Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما الذي تعنيه عودة لولا لرئاسة البرازيل بالنسبة إلى غابات الأمازون

مصير هذه الغابات المطيرة له انعكاسات عالمية

حرائق تستعر في الأمازون، البرازيل، سبتمبر 2019 (رويترز)

يشكل انتصار لويز إيناسيو لولا دا سيلفا في الانتخابات الرئاسية البرازيلية لحظة فاصلة في السياسات الدولية المتعلقة بتغير المناخ. إذ إن لولا، كما يعرف دولياً، سيخلف الرئيس المنتهية ولايته المشكك في التغير المناخي، جايير بولسونارو، الذي سيترك وراءه خراباً بيئياً، حيث ازدادت خلال السنوات الأربع لفترة رئاسته مظاهر إزالة الغابات في منطقة الأمازون بنسبة 50 في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تلعب الأمازون، أكبر الغابات المطيرة في العالم، دوراً رئيساً في التخفيف من الاحترار العالمي من طريق امتصاصها لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ويحذر العلماء في هذا الإطار من أن عمليات إزالة الغابات التي يقوم بها البشر بالمعدل الراهن، ستؤدي إلى دفع المنطقة الأحيائية بأكملها نحو نقطة تحول، لتغدو بعدها الغابات مناطق مسطحة وسهولاً عشبية (سافانا). حينها ستكون لخسارة أكبر وحدة "امتصاص" للانبعاثات الكربونية في العالم عواقب كارثية على التنوع البيولوجي ورفاه الإنسان في البرازيل وخارجها.

لقد خاض لولا حملة إنتخابية مطلقاً خلالها وعوداً بتقليص مظاهر إزالة الغابات في الأمازون إلى معدل الصفر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل سيتمكن الرئيس لولا من الوفاء بوعده في ظل الإدمان على إزالة الغابات الذي أصيبت به البرازيل؟ إن التخلص من هذا الإدمان بالفعل يتطلب من الرئيس المنتخب حشد كل دعم ممكن للنجاح في مهمته وتحقيق وعوده.

ما الذي سيواجهه لولا؟

الأطراف المسؤولة عن  التدهور البيئي الذي أصاب الأمازون مكون من تحالف سياسي فضفاض لكنه فعال في نفس الوقت ويضم كلاً من مربي الماشية، ومصدري السلع الأساسية، وشركات المناجم. ويقوم أولئك اللاعبون معاً بالضغط على أعضاء الكونغرس (مجلس النواب) البرازيلي من أجل التساهل في تطبيق القوانين والضوابط الموجودة الهادفة إلى حماية الغابة المطيرة. ويعمل التحالف المذكور، عبر ضغوطه، على تعطيل السياسات الساعية للحفاظ على المناخ وعلى التأثير في سلطات الدولة للامتناع عن فرض الغرامات والعقوبات بحق مقترفي الجرائم البيئية.

ومن الأساليب التي يستخدمها هذا التحالف أن يقوم بتمويل حملات سياسيين صاعدين ومساعدتهم في الحصول على أصوات إنتخابية. وهذا ما منحه نفوذاً وتأثيراً في جميع أجهزة الدولة ودوائرها. وقد غدت الحكومة البرازيلية نتيجة لهذا أقل قدرة على فرض تدابير لحماية البيئة، وبالتالي السماح للمنضوين في تحالف إزالة الغابات في الأمازون بالحركة كما يحلو لهم ومنحهم الحصانة، كيف لا وهم يتلقون دعم سياسيين كانوا قد ساعدوهم في الفوز بالانتخابات.

في السياق عينه يستفيد تحالف إزالة الغابات من دعم غير مباشر يتلقاه من أطراف أكثر التباساً. ففي منطقة الأمازون الشاسعة ثمة مجموعات إجرامية عديدة تنشط في مجال التهريب، وأعمالها تشمل المخدرات، وتجارة الأخشاب، والحيوانات البرية، وحتى البشر أحياناً. ويقدم هؤلاء على رشوة ومداهنة مسؤولي الدولة لضمان التساهل في مراقبة الغابات المطيرة والتراخي في صونها وحمايتها. ولأن أنشطتهم الاقتصادية غير المشروعة تعتمد على بناء واستخدام مهابط سرية للطائرات، ومسالك مائية، ومعابر حدودية، فإنهم يبذلون مختلف الجهود ويقدمون المحفزات كافة لإبقاء القوى الأمنية خارج المناطق التي ينشطون فيها.

ظاهرة التعدي على القانون في منطقة الأمازون تفاقمت تحت أنظار بولسونارو

خلال فترة رئاسته، أسهم بولسونارو بتقوية نفوذ تحالف إزالة الغابات من خلال إصدار سلسلة مراسيم تلغي وتعطل القوانين والمؤسسات التي تحمي الغابات المطيرة. كذلك قام بتقليص الاعتمادات المالية المخصصة لوكالات حماية البيئة، وتلك خطوة نجحت في تفكيك كثير من قدرات الدولة البرازيلية.

أما على الصعيد الدولي، فقد انسحب بولسونارو من المفاوضات المناخية متعددة الأطراف، التي مثلت البرازيل فيها، طوال عقود، الدول النامية. وقام أيضاً بحل الهيئة الإدارية لـ "صندوق الأمازون"، المنظمة التي مكنت الدول الأجنبية من تأمين المصادر اللازمة للمساعدة في تمويل السياسات والمشاريع التي تحمي المناخ.

 

ولم يكن مفاجئاً أن تتفاقم ظاهرة الفوضى والتعدي على القانون في منطقة الأمازون تحت أنظار بولسونارو. فاغتيال الناشطين البيئيين المؤثرين كان واحداً من تلك المظاهر. إذ إن معدل الجرائم بين العامين 2018 و2020 ازداد بنسبة تسعة في المئة في المناطق الريفية، و13.8 في المئة في البلدات الصغيرة بمنطقة الأمازون، وذلك مقابل تقلص ظاهرة الجرائم وحالات الوفاة بسبب العنف في بقية أنحاء البرازيل. برزت ظاهرة الجرائم العنيفة المذكورة على نحو خاص في مناطق الغابات المطيرة، حيث تكثر عمليات إزالة الغابات. إذ إن معدل حالات الموت جراء العنف في البلديات التي تسجل معدلاً مرتفعاً لظاهرة إزالة الغابات هو أعلى بنسبة 48 في المئة من المعدل السائد في المناطق التي تقل فيها ظاهرة إزالة الغابات.

من هنا فإن لولا سيواجه معارضة شديدة تجاه جهوده الهادفة لوقف إزالة الغابات. ففي مجلس النواب المنتخب حديثاً يشغل قرابة 40 في المئة من المقاعد البرلمانية سياسيون يمثلون مجموعات مصالح قد تتضرر إن جرى اعتماد وتطبيق قوانين فعالة لحماية الغابات المطيرة. وسوف يبذل أولئك السياسيون كل الجهد لمنع تمرير قوانين تحمي المناخ وتمول مشاريع صون الأمازون. كما أن الوضع المالي لإدارة البلاد سيئ جداً في الوقت الراهن. وإزاء الحاجة الملحة إلى الاستثمارات لإعادة بناء قدرات الدولة بغية حماية الغابات، تعاني الخزينة العامة في البرازيل من شح بالتمويل. وسيأتي سعي لولا لتطبيق سياساته المتعلقة بالمناخ متزامناً مع ما يبديه الاقتصاد الاستهلاكي العالمي من حاجة أكبر لإزالة الغابات، وليس العكس. إذ إن الأسواق في أوروبا والولايات المتحدة، والصين بالدرجة الأولى، تبتلع بسرعة كبيرة المنتجات البرازيلية القادمة من مناطق إزيلت غاباتها، مثل الصويا ولحم الأبقار، وهذا من شأنه أن يخلق حوافز قوية لقطع الأشجار و"تنظيف" الأراضي عبر إضرام النار فيها!

ماذا يمكن لـ لولا أن يفعله  

لكن على رغم ما تقدم، فإن لـ لولا سجلاً حافلاً من الانتصارات على القوى المؤيدة لإزالة الغابات. وخلال فترة رئاسته الأولى بين عامي 2003 و 2010، قام بعمل ممتاز في ما يتعلق بالحد من انبعاثات الكربون الناتجة من عمليات إزالة الغابات وقطع الأشجار. كما قام بتعيين الناشطة البيئية المعروفة، مارينا سيلفا، لتنسيق جهود أساسية في بلورة تحالف مناصر للمناخ، الذي ضم منتجي سلع وبضائع مسؤولين، وناشطين ومنظمات اجتماعية، وقادة دينيين، وجماعات من السكان الأصليين، ومتعاطفين آخرين، منهم مدعون عامون، وقضاة، ورؤساء بلديات، وحكام ولايات. وعملت سياسات لولا على توسعة إطار المناطق المحمية في الأمازون، وجعلت أمر تجاوز القوانين أكثر تكلفة من خلال زيادة قدرات الشرطة وقوى إنفاذ القانون في المنطقة.

 كذلك منح لولا المزارعين قروض ائتمان بأسعار فائدة منخفضة مقابل حمايتهم للغابات. وقد تلقت البرازيل في ذلك الوقت أكثر من مليار دولار من ألمانيا والنرويج في إطار "صندوق الأمازون" (Amazon Fund) لحماية الغابة المطيرة. وقد تقلصت نتيجة لذلك ظاهرة إزالة الغابات بين الـ 2005 و2012 بمعدل 76 في المئة.

على بايدن عدم "تسمية ولوم" البرازيل علناً في موضوع إزالة غابات الأمازون

بيد أن هذه الإجراءات الإصلاحية لم تعمر طويلاً، لأن سياسات المناخ تحولت إلى سبب أساسي للانقسامات ضمن معسكر لولا نفسه. وعلى نحو خاص أدى قرار لولا عام 2010، المتمثل بإعطاء الضوء الأخضر لبناء سد "بيلو مونتي" Belo Monte على نهر الأمازون، إلى إغضاب مناصري البيئة ومجموعات الدفاع عن حقوق السكان الأصليين. وعلى رغم إصرار لولا على أن السد سيخلق فرص عمل ووظائف في واحدة من أفقر مناطق البلاد، إلا أن ذلك السد أدى إلى تشريد قرابة 50 ألفاً من السكان الأصليين وإلحاق الخراب بنباتات وحيوانات المنطقة. كذلك قام لولا بنقض فقرة ضمن القانون الوطني للمناخ الجديد آنذاك التي كانت تدعو إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، إذ كان في باله من دون شك نمو قطاعي النفط والغاز البرازيليين. وقادت التناقضات في السياسات الحكومية مناصرين بارزين للبيئة في إدارته (إدارة لولا) إلى الاستقالة اعتراضاً على ما يجري. وخلال سنتين فقط عادت معدلات إزالة الغابات في الأمازون إلى الارتفاع، لتشهد في ما بعد، خلال رئاسة بولسونارو، تسارعاً هائلاً.

اليوم مع انتخاب لولا رئيساً مرةً أخرى، سيكون عليه من جديد محاولة التوفيق بين المصالح المتعارضة. إذ إن مناصري البيئة الملتزمين سوف يتنافسون، لممارسة التأثير، مع أعضاء من تحالف إزالة الغابات، الذي سيعارض أي تحول مكلف نحو اقتصاد يقلص الانبعاثات الكربونية. كذلك سيكون لمربي الماشية وشركات المناجم ومصدري البضائع والمواد، التي تشكل أعمالهم الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية في الأمازون – المنطقة الهائلة التي تضم 30 مليون نسمة – نفوذاً وتأثيراً كبيرين على الرئيس. يكمن الخطر حينذاك بتقاعس سياسي يؤدي إلى فشل مهمة تخفيض المعدلات الخطيرة لظاهرة إزالة الغابات.

