Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ترفيه حتى الدموع: لماذا نحب مشاهدة الأفلام التي تبكينا؟

مسلسل "من الصفر" الدارمي الجديد الذي تعرضه "نتفليكس" يجعل المشاهدين يجهشون بالبكاء، فلماذا نحب متابعة الأعمال الحزينة التي تمزقنا عاطفياً؟

لا يوجد شخص محصن حقاً ضد الصدمة القاسية لفيلم نواح جيد (نتفليكس/ شاترستوك)

بعض الأفلام تترك أثراً مؤلماً لا ينسى. مثل مشهد غرق ليوناردو دي كابريو في المحيط في نهاية فيلم "تيتانيك" Titanic. أو جايك غيلينهال Jake Gyllenhaal وهو يقول: "أتمنى لو كنت أعرف كيف أتوقف عن إدمان حبك" في "جبل بروكباك" Brokeback Mountain. أو الوداع الطويل للكلب مارلي في فيلم "مارلي وأنا" Marley & Me. كل شخص لديه فيلم معين يدمره عاطفياً. في بعض الأحيان قد يصل المرء إلى الأسى العاطفي من عبارة واحدة. بالنسبة لي أصاب بالألم ذاته في كل مرة أسمع عبارة بن ستيللر التي يقولها بصوت مختنق: "لقد كانت سنة عصيبة بالنسبة لي يا بابا" في نهاية فيلم "عائلة تينينبوم الملكية" The Royal Tenenbaums. على كل حال، هناك أفلام تشحنك عاطفياً لساعات من دون توقف، وتدفعك إلى ذرف الدموع حتى تكاد تنضب.

هذا النوع السينمائي معروف بـ"أفلام النواح" weepie ولن يموت أبداً. على سبيل المثال لا الحصر "شطآن" Beaches، "ماغنوليا من فولاذ" Steel Magnolias، "قصة حب" Love Story، "اختيار صوفي" Sophie’s Choice. الميزة الوحيدة التي تحدد أفلام النواح هي استهدافها لغددك الدمعية بدقة أشعة الليزر. لقد اجتاز هذا النوع الاتجاهات المتغيرة والتقنيات المتطورة، وأظهر شعبية أكثر من أي وقت مضى، الطلب عليه قوي للغاية، حتى إن إحدى دور السينما في نيويورك استضافت عرضاً يشجع على "البكاء الجماعي" لفيلم "شطآن" قبل بضعة أعوام. ربما تعتقد بأنه سيكون من الأرخص والأقل إحراجاً من شراء كيس من البصل والنواح عليه.

لا يقتصر الأمر على الأفلام، شهد الأسبوع الماضي إطلاق مسلسل "من الصفر" From Scratch، وهو عمل تلفزيوني من ثماني حلقات تعرضه شبكة "نتفليكس"، من بطولة زوي سالادانيا. وصفت أماندا وايتينغ في مراجعة اندبندنت" المسلسل بأنه "ميلودراما كاملة، إذ تواجه فيه البطلة إيمي (سالادانيا) واقع عائلة مفككة ومأساة زوج مصاب بالسرطان". السؤال هو، لماذا نسمح لأنفسنا كمشاهدين بأن نعاني هذه الراجمات والسهام العاطفية؟ نحن لا نكتفي بالـ"سماح" لها، بل نبحث عنها بملء إرادتنا وبشغف؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اتضح أننا عندما نشاهد ماكوالي كالكن الطفل يتعرض لهجوم النحل الوحشي في فيلم "فتاتي" My Girl، نكون فعلياً معه في ذلك الهجوم. تقول الدكتورة أودري تانغ، عالمة نفس وعضو في الجمعية البريطانية لعلم النفس: "بالنسبة إلى كثير من الناس، فإن الجزء العاطفي من أدمغتنا يجد صعوبة في التمييز بين الواقع والخيال ... لذلك، وعلى رغم علمنا منطقياً أننا نشاهد التلفزيون، لكننا نتواصل مع مشاعر الشخصيات".

نحن أيضاً نسقط أحزاننا بيأس على هؤلاء الأشخاص المتخيلين. تضيف الدكتورة تانغ: "في بعض الأحيان قد تثير المواقف التي تمر بها الشخصية ذكريات أحداث عشناها في حياتنا. أو قد نسقط عواطفنا أو تجاربنا على شخصية ما. بالتالي، عندما نبكي، فإننا لا نبكي بالضرورة تعاطفاً مع الشخصية، لكننا نبكي على ما حركته فينا".

السبب وراء ذهاب الناس بعزم إلى صالات السينما مسلحين بالمناديل الورقية ورخصة للإجهاش بالبكاء مرتبط بـ"المساحة الآمنة" التي توفرها الأفلام. بالنسبة إلى بعض رواد السينما، مجرد الوجود في غرفة مظلمة يمكن أن يوفر لهم مكاناً للبكاء مع الآخرين من دون إثارة لغط. لكن "المساحة الآمنة" للنواح هي رمزية أيضاً: فهي تمنح الناس إذناً للتنفيس عن المشاعر التي قد يضطرون إلى قمعها في حياتهم اليومية. تضيف تانغ: "قد يكون من بين التفسيرات الوجيهة أن الشخص الذي يبكي كثيراً في الأفلام يتوجب عليه التظاهر برباطة الجأش في حياته لأي سبب من الأسباب... لذلك قد تذهب لمشاهدة الفيلم كذريعة للبكاء، وليس لأنك شخص حساس للغاية فقط، قد يكون السبب أعمق بكثير".

لكن ما الذي يحدث فعلياً في أدمغتنا ونحن ننوح أثناء مشاهدة فيلم الرسوم المتحركة "فوق" Up؟ تخبرني الدكتورة صوفي سكوت، أستاذة علم الأعصاب الإدراكي في كلية لندن الجامعية، "حسناً، الإجابة ببساطة هي أننا ما زلنا لا نمتلك تفسيراً واضحاً لهذا". ما نعرفه هو أن مشاهدة الأفلام الحزينة تحفز "شبكة مهمة جداً" من المناطق في الدماغ، شبكة قديمة جداً في التطور البشري، ونشاركها مع الثدييات الأخرى. تمكن الباحثون من تحديد العملية من خلال دراسة الأشخاص الذين يعانون اضطرابات الدماغ التنكسية وتلف الدماغ.

وتوضح سكوت، "ترتبط مناطق الدماغ هذه بتوليد التعبيرات العاطفية، أنشطة مثل البكاء وإنتاج الدموع وإصدار الأصوات والبكاء... وهكذا يكون سبب حدوث النشاط هو حالك العاطفية أثناء مشاهدة الفيلم. يشعر 80 في المئة من الناس بتحسن عندما يبكون. لذلك قد تكون الراحة العاطفية سبباً قوياً مرتبطاً بالبكاء على شيء مثل الأفلام، التي ربما كنت تعلم حتى أنها ستبكيك".

لكن ماذا عن الفكرة التقليدية القائلة إن نزوعنا إلى النحيب يعتمد على جنسنا؟ لعقود من الزمن، تعود إلى هوليوود القديمة وعصر ما يسمى "أفلاماً نسائية"، كان ينظر إلى الميلودراما والروايات الرومانسية المأساوية عادة على أنها مواضيع نسائية، ولذلك وجه مجمع صناعة أفلام النواح إنتاجاته لاستهدافهن. (لأعوام كان يتم الخلط في المفهوم العامي بين تعبير "أفلام النواح" ومصطلح أفلام "موجهة للنساء" chick flick القديم).

في حين يبدو جلياً أن هذه الفكرة لا تمثل كل مشاهدي الأفلام، إلا أنها نابعة من بعض العوامل الحقيقية. تقليدياً، قام المجتمع بترويض الرجال، أكثر من النساء، على مقاومة البكاء لتجنب إظهار "الضعف".

وتتابع سكوت، "احتمال بكاء النساء هو أكبر بكثير من الرجال... لكن هذا يخضع لبعض التأثيرات الثقافية. كان الرجال أكثر قدرة على البكاء في ثقافتنا: كان ذلك علامة على الكياسة العاطفية في العصر الفيكتوري. لقد تغير هذا كثيراً في القرن الماضي، في فترة الحرب العالمية الأولى، عندما ظهرت ’رباطة الجأش‘. لكن ليس غريباً انتشار [هذا الفارق بين الجنسين] في الثقافات الأخرى أيضاً، لذلك قد تكون هناك تأثيرات هرمونية أيضاً. لكنني أعتقد بأن الاختلافات الثقافية والفردية أكبر على الأرجح".

بالطبع، لا يوجد شخص محصن حقاً ضد الصدمة القاسية لفيلم نواح جيد، لا الرجال ولا النساء ولا حتى الأطفال. في الواقع، كان الصغار هم الجمهور المستهدف لبعض الأفلام الأكثر إثارة للمشاعر الموجودة، من كلاسيكيات ديزني مثل "بامبي" Bambi إلى الرسوم المتحركة الحديثة التي تنتجها "بيكسار" مثل "قلباً وقالباً" Inside Out أو "كوكو" Coco. في حديثه إلى موقع "ذي هوليوود ريبورتر" The Hollywood Reporter عام 2015، أوضح القائم على المونتاج السينمائي لفيلم "قلباً وقالباً" كيفن نولتينغ، "دائماً يشعر المشاهد بارتباط شديد مع اللحظات العاطفية، لكن علينا جعلها مبررة. لا يمكننا إضافة إيقاع حزين فقط لأننا بحاجة إلى إيقاع حزين في الفيلم. نحن نقضي كثيراً من الوقت لضمان أننا نستطيع الوصول إلى ذلك الإيقاع المحزن، وأن الجمهور مستعد لتلقيه، وأننا لا نفرضه على المشاهدين".

لو سألت أي شخص شاهد الدقائق الأولى من فيلم "فوق"، سيخبرك أن "بيكسار" [شركة الإنتاج] هي أستاذة أفلام النواح المتحركة الموجهة لجميع الأعمار. سواء كنا نتحدث عن الذروة المؤثرة للجزء الثالث من "قصة لعبة" Toy Story 3، عندما كان وودي وباز ورفاقهما يحدقون في موتهم الوشيك محترقين في فرن لصهر النفايات بسبب خيانة الدب لوتسو، أو اختفاء الفيل بينغ بونغ، أداه صوتياً الممثل ريتشارد كايند في "قلباً وقالباً" الذي يترك كدمة في الروح، فإن "بيكسار" خلقت حرفة صناعة الأفلام التي تمزق الكبار والصغار على حد سواء.

قد يكون من المبالغة القول إن أفلام "بيكسار" لها أساس علمي، لكن من المؤكد أنها تتبع صيغة معينة: قامت فنانة القصص إيما كوتس التي تعمل في الشركة بمشاركة قائمة تضم 22 قاعدة شاملة "لسرد القصص" تستخدم لصياغة أفلام الشركة لتكون مدمرة بشكل مضمون. (على سبيل المثال، القاعدة السادسة هي "ما هو أكثر شيء ترتاح له شخصيتك؟ اجعلها تواجه العكس تماماً").

توصلت دراسة أكاديمية تمت مشاركتها على نطاق واسع أجرتها جامعة بيركلي بكاليفورنيا قبل بضعة عقود إلى أن نسخة فيلم "البطل" The Champ الصادرة عام 1979 كانت من الناحية العلمية، أكثر فيلم حزين على الإطلاق. لكن في حين أن العلم قد يحاول اختزال التعاطف البشري في مخططات بيانية ومعادلات كيماوية، فليس هناك ببساطة تحديد لحجم المشاعر التي تعيشها حقاً عندما يدفعك فيلم ما إلى البكاء بصدق. لا يمكن لتصوير بالرنين المغناطيسي أو كتاب لتفسير مصطلحات علم النفس أن يوضح أبداً ما يعنيه الجلوس لمشاهدة فيلم "إنها حياة رائعة" It’s a Wonderful Life في الساعات الأولى من يوم عيد الميلاد والبكاء المتواصل أثناء متابعة جيمي ستيوارت وهو يعيد اكتشاف إرادته في العيش.

كتب تشارلز ديكنز في روايته الكلاسيكية عن سن المراهقة "توقعات عظيمة" Great Expectations: "تدرك السماء أننا يجب ألا نخجل من دموعنا أبداً، لأنها بمثابة مطر يغسل غبار الأرض المتكدس فوق قلوبنا القاسية ويعمي أبصارنا. أشعر بأنني بحال أفضل بعد بكائي مقارنة بما كنت عليه قبله، أكون أكثر أسفاً وأكثر وعياً بعدم تقديري للنعم، وأكثر لطفاً". قد يبدو من الغباء تطبيق هذه المشاعر على شخص لم يتوقف عن البكاء خلال مشاهدة فيلم "ملاحظة: أنا أحبك" PS I Love You. لكنه لا يعني أن الفكرة ليست صحيحة.

© The Independent

المزيد من منوعات