Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اليمين الجمهوري يمتحن ولاء الجيش الأميركي

منعطف خطير في علاقات المكونين المدني والعسكري

جلسة استماع للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي بواشنطن خلال سبتمبر (أيلول) 2021 (رويترز)

قبل وقت ليس ببعيد، لم يكن وارداً على الإطلاق لدى أعضاء الحزب الجمهوري انتقاد الرجال والنساء ممن يرتدون البزة العسكرية، ولا حتى في الأحلام. في المقابل، بات ذلك الأمر شائعاً اليوم.

دعنا نضرب مثلاً على ذلك بتغريدة للسيناتور الجمهوري تيد كروز، الذي يمثل ولاية تكساس، نشرها في 20 مايو (أيار) 2021 وجاء فيها أنه "ربما لا تتمثل الفكرة الفضلى في الحصول على جيش مكون من "اليَقِظين" ["ووك" woke ترجمتها الحرفية يقظ، وتشير إلى من يدعون إلى التنبه للتمييز الاجتماعي والعرقي والجندري]، إضافة إلى المجردين من رجولتهم". وذيلت التغريدة برابط يتيح إجراء مقارنة بين إعلانين ظهرا جنباً إلى جنب، أحدهما لعملية التجنيد العسكرية الروسية [التي أطلقها الكرملين بعد أشهر من غزو أوكرانيا] والثاني أميركي. واشتمل الإعلان الأول على رجال بصدور مكشوفة يقومون بتمارين الضغط وجنود يطلقون النار، بينما صور الإعلان الآخر القصة الحقيقية لشابة التحقت بالجيش الأميركي بعد أن ترعرعت في كنف والدتين [يعني ذلك أن الأنثيين تنتميان إلى مجتمع الميم، ولم يكن من أب ذكر في تلك الأسرة].

أو دعنا نأخذ الهجمات المنتظمة على الجيش الأميركي من قبل تاكر كارلسون، الشخصية الإعلامية التلفزيونية من قناة "فوكس نيوز"، الذي سخر من جهود الجيش الرامية إلى تجنيد النساء والاحتفاظ بهن، إذ أورد في مارس (آذار) 2021 أن الجيش الصيني أصبح "أكثر رجولة" بينما جيش الولايات المتحدة صار "أكثر أنوثة". في السياق نفسه، عمد بليك ماسترز، السياسي الجمهوري الذي باءت حملته الانتخابية للفوز بمقعد في مجلس الشيوخ في ولاية أريزونا بالفشل الأسبوع الماضي، إلى التغريد في نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، معتبراً أن "كبار جنرالاتنا قد أصبحوا من اليقظين، وقواتنا تستحق أفضل من ذلك".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تذهب بعض هذه التعليقات إلى أبعد بكثير من التسييس المعتاد للجيش في السياسة الأميركية. وبشكل فاعل، يقوض سياسيون من اليمين الأميركي وعاملون في وسائل الإعلام من المتحالفين مع الرئيس السابق دونالد ترمب، مكانة الجيش في المجتمع، في الوقت الذي يزعمون فيه بطريقة تنطوي على المفارقة بأن شعبية الجيش تمثل شعبيتهم بالذات. وتعمل تلك المجموعة من الجمهوريين على توجيه إدانة إلى جنرالات مفادها أنهم يتبنون من الآراء السياسية ما يمكنهم من التأقلم والانسجام مع السائد مؤسساتياً، بل يعتبرونها صواباً. واستطراداً، تعطي تلك المجموعة نفسها إشارات إلى العناصر العسكرية الأخرى بأنه يجب عليهم أن يكونوا خاضعين إلى أجندة ترمب.

[تعتبر أوساط اليمين الأميركي الموالية لترمب أن المؤسسة السياسية الأميركية كلها، باتت تحت سيطرة أفكار متحررة تصوغها نخبة تضمر الميل إلى اليسار، وتنشر أفكاراً من نوع المساواة الجندرية وتقبل الهويات الجنسية المتباينة كلها، بما في ذلك المثلية الجنسية وتنويعاتها. ووفق تلك النظرة، تسعى تلك النخبة إلى هدم الأسس العميقة التي استند إليها المجتمع الأميركي، خصوصاً قيم العائلة والتدين والهوية الأميركية المتصلة بالغرب حصراً وغيرها].

وإذا كانت لرغبة ترمب وحلفائه أن تتحقق، يجب أن تزال منظومة القيم العسكرية المحايدة حزبياً، وتحل بدلاً منها منظومة أخرى تختبر على محك الولاء لفصيل معين [أي اليمين الموالي لترمب] في السياسة الأميركية.

وفي حال نجاحها، فستنسف هذه الأساليب أسس التعامل بناءً على الكفاءة بالنسبة إلى سلك الضباط، وكذلك فقد تقلل من فاعلية الجيش في الحرب. ووفق ما يشير إليه السجل التاريخي، فإن الجيوش التي تجند الأفراد وترقيهم على أساس مؤهلاتهم يكون أداؤها أفضل في ساحة المعركة بالمقارنة مع تلك التي تتطلب الولاء لفصيل سياسي معين. وقد يشير أولئك الذين يهاجمون الجيش إلى أنهم يحمونه من خلال منع تقويضه عبر المبادرات التي تهدف إلى تحقيق التنوع في صفوفه. في الواقع، تضعف هجماتهم الجيش من طريق زعزعة وحدته الداخلية وتقليل الدعم الذي يحظى به داخل المجتمع.

مدخل مبسط أول عن التسييس

في العادة، تأخذ المحاولات المدنية لجر الجيش إلى ميادين السياسات الحزبية واحداً من أشكال عدة. يستند أول تلك الأشكال على شعبية الجيش. على مدى عقود عدة، تصدر الجيش الأميركي استطلاعات الرأي بوصفه المؤسسة الموثوقة أكثر من كل ما عداها في المجتمع الأميركي. إذاً، فلا عجب أن السياسيين يضمنون إعلانات حملاتهم الانتخابية إشارات مبالغاً فيها إلى الخدمة العسكرية [التي أدوها] ويسعون إلى نيل تأييد الضباط المتقاعدين. ومن المؤكد أن الخدمة العسكرية تشكل إحدى التجارب المتنوعة التي يحتمل أن تكون مهمة وتؤهل الفرد لشغل المنصب [الذي يرشح نفسه إليه]. إلا أن معظم إعلانات الحملات التي تسلط الضوء على الخدمة العسكرية تمضي إلى أبعد من ذلك بأشواط، وغالباً ما ترقى [فيها صورة الخدمة العسكرية] إلى شكل من أشكال الفضيلة التي تؤشر إلى وطنية المرشح أو شخصيته.

وبعيداً من الانتخابات، يسعى السياسيون أيضاً إلى الربط بين الجيش وسياسات معينة، على غرار ما حصل حينما وقع ترمب بعد تنصيبه بأسبوع قانون الهجرة المثير للجدال في "قاعة الأبطال" بمبنى البنتاغون، وهي قاعة مخصصة للأشخاص الذين حصلوا على وسام الشرف. وتستغل تلك التكتيكات أيضاً خبرة الجيش في النقاشات المتعلقة بالسياسات، وذلك من أجل تحييد النقاد والترويج للخطوات المثيرة للجدال في أوساط الناس، على غرار ما حصل حينما أصبح ديفيد بترايوس، الجنرال الذي يحمل أربع نجوم على كتفيه وقد قاد القوات الأميركية في العراق، المتحدث الرئيس باسم المطالبين بزيادة عدد القوات هناك إبان عهد الرئيس جورج دبليو بوش.