وستشكل الاستراتيجية الدبلوماسية على وجه التحديد إحدى النقاط المثيرة للتوتر ضمن إدارة لولا. إذ يرى بعض مستشاري لولا أن عليه الالتزام دولياً بأهداف أكثر طموحاً من ناحية خفض انبعاثات الكربون والتعاون مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتثبيت إصلاحات مناخية محلية. وذاك يعني العمل إلى جانب واشنطن وبروكسل لخلق سوق عالمية منضبطة الانبعاثات الكربونية، وجعل خدمات حماية الغابات خدمات مربحة بالنسبة إلى ملاك الأراضي.

لكن مقابل هذا ثمة آخرون في معسكر لولا ممن يفضلون تلافي الأهداف الطموحة من ناحية انبعاثات الكربون، والبقاء بمنأى عن سياسات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. فهؤلاء يفضلون أن تقوم البرازيل بانتزاع مزيد من المساعدات من الدول الغنية قبل الالتزام بتقليص عمليات إزالة الغابات. وتتمثل إحدى الطرق لتحقيق ذلك، وفق ما يرون، بإحياء "منظمة معاهدة التعاون في منطقة الأمازون" (Amazon Cooperation Treaty Organization)، وهي مبادرة دبلوماسية قادتها البرازيل منذ عام 1995 لتنسيق الجهود في الغابات المطيرة مع جيرانها في أميركا الجنوبية. أما الاقتراح الآخر فتمثل ببناء تحالف دبلوماسي مع كل من جمهورية الكونغو الديمقراطية وإندونيسيا – الدولتان الأخريان اللتان تضمان غابات واسعة – لتأمين الحصول على تنازلات من الدول المتقدمة (صناعياً) في شمال العالم.

ما الذي يمكن للولايات المتحدة أن تفعله؟    

بوسع الرئيس الأميركي جو بايدن أن يلعب دوراً محورياً في مساعدة لولا على تحقيق أهدافه المتعلقة بالمناخ. أولاً وقبل كل شيء، على بايدن أن يشرك البرازيل، وغيرها من الدول، في مبادرة خلق سوق عالمية منضبطة الإنبعاثات الكربونية، وهذا الأمر لن يتحقق من دون قيادة الولايات المتحدة. ثانياً، على الولايات المتحدة أن تدفع "البنك الدولي" و"بنك التنمية للبلدان الأميركية" إلى مساعدة البرازيل في تطوير استراتيجية عملية (قابلة للتطبيق) بغية منح تعويضات لسكان الأمازون ممن قد يخسرون سبل عيشهم إن جرى تقليص عمليات إزالة الغابات.

أخيراً، على بايدن أن يتحمل عدم "تسمية ولوم" البرازيل علناً في مسألة إزالة غابات الأمازون، لأن ذاك يمثل خطراً حقيقياً في استثارة ردود فعل قومية. فالبرازيليون بأكثريتهم يرون بأن التحول المناخي حاصل بسبب الأنشطة البشرية، لكنهم أيضاً يرون، بحسب استطلاع أجريناه، أنه لا يمكن الوثوق بالأجانب حين يتعلق الأمر بمسألة حماية غابات الأمازون المطيرة. إذ إن نسبة مذهلة من البرازيليين، بلغت 95 في المئة، يرون أن الدول الأجنبية التي تنتقد البرازيل على طريقة إدارتها لمنطقة الأمازون تطرح انتقاداتها انطلاقاً من دوافع خفية ونوايا مستترة، منها دوافع استغلال غنى الغابات لمصالحها الاقتصادية الخاصة. وهذا الرأي في الواقع يتجاوز الخطوط والانقسامات الحزبية والأيديولوجية البرازيلية. على البيت الأبيض أن يكون متنبهاً لهذه الدينامية السياسية في البرازيل إن كان يريد بلوغ الحد الأقصى من فرص تمكن لولا من الانتصار على جماعات المصالح المحلية التي تحقق الأرباح من الكارثة البيئية المحدقة بالعالم.

*ماتياس سبكتور باحث زائر في "معهد برينستون للدراسات الدولية والإقليمية" وأستاذ في "فونداسيو غيتوليو فارغاس" في البرازيل.

**غيلييرم فاسولين طالب دكتوراه في "جامعة فاندربيلت".             

عن "فورين أفيرز" 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2022  

المزيد من آراء