Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هوليوود مفتونة بالعنف لأسباب لا حصر لها

تفنن مخرجون كثيرون في نقل الوحشية إلى شاشات السينما وكتاب جديد للمخرج كوينتين تارانتينو يتحدث عن تلك الظاهرة

مرور أكثر من 50 سنة لم يكف لتخففيف الرعب الذي يثيره مشهد الاستحمام الشهير في فيلم سايكو الذي صدر في 1960 (غيتي)

من المؤكد أن السينما جعلتنا جميعاً نمر بهذه التجربة، أي تلك اللحظة التي نتمتم فيها "بالتأكيد لن يفعلوا ذلك"، حينما يصل العنف الظاهر أمامنا إلى درجة تجعلنا نتلوى في مقاعدنا ونشيح أنظارنا عن الشاشة.

في فيلم "كلب أندلسي" Un Chien Andalou الكلاسيكي السريالي الذي أخرجه لويس بونويل عام 1929، يدخن رجل سيجارة بهدوء ويشحذ شفرة حلاقة ويوجهها إلى عين امرأة. حينما يمرر الشفرة، ينسكب الدم وسائل أصفر لزج.

يبدأ فيلم "هاري القذر" Dirty Harry  للمخرج دون سيغيل الذي أدى فيه كلينت إيستوود دور شرطي (1971) بمشهد يقف فيه قاتل على سطح ناطحة سحاب، ينظر من خلال عدسة التصويب في بندقيته إلى امرأة شابة تسبح في حوض سباحة موجود في الأسفل. إنها هذه الطريقة العرضية المنفصلة التي تجري فيها عملية القتل. لم يكن هناك كثير من المشاهد من هذا القبيل في هوليوود. تصاب الشابة في ظهرها ويتحول لون الماء في حوض السباحة إلى الأحمر.

وهناك أيضاً المشهد "المحير الذي لا مفر منه" في فيلم كوينتين تارانتينو "كلاب المستودع" Reservoir Dogs (1992)، حيث يرقص رجل العصابات الودود مستر بلوند، الذي يجسده مايكل مادسن، حول شرطي رهينة قبل أن يقطع أذنه. إنها لحظة من السادية الرهيبة التي تقشعر لها الأبدان، وقد باتت أكثر ترويعاً بسبب الأغنية المبتهجة لفرقة ستيلرز ويل التي نسمعها في الخلفية. لطالما استمتع تارانتينو بمثل تلك اللحظات من الرعب السينمائي. يكتب عن عدد منها في "تكهنات سينمائية" Cinema Speculation، كتابه الجديد عن ذكرياته المتعلقة بالذهاب إلى السينما وهواجسه السينمائية المبكرة.

قد لا يحب الجمهور الاعتراف بذلك، لكن كثيرين منا يشاركون تارانتينو افتتانه الشديد بالعنف على الشاشة. إذا ألقينا نظرة على تاريخ السينما سنعثر على كثير من الأمثلة الأخرى على القسوة المهووسة التي تأتي على المستوى نفسه الذي رأيناه في "هاري القذر" أو "كلاب المستودع".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومثلاً، يحتوي فيلم "سرقة القطار الكبرى" The Great Train Robbery الذي أخرجه إدوين إس بورتر عام 1903، أحد أوائل الأفلام الأميركية المكتوبة والمحررة بشكل جيد، على سلسلة مشهورة من المشاهد التي يعمد فيها أشخاص خارجون عن القانون إلى إطلاق النار مباشرة على الكاميرا. وقد شكلت تلك المشاهد أحد المؤثرات البصرية التي استمتع بها رواد السينما في ذلك الوقت. كذلك لم يتردد بورتر في عرض فوضى الأجساد. يتعرض عامل اتصالات لاسلكية للتقييد والضرب بالهراوات. هناك معارك بالأيدي وإطلاق نار من مسافة قريبة. في إحدى المراحل، يرمى حارس من قطار أثناء سيره. غالباً ما يستشهد بالفيلم باعتباره أحد أهم "الأعمال التي حققت قفزات إلى الأمام" في صناعة الأفلام الأميركية، ويحكي قصة تستند إلى العنف الشديد.

