Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التناقض في خطط الجيش الأميركي لمواجهة أزمة المناخ

أطلق الجيش استراتيجيته لخفض مستويات الكربون. وجارٍ العمل على القوات البحرية والجوية. ولكن مع استثناء معظم العمليات من الأهداف الفيدرالية المتعلقة بانبعاثات غازات الدفيئة وعدم توفر أنواع الوقود البديلة بوصفها خياراً عملياً بعد

تعهد الجيش الأميركي بتخفيض ما نسبته 50 في المئة من الانبعاثات الملوثة (غيتي)

في مواجهة حرائق الغابات المدمرة التي راحت تجتاح ولاية كاليفورنيا الأميركية في صيف 2020، هبت القوات الجوية الأميركية لاتخاذ الإجراءات المناسبة.

خرجت أربع طائرات عسكرية ضخمة من طراز "سي- 130 هيركوليز" C-130 Hercules لتفريغ خزاناتها التي تبلغ سعتها ثلاثة آلاف غالون من المثبطات مراراً وتكراراً، في محاولة لكبح الحرائق العملاقة الوحشية، ومنح فرق الإطفاء الأرضية فرصة للمواجهة.

في الوقت نفسه، كانت "قاعدة ترافيس الجوية"، علماً أنها المحطة الجوية العسكرية الأكثر ازدحاماً في الولايات المتحدة الواقعة شمال سان فرانسيسكو، تنكب على إخلاء عشرات الطائرات والموظفين غير الأساسيين فيما أخذت "حرائق مجمع البرق المتشابكة" المهولة تتسارع بالاقتراب.

"المهم أن الجميع كان بخير. لم يصب أحد بأذى، وخرجت الطائرة من هنا بأمان"، قال بريان ماكفيرون، رئيس الطاقم رقم 860 من سرب صيانة طائرات سي-17، بعد عملية جريئة بكل المقاييس.

العمليات المعروضة بشكل متزامن على شاشة مقسمة إلى نوافذ عدة تشكل لمحة سريعة إلى الكيفية التي يتجلى بها تغير المناخ بالنسبة إلى الجيش الأميركي في العقود المقبلة: فيما تستجيب القوات الأميركية بشكل متزايد للكوارث الناجمة عن الاحترار العالمي تراها عرضة في الوقت نفسه لتأثيراته.

عموماً، ما برح القادة العسكريون الأميركيون يتوخون الصراحة حول موجات الحر وحرائق الغابات والجفاف والفيضانات المستمرة في الاستفحال وما تمثله بالنسبة إلى البعثات والقواعد الأميركية والمنشآت العسكرية الأميركية (المصطلح الشامل المقصود به المعسكرات والمواقع والمراكز العسكرية).

وجدت دراسة أجرتها وزارة الدفاع الأميركية في 2019 على 79 منشأة عسكرية أن ثلثي الأخيرة يتهددها خطر الفيضانات المستمرة، ونصفها مهدد بحرائق الغابات أو موجات الجفاف. من بين تلك الحوادث أضرار بقيمة 500 مليون دولار تركتها فيضانات في "قاعدة أوفوت للقوات الجوية" في ولاية نبراسكا. وقبل أشهر عدة، ضرب "إعصار فلورنس" معسكر "ليجون" في نورث كارولينا، مخلفاً في أعقابه خسائر بقيمة 3.5 مليار دولار.

في استراتيجيته المنشورة أخيراً لخفض انبعاثات غازات الدفيئة، يصف الجيش الأميركي مخاطر المناخ بأنها "واسعة النطاق وجسيمة وملحة"، ويسلط الضوء على التأثيرات التي تطرحها على سلاسل التوريد، والبنية التحتية، وسلامة الجنود وعائلاتهم.

على ما يبدو "حان الوقت للتصدي لتغير المناخ"، كتبت وزيرة الجيش الأميركي كريستين ورموت.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقول الجيش الأميركي إنه سيخفض انبعاثاته من غازات الدفيئة من طريق تركيب شبكات بالغة الصغر للطاقة المستمدة من موارد متجددة عبر قواعده كافة بحلول 2035، والتأكد من أن أسطوله غير التعبوي، الذي لا يشارك في عمليات القتال، يشتغل كله بالكهرباء في العام نفسه.

لدى الجناح العسكري أصلاً 950 موقعاً للطاقة المتجددة قيد التشغيل، من بينها حقل للطاقة الشمسية في الموقع العسكري "فورت نوكس" بولاية كنتاكي، وما يقال إنه أكبر نظام تخزين لطاقة البطارية في الولايات المتحدة موجود في قاعدة عسكرية في "فورت كارسون" بولاية كولورادو. سيبدأ العمل ببرنامج تدريبي جديد كي تتمتع القوات العسكرية "بالجاهزية لتنفيذ عملياتها في عالم متغير المناخ".

ويتوقع أن يصدر سلاح الجو الأميركي خطة العمل المناخية في وقت لاحق من العام الحالي، إلى جانب البحرية الأميركية وسلاح مشاة البحرية اللذين يعكفان على تنسيق استراتيجية في هذا الصدد. معلوم أن الرئيس الأميركي جو بايدن تعهد باتباع نهج "شامل للحكومة" يرمي إلى خفض انبعاثات غازات الدفيئة المحلية إلى النصف بحلول 2030 (مقارنة مع المستويات المسجلة في 2005)، ووضع البلاد في مسار الوصول إلى تصفير صافي الانبعاثات بحلول 2050.

في الحقيقة لن تكون هذه العملية هدفاً سهل المنال. وجدت دراسة تعود إلى 2019 أن الجيش الأميركي، لو أنه كان بلداً ما، فسيكون المصدر رقم 47 عالمياً لانبعاثات غازات الدفيئة، إذ يندرج بين الانبعاثات المحلية السنوية للبيرو والبرتغال على أساس استخدام الوقود وحده. في 2017، كان الجيش الأميركي يشتري أكثر من 269 ألف برميل من النفط يومياً. وحتى الآن، لا يتوفر بديل (صديق للبيئة) عملي لوقود الطائرات، الذي يطلق الجزء الأكبر من الانبعاثات الناتجة من المنشآت والأنشطة العسكرية الأميركية.

بغية أداء دوره في الحد من البصمة الكربونية الثقيلة، تعهد الجيش الأميركي بتخفيض ما نسبته 50 في المئة في صافي التلوث الناجم عن غازات الدفيئة بحلول نهاية العقد، وذلك مقارنة مع المستويات التي شهدها 2005.

البروفيسورة نيتا سي كروفورد، رئيسة قسم العلوم السياسية في "جامعة بوسطن" والمديرة المشاركة في مشروع "تكاليف الحرب" (على البيئة) الذي يبحث في صراعات ما بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول)، قالت إن الهدف لم يكن طموحاً بما يكفي، موضحة أن الجيش الأميركي، وفق تقديرها، قد خفض فعلاً نحو نصف الانبعاثات التي يتسبب بها منذ 2005.

"كي أضع المسألة في سياقها، أوضح أن الولايات المتحدة كانت تخوض "حرباً ساخنة" في أفغانستان والعراق عام 2005، لذا كانت مستويات انبعاثات غازات الدفيئة مرتفعة. يقول [الجيش] إن المشكلة واسعة وجسيمة وملحة. ولكننا لسنا إزاء ملف يدل على استجابة عاجلة"، قالت البروفيسورة كروفورد في تصريح أدلت به إلى "اندبندنت".

يذكر أن "اندبندنت" لم تتلقَّ رداً على طلب أرسلته إلى الجيش الأميركي بإدلاء أي تعقيبات في هذا الشأن.

ثمة مشكلة أخرى: الأمر التنفيذي الذي أصدره الرئيس بايدن ويقضي بالحد من انبعاثات الحكومة الفيدرالية يستثني فعلياً أجزاء كبيرة من العمليات العسكرية التي شكلت منذ 2001 نسبة تتراوح بين 77 و80 في المئة من إجمالي استخدامات الحكومة الأميركية للطاقة، حسبما كشفت دراسة تعود إلى 2019 من مشروع "تكاليف الحرب". (عموماً، استثناء أجزاء كبيرة من العمليات العسكرية من حسابات انبعاثات غازات الدفيئة ممارسة شائعة في معظم البلاد).

ولكن مع ذلك، من المسلم به في غالبية الدوائر العسكرية كون تغير المناخ "عاملاً مضاعفاً للتهديد"، مع الإشارة إلى أنه يستند إلى الاضطرابات السياسية أو الاقتصادية القائمة التي تهدد السلام والأمن.

مثلاً بسوريا التي مزقتها الحرب. تتبدى بصمة أزمة المناخ في درجات الحرارة المفرطة التي أسهمت في أسوأ موجة جفاف تطرأ على المنطقة منذ 900 عام في الفترة الزمنية بين 2006 و2010، والتي أودت بالمحاصيل الزراعية والماشية. دفعت الأزمة بعمال الريف الفقراء إلى المدن مكرهين، وبالإضافة إلى التخفيضات في دعم الوقود والغذاء التي أقرها الديكتاتور بشار الأسد، تفجرت توترات كثيرة بين جماعات إثنية عدة. وفي الآونة الأخيرة، اجتاحت الصومال موجة الجفاف الثالثة الناجمة عن تغير المناخ خلال عقد من الزمن، ما أجبر ملايين الناس على مغادرة منازلهم بحثاً عن الطعام والماء، وأفضى إلى اندلاع صراع داخلي في المنطقة.

