له الفرصة، فقد ينجح في التخلص من إدانته في ولاية أريزونا، على غرار ما حصل معه تماماً في إيلينوي. ففي عام 2021، أصدرت ولاية أريزونا قانوناً يسمح باختبار الطب الشرعي للمواد الواردة في الدعاوى القديمة، إذا لم تكن تلك الاختبارات متوفرة في الوقت الأصلي للإدانة. ويجادل هوبر ومحاموه بأنه يتعين على المسؤولين أن يختبروا سلاح القتل الذي احتفظ به مسؤولو ولاية أريزونا، لكن مكتب المدعي العام للولاية نجح في رفض هذه الخطوة.

وفي الفترة التي سبقت جلسة استماع حديثة للرأفة بالمُدان، كشفت الولاية أيضاً أن السيدة ريدموند لم تتمكن من اختيار هوبر من بين مجموعة الصور التي عُرضت أمامها في وقت من الأوقات، على الرغم من أنها زعمت لاحقاً بعدم حدوث ذلك العرض للصور، وبالتالي فإن ما أُعلن عنه كان خطأ.

وما زاد في الطين بلة أن كات جوتراس من مؤسسة "بدائل عقوبة الإعدام في ولاية أريزونا"  Death Penalty Alternatives for Arizona زعمت أن القضية حظيت باهتمام مبالغ به هذه السنة، مع ترشح مسؤولي ولاية أريزونا للانتخابات النصفية، وسعيهم إلى اتخاذ موقف "صارم في مواجهة الجريمة".

وفي حديث إلى "اندبندنت"، أوضحت جوتراس "أعتقد أن النظر في مختلف الجوانب المرتبطة بهذه القضية يطرح تساؤلات ومشكلات خطيرة في شأن طريقة سير العدالة على مدى عقود من الزمن، وليس في 2022 وحدها، وكذلك يُسلط الضوء على جميع المشاكل المنهجية المستندة إلى دوافع عنصرية".

يُشار إلى أن هوبر، بغض النظر عن مزاعمه بالبراءة، لم يحظ إلا بالكاد بفرصة لإثبات تلك المزاعم. ثمة سجناء آخرون محكوم عليهم بالإعدام تمكنوا من استنفاد محاولاتهم في الاستئناف قبله، لكن في حالته، فإن حكم الإعدام هو ما جرى تحديده أولاً.

وقد أخبر ذلك قال الرجل البالغ من العمر 76 عاماً لموقع "ذا إنترسبت" The Intercept قبل وقت قصير من إعدامه يوم الأربعاء الماضي، "بعد موتي ستُدفن الحقيقة معي".

وفي نهاية المطاف، يُضاف إعدام هوبر إلى قائمة جرائم القتل المثيرة للجدال في ولاية أريزونا، بعدما امتنعت الولاية عن تنفيذ أحكام الإعدام لمدة ثمانية أعوام، في أعقاب تنفيذها إعداماً فاشلاً للغاية في عام 2014 وما تلاه من صراعات لاحقة للعثور على إمدادات كافية من أدوية الحقن المميتة.

وفي ذلك الصدد، أعربت السيدة جوتراس عن قناعتها بأنه لا يبدو أن المسؤولين ينفذون عمليات إعدام يُجرى فيها استخدام الأدوية المناسبة، بمعنى أن تُحقن الأدوية في الوريد بسرعة بشكل لا يعاني معه السجين، لكن مسؤولي الولاية لا يكشفون سوى القليل عن الذين ينفذون عمليات الإعدام تلك، أو عن طرق تدريبهم.

وتضيف، "لقد رأينا على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة مشكلة مستمرة في تنفيذ الإعدام من طريق الحقن الوريدي لدى الناس. نحن لا نعرف من يفعل بذلك. ولا نعلم شيئاً عن قدراتهم. والشيء الوحيد الذي يمكنني تحديده يتمثل في عدم حصولهم على التدريب الكافي للنهوض بذلك".

في إطار متصل، لا يقتصر أمر التخبط على المسؤولين في ولاية أريزونا. فيوم الخميس، ألغى مسؤولو ولاية ألاباما إعدام كينيث يوجين سميث، 57 عاماً، بعدما استغرق وضع أنبوب الحقن الوريدي له أكثر من ساعة، ولم يتمكن  خلالها المسؤولون من العثور على الوريد المناسب لإدخال الأدوية القاتلة إلى جسمه.

وهذه هي المرة الثانية منذ سبتمبر (أيلول) التي يلغى فيها مسؤولون في الولاية تنفيذ حكم إعدام، بسبب مشكلة في الحقن الوريدي، على الرغم من كونه إجراءً طبياً شائعاً. ويوم الإثنين، أعلنت حاكمة ولاية ألاباما كاي آيفي تعليق عمليات الإعدام في الولاية، فيما يجري مسؤولون تحقيقاً "معمقاً" في شأن الأخطاء.  

وعلى الرغم من استمرار هذه المشاكل، توافق غالبية ضئيلة من الأميركيين على عقوبة الإعدام للقتلة المُدانين، وفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة "غالوب" Gallup أخيراً. ويشكل ذلك انخفاضاً كبيراً في مستوى دعم حكم الإعدام قياساً إلى المستويات المرتفعة التي سُجلت في أوائل تسعينيات القرن العشرين، حينما فضل حوالى 80 في المئة من المواطنين تطبيق العقوبة القصوى.

واتصالاً بذلك، تفيد السيدة جوتراس بأن لديها أملاً أكيداً في ما يتعلق بمستقبل إصلاح عقوبة الإعدام. وترى أن الولايات المتحدة قد لا تكون مستعدة بعد لإلغاء النظام، لكن قلة ممن يشاهدون ما يحدث [أثناء الإعدام] يجدون أنه يجب عدم تجاهل الحاجة إلى إجراء تغيير. إذ يعاني كثيرون ممن تصدر بحقهم أحكام بالإعدام أمراضاً عقلية شديدة، وبالتالي، تأمل جوتراس في أن تسهم المعالجة التي تقدمها مراكز الصحة العقلية في الحد من عدد الأشخاص الذين يحالون إلى غرف الإعدام.

وتعتبر جوتراس أن "الصحة النفسية ليست قضية سياسية. هناك أشخاص على كلا الجانبين يمكنهم التعاطف مع أحبائهم ممن يعانون مشكلات في الصحة العقلية. نحن قادرون على معالجة الأسباب وراء وجود 110 أشخاص في صفوف الإعدام لدينا، انطلاقاً من تلك المتعلقة بالصحة العقلية. لقد بات هذا أمراً يجمع عليه كثيرون".

 

أطلقت "اندبندنت" بالتعاون مع "مبادرة الأعمال المسؤولة من أجل العدالة" Responsible Business Initiative for Justice  حملة مشتركة تطالب بإنهاء عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة. واستقطبت المبادرة قد أكثر من 150 جهة معروفةً وقعت على "إعلان قادة الأعمال ضد عقوبة الإعدام"  Business Leaders Declaration Against the Death Penalty. وتعتبر"اندبندنت" من بين أحدث المنضمين إلى القائمة. إننا ننضم إلى مجموعة من المسؤولين التنفيذيين البارزين من أمثال أريانا هافينغتون، وشيريل ساندبرغ من "فيسبوك"، ومؤسس مجموعة "فيرجين" السير ريتشارد برانسون، في إطار ائتلاف موحد ضمن هذه المبادرة، ونتعهد بإبراز مظالم عقوبة الإعدام في تغطياتنا.

© The Independent

المزيد من تقارير