يشعر بعض المخرجين بالفزع والحيرة من مستوى العنف في الأفلام، وقد بات مستمراً منذ ذلك الحين. في مقابلة عن كتاب "صناعة السينما البريطانية في 25 مسيرة مهنية"، يرى كاتب مسلسل "داون تاون آبي" Downton Abbey جوليان فيلوز، أنه "بالنسبة إلى معظم الناس، نحن نعيش حياتنا من دون عنف. أنا لا أقول إنك لن تشهد أية حادثة عنيفة على الإطلاق، لكن ذلك نادر جداً. من المحتمل أنني رأيت عراكاً حقيقياً مرتين في حياتي، ومع ذلك يتوقع مني أن أشاهد ست حوادث قتال في الليلة الواحدة. أنا لا أفهم حقاً المنطق وراء ذلك".

في عمل فيلوز، من غير المحتمل أن تجد خادمات وخدماً يخضعون للتعذيب في حوض غسيل الأطباق، أو دوقات أرامل يتعرضن لقطع رؤوسهن. ببساطة، هذا ليس أسلوب مسلسل "داون تاون آبي". ومع ذلك، يرى آخرون أن العنف جزء لا يتجزأ من صناعة الأفلام. سواء أكان تارانتينو أو ألفريد هيتشكوك أو سام بيكينباه أو كاثرين بيجلو أو سبايك لي، ابتكر أعظم المخرجين طرقاً أكثر إبداعاً في تصوير أعمال العنف على الشاشة.

في كتاب "تكهنات سينمائية"، يصف تارانتينو سعادته في شبابه حينما جاء ضمن الجماهير التي أتت لحضور فيلم "ماتادور" Matador للمخرج بيدرو ألمودوفار عام 1986، "حيث تستمني إحدى الشخصيات على أكثر المشاهد المروعة في أفلام التقتيل والتذبيح". في الوقت الذي أصبحت أفلام هوليوود هادئة بشكل متزايد، أحب تارانتينو الطبيعة العدوانية للأفلام الأوروبية في تلك الفترة. بحسب كلماته، "أثناء جلوسي في إحدى صالات السينما في ’بيفرلي هيلز‘ [منطقة في لوس أنجلس تضم استوديوهات هوليوود]، أشاهد صور بيدرو الملونة الزاهية والمثيرة التي تستحق الإعجاب على شريط بقياس 35 مللم، إذ تومض على جدار عملاق. ويثبت ذلك إمكانية وجود جانب مغر في العنف، كنت مقتنعاً بأن لي مكاناً في السينما الحديثة يتسع خيالاتي العنيفة".

في طفولته، كانت والدة المخرج المستقبلي لفيلم "حدث ذات مرة في هوليوود" Once Upon a Time in Hollywood، تأخذه لحضور كل أنواع الأفلام التي كان صغيراً جداً على رؤيتها من الناحية النظرية. على رغم ذلك، وضعت والدته حداً لذلك في عام 1972 مع فيلم الإثارة "ميليدنا" Melinda الذي يتناول استغلال السود.

يروي تارانتينو، "قالت ’حسناً يا كوينتين، إنه عنيف جداً. لا يعني ذلك بالضرورة أن لدي مشكلة في ذلك، لكنك لن تفهم فحوى القصة. بالتالي، بما أنك لن تفهم السياق الذي يحدث فيه العنف، فإنك ستشاهد العنف من أجل العنف وحده. لا أريدك أن تفعل ذلك’".

إنها فكرة مهمة وقد صيغت بشكل جيد. عند وجود العنف على الشاشة، يصبح السياق كل شيء. ولطالما استطاع الجمهور رؤية الدافع وراء العنف واستقباله، سواء تعلق ذلك بالقسوة الفوضوية لأفلام الرسوم المتحركة "توم وجيري" Tom and Jerry الموجهة للأطفال، حيث يمكننا رؤية قط يتعرض للصعق بالكهرباء، أو التوتر العنيف في فيلم "الفك المفترس" Jaws لستيفن سبيلبرغ (1975)، عندما يكون القرش الأبيض الضخم يبحث عن فريسته. يكتب تارانتينو عن نفسه حينما كان طفلاً يشاهد الأفلام المصنفة على أنها للكبار فقط، "كنت قادراً على تحمل الصور لأنني فهمت القصة". لقد شعر بالاستياء الشديد عند رؤية والدة الغزال بامبي تموت في فيلم "ديزني" الشهير "بامبي" Bambi (1942) أكثر من كل مشاهد الاستغلال الأشد تطرفاً التي رآها في ذلك الوقت.

يوجد العنف في كتاب تارانتينو، تماماً على غرار الحال مع أفلامه. يكتب بسعادة كبيرة عن المخرج هنري هاثاواي الذي يصور مشهد رمي سيدة عجوز من أعلى السلالم في فيلم "قبلة الموت" Kiss of Death (1947)، والمؤلف الألماني فريتز لانغ مع مشهد رش القهوة الساخنة على وجه امرأة في "الصراع المحتدم" The Big Heat (1953)، وجميعها حوادث سادية على الشاشة فتنت نقاد السينما وحيرتهم فترة طويلة. ومع ذلك، يعتقد تارانتينو بأن مثل هذه الحوادث لا تقارن بالوحشية التي نراها على الشاشة في أفلام سيغيل في سبعينيات القرن الـ20. إذ يعتبره (وذلك أمر معترف به) أحد المخرجين الأكثر عنفاً في تاريخ هوليوود. وينطبق الوصف نفسه على أفلام سام بيكينباه، مخرج فيلم "العصابة البرية" The Wild Bunch (1969).

ولست بحاجة إلى القول إن السينما الأميركية غرقت في العنف قبل وقت طويل من ظهور سيغل، وتارانتينو أيضاً. لطالما خضع هذا العنف لكثير من الجدل والنفاق والارتباك.

إحدى الشكاوى الشائعة التي جرى تناولها في الكتاب الوثائقي "هذا الفيلم لم يجر تصنيفه بعد" This Film is Not Yet Rated، صدر عام 2006 للمخرج كيربي ديك، يتمثل في أن الرقباء الأميركيين يميلون إلى الحيرة الشديدة بشأن عنف الشاشة. على الأرجح، فإنهم سيمنحون تصنيف "مناسب لمن هم فوق سن الـ17" للأفلام التي تتناول المتعة الجنسية، خصوصاً إذا صورت المشاهد المعنية أشخاصاً مثليين أو مثليات.

في ذلك الصدد، يرى جون ووترز، مخرج أفلام كوميدية فضائحية كـ"مشكلة أنثوية" Female Trouble (1974) و"مثبتات الشعر" Hairspray (1988)، ضمن الكتاب الوثائقي الذي وضعه المخرج ديك، أن "العنف مقبول، لكن الجنس ليس كذلك".

ظل صانعو الأفلام الأميركيون مبتهجين بملء أفلامهم بالشجارات والانفجارات وإطلاق النار والطعن، طوال ما يزيد على 100 سنة، من دون معاناة كبيرة مع ردود الفعل السلبية من الرقابة. يقدم تارانتينو حجة مقنعة تستند إلى نجاح نهج "كل شيء مباح" الذي اتبع مع العنف في السينما الأميركية في سبعينيات القرن الـ20. إذ نتج من ذلك أفلام أفضل بكثير من تلك المنتجة في فترة الثمانينيات من القرن الـ20 الأكثر تشدداً ووعياً بالذات، حينما نالت "قابلية حصول الفيلم على الإعجاب" أهمية قصوى. في ذلك الصدد، يشكو تارانتينو من أنه "إذا صنعت فيلماً عن أشرار حقيرين، فيمكنك أن تراهن على أن هؤلاء الأشرار الحقيرين سيدركون خطأهم ويعودون إلى جادة الصواب في آخر 20 دقيقة من الفيلم"، مشيراً إلى محاولة هوليوود اليائسة إبان ثمانينيات القرن الماضي لعدم الإساءة إلى أي شخص.

بالتالي، جاءت النتيجة على هيئة سلسلة من الأفلام الفاترة التي يمكن التنبؤ بحوادثها، وتضمنت دائماً نهايات سعيدة وتطهيرية. لم تقدم أية إضافة لدرجة أنه بدأت مقارنتها بالأفلام السابقة، على غرار مشهد الاغتصاب الذي يتعرض له نيد بيتي "ويئن خلاله كالخنزير" في فيلم جون بورمان "خلاص" Deliverance (1972)، وفي مشهد ذروة ضمن فيلم "كلاب القش" Straw Dogs للمخرج سام بيكينباه (1971) حيث يحمي الأكاديمي المعتدل الذي يجسده الممثل داستن هوفمان منزله من المعتلين النفسيين بالفطرة في إحدى قرى "كورنوول"، أو مشهد أداء "الغناء تحت المطر" التي ترافق مذبحة يتسبب بها أعضاء عصابة شوارع في فيلم "برتقالة آلية" A Clockwork Orange لستانلي كوبريك (1971) حينما يعتدون بسادية على كاتب ويغتصبون زوجته.