كذلك تتصاعد التوترات داخل الولايات المتحدة. ما زالت مؤشرات تراجع "موجة الجفاف الكبرى "mega-drought التي تجتاح غرب الولايات المتحدة قليلة جداً، ما يفتح نقاشات متعنتة أكثر فأكثر، ومعارك قانونية عدة، حول حقوق الحصول على المياه.

على الصعيد العالمي، (بما في ذلك التقرير المناخي الجديد الصادر عن الأمم المتحدة الأسبوع الحالي) بلغ التحذير ذروته بشأن الحاجة الملحة إلى تقليص أي جزء ضئيل ممكن في الارتفاع الذي تسجله درجة الحرارة العالمية، والأهمية البالغة التي يكتسيها خفض انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الوقود الأحفوري. وقد وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التوظيف المستمر للاستثمارات في الوقود الأحفوري بأنه "جنون أخلاقي واقتصادي".

وواضح أن جون كيري، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المناخ، ووزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، يوافق غوتيريش رأيه، إذ قال إن "المخاطر جلية. التهاون سيفضي إلى آثار لا رجعة فيها وغير معقولة من تغير المناخ".

لكن يبدو أن الماكينة العسكرية الضخمة للولايات المتحدة مهيأة للنمو، جزئياً كرد فعل على الغزو الروسي الوحشي لأوكرانيا. تشتمل الميزانية التي أقرها الرئيس بايدن للسنة المالية 2023 على طلب بمبلغ 30 مليار دولار إضافي لوزارة الدفاع "البنتاغون"، ما يرفع الإنفاق الدفاعي إلى 813 مليار دولار.

الدكتور باتريك بيغر، الذي شارك في الإشراف على دراسة حول استخدام الجيش الأميركي للهيدروكربونات في مركز البيئة في "جامعة لانكستر"، وصف سياسة الجيش الأميركي المناخية بأنها "متناقضة في جوهرها، إذ تواجه آثار تغير المناخ بينما ما زالت أكبر مستهلك منفرد للهيدروكربونات في مؤسساته حول العالم، وسيبقى حبيس هذه الحال لسنوات مقبلة بسبب اعتماده على طائرات وسفن حربية متاحة في تنفيذ عمليات مفتوحة في مختلف أنحاء العالم".

وأضاف البروفيسور المشارك في الدراسة بن نيمارك أن "أحد السبل المهمة لخفض درجات حرارة الفرن البيئي لحال الطوارئ المناخية إيقاف تشغيل أقسام واسعة من الماكينة العسكرية".

وقالت الدكتورة كروفورد إن الانتقال إلى عدم اعتماد الجيش الأميركي على الكربون محال حقاً من دون تقليص عملياته العسكرية وتدريباته، سواء في الولايات المتحدة أو خارجها.

"إن استراتيجية أمنية قومية لا بد من أن تتماشى مع الطابع الملح الذي تعبر عنه إدارة بايدن بشأن مخاطر تغير المناخ وتكاليفه، من ثم تشارك فعلياً في إعادة نظر شاملة في استراتيجية الولايات المتحدة، وقواعدها العسكرية، وعملياتها، والحد من التسلح"، كما جاء في كلمات الدكتورة كروفورد.

"يصبح لزاماً الكف عن القتال لأنك ما إن تبدأ المعارك، ترتفع للغاية انبعاثات غازات الدفيئة التي تتسبب بها"، قالت الدكتورة كروفورد.

حتى الآن، تمثلت استجابة الجيش الأميركي لتغير المناخ في توسع العسكرة. في مارس (آذار)، شارك الآلاف من القوات الأميركية في عمليات تدريب جديدة في المنطقة القطبية الشمالية رداً على تعاظم عسكرة روسيا في منطقة تحوي ثروة طبيعية غير مستثمرة من النفط، وحيث أدى ذوبان الجليد البحري إلى فتح طرق شحن جديدة. في الواقع، تشهد المنطقة القطبية تغيرات بمعدل ضعفين إلى ثلاثة أضعاف معدل بقية العالم بسبب تغير المناخ.

كذلك تكثف الولايات المتحدة أنشطتها العسكرية في منطقة المحيطين الهندي والهادي. فقد شددت تقارير سابقة صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية كيف أن العالم سيصير أكثر خطورة بسبب الضغوط المناخية، متوقعة حدوث مزيد من التوترات والنزاعات المسلحة المحتملة، والتي تكشف عن "فصل بين السبب والنتيجة"، كما تشير الدكتورة كروفورد.

"ذلك كله يفاقم مخاوفنا، وحينما نخاف، نتسلح، ونحشد الاستعدادات، وتصبح بلادنا قوارب نجاة. وتكون النتائج عكسية"، وفق الدكتورة كروفورد.

"عندما نفترض أن الكابوس أمر واقع، يصبح تحققه أقرب إلى الواقع"، ختمت الدكتورة كروفورد.

© The Independent

المزيد من بيئة