Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لا تنجب لا تذبح: هل تحمي دعوات نشطاء البيئة المناخ؟

مطالبهم فجرت جدلاً بين المتخصصين وأثارت اندهاش المتابعين واتهامات بعدم الجدوى والتناقض تلاحق مطلقيها

جاءت دعوات نشطاء البيئة لمقاطعة اللحوم بهدف الحفاظ على البيئة (أ ف ب)

كان مشهد سكب قناني الحليب على الأرض الذي انتشر بقوة عبر السوشيال ميديا منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مروعاً، ففي وقت تعاني بعض المتاجر شح السلع ولا ينعم فيه كثير من سكان كوكب الأرض بالأمن الغذائي، قرر عدد من نشطاء حماية البيئة في بريطانيا التخلص من ليترات الحليب بحجة الدعوة إلى الحفاظ على البيئة وعدم ذبح الحيوانات.

وبعيداً من عدم وجود أي رابط بين استهلاك الألبان وذبح الحيوانات، فكيف يجري الانخراط في نشاط يناشد بضرورة القيام بكل ما يلزم من أجل مناخ صحي بمخلفات أقل، باختيار وسائل من شأنها أساساً أن تسهم في زيادة التلوث، بل تدعو صراحة إلى الإهدار في حين أن كوب لبن واحد هو حلم بعيد المنال بالنسبة إلى ما يقرب من مليار جائع في العالم، بحسب تقرير للأمم المتحدة، وفي ظل محاولات الجميع توفير الموارد والحد من الاستهلاك وليس إلقاء الطعام أرضاً.

وتتناقض في أوقات كثيرة الوسائل التي يتبناها نشطاء البيئة مع مطالبهم بشكل يدعو إلى الدهشة، فهي لم تتوقف عند ضرب اللوحات العالمية التي هي إرث إنساني وحضاري وجمالي بالأطباق المحملة بالطعام، أو تشويه تمثال الأمير تشارلز الثالث الشمعي بمتحف مدام توسو بوسط لندن، رغم ما يعرف عنه من اهتمامه بقضايا البيئة، بل وصل الأمر إلى مطالبات ضد دورة الحياة الطبيعية مثل التوقف عن الإنجاب لتقليل الملوثات البيئية والحد من التغييرات المناخية.

الإنجاب وإنقاذ للبيئة

من بين الداعمين لهذا الأمر حركة "BirthStrike - مناهضو الإنجاب"، وقامت على تأسيسها فنانة وناشطة بريطانية هي بليث بيبينو، إذ يقترح المؤمنون بها مقاطعة الإنجاب بهدف الحد من أزمة الاحتباس الحراري والتقليل من الانبعاثات الكربونية.

وبحسب المعلومات المتداولة فالإنسان يتسبب في نحو 50 طناً من ثاني أكسيد الكربون في العام، لكن الرد الذي يفرض نفسه هنا أن الأولى هو تقنين الإنجاب، لأن الانفجار السكاني هو أساس الأزمات الكبرى، بخاصة أن الملوثات التي يسببها الإنسان تتحدد وفقاً لسلوكه، وبالتالي فالتعود على استخدام بدائل الطاقة الصديقة للبيئة قد يكون مجدياً ومؤثراً بدلاً من الدخول في مهاترات لإقناع سكان كوكب الأرض بالتوقف عن الإنجاب.

 

بالطبع نبل المقاصد لا غبار عليه، فكثير من نشطاء البيئة يضحون بوقتهم وعقولهم ومشاعرهم في سبيل حماية الأرض، وفي سبيل التوعية بالأخطار الجمة التي أثرت بالفعل سلباً في إنسان هذا العصر، وإذا ما استمرت فالتداعيات الأكثر سوءاً بالانتظار، فلا يخفى على أحد أنه حتى غير المهتمين بهذا المجال قد شعروا بحزن بالغ، بعد أن أضرم الناشط المناخي وين آلان بروس النار في نفسه خارج مبنى المحكمة العليا الأميركية في أبريل (نيسان) الماضي، وفارق الحياة يأساً من الاستماع إلى دعوته الخاصة بضرورة حماية البيئة، وقبله لقي نشطاء كثر مصرعهم، إذ اختاروا طرقاً مشابهة كعلامة احتجاج على ما يجري، لعل أحداً ينتبه إلى قضيتهم السامية.

دعوات غير منطقية

واحتفلت هيئة الأمم المتحدة العام الماضي بقرار هو الأول من نوعه ويعترف بأن التمتع ببيئة صحية ومستدامة "حق عالمي"، وذلك بحسب ما جاء على موقعها الرسمي، إذ أشارت المنظمة إلى أن مهمتها الأصلية تتمثل في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها في جميع أنحاء العالم، مؤكدة أن العلاقة بين حقوق الإنسان والبيئة "لا جدال فيها"، وهو قرار رغم أنه غير ملزم، لكنه يأتي بعد نضال استمر عقوداً لنشطاء البيئة الذين لا يكلون من محاولات تحسين الظروف المناخية التي يعيش فيها البشر وشركاؤهم من باقي الكائنات، فهناك مرود حتى لو كان بطيئاً.

وبالفعل أسهمت أنشطة المتطوعين للتوعية بالأزمة المناخية في تغيير كثير من المفاهيم وكذلك في سلوكيات بعضهم، لكن فكرة التركيز على أمور غير مقنعة بالنسبة لكثيرين يربك الأجندة تماماً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويندرج في القائمة نفسها دعوات أخرى، مثل التوقف عن السفر جواً لتقليل خطر الانبعاثات السامة التي تزيد درجات حرارة الأرض وترفع أخطار التغيرات المناخية، إذ قام عدد من نشطاء البيئة قبل أيام بعرقلة إقلاع طائرة في العاصمة الهولندية أمستردام لمنع من هم على متنها من السفر لحضور مؤتمر المناخ "كوب- 27" المنعقد حالياً في شرم الشيخ المصرية، رغم أنه من المعروف أن السفر مسافات طويلة عبر الطائرة هو الأكثر أمناً مقارنة بوسائل أخرى.

وقد شارك في تلك المحاولة أعضاء من منظمتي "تمرد من أجل المناخ والسلام الأخضر" الشهيرتين، إذ لا يأبهون بحملات الاعتقال التي يتعرضون لها، ويستمرون في نشاطهم في حين تبدو عناصر منظمة "فقط أوقفوا النفط" هي الأكثر جدلاً في بريطانيا، إذ ينخرطون في تظاهرات متعددة للمطالبة بالتزام الحكومة بعدم التنقيب عن الوقود الأحفوري لما له من أخطار كارثية في رأيهم في ما يتعلق بأزمة تغيير المناخ.

ماذا سيحدث بعد التوقف عن أكل اللحوم؟

كان من اللافت أيضاً تصاعد الدعوات خلال الفترة الأخيرة لمقاطعة أكل اللحوم وذبح الحيوانات، وقد شملت أكثر من صورة بينها اقتحامات متعددة لمطاعم الوجبات السريعة للمطالبة بالتوقف عن ذبح الحيوانات من أجل أكل لحومها، وأيضاً تحسين ظروف تربيتها في حين تعددت التظاهرات على هامش "كوب- 27"، رافعة شعاراً توقفوا عن قتل الحيوانات، داعين إلى اعتماد النظام النباتي في الحال، إذ تعددت التبريرات بينها أن مخلفات الحيوانات تلوث المحيطات وأن تربيتها تسهم في تصاعد نسبة غاز الميثان الضار بالجو.

 

كما يشير بعضهم إلى أن الحيوانات في رحلة تربيتها تستهلك نسبة كبيرة من النباتات، وأن الإنسان أولى بهذا الغذاء من أجل تقليل نسبة الجوعى في العالم، كما أن ترك المزروعات من دون أن تستهلكها الحيوانات سيؤثر إيجابياً في حجم الانبعاثات الضارة، نظراً إلى أن المزروعات الخضراء تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون وتنتج الأوكسجين.

وفيما يذهب باحثون إلى أنه إذا تحول البشر إلى النظام النباتي فإن الغازات الملوثة والمسببة للاحتباس الحراري ستتقلص إلى نسبة أقل من النصف، وبالتالي يمكن بسهولة إنقاذ كوكب الأرض من الأخطار التي تهدده.

لكن ما مدى دقة ومنطقية تلك الآراء، وأيضاً واقعيتها وجدواها، بخاصة أن الكائن البشري منذ كان بدائياً اعتاد على ذبح الحيوانات آكلة العشب كطعام أساس له، فيما الحيوانات المفترسة تتقاسم اللحوم مع الإنسان أيضاً، كل بحسب طبيعته، وهكذا تسير السلسلة الغذائية في طريقها الصحيح، وأخيراً بعد كل تلك التهديدات البيئية التي تتعرض لها المحيط الذي يتمركز فيه البشر بتنا نسمع عن حلول تبدو للوهلة الأولى غريبة للغاية بالنسبة إلينا.

خلل بيئي متوقع

يعتقد الأستاذ بمركز بحوث الهندسة الزراعية سامي سعد أن هذا الكلام خيالي، فالرقعة الزراعية الأكبر على وجه الأرض "تذهب إلى الإنسان ليتغذى عليها ولا يزاحمه فيها الحيوانات من الأساس"، مشيراً إلى أن تدمير البيئة جاء من "استخدام الطاقات غير النظيفة والمحروقات في المصانع وفي التنقل"، ومؤكداً أنه لا يرى أية علاقة بين التوقف عن أكل اللحوم والحفاظ على البيئة من الملوثات.

وأضاف أستاذ البحوث الزراعية أن خطر التغير المناخي "يهدد بالفعل حياة الإنسان والمحاصيل، إذ إن ارتفاع درجات الحرارة في فصل الشتاء ببعض المناطق المعروفة بأنها مناطق صقيع أسهم في تدمير مزروعات استراتيجية شتى، بل وأزمات المناخ أخيراً زادت كلفة الزراعة بشكل عام لتصبح عبئاً على العاملين بها، لكن ليس الحل هو استبعاد اللحوم من طعام الإنسان بالطبع، فبعض تلك الحيوانات هي صديقة للمزارعين وتسهم في تحسين جودة المنتج النهائي، وله دور مهم في العملية الزراعية".

 

ويذهب الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب مجدي علام للحديث عن نقطة أخرى، مشيراً إلى التوقف عن أكل لحوم الحيوانات الصالحة لغذاء الإنسان مستقبلاً "سيزيد نسبة الحيوانات المفترسة التي لن يستطيع الإنسان التعايش معها، فليس كل فرد لديه مهارة مروضي الأسود في السيرك".

التندر الذي ساقه الأمين العام لاتحاد خبراء البيئة العرب ينبه إلى أن خللاً بيئياً ما قد يحدث، فبحسب رأيه زيادة نوعية كائنات معينة على حساب أخرى يهدد التوازن البيئي، كما يشدد علام على أن الحيوانات "لا تهدد أمن الإنسان الغذائي النباتي"، مؤكداً أن مساحة الزراعة على سطح الكرة الأرضية "لا تزيد على 15 في المئة، وليس للحيوانات دخل في تقلصها من الأساس".

أفكار علمية غير سليمة

وجاءت الدعوات لمقاطعة اللحوم بهدف الحفاظ على البيئة وعلى موارد طعام الإنسان ذات المصادر النباتية في مرحلة تالية لفكرة التوجه للنظام النباتي، فمثلاً يوافق الأول من أكتوبر الاحتفال باليوم العالمي للنباتيين، بحسب ما أقرت الجمعية النباتية بأميركا الشمالية منذ سبعينيات القرن الماضي وذلك بهدف الدعوة للحفاظ على الصحة.

لكن علام شدد على أن النظام النباتي "لم يصبح موجة ملحوظة إلا في آخر 20 عاماً"، مشيراً إلى أن اللحوم كانت دوماً أطباقاً أساسية في الولائم، لكن تدريجياً مع انتشار أنظمة غذائية متعددة بهدف خسارة الوزن حاول بعضهم أن يجد حلاً بمنع اللحوم تماماً.

ويوضح علام أن اللحوم بشكل عام هي "بروتين ولا تحتوي جميعها على دهون، إلا إذا كانت مطعمة من الأساس بقطع دهون، كما أن الدجاج من دون جلد لا يحتوي على دهون وكذلك الأسماك والأرانب، واللحوم في المطلق مصدراً للسمنة ولتراكم الدهون هو نوع من الجهل العلمي، كما أنه من غير الصحي أبداً أن يتم تعويد الأطفال على النظام النباتي، بل هذا النظام يصلح لمن هم فوق الـ 20 و25 عاماً، بعد أن يكون الإنسان قد بنى قوامه بشكل سليم".

اقرأ المزيد

المزيد من بيئة