Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا اختفت الأعمال الرومانسية عن الشاشة العربية؟

نقاد وصناع سينما: الناس يفضلون "الأكشن" والجريمة وتقديم أفلام عن المشاعر مجازفة خطرة

كان تراث السينما العربية عبر عقود طويلة معتمداً على الجانب الرومانسي وانتجت أفلام كثيرة ذاع صيتها (الصورة تخضع لحقوق الملكية/ مواقع التواصل الاجتماعي)

بين حوادث قتل سميت بجرائم الحب والانتقام، وواقع شرس وثورات وأزمات سياسية وفيروسات قاتلة، ضاعت الرومانسية والمشاعر المرهفة بخاصة على الشاشة العربية وتحديداً في السينما، وصارت الأعمال التي تعبر عن الحب والغرام تثير سخرية بعض المتابعين، ويصفونها بالبعد عن الواقع، ويصفون أصحابها بأنهم يعيشون في كوكب آخر، وانصرف معظم الجمهور عن متابعة الأعمال العاطفية، فباتت إيراداتها ضعيفة جداً لدرجة صرفت المنتجين عن مجرد التفكير فيها، إذ إنها غير مضمونة النتائج بالمرة مادياً على الأقل في نظرهم.

أيقونات رومانسية

وبينما كان تراث السينما العربية عبر عقود طويلة معتمداً على الجانب الرومانسي الذي يعتبر منبع أهم الأيقونات والتحف الفنية التي ما زال الجميع من كل الأجيال يتابعونها بشكل كبير عندما تذاع عبر شاشات التليفزيون والفضائيات باعتبارها كلاسيكيات نادرة لها كل الاحترام، مثل "نهر الحب" و"سيدة القصر" و"صراع في الوادي" و"أغلى من حياتي" و"دعاء الكروان" و"رحلة النسيان" و"حب لا يرى الشمس" و"حبيبي دائماً" و"أذكريني"، ومروراً بأفلام السينما الحديثة التي قدمت مجموعة من الأفلام الاجتماعية الرومانسية مثل "أسوار القمر" و"تيمور وشفيقة" و"العشق والهوى" و"أهواك" و"هيبتا" و"عمر وسلمى" و"واحد صحيح"  و"توأم روحي" و"قمر 14" وأخيراً "بحبك" لتامر حسني، والغريب أن الناس باتوا يستقبلون عبارات الحب والتضحية بشكل أقرب للسخرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شكل منشورات تحمل قدراً كبيراً من النقد اللاذع والتهكم الواضح.

"اندبندنت عربية" ترصد أهم أسباب اختفاء الرومانسية والنظرة غيراللائقة من الجمهور لها وعوامل انصراف المنتجين عنها.

معادلة غير مضمونة

في البداية، قال المنتج السينمائي هشام عبد الخالق "لا يمكن إنكار أن السينما الرومانسية تمثل أجمل عصور الفن العربي والمصري والعالمي، فكلنا تربينا عليها وما زالت مؤثرة في وجداننا وتمارس سحرها في كل الأجيال، لكن السينما دائماً تعبر عن العصر الذي نعيشه، وفي ظل الأزمات المتلاحقة اقتصادياً وصحياً والحروب والفيروسات وشراسة الواقع والجرائم التي شاهدناها بذبح أكثر من فتاة بسبب الحب، كل هذا يجعل تقديم صورة حالمة للحب عبر الشاشة أمراً أقرب إلى الخيال، فالناس مهمومون بأزماتهم ومشكلات الواقع المتلاحقة، فكل يوم هناك حادثة أو مشكلة تتصدر حديث الناس، وربما ينصرف بعضهم عن هذه الهموم بمشاهدة فيلم أبيض وأسود قديم يعيد له الشعور بالحب، لكنه للأسف لا يفكر في الذهاب للسينما لمشاهدة فيلم رومانسي، ومع ذلك حققت بعض الأفلام الرومانسية نجاحاً جيداً مثل فيلم هيبتا وتيمور وشفيقة والعشق والهوى وأهواك وعمر وسلمى، لكن لا يمكن ضمان نجاح أفلام رومانسية أخرى، لذلك في ظل الخطر الذي تعاني منه السينما وعدم فهم توجهات الجمهور وذوقه المختلف والمتقلب، لا يسعنا إلا تقديم أعمال مضمونة النجاح بخاصة أن معظم جمهور السينما شباب في بداية العشرينيات، وذوق هؤلاء يتجه للأكشن والتشويق أكثر بكثير من أذواق أجيال أكبر سناً قد تكون الرومانسية وأعمالها محببة بالنسبة إليهم، ويحاول المبدعون دمج خط رومانسي دائماً في عمل أكشن أو غموض أو إثارة لكن لا يفكر معظمهم في تقديم عمل رومانسي برمته".

تهذيب المجتمع

ولفتت الفنانة إلهام شاهين إلى أنه "بكل أسف، منذ أن غابت الرومانسية عن الشاشة زادت معدلات العنف والإجرام والقتل، وكانت الدولة تقدم هذه الأعمال عبر جهاز السينما، بغض النظر عن الأرباح المادية التي يهتم بها المنتجون في المقام الأول، لذلك كان الجيل الجديد يشاهد الحب وتتهذب نفسه بما يشاهده ويرتقي داخلياً، لكن للأسف لم تعد مساحة الرومانسية مسموحة على الإطلاق، بل تقابل المحاولات الرومانسية بالسخرية بشكل غريب وكأن الجفاف في المشاعر وطرق التعبير الغريبة أصبحا هما المثل الأعلى للبعض في الأجيال الجديدة، على الرغم من أن الحب موجود حتى نهاية العالم ولا يمكن أن نقول غير ذلك".

 

وتابعت شاهين "أطالب بعودة الأفلام الرومانسية الجميلة لأن الناس يستقون من الفن المشاعر والأحاسيس بطريقة غير مباشرة، ولا أمانع أن نقدم أعمالاً رومانسية طبعاً بطريقة عصرية، فالحب على الشاشة لا يعني كلمات قديمة وطريقة كاريكاتورية في العرض، بالعكس علينا أن نجد أسلوباً رومانسياً يقنع الجيل الجديد عبر شاشة السينما".

افتقاد تام

وأشار السيناريست أيمن سلامة إلى أن "السينما مقياس وأداة تعبر عن طبيعة العصر الذي نعيش فيه، ولأننا أصبحنا نفتقد الرومانسية حتى فى حياتنا الحقيقية، انعكس ذلك على الفن الذي هو ملخص لحال المجتمع، بالتالي كان لا بد أن تتغير نظرة صناع الفن لتيمة الرومانسية والاتجاه للتيمات الأكثر رواجاً مثل الأكشن والكوميديا والغموض والإثارة، وعلى الرغم من حبنا للأعمال القديمة التي تضج بالحب والعواطف، لكنها كانت مناسبة لعصر الخمسينيات والستينيات، ومحاولة إعادة تقديمها في العصر الحديث حتماً ستثير سخرية الشباب، بعد أن اختلفت أساليب تعاطيه مع  المشاعر والأحاسيس، فأصبحت أكثر خشونة في كل شيء بخاصة في التعبير والألفاظ، وصارت تطبيقات التواصل الاجتماعي وملصقات جاهزة طرق التعبير التي يستخدمها معظم الأجيال الجديدة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واختتم سلامة "نتمنى عودة أفلام وأعمال رومانسية وزيادة جرعتها لما لها من تأثير كبير في المجتمع، إذ ترتقي بالمشاعر والسلوك وربما تكون سبباً مباشراً في أن نقلل معدلات العنف والجريمة، وأن يتم التعامل مع الحب بشكل مختلف، بدلاً من جرائم الغرام المفزعة التي صارت تتكرر بشكل غريب ومفاجئ على المجتمعين المصري والعربي".

تغير الجمهور

وأرجع  الناقد عصام زكريا عدم إنتاج أفلام رومانسية إلى تغير جمهور السينما ونوعياته، فبعد أن كانت السينما تملك جمهوراً كبيراً من شريحة الصفوة المتعلمة، أصبح معظم جمهورها من المراهقين، والشباب الصغار الذين يفضلون نوعيات معينة ليست لها علاقة بالرومانسية مثل أفلام العنف والكوميديا، وذلك يرجع بشكل أساس لاختلاف ثقافتهم وتكوينهم النفسي، إذ إن انفعالاتهم قوية ولا تتوافق مع الرومانسية الهادئة الرقيقة، وعلى الرغم من ابتعاد السينما بشكل كبير عن الرومانسية باسثناء محاولات بسيطة، لكن ما زالت الدراما التليفزيونية مهتمة إلى حد معقول بهذا الجانب، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا المعدل غير عادل بالمرة مقارنة بأعمال "الأكشن" والغموض والتشويق والإثارة والكوميديا.

 

تغلب الشراسة

من جانبها، أوضحت الناقدة ماجدة موريس أن "الكتابة الرومانسية بكل أسف لم تعد مناسبة لظروف الواقع الصعب الذي نعيشه، وأول ما يتعلمه الكاتب هو اكتب عما تعرفه حولك، وفي هذه الأيام اختلف شكل العلاقات والمشاعر، وغلبت الشراسة على كثير من المشاعر، وصار الجفاف مسيطراً على الأحاسيس، أو على الأقل جفاف التعبير عن المشاعر، لذلك أصبحت الأعمال تتناول الخلافات وحوادث القتل والخلافات الأسرية وتفاصيل المصائب في معظم الأحيان، وطبعاً المنتج معذور، فهو شخص لن يجازف بأمواله في تقديم بضاعة غير مضمونة النتيجة، ولن يسعى لتقديم عمل فني لا يتماشى مع المزاج العام للجهمور الذى قد يرى الأفلام الرومانسية شيئاً مضحكاً"،  وأرجعت موريس قلة الأعمال الرومانسية أيضاً في الحقب الزمنية الأخيرة "لعدم وجود نصوص أدبية أو روايات رومانسية جيدة بكثرة، ففي العصر الذهبي للأعمال العاطفية كانت الروايات الرومانسية تحتل مكانة مهمة عند المجتع، والإنتاج السينمائي كان غزيراً ومقتبساً من هذه الإنتاجات، مثل روايات نجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس، لكن حالياً لا توجد هذه النوعيات إلا بندرة، وعقب رحيل الأدباء الكبار تحولت السينما إلى العنف والبلطجة والاقتباس ونقل الجرائم الواقعية، ونحن بحاجة إلى إحياء الجانب الرومانسي بوجود منتجين وكتاب بارعين يقدمون أعمالاً رومانسية تناسب العصر والجمهور بقدر المستطاع".

المزيد من سينما