Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لم يكن "بريكست" هذا الذي صوتنا لأجله

نرى الآن كم نحتاج إلى مزيد من الناس، المهرة وغير المهرة، للمساعدة في إبقاء كل شيء يعمل. ويتعين علينا أن نكون أكثر انفتاحاً على المهاجرين من مختلف أنحاء العالم

 صوّر نايجل فاراج وغيره من السياسيين الداعمين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي المهاجرين باعتبارهم السبب الأبرز لمشاكل بلادهم (رويترز)

كنت أظن بأنني الشخص الوحيد الأحمق الذي اعتقد بأن بريكست [خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي] قد يعني زيادة الهجرة وليس الإقلال منها. يبدو أن الأمر ليس كذلك. الآن يعتقد اللورد سيمون وولفسون، رئيس شركة "نكست" Next للبيع بالتجزئة والمؤيد البارز لبريكست، بأن "هذا ليس بريكست الذي صوتنا له". هو يعتقد بأنه يضر بالاقتصاد. وهو محق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لا شك في أن الهجرة، والعداء وسوء الفهم اللذين أحاطا بها، كانت الدوافع الأبرز لتصويت الخروج عام 2016، من يستطيع أن ينسى ملصق نايجل فاراج المذهل المعنون "نقطة الانهيار"؟ ومقتل جو كوكس [نائبة في البرلمان البريطاني - قتلت في عام 2016 بسبب مواقفها المؤيدة للاتحاد الأوروبي]؟ والأساطير الكسولة والمهملة والخطرة حول مسؤولية الاتحاد الأوروبي عن أزمة المهاجرين، التي أثرت فعلياً في اليونان ومالطا وإيطاليا أكثر بكثير من المملكة المتحدة؟

اعتبرت الهجرة استنزافاً لخدماتنا العامة ومساكننا، وضغطاً على الوظائف. لكن ما فوت كان الطريقة التي نجحت بها الهجرة، الوافدة في جزء كبير منها من أوروبا الشرقية، في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي والعوائد الضريبية، وتوفير العاملين للمستشفيات، ودور الرعاية، ومواقع البناء. فكل إنسان يشكل طرفاً فاعلاً اقتصادياً، وإن عمل بشكل منتج كما يميل الشباب من المهاجرين فإن ذلك يشكل منفعة صافية للاقتصاد.

من المثير للسخرية أن تجربة السنوات القليلة الماضية قادت إلى تلطيف موقف الناس من العمال الأجانب. قبل بريكست، كانوا مكروهين. والآن نحن نفتقدهم!

منذ بريكست، ونهاية حرية انتقال العمال (أي ليس الناس جميعاً) عبر الاتحاد الأوروبي، لم نشهد أية علاوة اقتصادية من هذا التحول، بل العكس تماماً في واقع الأمر. لم تحدث نهاية حرية الحركة في الاتحاد الأوروبي أي فارق على الإطلاق في ما يتصل بتدفق الأشخاص الذين يحاولون القدوم إلى المملكة المتحدة، سواء كلاجئين أو مهاجرين اقتصاديين. وجعلت خسارة اتفاق دبلن الثالث الخاص بالاتحاد الأوروبي إعادة تدريب طالبي اللجوء الفاشلين أكثر صعوبة. لقد كان الأمر بمثابة كارثة.

بعبارة أخرى، لم يؤت بريكست ثماره. والواقع أن النقص الجديد في العمالة كان ببساطة سبباً في تعزيز الطلب على العمالة من أي مكان آخر. لقد حلت محل حركة العاملين القانونية والمنظمة بموجب قواعد الاتحاد الأوروبي من أماكن مثل بولندا ورومانيا، حركة أقل تنظيماً للناس من ألبانيا وأماكن أخرى وبطريقة غير منظمة. طبعاً مواقع البناء تحتاج إلى عاملين، وإذا صودف أنهم آتين من تيرانا وليس من بوخارست، فلن يمانع مديرو المواقع، ولن يبالي الناس بالانتقال إلى شقق ساعد الألبان، أو غيرهم، في بنائها بمجرد انتهائها.

لقد أدى بريكست إلى أن تصبح الهجرة، بشكل عكسي، مشكلة لصانعي السياسات، وجعلها أكثر فوضوية بكثير. فهل تتمتع المملكة المتحدة الآن بسيطرة أكبر على حدودها عما كانت عليه الحال قبل أن يحل العالم الجديد منتصف ليل 31 ديسمبر (كانون الأول) 2020 [اليوم الذي خرجت فيه بريطانيا رسمياً من الاتحاد الأوروبي]. احكمي يا بريطانيا [عنوان أغنية وطنية]؟ لا يبدو الأمر كذلك.

من المثير للسخرية هنا أن تجربة السنوات القليلة الماضية قادت إلى تلطيف موقف الناس من العمال الأجانب. قبل بريكست، كانوا مكروهين. والآن نحن نفتقدهم! لقد منحنا نزوح العاملين الآتين من الاتحاد الأوروبي والنظام التقييدي الجديد، المستند إلى النقاط على الطريقة الأسترالية، اقتصاداً راكداً وتضخماً. وارتفعت الأجور في بعض القطاعات، مثل قيادة الشاحنات، وثمة الآن عجز قياسي في العمالة والوظائف الشاغرة.

لكن بريكست لم يحدث فارقاً يذكر على صعيد مستويات الإنتاجية الأساسية، ولن تكون الأجور المرتفعة المصاحبة لمعدل التضخم المرتفع (والمسببة له) مستدامة. فالأجور لا تتماشى مع الأسعار. ولقد أدى نقص العمالة ببساطة إلى ارتفاع التكاليف وانخفاض في العائدات لشركات مثل "نكست"، وجلب لنا نحن ارتفاعاً في الأسعار وإضرابات مع محاولات النقابات حماية مستويات المعيشة واستغلال الطلب المفرط على العمالة. ولا يمكن لومهم في ذلك أبداً.

حين يبدأ الركود العام المقبل، سيكون مختلفاً. سنشهد إفلاس شركات إضافية، ومزيداً من البطالة ومزيداً من المصاعب. وستعاني الخدمات العامة من خفض في الإنفاق. وستكون الضرائب أعلى، فضلاً عن معدلات الفائدة، والرهون العقارية، وقروض الشركات. وستنخفض أسعار البيوت. وكذلك الأجور بالقيم الحقيقية. وسيكون هنالك مزيد من الضغوط.

على رغم الذعر المرافق لوصول الناس عبر القنال الإنجليزي في القوارب الصغيرة، ليس أياً من هذا ذنبهم، أعدادهم ضئيلة للغاية إذا ما قورنوا بالطبقة العاملة التي يبلغ تعدادها نحو 30 مليون شخص، في اقتصاد تساوي قيمته 2.5 تريليون جنيه استرليني (2.95 تريليون دولار). وفواتير الفنادق التي تؤويهم تكاد تكون لا تذكر في الصورة الأوسع للأمور. لكنه إهدار للمال، وسيكون من الأفضل كثيراً أن يتمكن اللاجئون من العمل في الاقتصاد الشرعي كما يتمنون. إذا كانوا يعملون في هذه الفنادق بدلاً من البقاء فيها، وسمح لهم بالمساعدة في بناء البيوت والمباني الإضافية للمستشفيات التي نحتاج إليها، قد يكون هذا نهجاً أكثر عقلانية من الناحية الاقتصادية.

ويمكن للأكثر ميلاً منهم إلى ريادة الأعمال أن يطلقوا شركاتهم الخاصة، تماماً كما فعلت موجات من المهاجرين في الماضي، لبناء شركات عالمية المستوى. بعبارة أخرى، تشكل الهجرة جزءاً من حل المشكلات الاقتصادية في المملكة المتحدة، وليس المشكلة.

الحقيقة الاقتصادية الصعبة هي أن المملكة المتحدة غير قادرة على الحفاظ على حجم الاقتصاد ومستويات المعيشة التي تعودت عليها من دون الاستعانة بقوة عاملة كبيرة ومرنة في شكل متناسب. فمع قلة عدد العاملين، وهي النتيجة الطبيعية لبريكست، فإن الدولة تنفق أكثر مما تكسب، بالتالي يقع التضخم والفجوة التجارية المتزايدة (التي تفاقمت بفعل الحواجز التجارية التي أقامها بريكست). ومن هنا أيضاً يبرز الضغط المالي والنقدي اللازم لإخراج التضخم من النظام. سيكون الركود الطويل بين عامي 2022 و2025 نتيجة مباشرة لبريكست.

ويواجه عديد من البلدان الأخرى ضغوطاً مماثلة، بسبب حرب بوتين، ونقص أشباه الموصلات في مرحلة ما بعد الجائحة، وإبطال عولمة الاقتصاد العالمي. لكن المملكة المتحدة لديها عيب فريد هنا يتمثل في قطع نفسها عن أكبر مصدر للتوريد المرن للعمالة، الاتحاد الأوروبي. نرى الآن كم نحتاج إلى مزيد من الناس، المهرة وغير المهرة، للمساعدة في إبقاء كل شيء يعمل. يتعين علينا أن نكون أكثر انفتاحاً على مزيد من المهاجرين من مختلف أنحاء كوكب الأرض.

أحد الأشياء التي عناها بريكست هو أننا لم نعد في حاجة إلى تفضيل النمساويين على الأستراليين، أو السويديين على الصوماليين، وهو أمر جيد. بيد أننا نحتاج إلى مزيد من هؤلاء جميعاً، لأن بريطانيا لا تستطيع أن تدرب "شعبها" على القيام بالوظائف اللازمة إذا لم يكن هناك العدد الكافي من هؤلاء الناس في المقام الأول.

قد يكون، أو لا يكون، لدينا الآن "السياسيون المناصرون لبريكست الذين صوتنا لهم"، لكنهم بحاجة إلى التفكير مجدداً لأن أحداً لم يصوت ليكون أكثر فقراً. أليس كذلك؟

© The Independent

المزيد من آراء