Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل دخل اليسار الإسرائيلي "النفق المظلم"؟

الانتخابات الأخيرة عرت الحزب الذي قاد الدولة طويلاً ويبدو أنه في طريقه إلى الزوال

يائير لبيد يبتسم وزوجته بعد الإدلاء بصوته في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة التي فاز بها بنيامين نتنياهو (أ ف ب)

لو قام مؤسس إسرائيل ديفيد بن غوريون من قبره وشاهد التطورات في تل أبيب لقال "هذه ليست الدولة التي أقمتها"، الأمر نفسه يقال عن مؤسس الحركة الصهيونية ثيودور هرتسل الذي تنبأ بقيام تيار شبيه بتيار إيتمار بن غفير، وقال قبل أكثر من 120 عاماً إن "هذا التيار لا يصلح لأرض إسرائيل (فلسطين) ويجب أن لا يرى شمس الدولة العبرية، منعاً للقضاء عليها في المستقبل".

في نقاشات سابقة للإسرائيليين لمضمون قول هرتسل مقابل استفحال اليمين بالمجتمع الإسرائيلي قال بعضهم "لو نهض هرتسل من القبر وجاء ليدلي بصوته لما انتخب هذه الأحزاب بل سينتخب ’ميرتس‘ أو ’العمل‘".

اليوم وبعد الانتخابات الأخيرة لم يجد هرتسل لا "ميرتس" ولا حتى حزب "العمل" الذي قاد إسرائيل منذ بداياتها وكان يتصدر السياسة وقاد حكومات عبر أعوام طويلة ووجد نفسه في الانتخابات الأخيرة بقاع الأحزاب بعد حصوله على أربعة مقاعد فقط، وبصعوبة بالغة تجاوز نسبة الحسم.

مع خروج حزب "ميرتس"، اليساري اليتيم في إسرائيل، من الكنيست وضعف حزب "العمل" الذي يعتبر ما بين مركز ويسار بدأت محاسبة النفس ليطرح السؤال الكبير في إسرائيل، ما الذي أدى إلى انهيار اليسار والتيار الذي قاد المعركة تحت شعار "فقط ليس نتنياهو؟".

وهو سؤال يقلق معظم الأحزاب والتيارات السياسية والاجتماعية التي فشلت في الحفاظ على توازن بين اليسار- المركز واليمين، بل إن بعضها جراء قرارات شخصية وأنانية أسهم في ما آلت إليه إسرائيل بأكثرية في الحكومة والبرلمان من المستوطنين والمتدينين والمتطرفين وهي الأكثرية التي سبق وتم إخراجها عن القانون في إسرائيل، المتمثلة في حركة "كهانا حي".

ابتلاع الضفادع

ثلاثة عقود نشط خلالها حزب "ميرتس" اليساري الذي أسس عبر دمج أحزاب "راتس" و"مبام" و"شينوي" وسجل خلال هذه الفترة إنجازات سياسية واجتماعية داخل إسرائيل وعلى صعيد القضية الفلسطينية وأيضاً المجتمع الدولي، وجاء سقوطه في الانتخابات الأخيرة بعد تراجع مستمر منذ دورات انتخابية عدة من دون أن تقوم قيادة الحزب بأي خطوات لإنقاذه.

ربما قبول دخول الحزب إلى حكومة التغيير برئاسة بينيت – لبيد لم يكن في مصلحة الحزب، إذ يرفض مبدئياً التعامل والشراكة مع أحزاب اليمين الإسرائيلي، لكنه وكما قال قيادي من الحزب في حينه "سنبلغ الضفادع لمنع حكومة يمين برئاسة نتنياهو تقود إسرائيل إلى الدمار".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أبرز نشاطات هذا الحزب كانت ضد سياسة الاحتلال والاستيطان، وفي جانب التعليم وعندما تولت شولميت ألوني ويوسي سريد وزارة التربية والتعليم أدخلا إلى المنهاج التعليمي قيم الإنسانية والكونية.

كما نجح الحزب في سن قوانين داعمة اجتماعياً واقتصادياً بينها قانون السكن الجماهيري المسجل باسم النائب السابق ران كوهن، كما برز وقوف "ميرتس" إلى جانب منظمات السلام وحقوق الإنسان التي تحذر من سياسة الاحتلال وعنف المستوطنين وحرص الحزب على مدار الأعوام على تخصيص مناصب للنساء.

