Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل انتهى عصر الأحزاب السياسية بالمغرب العربي؟

تواجه معادلة صعبة وسط صعود نجم المستقلين بالجزائر وتونس واستمرار الفوضى الأمنية تحول دون اختبارها في ليبيا

تعيش الأحزاب السياسية بمنطقة المغرب العربي في موات منذ 2011  (أ ف ب)

تواجه الأحزاب السياسية في منطقة المغرب العربي معادلة صعبة وسط صعود نجم المستقلين في دول مثل الجزائر وتونس واستمرار الفوضى الأمنية التي تحول دون اختبار العمل الحزبي في ليبيا.

ومثلت الانتفاضات التي شهدتها دول عربية عدة في سياق ما يعرف بـ"الربيع العربي" عام 2011، اللحظة المشتهاة لعدد من الأحزاب السياسية للوصول إلى السلطة، لكن بعد عقد من هذه الانتفاضات تعيش أحزاب سياسية عدة في المنطقة حالاً من الوهن.

وقادت أحزاب كبرى مثل حزب الاستقلال في المغرب والحزب الدستوري في تونس وجبهة التحرير الوطني في الجزائر المعركة من أجل استقلال هذه البلدان، لكن هذه الأحزاب بينها ما اندثر وما يكافح من أجل البقاء بعد الأحداث التي شهدتها هذه البلدان خلال الأعوام الـ10 الأخيرة.

أزمة في تونس

بعد أن كانت تونس تمثل استثناء عربياً بحيث استمر الانتقال الديمقراطي على رغم الصدمات التي هزت الاقتصاد وغيره من المجالات الحيوية تشهد البلاد الآن أفول نجم الأحزاب السياسية التي قادت العملية السياسية طيلة العقد الماضي بمعية المجتمع المدني.

وقاطعت غالبية الأحزاب السياسية الانتخابات التشريعية المقرر تنظيمها في 17 ديسمبر (كانون الأول) مما فسح المجال لعدد من الشخصيات المستقلة البارزة لاكتساح الاستحقاق في انتظار ما سيفرزه من نتائج.

وعلى رغم أنه نجح في إطاحة برلمان تهيمن عليه "حركة النهضة" الإسلامية قبل أكثر من عام من الآن، فإن أوساط سياسية ومحللين يرون أن الرئيس قيس سعيد يتجه نحو استبعاد كل الأحزاب كونه لا يؤمن بالوسائط بينه والشعب وهو ما تجسد وفقاً لهؤلاء في القانون الانتخابي الذي نص على الاقتراع على الأفراد بدل القائمات.

يقول الباحث السياسي هشام الحاجي لـ"اندبندنت عربية" إن "هناك خصوصية في منطقة المغرب العربي تتمثل بالفعل في أن هناك أحزاباً كبرى كانت وراء استقلال دول المنطقة، لكنها لم تحسن إدارة مرحلة ما بعد الاستقلال وهو ما أثر في شعبيتها وأدى إلى تآكلها وانشقاقات داخلها وأسهم في نهاية المطاف، خصوصاً في تونس إلى الثورة عام 2011"، مضيفاً "للأسف الأحزاب التي حلت محل القديمة منها فشلت هي الأخرى في إدارة المرحلة الجديدة بينها الاتحاد الاشتراكي في المغرب والعدالة والتنمية و"حركة النهضة" في تونس، مما مهد الطريق إلى أزمة الأحزاب الحالية وفي ظل تغيرات جديدة يعرفها العالم على غرار انتشار مواقع التواصل الاجتماعي والمجتمع المدني كفاعل قوي هو الآخر".

وأوضح أن "الرئيس قيس سعيد مثلاً وجد أرضية في ظل هذا الوضع حتى يشرع في عملية إلغاء الأحزاب السياسية، لكن في تقديري من الصعب أن تكون هناك حياة سياسية طبيعية من دون أحزاب مهما كان حضورها وحجمها في الرأي العام".

ومنذ سنوات بات هناك نفور لافت من قبل التونسيين تجاه الحياة السياسية وحال من عدم اليقين في قدرة الأحزاب على قيادة البلاد نحو تجاوز أزمتها الراهنة، لا سيما في ظل الصراعات الداخلية التي تستنزف أحزاباً عدة على غرار "حركة النهضة" الإسلامية التي تولت الحكم خلال العقد الأخير.

وقال الحاجي إن "الأحزاب في تونس تعيش أزمة حقيقية، كل الأحزاب التي كانت تنشط قبل الثورة اندثرت وكذلك تلك التي أتت بعدها، لذلك المشكلة في جزء منها تعود إلى هذه الأحزاب نفسها التي غابت عنها الشفافية ومبدأ التداول على السلطة وضعف التربية السياسية وتحكيمها للولاء والبحث عن الغنيمة أكثر من خدمة المصلحة العامة".

 

 

نهاية في ليبيا

أما في ليبيا التي تشهد فوضى أمنية وسياسية منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي عام 2011 إثر انتفاضة شعبية على حكمه وتدخل واسع من حلف شمال الأطلسي (الناتو) تعيش الأحزاب السياسية جموداً في نشاطها وسط تحركات محتشمة لعدد منها.

وشهد عام 2014 ما يعرف بعملية "فجر ليبيا" التي كانت أشبه بانقلاب على البرلمان المنتخب الذي اضطر إلى الانتقال للعمل من العاصمة طرابلس التي تخضع لسيطرة الجماعات المسلحة إلى مدينة طبرق شرق البلاد، مما دفع الأحزاب السياسية إلى الهامش بشكل كبير.

ويرى الباحث الليبي محمد قشوط أن "العمل الحزبي بعد 2011 شهد نشوة ودوراً كبيراً في ليبيا لرغبة الأحزاب في العمل السياسي بعد حرمان 42 عاماً مع نظام معمر القذافي ولشعور الليبيين بشكل عام بضرورة خوض التجربة".

وتابع قشوط في تصريح خاص "هذا ما انعكس واقعاً في أول انتخابات تجري في ليبيا خلال 2012 لاختيار أعضاء المؤتمر الوطني العام وحال التنافس التي شهدتها الأحزاب في ما بينها وبالأخص حزب تحالف القوى الوطنية بقيادة الراحل محمود جبريل ممثلاً عن التيار الوطني وحزب العدالة والبناء برئاسة محمد صوان الذراع السياسية لتنظيم الإخوان وكذلك حزب الجبهة الوطنية برئاسة محمد المقريف".

واستدرك "لكن هذه التجربة سرعان ما باءت بالفشل بعد الصراعات التي دارت بين هذه الأحزاب، مما انعكس سلباً على استقرار البلاد ومعيشة المواطن الليبي الأمر الذي أدى إلى تورط تلك الأحزاب في دعم الميليشيات لكي تصبح لها ذراع عسكرية تساندها وتحميها حتى انفجرت الأوضاع عام 2014 ودخلنا مرحلة الاحتراب والصراع المسلح الذي انقسمت فيه ليبيا على الصعيد المؤسساتي حتى يومنا هذا"، وخلص قشوط إلى القول إن "العمل الحزبي في البلاد انتهى وكتبت نهايته منذ 2014 ولم يعد الليبيون يثقون بهذه الأحزاب، خصوصاً أنها فقدت حاضنتها ولم يعد بإمكانها تحريك حتى تظاهرة واحدة لذا الشعور السائد الآن لدى عموم المواطنين أنه لا بد من أن يكون هناك دستور ينظم العمل الحزبي ويرخص له وتعرف مصادر تمويله ففي ذلك الحين من الممكن أن تبدأ الثقة بالعودة من جديد".

 

 

تراجع في الجزائر

وفي الجزائر التي شهدت حراكاً شعبياً في 2019 أرغم الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة على التنحي فإن الأحزاب السياسية أضحت عاجزة عن استمالة الشارع الذي لا يزال في قطيعة مع المنظومة السياسية بالبلاد.

عكست ذلك بوضوح الانتخابات البلدية الجزئية التي شهدتها منطقة القبائل أخيراً حيث اكتسح المستقلون السباق بعدما نجحت القوائم المستقلة في حصد 74 مقعداً، أي 82.22 في المئة من إجمالي المقاعد المتاحة بهذا الاستحقاق.

وفي الانتخابات التشريعية 2020 حصد المستقلون المرتبة الثانية بـ78 مقعداً، مما يعكس تغيراً في المزاج الانتخابي على ما يبدو للجزائريين وسط مساعيهم لإحداث التغيير المنشود.

يذهب المتخصص الجزائري جيلالي كرايس إلى أن "هناك صعوداً عاماً للمستقلين في كل أنحاء البلاد وليس منطقة القبائل فقط وهذا منذ الانتخابات البرلمانية 2020 ومحليات 2021 إذ صعد الأحرار كتوجه جديد بعيد من الطبقة السياسية القديمة"، وأوضح أن "حقيقة هذه الطبقة السياسية تعاني تراجعاً شعبياً، وبعضها كان يستفيد مما يوفره النظام السابق، لكن بعد التحول السياسي الذي عرفته الجزائر عاد كل حزب إلى حجمه الحقيقي وعرف وزنه ومدى حضوره الشعبي".

وشدد كرايس على أن "كثيراً من الأحزاب الجزائرية أصبحت خارج اللعبة السياسية وتجاوزتها الأحداث، مما يعني حتمية الإصلاح وضرورة إعادة التموقع وربما التكتلات والتحالفات ستكون خياراً استراتيجياً أمام كثير من الأحزاب المتقاربة من حيث التوجهات والبرامج"، مؤكداً أن "لذلك تكتلها في كيانات كبيرة سيفتح أمامها فرصاً جديدة وربما ينفخ روحاً جديدة في الطبقة السياسية لأن المجتمع يبحث عن خطاب جديد ورؤى جديدة بعيداً من تلك الشعارات الفارغة والأحزاب الفاقدة للقاعدة الشعبية".

 

 

استثناء في المغرب وموريتانيا

واقع الأحزاب السياسية يختلف في كل من موريتانيا والمغرب على رغم تراجع التقليدية منها مقابل صعود أخرى إلا أن هذه الأجسام لا تزال تحظى بحضور قوي، مما يجعل هذه الدول تمثل استثناء على رغم بعض المتاعب.

وشهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في المغرب التي جرت عام 2021 تغيراً في الخريطة السياسية بحيث صعد حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادة رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش مقابل انهيار حزب العدالة والتنمية الإسلامي، لكن الأحزاب ظلت تسيطر على المشهد السياسي.

واعتبر المتخصص السياسي المغربي رشيد لزرق أن "المغرب نجح في رهان إرساء الديمقراطية، ففي أول دستور سنّ عام 1962 تبنت المملكة خيار التعددية الحزبية ومنعت الحزب الواحد"، وأضاف أن "مع دستور 2011 أيضاً تمت دسترة الخيار الديمقراطي كثابت من ثوابت الأمة المغربية ومعلوم أن الأحزاب العمود الفقري للديمقراطية، بالتالي الملك في المغرب هو ضامن الاختيار الديمقراطي، مما يجعل التجربة الحزبية والديمقراطية في البلاد مختلفة عن بقية الدول المغاربية"، موضحاً أن "الواقع التعددي المغربي مختلف ويعكس ذلك وصول التجمع الوطني للأحرار إلى السلطة في الانتخابات الأخيرة بعد هيمنة حزب العدالة والتنمية على الانتخابات طوال العقد الأخير".

وشدد لزرق على أن "ما يعرفه المغرب هو نتيجة للدورة الانتخابية، بالتالي فإن المنظومة الحزبية عليها التأقلم مع بروز مجتمع مدني واعتباره شريكاً وليس منافساً والأهم مدى قبولها الديمقراطية التشاركية كمكمل لنظيرتها التمثيلية".

أما في موريتانيا، فإن الأحزاب السياسية لا تزال تتمتع بحضور قوي تضمنه في بعض الأحيان التشريعات التي تحظر على سبيل المثال ترشح المستقلين إلا في الانتخابات الرئاسية.

وقال الباحث السياسي الموريتاني إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا إن "الأحزاب في موريتانيا فرضت نفسها بشكل قانوني على النخبة والناخبين لأن الترشح المستقل ممنوع"، وأضاف "لكن انعدام وجود رؤى حزبية متباينة أخل بميزان القوى وجعل من الموالاة والمعارضة نسخاً متشابهة حزبياً، سواء من حيث البناء التنظيمي أو من حيث المناهج النضالية".

وحول العلاقة بين الشارع والأحزاب السياسية رأى سيديا أن "الأحزاب المؤدلجة تمتاز بقدرة على التعبئة وثبات مناصريها، لكن في المدن الكبرى تسيطر تكتلات المجتمع المدني أكثر من الأحزاب وفي الأرياف هناك تأثير أكبر للقبيلة".

واعتبر أن "موريتانيا لها خصوصية تتميز بوجود اصطفاف شرائحي يظهر في الانتخابات غالباً بحيث يصوت الزنوج لمرشحيهم في معظمهم وتصوت غالبية الحراطين وهم فئة ناطقة بالعربية لكنها من أحفاد العبيد السابقين لمرشحيها".

لا حياة سياسية من دون أحزاب

يثير الواقع المأزوم الذي تعيشه الأحزاب السياسية في أقطار عدة بالمغرب العربي تساؤلات مشروعة حول مستقبل الأحزاب على غرار هل يمكن تخيل مشهد سياسي من دونها؟

يستبعد الحاجي ذلك معتبراً أن "الأحزاب تبقى ركيزة لا يمكن التخلي عنها في الحياة السياسية مهما كان دورها، لا بد من أن تكون حاضرة وفاعلة بقوة في إدارة المشهد العام".

من جانبه يقول سيديا "الواقع أن الحياة الحزبية تسهل التداول السلمي على السلطة وتترجم الغضب الجماهيري إلى نضال منظم ولا ديمقراطية من دون تشاركية، مستدركاً "لكن تغول بعض الأحزاب على بعضها بسبب الإفراط في استخدام التأثير والأدوات السلطوية من مال سياسي ونفوذ وضغوط يقف حجر عثرة أمام الحياة الحزبية نفسها ويفرغها من محتواها".

وعلى رغم أن ليست هناك تشريعات تحظر نشاط الأحزاب السياسية في دول المغرب العربي الخمس، إلا أن الثابت أن المرحلة المقبلة ستختبر قدرة هذه الأحزاب على الاستمرارية في ظل تشابك الضغوط الخارجية عليها مع عوامل داخلية مثل الانشقاقات وصراع الزعامات.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير