Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لهذه الأسباب ستجلب أزمتا المناخ والتنوع البيولوجي فيروسات أخرى كجدري القرود

يطرح تغير المناخ تداعيات "متوقعة أحياناً وغير متوقعة أحياناً أخرى" وفق أحد العلماء

النيران تلتهم أراضي قطع مزارعو الماشية أشجارها أخيراً في البرازيل (أ ب)

حذر عدد من العلماء من أن تغير المناخ الناجم من أنشطة الإنسان وأزمة التنوع البيولوجي يؤشر إلى توقع ظهور مزيد من الأمراض على شاكلة "جدري القرود".

تفشى "جدري القرود"، علماً بأنه مرض استوائي نادر ينتقل إلى الإنسان من طريق الحيوانات البرية في أفريقيا، على نحو غير متوقع في مختلف أنحاء العالم، مثيراً تساؤلات حول العوامل الدافعة وراء ظهور مثل هذه الأوبئة، وما إذا كانت تعزى جزئياً إلى تغير المناخ.

رصدت المملكة المتحدة والولايات المتحدة وإسبانيا والبرتغال إصابات في صفوف سكانها، ويجيء ذلك في أعقاب جائحة فيروس "كورونا" وتفشي إنفلونزا الطيور في وقت سابق من العام الحالي.

أخبر عدد من العلماء "اندبندنت" أن ارتفاع درجات الحرارة، وتغيير أنماط استغلال الأراضي نتيجة وصول البشر إلى موائل طبيعية أوسع نطاقاً، واحتكاكهم المتزايد بحيوانات تحمل كائنات مستجدة مسببة للأمراض، يعني أن علينا أن نتوقع تفشي مزيد من الأوبئة الفيروسية.

أحد هؤلاء العلماء مايكل سكينر، قارئ في علم الفيروسات في "إمبريال كوليدج لندن"، قال إنه على مدى العشرين سنة الماضية شهد العالم انتشاراً لمرض جديد كل سنة تقريباً، ويمكن أن يعزى بعضها إلى تغير المناخ.

وفي إشارة إلى أزمة تغير المناخ، أضاف الدكتور سكينر أنه "تترتب عليها عواقب، في المستطاع التنبؤ بها أحياناً، فيما يتعذر ذلك أحياناً أخرى".

وأوضح الدكتور سكينر أن انتشار بعض الفيروسات، لا سيما التي تحملها حشرات لاسعة مثل البعوض، يتأثر بالاحترار العالمي، إذ يترك ارتفاع درجات الحرارة وقعه على المناطق حيث في مقدور الكائنات التي تستضيفها البقاء على قيد الحياة.

مثلاً، في حالة تفشي "اللسان الأزرق" bluetongue الذي أصاب الأغنام في أوروبا والمملكة المتحدة، تسببت الزيادات التدريجية في درجات الحرارة في انتقال بطيء الخطى لحشرات "القراد" التي تحمل الفيروس شمالاً نحو موطن حشرات "قراد" أخرى. في النتيجة، وجد الفيروس طريقه إلى حشرات "القراد" الموجودة في الشمال، من ثم انتشر المرض بشكل أكبر"، وفق سكينر.

ولكن فيما تصير مناطق عدة أكثر ملاءمة لعيش حشرات حاملة للأمراض، من الوارد أن تأخذ مناطق أخرى اتجاهاً معاكساً وتصير أقل ملاءمة. مفاد ذلك أن المرض سيبدأ تأثيره في مختلف الناس في شتى أنحاء الكوكب، وفق كيت جونز، بروفيسورة في البيئة والتنوع البيولوجي في "كلية لندن الجامعية".

وقالت البروفيسورة جونز إن الدليل على أوجه التأثير التي سيطرحها تغير المناخ على الأمراض التي تنتقل إلى الإنسان من طريق الحيوانات مباشرة دونما حاجتها إلى حشرات لاسعة (نواقل الأمراض)، ليس واضحاً بسبب الطائفة المتنوعة من أنواع الحيوانات التي تستضيف أمراضاً تنتقل إلى البشر.

وتستبعد البروفيسورة جونز أن "يخلف تغير المناخ تأثيراً دائماً على جميع الأمراض والمناطق"، موضحة أنه "سوف يتفاعل أيضاً مع عوامل أخرى من بينها التغيرات في التنوع البيولوجي كي يفاقم خطر ظهور الأمراض".

في الواقع، ربما لا يؤثر تغير المناخ في احتمال ومدى التعرض للعدوى الناشئة فحسب، بل أيضاً في قدرة البشر على الصمود أمام المرض.

وأضافت البروفيسورة جونز أنه "في مناطق عدة، سيطرح تغير المناخ، على الأرجح، تأثيراته في الأمن الغذائي، والفقر، وغيرهما من عوامل اجتماعية واقتصادية تفاقم احتمالات تعرض الأفراد والمجتمعات لتفشي الأمراض".

النمو السكاني، والتغيرات في الممارسات الزراعية، وتنقلات الناس في مختلف أنحاء العالم، وتغير المناخ، كلها عوامل رئيسة وراء ظهور الأمراض وانتقالها من الحيوانات إلى البشر، وفق الدكتور سكينر. وفي الغالب، تكون هذه العوامل مترابطة، كما قال، إذ يلحق ارتفاع درجات الحرارة العالمية والنمو السكاني الضرر بالزراعة، ويحث السكان على الهجرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"يؤثر ارتفاع درجات الحرارة والتغير السكاني سلباً في استخدام الأراضي، كأن يحملا المزارعين على اللجوء إلى مناطق أكثر ارتفاعاً بحثاً عن درجات حرارة أكثر برودة، أو يدفعاهم إلى اجتثاث الغابات لتوفير مساحة زراعية أكبر"، قال الدكتور سكينر وأوضح أن ذلك بدوره ينشئ نقطة عبور بين البشر والحيوانات، ما يقود إلى تفشي الأمراض، ضارباً مثلاً بفيروس "نيباه" Nipah  الذي انتقل من الخفافيش والخنازير إلى الإنسان.

وأيدت الدكتورة تيلي كولينز، نائبة مدير "مركز السياسة البيئية" في "إمبريال كوليدج لندن"، الرأي القائل إنه في مقدور العالم أن يتوقع بروز أمراض أخرى في ظل زحف البشر إلى ما تبقى في العالم من أراضٍ برية وغابات.

وقالت الدكتورة كولينز إن ذلك "مرتبط ارتباطاً وثيقاً بأزمة التنوع البيولوجي من طريق استغلالنا العدواني للبيئة الطبيعية، وكلاهما يزداد سوءاً بسبب تغير المناخ"، موضحة أن أنماط الهجرة والاستهلاك البشري المطرد، اللذين تفاقما بسبب الاحترار العالمي يساعدان في دفع عجلة استغلال الأراضي.

ووفق الدكتور سكينر، المثال الثالث المتصل بتغير المناخ الذي من شأنه أن يفاقم تفشي المرض هو تراجع أعداد الحيوانات المفترسة أو حتى اندثارها. ويقود ذلك إلى ازدهار أعداد القوارض، ما يعزز احتمال انتقال الأمراض إلى البشر عبرها، كما قال.

ماذا عن "جدري القرود" تحديداً؟

قال العلماء إنه لا تتوفر لديهم معلومات كافية بشأن المكان الذي بدأ فيه جدري القرود أو كيفية تفشيه كي يتمكنوا من قياس مدى مساهمة تغير المناخ.

وقالت الدكتورة جونز إنه فيما ظهرت أدلة على أن تغير المناخ قد عزز تفشي "جدري القرود" لأنه أحدث تحولاً في أوجه توزع مضيف الفيروس الرئيس بين المناطق، يحتمل أن التحولات في استخدام الأراضي قد تركت تأثيراً أكبر.

وتحدثت الدكتورة كولينز عن احتمال وجود عنصر واضح متصل بتغير مناخي، مدفوعاً ربما بتغير درجات الحرارة والرطوبة والهجرة. وأوضحت أن ذلك لم يخضع بعد لأي تجارب.

وأضافت أن الارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بفيروس "جدري القرود" ربما يرجع إلى حقيقة مفادها أن الأطباء والمختبرات يجرون الآن الفحوص الطبية للكشف عن المرض، بينما ربما لم ينظر في ذلك قبل أسابيع قليلة.

آرون بيرنشتاين، المدير المؤقت لـ"مركز المناخ والصحة والبيئة العالمية" في "كلية هارفارد تي أتش تشان للصحة العامة"، قال إن جميع الجوائح التي شهدها القرن الماضي بدأت كأمراض منقولة من الحيوانات إلى البشر، ما عدا "الكوليرا".

بغية منع وقوع هذه التداعيات، قال الدكتور برنشتاين إنه على العالم أن يحافظ على موائل الأنواع الحية، خصوصاً الغابات، ويحد من الاتجار بالحيوانات البرية، وتعزيز الأمن البيولوجي للماشية. وذكر أن هذا لن يقلل فقط مخاطر الجوائح إنما سيساعد أيضاً في مكافحة تغير المناخ وإنقاذ الأنواع الحية.

وافقته الرأي سوزان ليبرمان، نائبة رئيس قسم "السياسة الدولية" في "جمعية الحفاظ على الحياة البرية" (WCS) فقالت، "نعلم أنه عند حماية الغابات وحفظها، ومنع اجتثاث الغابات وتدهورها، سنستفيد في النتيجة من التنوع البيولوجي، ونساعد في التخفيف من وطأة تغير المناخ، ونحد من مخاطر انتقال الكائنات الدقيقة الممرضة من الحياة البرية إلى البشر".

© The Independent

المزيد من بيئة