يستشهد تارانتينو ببيكينباه الذي أعطى أيضاً توجيهاته للممثل ستيف ماكوين في فيلم "الهروب" The Getaway (1972)، وسيغل الذي يشمل رصيده أيضاً فيلم "المخدوعون" The Beguiled (1971) و"غزو سارقي الجثث" Invasion of the Body Snatchers (1956) ، باعتبارهما اثنين من "الأكثر خبرة في ممارسة العنف السينمائي".

يشير المخرج إلى أن "عنف سيغل جاء متعلقاً بالوحشية أكثر من إراقة الدماء الظاهرة"، إذ قارنه تارانتينو بالنهج المشغول بعناية أكثر وبأسلوب الحركة البطيئة الذي فضله بيكينباه في فيلم الويسترن "العصابة البرية". وبحسب تارانتينو، "كانت أصوات تدفق الدماء الحمراء في مشاهد سام اللعين أقرب إلى رقص الباليه المصور والشعر المرئي المرسوم باللون القرمزي. لم تكن الصدمة التي يحدثها فيلم "العصابة البرية" محصورة في ما رأيناه على الشاشة، بل شملت رد فعلنا على ما رأيناه. إذ بدت تلك الصدمة جميلة ومثيرة. ثمة جمالية في هؤلاء الأوغاد الفاسدين الذين اختاروا المخاطرة بكل شيء من أجل عضو في فريقهم لم يكن أي منهم يحبه بشكل خاص".

قد تبدو تلك الكلمات كأنها شاعرية مفرطة، لكن استجابة تارانتينو على العنف مفيدة. إذ ينظر إليه من منظور جمالي وسردي. ويترك لغيره مهمة إحصاء الجثث والتذمر من قلة الإنسانية والأخلاق. طالما أنه يتأثر ويستمتع، يكون ذلك كل ما يهمه.

سيكون من السهل العثور على لحظات لا حصر لها في أفلام التعذيب الإباحية أو أعمال الرعب أكثر بشاعة وصراحة من أي شيء موجود في أعمال سيغل أو بيكينباه، أو حتى تارانتينو. لقد ارتبطت إراقة الدماء والوحشية على الشاشة بصور الاستغلال الفجة. ومع ذلك، إذا وضعت قائمة بأكثر اللحظات التي لا تنسى للعنف على الشاشة، فستجد أن وراءها دائماً مخرجين أصحاب رؤية.

في فيلم "البارجة بوتيمكين" Battleship Potemkin  (1925) للمخرج سيرغي آيزنشتاين، تظهر عربة الأطفال تتدحرج مجتازة الجثث الملقاة على درج بوتيمكين في مدينة أوديسا الأوكرانية. لا يزال صعباً ألا نشعر بالصدمة من المشهد الذي عمد فيه رجل العصابة جيمس كاني إلى دفع ثمرة حمضيات في وجه ماي كلارك في فيلم "عدو الشعب"The Public Enemy للمخرج ويليام ويلمان (1931). كذلك لم يتضاءل تأثير رعب مشهد الاستحمام في فيلم "سايكو" Psycho [للمخرج ألفريد هيتشكوك] (1960) على مدار الأعوام الـ50 الماضية. سيشعر عديد من المتفرجين بالتقزز الشديد من قطع الأصابع في فيلم "حوريات إنشرين"The Banshees of Inisherin للمخرج مارتن ماكدوناه (2022). إنها كلها صور لا تمحى في أفلام لا يمكن التشكيك في سلامتها الفنية.

لا شيء مما يرد في أي فيلم رعب كوميدي للمخرج إيلي روث ضمن مشهديات الكوخ في الغابة، يأتي على الدرجة الدموية نفسها أو حتى الإزعاج الذي تثيره معاناة الممثل جيم كافيزيل وهو على الصليب بينما يدق الرومان مساميرهم في جسده في فيلم "آلام المسيح" The Passion of the Christ الذي أخرجه ميل غيبسون (2004).

كخلاصة، إن ذلك هو التناقض. كثيراً ما يرفض العنف المتخيل على الشاشة باعتباره طائشاً واستغلالياً وسيئاً للمجتمع، ومن المحتمل أن يلهم مقلدين. لقد أصاب فيلوز حينما ذكر إن الأمر لا يتعلق كثيراً بالطريقة التي يعيش بها معظمنا. ومع ذلك، منذ أن بدأت السينما، صنع عدد من أكثر اللحظات قوة وبراعة في الأفلام، بالأحرى تلك المشاهد التي يستمتع بها الجمهور بشدة، بالاستناد إلى أعمال شديدة الوحشية.

كتاب "تكهنات السينما" لكوينتين تارانتينو متوفر الآن.

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 11 نوفمبر 2022

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما