Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بغداد "التي كانت"... متى تتحول الوعود إلى واقع؟

العاصمة العريقة تبدو في يومها كأنها عروس لم تفرح بجمالها وتنتظر من ينفض الغبار عنها

 جميع الدراسات في السنوات الأخيرة التي أجريت على بغداد صنفتها بأنها أسوأ مكان للعيش في العالم (أ ف ب)

تبدو العاصمة العراقية بغداد وهي تحتفل بيومها كأنها عروس لم تفرح بشبابها، فهي دار السلام والنزاعات والصراعات ومدينة العلم والعلماء والتاريخ.

وعلى الرغم من افتقار بغداد اليوم للنهضة العمرانية، التي عرفت عنها في القرون الماضية، وكذلك فقدانها مقومات الحياة العصرية وانتشار الخراب والفوضى، فإن مسؤولي العاصمة وعدوا بمشاريع جديدة للنهوض بواقعها الخدمي.

أمين بغداد المهندس عمار موسى كاظم أعلن أن "يوم بغداد" هو انطلاقة جديدة للنهوض بالواقع الخدمي للمدينة والشروع بتنفيذ مشاريع جديدة في العاصمة.

جاء ذلك خلال كلمة له في حفل "يوم بغداد" السنوي الذي أقيم بمتنزه الزوراء بعد انقطاع دام سنتين.

ونقل بيان لأمانة بغداد عن كاظم قوله إن "يوم بغداد الذي يقام في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام هو يوم انطلاق التكاتف والعمل الجماعي من أجل النهوض بالواقع الخدمي للمدينة التي تستحق كثيراً، فهي صاحبة العراقة والحضارة والإرث والتاريخ".

وتابع أن "زيارة دولة رئيس مجلس الوزراء الأخيرة لأمانة بغداد وما أبداه من ملاحظات وتوجيهات ستكون دافعاً وحافزاً لنسابق الزمن ونشمر عن سواعد العمل المخلص لخدمة المدينة".

وأشار إلى أنه "في ظل التوجهات الحكومية نعلن اليوم عن انطلاقة جديدة لأمانة بغداد للنهوض بالواقع الخدمي للعاصمة، والأيام المقبلة ستشهد تنفيذ مشاريع جديدة من شأنها تحسين مستوى الخدمات البلدية المقدمة للمواطنين".

ولفت إلى أن "أمانة بغداد أطلقت حملة لزراعة أكثر من خمسة آلاف شجرة في قناة الجيش بمناسبة يوم بغداد وضمن الأنشطة الزراعية الخريفية التي تهدف لتقليل التأثير المناخي وزيادة المسطحات الخضراء".

دار السلام

"مضى على تأسيسها 1260 عاماً، هي دار السلام، وعاصمة جمهورية العراق، وتعد من الناحية الاقتصادية السوق التجارية الرئيسة في العراق"، بحسب الباحث الاقتصادي بسام رعد.

وقال رعد، إن بغداد عانت منذ عقود من التدهور في المجال الخدمي والتجاري والأمني وتقادم البنية التحتية وتهالكها وعدم تحقيق نمو وتطور ملموس طيلة الأعوام الماضية.

وعلى الرغم من أنها تعد شرياناً حيوياً لنقل الناس والبضائع التجارية بين دمشق وعمان وإسطنبول وطهران والرياض، فإنه لم يتم استغلال هذه المقومات بشكل جيد، حيث تمتلك بغداد مواصفات المدينة المتفردة وبإمكانها أن تكون مركزاً مالياً شرق أوسطياً.

وأضاف رعد "يمكن لبغداد استقطاب كبريات المؤسسات المالية في المنطقة من بنوك وشركات تأمين مما يجعلها تغدو مدينة حديثة تفتح مصراعيها للمستقبل، لكن ذلك يتطلب إعادة بناء ما تهدم من بنى تحتية وإنتاجية وخدمية وتجارية وتطويرها".

وأشار إلى أنه "ينبغي أن يرافق عملية الإعمار عملية تنمية اقتصادية واجتماعية والارتقاء بالمستوى التكنولوجي والبشري"، معتبراً أن النهوض بالعاصمة من جديد سيكون هو القوة المنشطة للاقتصاد العراقي وتقليص الاعتماد على القطاع النفطي الريعي.

تغيب بغداد

في المقابل، يكشف أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي أن جميع الدراسات في السنوات الأخيرة التي أجريت على بغداد صنفتها بأنها أسوأ مكان للعيش في العالم، "ولو كان هناك ذرة من الكرامة لدى المسؤولين وصناع القرار في بغداد يجب أن يقدموا استقالة جماعية فوراً".

وقال السعدي "في يوم بغداد هناك ألم وحسرة كبيرة في قلوب جميع العراقيين حتى سكان المحافظات الأخرى يتألمون لمشاهدة عاصمتهم بهذه الحال المريرة، ويتحمل المسؤولية جميع الحكومات المتعاقبة على الحكم بعد 2003 حتى الآن، حيث عملوا على تغييب بغداد من ساحات الإبداع والمنافسات، وجعلوها تفتقر إلى توفير أبسط الخدمات الأساسية، فمدينة الرشيد والعلوم ومهد الثقافات تستغيث من توالي الزمان عليها، فجردت من العمران، وأهملت شواهدها التاريخية والثقافية، فأصبحت مكباً للنفايات ومصدراً للفوضى، وجعلونا نتأسف على تاريخ بغداد التي كانت يوماً ما رمزاً للعلوم والثقافات ومكان المبدعين والعباقرة".

وأضاف "طبعاً هناك أربع جهات حكومية تتحمل المسؤولية الأكبر عن هذا الفشل، هي أمانة بغداد ومحافظة بغداد ووزارة الإسكان والأعمار ووزارة البلديات، لكن أمانة بغداد لها اليد الطولى في طمس هوية العاصمة فهي الجهة المسؤولة بشكل مباشر عن إعمار المدينة، التي للأسف واقعها الآن يفتقر للعمران ولا يوجد شارع واحد حتى في أرقى مدنها إلا ويحتوي على الحفر والنفايات، بالتالي لا توجد مقارنة بين مناطق العاصمة فكلها متساوية برداءة الإعمار وتقديم الخدمات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

المشكلات اليوم كثيرة جداً وتراكمية بسبب فقدان الرؤية لتخطيط المشاريع الكبرى للبنية التحتية، ما أدى إلى آثار تراكمية في انهيار منظومة الصرف الصحي والمياه الثقيلة التي تؤدي إلى غرق شوارع بغداد في كل موسم شتاء، نتيجة غزارة الأمطار التي تشهدها عادة أحياء العاصمة وأيضاً باقي مدن العراقية، كما أن غياب المشاريع الإسكانية أدى إلى ظهور مئات العشوائيات في المدينة، ما أسهم في تشويه وجهها العمراني والحضري، مع انتشار الأسواق العشوائية وساحات بيع الحيوانات التي من الممكن مشاهدتها في أي مكان أو زمان، لذا فإن سوء التخطيط والإدارة أدى إلى هذه النتيجة التي نراها اليوم.

وعن الحلول، كما يطرحها السعدي، فتحتاج إلى فكر خلاق وإيجاد فرص لتمويل المشاريع بعيداً من الاعتماد فقط على الموازنة الحكومية، فهناك موارد كثيرة للتمويل مثل مئات العمارات والساحات والحدائق العامة والأسواق والمحال التجارية المؤجرة التي تقع غالبيتها في قلب العاصمة وتتبعها إدارياً، لم توفر إلا نحو 65 أو 70 مليون دولار كإيرادات.

وأشار إلى أن الإداريين في الأمانة يتغافلون عن جباية الرسوم المفروضة على ملايين الأمتار من الإعلانات الضوئية الهائلة في العاصمة لأغراض سياسية أو تدخل الأحزاب والمحسوبيات أو بسبب تقاضي الرشاوى "لذا لو استغلت هذه الموارد بشكل صحيح متوقع جداً أن تحقق إيرادات قد تصل إلى ما يزيد على مليار دولار سنوياً على أقل تقدير".

الخطوة الثانية، بحسب السعدي، بعد توفير التمويل المالي هو التخطيط والتنفيذ بشكل صحيح وعن طريق الاستعانة بخبراء في التخطيط العمراني ويفضل أن يكونوا أجانب من شركات عالمية رصينة لإعادة التوزيع السكاني بالشكل الصحيح، فهناك مشكلة كبيرة في الكثافة السكانية لدى بعض المناطق، خصوصاً الشعبية مثل مدينة الصدر والشعلة التي تكتظ بالسكان، فهي بحاجة توزيع أراض وبناء مجمعات سكنية في أطراف العاصمة لسحب الضغط وتقليل الكثافة، ونقل كل المصانع وأسواق الجملة والمولات والمستودعات والمخازن ومعارض السيارات والجامعات والكليات والمعاهد ومقرات الجيش والقوات الأمنية إلى المناطق المحيطة ببغداد، ويتم تخصيصها وفق الحاجة ويراعى فيها التصميم والجمالية أيضاً لسحب الضغط الموجود وتقليل الازدحامات والتلوث البيئي.

وطالب السعدي بإعادة تنظيم بناء المدن القديمة والشعبية، وخصوصاً التراثية بطريقة حديثة، لكن مع الحفاظ على الشواخص التاريخية لعدم طمس هوية المدينة، وكذلك تنفيذ مشروع حزام بغداد لزيادة المساحات الخضراء لتغير المناخ ومحاربة ظاهرة التصحر.

 وأوضح أن الحلول كثيرة، لكن في النهاية جميعها يحتاج بالدرجة الأساس إلى إرادة وطنية حقيقية وليست خطابات رنانة وشعارات لا تغني ولا تسمن من جوع، لذا فهذا اختبار وفرصة جديدة لحكومة السوداني لأن تثبت نفسها من خلال العمل الجاد وتحقيق خطوات متقدمة أو ستكون مجرد شعارات وخطب سمعناها من الحكومات التي سبقتهم.

مواطنون درجة ثانية

في المقابل، يكشف الباحث العراقي صالح لفتة أن بغداد عرفت الخذلان منذ تولي النظام السابق مقاليد الحكم وجعل العاصمة حكراً على مواطني محافظات معينة وتسفير آخرين والنظر لهم على أنهم مواطنون درجة ثانية.

وأشار إلى أن بغداد خذلت عندما تم الاهتمام بأحياء ومناطق على حسب المذهب والولاء أو المزاجية، وكذلك عندما تولى أشخاص لا يعرفون أن بغداد مركز القرار، وعندما سرقت الأموال المخصصة لإعادة إعمارها وبقيت فقط مشاريع وهمية لا اهتمام في شوارعها ولا خدماتها ولا تم تطوير أحيائها.

ويعتقد لفتة أنه من الصعوبة إحياء نهضة تليق ببغداد لأن الخراب لا يمكن السيطرة عليه، ويحتاج إلى سنوات لإصلاحه، وعندها نجد أننا تأخرنا ثانية، فالبقاء بالعقليات والتفكير نفسه لن يغير شيئاً ولن يبني بغداد مهما صرفت من أموال.

وشدد لفتة على أنه "إذا لم يتم تسليم المشاريع لشركات لها خبرة في التطوير سيزداد الخراب أكثر وتذهب الأموال المخصصة للتطوير نهباً في جيوب الفاسدين".

المزيد من تقارير