و"ميرتس" هو الحزب الوحيد الذي عين وزيراً عربياً من قبله في حكومة بينيت – لبيد هو الوزير السابق عيساوي فريج.

إن سقوط "ميرتس" الذي كان يشكل كابحاً مركزياً لمنع تدهور المجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والكهانية سيترك فراغاً في جوانب عدة من القضايا التي تسهم بشكل فاعل في تدهور المجتمع الإسرائيلي سياسياً واجتماعياً وإلى حد ما اقتصادياً.

عنجهية زعيمة حزب "العمل"

لا شك في أن النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأخيرة وجعلت نواب حزب "العمل"، رمز الدولة العبرية، ينظرون كيف تدير الدولة التي أسهموا في هندسة جوانب عدة ومهمة لها، 64 شخصية يمينية مدمرة لمستقبل إسرائيل وحتى وجودها، بحسب تعبير مسؤولين في "العمل"، تشير إلى تغييرات جوهرية للدولة العبرية، بل الحركة الصهيونية برمتها، وتقلق كثيرين من خطر حتى على ثباتها.

جوانب عدة أسهمت في التراجع الخطر لحزبي "العمل" و"ميرتس" حتى فقدان ثقة نسبة عالية من جمهورهما، بمن في ذلك من يحمل خطهما السياسي.

في الدقيقة الـ90 من تقديم القوائم الانتخابية ناشد وزراء سابقون ومسؤولون كبار من حزب "العمل" زعيمته ميراف ميخائيلي عدم التعنت برأيها وخوض الانتخابات لوحدها، بل التحالف مع حزب "ميرتس" ليس فقط لإنقاذ الحزب اليساري الأقرب لحزب "العمل"، إنما للحفاظ على مكانة مهمة لـ"العمل" في الانتخابات.

وكتب لها أكثر من مسؤول في الحزب ووزراء سابقون بينهم عوزي برعام وأوفير بينيس يناشدونها بعدم توريط الحزب، ووصلتها رسالة أخيرة قبل تقديم قوائم الانتخابات كتبها الوزير السابق أبراهام شوحط جاء فيها "ليس متأخراً الصحو، أنت ستجلبين بيبي إلى الحكم".

لكن ميخائيلي بعنجهيتها واستعلائها وتسلط الـ"أنا" على قراراتها خاضت الانتخابات لوحدها ليكون هذا القرار الطلقة قبل الأخيرة للقضاء على الحزب، ومن هنا تتحمل قيادة الحزب المسؤولية بغض النظر عن التدهور الحاصل في سلوكات الإسرائيليين ومواقفهم وتفكيرهم والمجتمع الإسرائيلي نحو التطرف والكهانية. 

اليوم وحتى بعد تراجع "العمل" الكبير والدعوات الموجهة إلى ميخائيلي للاستقالة تواصل زعيمة الحزب التعالي، بل تحمل غيرها المسؤولية.

وإذا ما استمرت بالتعنت في موقفها بعدم الاستقالة من رئاسة الحزب، فإن التقدم نحو تحقيق المطلب الإسرائيلي بتوحيد "العمل" و"ميرتس" في حزب واحد سيكون تحت علامة سؤال كبرى غير أن الجهود حثيثة من قيادة "العمل" للوحدة في حزب يساري مشترك مع "ميرتس" ليكون نجدة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه لحزب "العمل" أولاً ثم لـ"ميرتس".

ومن دون ذلك فالتوقعات تشير إلى تفكك حزب "العمل" ودمج أعضائه بحزب "يوجد مستقبل" برئاسة لبيد، فيما "ميرتس" يختفي من القائمة الحزبية، وهذا سيفتح المجال أمام وضع واحد وهو إقامة حزب يساري جديد عربي – يهودي مشترك.

أما زعيمة "ميرتس" زهافا غلئون، فسعت إلى الدخول في قائمة واحدة مع "العمل"، لكنها هي أيضاً تتحمل مسؤولية خسارة الحزب وإبعاده من الحلبة السياسية لطبيعة الحملة الانتخابية لحزبها التي كانت خالية من الطاقة والحماسة لنشطاء الحزب أولاً، ولمؤيدي اليسار بشكل عام، وهذه كانت ضربة مباشرة وقاضية أوصلت إلى نهاية طريقه السياسي.

والمسؤولية ليست فقط في الحملة الانتخابية، بل قبل ذلك إذ عانى هذا الحزب كحزب العمل من أي نشاط جماهيري وسياسي يعكس مواقفه وخطه السياسي.

رئيس الحكومة المنتهية ولايته يائير لبيد الذي قاد المعركة الانتخابية لحزب "يوجد مستقبل"، أسهم بشكل كبير وفاعل في تراجع شعبية "العمل" و"ميرتس" إذ إنه رفض تأييد تخفيض نسبة الحسم عندما كانت غالبية مؤيدة للاقتراح في الكنيست، وخلال الحملة الانتخابية شجع مصوتي "ميرتس" و"العمل" على التصويت لحزبه "يوجد مستقبل" وحصل على أعداد كبيرة كانت واضحة في مناطق معينة عند فرز الصناديق.

الاحتلال والاشتراكية لم تعد مهمة

إذا ما أخذنا الشباب اليسار، فقد تراجعت نسبة دعمهم لحزبي "ميرتس" و"العمل" وتغيرت خلال الأعوام الأخيرة هوية اليسار الصهيوني.

بحسب المستشرق آدم راز تراجعت بين الشباب أهمية أبرز رايتين لوح بهما اليسار الصهيوني، وهما الاحتلال والسياسة الاقتصادية الاشتراكية الديمقراطية وأصبحا في مكانة ثانوية بالأجندة العامة.

وقال راز "ليس فقط أن الروايات التي رواها اليسار لنفسه وللجمهور حول كل ما يتعلق بالاحتلال انهارت، بل أيضاً دوافع مصوتي اليسار تغيرت وفق التطورات المختلفة ومكانتهم الاجتماعية والطبقية، فمعسكر اليسار ليس جسماً موحداً، حتى إنه يجب التمييز بين الطرق التي يعمل من خلالها زعماء اليسار من أجل تجنيد الرأي العام وبين هوية مصوتي المعسكر".

ويشدد راز على وجود تأثير مباشر للشعور بالأمن النسبي في المواقف السياسية للمصوتين المحتملين، بحيث كان الخوف من جولات عنف في السابق يلعب دوراً في دفع مصوتين لهم توجهات يسار – وسط بأن يطالبوا بإنهاء الاحتلال، هذا الدفع تقلص، لا سيما في أوساط الشباب، فلم يعد يخيفهم السفر في الحافلات".

ومن وجهة نظر راز، فإن "المفاهيم التي فسر من خلالها اليسار الاحتلال وحاول الحصول على شرعية في صناديق الاقتراع على نشاطه ضد الاحتلال أثبتت بأنها غير صحيحة أو ليست ذات صلة، ففي إسرائيل العيش آمن والمواطن الإسرائيلي تقريباً لا يشعر بعنف الفلسطينيين، ولم ينزل على إسرائيل أي تسونامي سياسي أو اقتصادي، والحضور الجسدي للجنود في المناطق تغير بشكل كبير من وجهة نظر مصوتي اليسار، وهذا الحضور أقل وحشية وأقل إفساداً". 

في مقابل هذا أسهمت مشكلة أخرى في تراجع الحزبين، وبحسب راز، "المشكلة التي لا تقل أهمية عند المعسكر الليبرالي هي الابتعاد عن مواضيع جوهرية كبرى، فقد كان متوقعاً من حزب ليبرالي أن يعارض اتفاق الغاز مع لبنان، ويعمل على تعزيز الديمقراطية البرلمانية، ويعارض التقاعدات المالية وتوسيع الميزانيات، أما التركيز على الإصلاح الزراعي الصغير فقد أبقى اللبراليين من دون أي إنجاز يذكر".

وينصح راز بالقول "لا يمكن شرب الفيتامين الليبرالي من الزجاجة، فهو يتطلب قليلاً من الماء وإلا فإنه لا ينزلق في الحلق، انتصار نتنياهو يستوجب من التقدمية الأيديولوجية الليبرالية، إلى جانب الإصلاحات الاقتصادية المهمة أن تتم بالتعاون مع الليكود ومع أحزاب الائتلاف وليس من خلال بوستات غاضبة في الشبكات الاجتماعية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير