Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخطأ الذي أنهى حقبة ليز تراس القصيرة والقاسية وغير السعيدة

كان وزير الخزانة السابق ريشي سوناك وآخرون حذروا من أن مسيرتها ستنتهي بسكب الدموع وهذا تماماً ما جرى

مصير حقبة ليز تراس القصيرة انتهت كما توقع كثيرون   (رويترز)

ها نحن من جديد! إنها سنة الملكين ورؤساء الوزراء الثلاثة. إنه عام شهد فيه الدستور البريطاني مجدداً أقسى امتحاناته. إنها سنة يبدو أن حزب المحافظين قد استهلك خلالها كل المؤهلين من بين أعضائه وحتى أفكاره، ولكن يبدو أن عام 2022 ما زال يخبئ لنا مزيداً من الإثارة قبل انتهائه.

ما هو الخطأ الذي اقترفته ليز تراس؟

أكبر أخطائها هو أنها أخطأت في إدارة سياسات البلاد الاقتصادية، الذي يعود على ما يبدو لعدم إدراكها كيفية عمل أسواق المال والأعمال، وكم أن الاقتصاد البريطاني هش في الواقع. تراس ووزير خزانتها السابق كوازي كوارتنغ كشفا عن كبرياء وغرور لا متناهيين. وكانت أخطاء لم يرغم أحد منهما على ارتكابها، ولكنها كانت أخطاء لا يمكن النجاة من تداعياتها.

وعلى مستوى أوسع، كانت تراس بنفسها، وأنا آسف مقدماً على ما سأذكره هنا، وهو أنها كانت تافهة إلى درجة أنها لم تكن لديها المقدرات اللازمة التي كانت لتجعل منها زعيماً كفؤاً، إن لم نقل قائداً ملهماً. كانت مجرد شخصية خشبية، وساذجة، تعاني ضعفاً وغير مؤهلة كما كان قد تخوف كثيرون، وبالطبع، بدا ذلك جلياً خلال حملتها للفوز بقيادة حزب المحافظين (بالتالي رئاسة الوزراء).

اضطرت ليز تراس في النهاية أن تلجأ إلى بيني موردانت، كي تشرح لها كيفية إدارة مجلس العموم. وكانت تعتقد أنه سيمكنها أن تقود حزباً منقسماً على نفسه ومفككاً من خلال مجلس للوزراء مكون من المقربين منها فقط. وهي لذلك صنعت كثيراً من الأعداء، كما أنها قامت باختيار كثير من الوزراء الذين يعتبرون من الصف الثاني مثل الوزير السابق كوارتنغ، وسويللا برايفرمان، وتيريز كوفي.

هل تريدون إجراء انتخابات عامة؟

لم تكن ليز تراس قد حققت كثيراً من الإنجازات الحكومية، وكان قد تم ترفيعها إلى مناصب أكبر من قدراتها خصوصاً عند ترقيتها لتصبح وزيرة للخارجية. كان بوريس جونسون يعتقد أنها وببساطة لا تشكل أي خطر على زعامته، وأنها لو كان ليكتب لها خلافته فهي ستجعل من فترة رئاسته للحكومة تبدو على أنها كانت فترة ناجحة للغاية بالمقارنة. وكل ذلك دفع تراس للاعتقاد أيضاً أنها وصلت إلى مرتبة الكبار من [اللاعبين السياسيين]. ليصار بعد ذلك إلى قذفها نحو وظيفة لم تكن مؤهلة لملئها من قبل مجموعة من الساعين لتحسين فرصهم المهنية والباحثين عن أدوار جديدة يلعبونها، وشخصيات حزبية كانوا يريدون تخفيضات ضريبية لأنفسهم [قبل كل شيء]. وكان معلوم دوماً أن زعامتها لا تبشر بخير وأنها ستكون كارثية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يمكن اعتبار أن ما جرى لليز تراس هو أنها عانت فجأة من فقدان حظوتها، وهو ما كان متوقعاً بشكل كبير، ولكن على الرغم من ذلك شكل الأمر صدمة. سيكون هناك من يخلفها في المنصب، لأنه لا بد من ذلك، ولا بد لحكومة جلالة الملك أن تواصل عملها. إن رئيس الوزراء المقبل سيتم اختياره من قبل نواب الحزب المؤيدين له، وليس من قبل أعضاء الحزب. أياً من يكن ليرث هذه التركة والأوضاع العامة غير السعيدة في بريطانيا حالياً، سيكتشف أنه عليه مواجهة نفس المشكلات ونفس الانقسامات وعدم الانتظام الحزبي نفسه، بشكل مماثل لما عانت منه ماري إليزابيث تراس [رئيسة الوزراء السابقة].

انتهت حقبة ليز تراس القصيرة والقاسية وغير السعيدة. ولن ينظر إلى فقدانها بشيء من الحنين، ولكنها كانت مرحلة لها دلالات وكان على تراس أن تبرهن ثلاثة أمور أساسية، ولو جرى ذلك عن غير قصدها.

إن إطاحة ليز تراس يبرهن، حيث هو مطلوب، أن حكومة حزب المحافظين قد نفذت أفكارها، ولم تعد تتمتع بتقيد (النواب) بنظامها الداخلي، وهي تفتقر للمواهب الكفؤة إلى حد كبير. بالطبع أن هذا العجز في الجوانب الثلاثة هي أمور مترابطة. فبعد 12 عاماً على رأس السلطة، إن محاولات حزب المحافظين تحميل كل من رئيس الوزراء الأسبق توني بلير ورئيس الوزراء غوردن براون مسؤولية فشل حزب المحافظين أمر مثير للشفقة، وأن الرأي العام البريطاني قد نفد صبره من الأعذار التي ما انفكوا يقدمونها. إن نظريات المؤامرة التي تناسبهم ويتحججون بها ويقولون فيها إن دعاة العولمة، والمؤيدين للبقاء في أوروبا، والدولة العميقة إضافة إلى الادعاء الفارغ الذي يغذي أسطورة أن تراس لم يسمح لها أو أنها لم يتثن لها وضع سياساتها قيد التنفيذ [هي ما تسبب بفشلهم].

لكنها حظيت بالفرصة، ولقد فشلت التجربة. إنه إخفاق لا يمكن احتسابه فقط ضد تراس، لكنه فشل جاء نتيجة 12 عاماً أظهرت عجزاً لحكومة حزب المحافظين في إدارة الاقتصاد البريطاني ليعطي مردوداً للشعب. إن فكرة أن يكون هناك أيديولوجيا محافظة رحيمة، والتقشف، وعملية "بريكست"، ثم الاتجاه لتحرير الأسواق، وانتهاج ليز تراس لاحقاً (وبقوة) مبدأ تحرير السوق من أجل تحقيق النمو، كلها أمور تمت تجربتها وانتهت بالفشل. وهناك كثير من المؤشرات أن الزعيم البريطاني المقبل قد يفشل بنفس القدر من السوء أيضاً.

إذاً لقد مات نهج تراس الاقتصادي المعروف بـ"تراسونوميكس". إن الأسطورة بأنه يمكن للحكومة اقتراض المليارات من أجل خفض الضرائب مما سيقود إلى نمو اقتصادي سريع قد تم التخلي عنه بشكل كامل، ولكن بتكلفة عالية خلفها ذلك على مستوى زيادة غلاء المعيشة للمواطنين. إن الأفكار الخيالية التي خرجت من خبراء الدراسات والأبحاث في "شارع تافتون" (وهو مقر يضم مكاتب جماعات مؤثرة ليبرالية، ومكاتب أبحاث وتأثير مؤيدة لـ"بريكست" وتحرير الأسوق) واليمين المتطرف البريطاني قد تمت تجربتها وأوصلتنا عملياً إلى حد الدمار.

من المؤكد أنه سيكون هناك دوماً من هم أمثال (وزيرة الداخلية المستقيلة) سويللا برايفرمان، على استعداد لتكرار حفل الجنون مرة جديدة، اعتقاداً منهم أن الخطأ الوحيد الذي أفشل سياسة تراس الاقتصادية المعروفة بـ"تراسونوميكس"، وميزانية كوارتنغ المصغرة كان في طريقة عرضها [وليس مضمونها]، لكن تجارب الأسابيع القليلة الماضية من شأنها أن تكون قد أعطت لقاحاً لأعضاء حزب المحافظين يحصنهم في مواجهة مثل تلك الأوهام.

أخيراً، إن تجربة السماح لفريق صغير من أعضاء حزب المحافظين أن يختاروا رئيس الوزراء المقبل، تبين أنه ليس مهيناً للديمقراطية فحسب، لكنه أيضاً أمر خطأ برمته. وكما اكتشف حزب العمال مع (زعامة) جيريمي كوربين، إن أذواق وتحيز مجموعة من الأشخاص الذين تحركهم مآرب سياسية هم على النقيض من غالبية الشعب العادي.

إن عضوية حزب المحافظين كانت ساذجة بشكل مستغرب في منح تراس الفرصة لاعتبارها قادرة على تنفيذ أجندتها غير المعقولة، حتى ولو أنها هي كانت بالفعل مؤمنة بذلك البرنامج. وعليهم ألا يغامروا في القيام بذلك مجدداً. قام ريشي سوناك وغيره كثيرون بتحذير ليز تراس من أن مشروعها قد ينتهي بدموع تراق. وهو ما حدث فعلاً.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء