Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القاسم المشترك بين بوريس جونسون وبوريس يلتسين

ما يجمعهما هو مزيج مشابه للطموح الشخصي الذي ينعكس في التهور والقلق على الأمة

تماماً كما جونسون فإن يلتسين لم ترعبه الجماهير (غيتي)

عندما تراجع رئيس الحكومة البريطانية ريشي سوناك عن قراره عدم حضور قمة المناخ "كوب27" Cop27 في مصر، قدمت تفسيرات رسمية عدة لسبب تغييره رأيه. ومن بين ما تضمنته تلك التفسيرات هي الضغوط التي تعرض لها من الرأي العام، وأيضاً من نواب حزب المحافظين، وما تجلى بأنه اعتراف بأهمية قضايا التغيرات المناخية والفرص التي تتيحها تلك الاجتماعات لبناء العلاقات، خصوصاً أن عدداً من قادة الدول والحكومات سيحضرون ذلك الاجتماع.

اعتبروني مرتابة، لكنني أشك في أن السبب الأساسي كان أياً مما ورد أعلاه. أنا أراهن أن السبب كان إعلان رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، عزمه التوجه إلى القمة التي تعقد في شرم الشيخ وكان ذلك يضمن تسليط الإعلام البريطاني الضوء عليه في ظل عدم حضور سوناك المؤتمر. ربما لم تنجح عودة جونسون العاجلة من إجازته في منطقة الكاريبي في إيصاله إلى 10 داونينغ ستريت من جديد، لكن، وكما أظهرت المقابلة التي أجراها مع قناة "سكاي نيوز"، آمال جونسون في العودة إلى السلطة لا تزال قائمة حتى الآن.

ويمكن لرؤساء الوزراء السابقين أن يشكلوا إزعاجاً لخلفائهم، تذكروا إدوارد هيث ومارغريت تاتشر، وحتى تيريزا ماي. وقد يكون اعتزال السياسة الخيار الأكثر حكمة، إلا أن الخيارات الحكيمة نادراً ما تكون طريقة جونسون في التعامل مع الأمور. ويبدو أنه عن طريق الصدفة أو عن سابق تصميم يقوم ببناء مركز قوة منافس [لرئيس الوزراء الحالي]، وهناك سوابق بخصوص هذه المسألة، إن لم يكن في بلادنا، لما يمكن أن يقع لاحقاً.

وفيما كانت الأنباء تتوالى عن نية جونسون حضور قمة شرم الشيخ المناخية، كنت أتابع بشغف كبير الوثائقي الأخير من إعداد آدم كورتيس، بعنوان "روسيا 1985-1999: منطقة الصدمة النفسية"Russia 1985-99: TraumaZone، وهو سلسلة من سبع حلقات تبثها هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية BBC، على منصة البث التدفقي "أي بلاير" iPlayer. وفيما بدا بالنسبة لي أن كورتيس يحاول عن قصد رسم المقارنات، خصوصاً ما يتعلق بالحرب في أوكرانيا، كانت هناك مقارنة أخرى تفرض نفسها بقوة على المشهد: ما بين بوريس جونسون البريطاني وبوريس أشقر آخر، يعود إلى فترة من تاريخنا الحديث هو الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لدى الرجلين الرغبة ذاتها في أن يكونا محط الأنظار ولديهما علاقة متشابهة مع الجمهور والحب ذاته لاستخدام المصطلحات المعبرة عن اللحظة ونفس العدد الكبير من العيوب الشخصية. وأكثر من ذلك كله ربما هو أن بوريس جونسون هذه الأيام، وبوريس يلتسين في الأمس يجمعهما أمر أساسي واحد مشابه هو خليط من الطموح الذي ينعكس في القلق على الأمة والتهور.

مثل جونسون اليوم، كان يلتسين لا يخاف من "الجماهير". وكان يستخدم صفاته الشعبوية في مساعيه للفوز بالسلطة، أو، لو كنتم تحبون، ولا يزال المؤرخون يتجادلون حول هذه المسألة، رغبته في إنقاذ بلده. لقد قاد بوريس جونسون المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، وذلك بعدما قام، كما يصر على القول، بموازنة سلبيات وإيجابيات قرار الخروج من عدمه، في مسعاه لتحقيق الهدف نفسه أساساً: السيادة الوطنية.

وهذا يمكن أن يكون الشبه الظاهر للعلن بين الرجلين. ولكن يمكنني هنا أن أضيف وجه شبه آخر. أن مساعي الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف لإنقاذ الشيوعية السوفياتية والاتحاد السوفياتي عبر تطبيق "بيريسترويكا" و"غلاسنوست"، قاد إلى تأثير معاكس أدى إلى إضعاف القوة المركزية السوفياتية (بشكل قاتل كما ظهر في وقت لاحق). وفيما كانت تلك الأحداث تتوالى خلال نهاية الثمانينيات، نجح بوريس يلتسين في بناء قوة معارضة ذات شأن في مسرحه الخاص على الساحة الروسية.

ونجح يلتسين في تحقيق ذلك بشكل جزئي وذلك بسبب جاذبيته الشخصية التي تعارضت مع شخصية غورباتشوف الرمادية والصارمة على نحو البيروقراطية السوفياتية والتي كانت تعكس عملية صعوده سلم السلطة السوفياتية. وارتقى يلتسين أيضاً السلم الوظيفي في هيكليات السلطة ذاتها، ولكنه تجرأ في تحدي المنظومة في فترة حاسمة، وعلى عكس غورباتشوف، كان قادراً على النجاح من دون الحاجة إلى تلك المنظومة. هل يمكن أن يذكرنا ذلك ربما بشخص ما؟ فعبر استخدامه بعض التعديلات في الدستور السوفياتي، نجح يلتسين في الترشح في انتخابات لرئاسة روسيا في شهر يونيو (حزيران) 1991، وكان لفوزه أن منحه التفويض الديمقراطي الذي لطالما افتقره غورباتشوف.

وكان هناك أيضاً مفتاح آخر لصعود يلتسين، وكان ذلك في رهانه على التململ الروسي ضد السلطة السوفياتية المركزية. ذلك الاستياء والتململ برزا ليس بسبب مشاعر القومية بحد ذاتها، على رغم أن يلتسين كان معتاداً على لف نفسه بالعلم الروسي المثلث الألوان عندما كان ذلك يناسبه، بل من الشعور الطاغي بين الروس بأنهم لا يمتلكون صوتاً مسموعاً في المنظومة السوفياتية القائمة في ذلك الوقت.

وكان هذا الأمر هامشياً خلال معظم سنوات الاتحاد السوفياتي، ولكنه بدأ يشكل فارقاً عندما بدأ غورباتشوف تخفيف قيود السلطة المركزية للدولة. وكان واضحاً في حينها أن الجمهوريات الـ14 التي كان يتكون منها الاتحاد السوفياتي، كانت لديها هيكلياتها الحزبية الشيوعية الحاكمة الخاصة، وبرلماناتها ورؤساء بدأوا يمثلون مصالح مناطقهم، فيما لم تمتلك روسيا [كجمهورية سوفياتية] شيئاً من هذا.

كانت روسيا الاتحادية مهيمنة من حيث الحجم وعدد السكان والتأثير الاقتصادي، مما دفع إلى التعامل معها وكأنها الاتحاد السوفياتي عينه، ولذلك لم تكن هناك حاجة إلى صوت منفصل يمثل مصالحها.

من جديد، هل يذكرنا ذلك بنظام مشابه؟ إنجلترا، مثل روسيا هي الدولة المهيمنة بين الدول التي تتشكل منها المملكة المتحدة، بالشكل ذاته الذي كان يمثله موقع روسيا في الاتحاد السوفياتي. وتماماً مثل روسيا حتى آخر سنوات الحقبة السوفياتية، تفتقر [إنجلترا] إلى برلمانها الوطني ومؤسساتها الدستورية الأخرى. وربما لم يكن ذلك مهماً قبل عملية تفويض السلطات [من المركز إلى الدول المكونة للمملكة المتحدة]، ولكن كلما زادت الصلاحيات التي جرى تفويضها إلى الدول، أصبح الاستثناء الإنجليزي أكثر وضوحاً.

إن مبدأ ضرورة إدلاء الإنجليز بأصواتهم في قضايا تتعلق بالقوانين الإنجليزيةEnglish votes for English laws ، في برلمان المملكة المتحدة يحاول التعامل مع هذا التفاوت. ولكن هذا المبدأ ليس بديلاً عن مجلس تشريعي وطني، أليس كذلك؟ فإذا كان يحق لاسكتلندا وإمارة ويلز (وإقليم إيرلندا الشمالية متى ما حسمت أمرها) حق سن القوانين الخاصة بها، أليس من العادل أيضاً أن يكون لدى إنجلترا مثل هذا الحق؟   

إن هذه هي الصعوبة نفسها التي أثقلت حركة الرئيس غورباتشوف في مساعيه لتحويل الاتحاد السوفياتي من نظام حكم فيدرالي تتركز فيه السلطات في المركز، إلى اتحاد يجمع الدول المستقلة بشكل طوعي. اختلال التوازن، خصوصاً في المجالات الاقتصادية والجغرافية بين روسيا وبقية الدول حملت في طياتها عوامل الفشل. لقد تم اقتراح عدد من الحلول بالنسبة إلى المملكة المتحدة، ومنها ما تضمن تقسيم إنجلترا إلى أقاليمها من أجل إعادة تشكيل المملكة المتحدة كدولة فيدرالية. لكن كل تلك المحاولات تعثرت بمواجهة قضية الوطنية. فإنجلترا، مثل روسيا هي وطن، لكنها وطن كبير إلى درجة يصعب أن تشكل جزءاً في نظام أصيل على شاكلة ألمانيا أو فيدرالية على الطراز الأميركي مكون من ولاية متساوية في الحقوق.  

ويمكن القول إن بوريس يلتسين حاول استباق اللحظة التاريخية عبر جعل روسيا قاعدة لسلطته وكان ناجحاً في سحب السلطات الاقتصادية والمؤسساتية من مراكز القرار السوفياتي التي أصبحت أكثر ضعفاً. بعد ذلك قام يلتسين باقتناص فرصته لإخراج روسيا من الاتحاد السوفياتي قبل أن ينهار النظام برمته. وهو قام بتشجيع أوكرانيا وبيلاروس على مغادرة الكيان السوفياتي أيضاً. وحينها أصبح انهيار الاتحاد السوفياتي الروسي مسألة واقعية لا يفصلها سوى أيام.

هل يشكل المثال أعلاه خطة محتملة يستخدمها بوريس الآخر؟ رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير كان قد بدأ عملية تفويض السلطات في محاولاته الرد على الدعوات المتزايدة من اسكتلندا لمنحها مزيداً من سلطات الحكم الذاتي. لكن بدا أن عملية تفويض السلطات أسهمت فقط في فتح الشهية على مزيد من الصلاحيات. وهذا المسار تضاعف، من خلال نتائج التصويت المتناقضة على "بريكست" [اسكتلندا بعكس إنجلترا صوتت للبقاء في الاتحاد الأوروبي]، إلى درجة أصبح معها لزوم استمرار الاتحاد قيد السؤال، مع زيادة التوقعات بقيام اسكتلندا بإجراء استفتاء ثانٍ على استقلالها وإعادة طرح الوحدة الإيرلندية من جديد على الطاولة.

ومن المفاجئ لبعضهم أن بروز المشاعر القومية الإنجليزية من جديد والدعوات إلى إنشاء برلمان إنجليزي لم يتحولا إلى مطلب فعلي في مرحلة ما بعد "بريكست". إلى أي درجة يعود ذلك إلى قيام التصويت بتخفيف الاحتقان ولو لفترة وجيزة حول المطالب الإنجليزية العالقة، مع إبراز التصويت أن "بريكست" كان إلى درجة كبيرة قضية إنجليزية، وإلى أي مدى كان ذلك تصويتاً بسبب افتقاد إنجلترا إلى زعيم يقودها، فإنها مسألة قابلة للنقاش. لكن ما نراه اليوم، أو أن ما يمكن أن نراه حالياً، هو تلك الهوة التي سيتطلب ملؤها في أحد الأيام.

بعد فترة الاضطراب التي شهدناها خلال الأشهر الأخيرة، لا يبدو واضحاً أي دور سيلعبه رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون في سياسة المملكة المتحدة. لكن إذا كان بصدد البحث عن دور ما، فقد يجده هنا ربما: العمل من أجل نصرة القضية الإنجليزية فيما تصبح عملية المحافظة على الاتحاد نفسه أمراً أكثر صعوبة. هل تستبعدون حدوث ذلك؟ ربما. 

لكن كل المتنبئن المتحدرين من المناطق الحضرية البريطانية لم يكونوا يوماً ليعتقدوا بأن بريطانيا ستغادر يوماً الاتحاد الأوروبي. لقد حقق بوريس جونسون ذلك على أرض الواقع، والتشظي العظيم مثله مثل مسيرة بوريس جونسون المهنية ربما لم يصل إلى نهاياته بعد.

© The Independent

المزيد من تحلیل