 

 

وقد يستخدم السياسيون الرأي والخبرات العسكرية كهراوة ضد خصومهم. ومثلاً، في أغسطس (آب) 2021، وجه كثيرون من سياسيي الحزب الجمهوري، انتقاداً إلى الرئيس جو بايدن بأنه خالف نصيحة الجنرالات وسحب القوات الأميركية جميعها من أفغانستان.

وفي أوقات أخرى، يستعمل السياسيون الجيش بغية تأكيد مدى هيبة اللحظة أو كسند سياسي. هكذا، غالباً ما سافر رؤساء مثل بيل كلينتون وباراك أوباما إلى الأكاديمية العسكرية الأميركية في "ويست بوينت" للإعلان عن أولويات جديدة للسياسة الخارجية، بينما لم ينتق أي منهم جامعات مدنية للغاية نفسها. وألقى الرئيس بايدن في سبتمبر (أيلول) 2022 خطاباً أساسياً حول تحديات الديمقراطية مع وجود اثنين من عسكريي مشاة البحرية في الخلفية.

وفي ذلك الصدد، يتمثل الأمر الأكثر إثارة للقلق بالجهود التي تبذل من أجل تصوير الجيش على أنه دائرة انتخابية حزبية. وثمة مثل صارخ على هذا يتمثل في أن ترمب في فبراير (شباط) 2017 نقل إلى حشد ممن كانوا يرتدون الزي العسكري في "قاعدة ماكديل الجوية" في فلوريدا أن انتخابات عام 2016 كانت "رائعة" وأن النتائج أوضحت "أنكم أحببتموني وأنا أعجبت بكم". ورسالة ترمب هذه مفادها [أنه يرى] الجنود كحلفاء حزبيين له، بالتالي يتوقع منهم أن ينظروا إليه بالطريقة نفسها.

التسييس في مدخل ثان  

ثمة لازمة إشاعة في أوساط اليمين مفادها أن انتشار أفكار "اليقظة" في الجيش الأميركي تولد الضعف، أي إن جهود الجيش الرامية إلى تجنيد قوة عاملة متنوعة تقوض نوعية أفرادها. وفي مارس 2021، سخر كارلسون من طرح الجيش بزات طيران الأمومة معتبراً أن ذلك جعل الجيش الأميركي أكثر تخنثاً. وقبل انتخابه لعضوية مجلس الشيوخ، غرد جي دي فانس، وهو سياسي جمهوري من ولاية أوهايو، قصة نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" عن الصواريخ الصينية التي تفوق سرعتها الصوت مع تعليق جاء فيه "في غضون ذلك، يركز جنرالاتنا على الغضب الأبيض وسياسة تجميل الأظافر للقوات المسلحة".

استطراداً، قد يحتج بعض الناس معتبرين أن هذه الانتقادات تقتصر على مخاوف مشروعة في شأن السياسات المتعلقة بالأفراد في الجيش الأميركي [التي تحدد حقوقهم وواجباتهم وعلاقتهم به]. من المؤكد أنه يمكن للمرء أن يناقش، بحسب ما فعل أكاديميون في الماضي، إلى أي مدى يمكن للجيش، ويتعين عليه أيضاً، أن يعطي صورة طبق الأصل عن المجتمع ويعبر عن تجسيده قيم المجتمع في صفوفه.

وعلى أية حال، توجد اليوم أسباب مهمة تبرر سعي الجيش الأميركي إلى تجنيد عسكريين يتسمون بالتنوع، ومن ثم الحفاظ عليهم، إذ تتضاءل أعداد المجندين ممن يستوفون معايير اللياقة البدنية الحالية وغيرها من المعايير، في حين أن النقص في التوظيف مثل مشكلة على مدى سنوات عدة. يعتبر أتباع اليمين أن مبادرات التنوع والدمج [المتعلقة بتوفير فرص متكافئة للجميع] هي التي تسببت في هذه المشكلات، مشيرين إلى أنها تنفر مجندين محتملين. على رغم ذلك، ويعرف 41 في المئة من العسكريين أنفسهم حاضراً بوصفهم ينتمون إلى إحدى الأقليات. ولا يكمن الخطر الحقيقي على الجيش في احتضانه التنوع، بل في هجمات اليمين على أفكار "اليقظة"، إذ تؤدي إلى تنفير مجموعات من المجتمع الأميركي، فتشعر أنها ليست موضع ترحيب في الخدمة العسكرية.

ثمة مكافأة كامنة قد يحصدها الجيش الأميركي إذا استمر في التجنيد من مجموعات ديموغرافية متنوعة، تتمثل في تمتعه بميزة في زمن الحرب، إذ يظهر البحث العلمي أن الجيوش الأكثر حرصاً على تحقيق المساواة تؤدي أداء أفضل في ميدان القتال.

يعرف 41 في المئة من العسكريين أنفسهم حاضراً بوصفهم ينتمون إلى إحدى الأقليات

لكن كل ما تقدم لا يضع الأصبع على الهدف من تلك الهجمات، إذ إنها ليست جزءاً من جهد حسن النية يبذل من أجل مناقشة سياسة الأفراد أو ضمان بقاء الجيش قوياً. لو أنها كانت كذلك، لكان النقاد من جناح اليمين أكثر قلقاً في شأن مدى الضرر الذي يلحقه خطابهم التحريضي بمكانة الجيش في المجتمع الأميركي.

وكذلك لن يزعزع هؤلاء النقاد وحدة الجيش من خلال انتقاد جنرالات الجيش بشكل لاذع علناً. وعلى كل حال، لا تقتصر شكوى ترمب وحلفاؤه على ما يعتبرونه أجندة يسارية مفروضة على الجيش. فإضافة إلى ذلك، تستخف تلك المجموعة كثيراً بكبار الضباط في البلاد. وبمجرد أن استاء ترمب من الجنرالات الذين تفاخر بهم في بداية ولايته الرئاسية، عمد إلى توصيفهم بـ"الذين جرى تقييمهم بأكثر مما يستحقون" و"حفنة من الأغبياء والأطفال" و"الخاسرين" المسؤولين عن الحروب الفاشلة، وذلك في الوقت الذي أثنى فيه على الأفراد المجندين معتبراً أنهم الوطنيون الحقيقيون في البلاد. ومنذ ذلك الحين، اتبع حلفاء ترمب الموضة التي باتت دارجة، إذ أخذوا يستهدفون كبار الضباط بسبب [التزامهم المفترض] "الصواب السياسي" أو عدم كفاءتهم المزعومة، بحسب ما يتوضح من تعليقات ماسترز وفانس.

لا تختلف تلك التصريحات كثيراً، من بعض النواحي، عن الجهود المألوفة التي تهدف إلى استخدام الجيش كمسألة تثير الفرقة والخلافات في السياسة الأميركية. في المقابل، ثمة انحراف مفاجئ [ضمن سياق تلك الجهود] يتمثل في أنه بدلاً من العزف على وتر شعبية الجيش لزيادة الانتقادات الموجهة إلى الخصم السياسي، ينتقد السياسيون الجمهوريون الجيش نفسه بوصفه [كما يقولون] ضعيفاً أو يسارياً في ظل إدارة ديمقراطية، من أجل انتقاد الخصم بشكل أكبر.

في مسار متصل، هنالك منطق وهدف أكثر غدراً يكمن وراء هذه التعليقات، وهو منطق يتجاوز استغلال الجيش كأداة أخرى في الحروب الحزبية. فعلى رغم أن أولئك الذين يشنون هذه الهجمات قد لا ينظرون إليها بوصفها جزءاً من خطة رئيسة لتسييس الجيش، فإنهم لا يفعلون سوى ذلك بالضبط، إذ تشجع مثل تلك الهجمات العسكريين الضباط على دعم أجندة اليمين المنحاز إلى ترمب في ما يتعلق بالسياسات والأولويات الحزبية الأخرى، في الوقت الذي تفضي فيه [تلك الهجمات نفسها] إلى إخضاع أي معارض قد يشكك في الحكمة من إطلاقها.

أي يمين أقسمت؟

تبدو استراتيجية اليمين محيرة للوهلة الأولى، إذ تميل صفوف الضباط بقوة إلى الجمهوريين، بحسب ما أظهرت الاستقصاءات على امتداد عقود. في الإطار نفسه، لطالما افتخر الحزب الجمهوري بموقفه المؤيد للجيش. إذاً، لماذا تلك الهجمات على ضباط الجيش ووصفهم بأنهم من "اليقظين" واليساريين، بينما هم في الحقيقة ميالون سلفاً إلى التعاطف مع نظرتكم [بمعنى نظرة الحزب الجمهوري] إلى العالم وحتى إلى التصويت لمصلحتكم؟

ويتمثل الجواب في أن الذين يهاجمون الجيش لا يسعون إلى الحصول على أصوات الضباط، أو في الأقل ليس ذلك كل ما يبحثون عنه. وبدلاً من ذلك، تؤشر هجماتهم على الجيش إلى أن الولاء لفصيل ترمب من الحزب الجمهوري يشكل شرطاً أساسياً مسبقاً لنجاح الضابط، فالولاء للرئيس السابق ضروري ومناسب ومفيد في نهاية المطاف لمسيرة الضباط المهنية وللمنظمة التي يقودونها.

تأمل الطريقة التي تعمل بها تلك الهجمات على تسييس الجيش. في المقام الأول، إنها تقوض شعبية الجيش العامة والثقة فيه، لا سيما في أوساط القاعدة الجمهورية. ويساعد هذا في تحييد أي معارضة محتملة لتسييس الجيش قد تأتي من داخله. ومن المرجح أن يتجاهل الشعب الميال سلفاً إلى الشك بالمؤسسة [بمعنى مؤسسة الدولة، بمكوناتها المدنية والعسكرية]، الشكوى الصادرة عن بعض الأشخاص الموجودين في صفوف الجيش. يمكن رؤية نجاح هذه الأساليب من خلال الجهود الرامية إلى إسقاط الشرعية عن ضباط سابقين يحظون باحترام كبير على غرار جيم ماتيس، الجنرال في مشاة البحرية الذي كان أول وزير الدفاع في إدارة ترمب. وفي 2020، قلل من شأن ماتيس بسبب إدانته بشكل علني استخدام قوات عسكرية موضوعة قيد الخدمة الفعلية، ضد الأشخاص الذين كانوا يحتجون على مقتل جورج فلويد في "مينابوليس". ويمكن العثور على دليل عن هذه الديناميكية أيضاً في تراجع شعبية الجيش، في أوساط الناخبين الجمهوريين على وجه الخصوص. ويظهر "مسح ريغان في شأن الدفاع الوطني"، من فبراير 2021، أن هناك تراجعاً بلغ 17 نقطة في مدى ثقة الجمهوريين بالجيش منذ عام 2018.

 

 

وفي نفس مماثل، تعمل تلك التكتيكات أيضاً على تسييس الجيش من خلال الإشارة إلى قاعدة ترمب بأنه من المناسب، بل حتى من المرغوب فيه، أن يتصرف الجيش كما لو أنه حليف حزبي لها. ويشجع ذلك الناس على الاعتقاد أنه لا ينبغي للجيش أن يبذل جهداً كي يكون غير حزبي، بل ينبغي له تعزيز قيم حزب سياسي في حد ذاته، وتبني نظرته إلى العالم. تأمل الطريقة التي احتضن بها السياسيون اليمينيون والشخصيات الإعلامية اللفتنانت كولونيل ستيوارت شيلر بعد إقالته في أكتوبر (تشرين الأول) 2021 بسبب انتقاده العلني حلقات السلسلة الهرمية في الجيش التي قادها بنفسه أثناء انسحاب الجيش الأميركي من أفغانستان. وقد جاء ذلك الانتقاد في مجموعة من المنشورات المتتالية التي انتشرت انتشار النار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أوصلت الشهرة التي بات شيلر يتمتع بها الآن إلى المدونات الصوتية اليمينية، التي يدعو من خلالها إلى الكف عن تدريس أخلاقيات الحرب في مناهج التعليم العسكري.

يجب أن يبقى كبار الضباط على دراية بالضغوط الصادرة عن أولئك الذين يهاجمون الجيش الأميركي

استكمالاً، يتمثل الأمر الأقل طموحاً، لكنه مضر بالمقدار نفسه، بالطريقة التي تقود بها هذه الهجمات إلى تآكل مبادئ الأخلاق الحيادية في الجيش. ومن خلال الجدل بأن الجيش ينبغي أن يكون منحازاً بشكل أيديولوجي لهم، شكك السياسيون والمعلقون [اليمينيون] في حاجة الجيش إلى البقاء خارج الاستقطاب الحزبي. إن تحطيم المعايير المهنية للحيادية أمر ضروري من أجل تحويل الجيش، أو جزء منه، إلى حليف حزبي.

واستطراداً، أن وصف بعض الجنرالات بأنهم من "اليقظين" يرسل إشارات إلى الضباط الآخرين، إذ قد تعتمد قدرتهم على التهرب من هجمات الجناح اليميني، وحماية المنظمات التي يقودونها، وحتى ضمان ترقيتهم في المستقبل، على تواطئهم مع أجندة ترمب. وستتفاقم هذه الضغوط إذا اكتسب ذلك الفصيل السياسي مزيداً من القوة في واشنطن.

مثلاً، لنتأمل تعليقات ماسترز، المرشح لعضوية مجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا. ففي مناسبات عدة، ذكر أنه ينبغي إقالة كبار ضباط البلاد الموجودين في الخدمة حالياً لأنهم "يقظون" بشكل مفرط، فيما يجب ترقية الكولونيلات المحافظين كي يضحوا بديلاً عنهم. وأورد في تصريح له في أغسطس 2021، "أود أن أرى جميع الجنرالات مطرودين". وبغض النظر عن المبالغة، تأمل الرسالة التي يوجهها هذا إلى الكولونيلات الذين على رأس عملهم (وإلى أي ضباط كبار قد يتصدون)، وهي إذا أردتم أن تحصلوا على ترقية، فعليكم أن تتبعوا الخط الأيديولوجي [اليميني الموالي لترمب].

البقاء على خطوط الحياد

لحسن الحظ، توجد بالفعل بعض الحواجز ضد تسييس الجيش، إذ يحظر القانون العسكري التحدث بازدراء ضد رئيس البلاد، وكذلك حيال بعض المسؤولين المنتخبين والمعينين. وتمنع لوائح وزارة الدفاع أيضاً الحملات النشطة وغيرها من مظاهر الانخراط العلني في عدد من أشكال السياسة الحزبية. وبشكل عام، حافظ الجيش على التزامه المهني بمبادئ الأخلاق الحيادية.

ومع ذلك، لا تزال هناك علامات مقلقة على التآكل في دعم مبادئ الأخلاق الحيادية لدى بعض من هم داخل الجيش. ويشمل ذلك إنكار نتيجة الانتخابات الذي روج له بعض الضباط المتقاعدين، بمن فيهم مستشار ترمب للأمن القومي سابقاً الجنرال المتقاعد مايكل فلين، إضافة إلى مرشحي مجلس الشيوخ في انتخابات عام 2022، ومنهم العميد المتقاعد دون بولدوك والعقيد دوغ ماستريانو. وكذلك ضغط فلين على ترمب بغية فرض الأحكام العرفية عقب خسارة الانتخابات الرئاسية في عام 2020. وشارك عديد من قدامى المحاربين وحتى حفنة من الأفراد العسكريين الموجودين في الخدمة حالياً في هجوم 6 يناير (كانون الثاني) 2021 على مبنى الكابيتول الأميركي. وفي بعض الأحيان، اتخذت إجراءات تأديبية بحق ضباط في الخدمة الفعلية بسبب تجاوزهم حدودهم، وبشكل ملحوظ حيال شيلر، ولكن حتى الآن، لا توجد مؤشرات على وجود مجموعة حزبية في سلك الضباط مستعدة للكشف علانية عن ولائها لجناح ترمب في الحزب الجمهوري واستعدادها لتنفيذ تعليماته ومشيئته إما داخل الجيش أو في السياسة الداخلية على نطاق واسع.

ومع ذلك، يجب أن يظل كبار الضباط على دراية بالضغوط الصادرة من أولئك الذين يهاجمون الجيش الأميركي. وعليهم التأكد من أن يبقى اليمين الذي أقسموه على الولاء للدستور هو الأسمى. وعلى وجه الخصوص، يجب ضمان توفر الفهم في صفوف الجيش عن معنى المبادئ والمؤسسات ومحتواها التي يجسدها الدستور. وقد اقترح بعض المحاربين القدامى أن يعزز الجيش تعليم الدستور داخل صنوف الخدمة العسكرية. واستكمالاً، يمكن لضباط الجيش الكبار أيضاً أن يفعلوا أشياء أخرى بهدف ضمان استيعاب الفوائد التي يوفرها البقاء على الحياد، بالنسبة إلى الدولة والجيش، استيعاباً كاملاً.

وفي المقابل، يتمتع عديد من العسكريين بمقدار من الوعي في شأن القوانين واللوائح والاتفاقات التي تمنع النشاط الحزبي، إلا أن هنالك بحوثاً تشير إلى أنهم لا يفهمون دائماً سبب أهمية الالتزام بهذه القواعد. بالتالي، يجب على كبار قادة البنتاغون، مدنيين وعسكريين، أن يدافعوا عن حيادية الجيش. ومثلاً، دأب الجنرال مارتن ديمبسي والأدميرال مايك مولن، حينما شغلا منصب رئاسة هيئة الأركان المشتركة، على التحدث بانتظام عن أهمية بقاء الجيش غير مسيس. وفي أعقاب هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول، أصدرت هيئة الأركان المشتركة مذكرة تؤكد التزام الجيش دعم الدستور والدفاع عنه.

في سياق متصل، يجب على النواب، خصوصاً أعضاء الحزب الجمهوري، تحذير زملائهم وحلفائهم في وسائل الإعلام، سراً وعلانية، من عواقب الهجمات المفرطة على كفاءته والمزاعم في شأن "اليقظة" في صفوفه. وكذلك يتعين على المعلقين والصحافيين أن يبذلوا قصارى جهدهم كي يشرحوا للناس الأسباب التي تعزز أهمية أخلاقيات عدم التحيز الحزبي في الجيش من أجل تعزيز التماسك الداخلي فيه والديمقراطية التي يدعمها. وسيساعد التعامل مع هذه القضايا بفاعلية وسرعة على استمرارية مناعة الحواجز ضد التسييس في الجيش.

إذاً، يجب أن تدفع أخطار الفشل حتى أولئك الذين يشككون في أن العلاقات بين المكونين المدني والعسكري معرضة للخطر في الولايات المتحدة، إلى التوقف والتفكير. لقد أظهر التاريخ مراراً وتكراراً أن الجيوش التي تفضل الولاء السياسي على الجدارة في صفوفها تكون أقل قدرة على خوض الحروب، وكذلك تغدو أقل جدارة لنيل الثقة بها كخادمة للديمقراطية، بالمقارنة مع الجيوش الأخرى.

 

ريسا بروكس أستاذة "كرسي أليس تشالمرز للعلوم السياسية" في "جامعة ماركيت".

 

فورين أفيرز

نوفمبر (تشرين الثاني)/ ديسمبر (كانون الأول) 2022

المزيد من آراء