Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح "عودة جونسون": الاسترليني يهوي والأسواق خائفة

المستثمرون يتخلصون من سندات الدين والعملة البريطانية وخلافات "المحافظين" تنذر بمزيد من التشرذم

هبط سعر سندات الخزانة البريطانية نتيجة عمليات البيع المكثفة وفقد الاسترليني 1.4 في المئة من قيمته أمام الدولار (أ ف ب)

أثارت أنباء عودة بوريس جونسون إلى السباق على زعامة حزب المحافظين الحاكم ورئاسة الوزراء في بريطانيا اضطرابات جديدة في الأسواق في نهاية تعاملات الأسبوع الماضي، وعاد المستثمرون حول العالم إلى التخلص من سندات الدين السيادي البريطاني والعملة البريطانية الجنيه الاسترليني.

ومع تكرار الأنباء، الجمعة 21 أكتوبر (تشرين الأول)، بأن بوريس جونسون عائد من عطلته في جزر الكاريبي إلى لندن لمحاولة حشد عدد كاف من نواب مجلس العموم (البرلمان) عن حزب المحافظين لضمان ترشحه لخلافة رئيسة الوزراء المستقيلة ليز تراس، سيطر القلق على الأسواق وعلى عدد كبير من نواب الحزب الحاكم أيضاً.

وهبط سعر سندات الخزانة البريطانية نتيجة عمليات البيع المكثفة، وارتفع العائد على السندات متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات بنسبة 0.22 في المئة ليصل إلى العائد عليها إلى 4.13 في المئة، قبل أن تستعيد السندات بعض العافية بنهاية تعاملات الأسبوع مساء الجمعة، بينما فقد الجنيه الاسترليني 1.4 في المئة من قيمته أمام الدولار الأميركي، معاوداً الهبوط بشدة في سعر صرفه قبل أن يسترد بعض الخسائر قبل إغلاق السوق.

وكان العائد على السندات عاد للانخفاض، الأسبوع الماضي، بعد إعلان وزير الخزانة الجديد جيريمي هنت إلغاء كل الإجراءات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة نهاية الشهر الماضي وأدت إلى فقدان الثقة في الاقتصاد البريطاني، لكن احتمال عودة بوريس جونسون للحكم أعادت الاضطراب للسوق وكادت تمحو الأثر الإيجابي الطفيف لتغييرات الأسبوع الماضي.

عودة الصراعات

كان بوريس جونسون اضطر للاستقالة من رئاسة الحكومة في يوليو (تموز) الماضي بعد تكرار أزمات سلوكه الشخصي، من فضائح حفلات مقر الحكومة في وقت الإغلاق إلى الاتهامات بالفساد المالي والسياسي. ولا تزال لجنة القيم في البرلمان تحقق في ما إذا كان جونسون كذب على النواب وضلل البرلمان عندما أكد في مجلس العموم أنه لم تكن هناك حفلات أثناء الإغلاق العام الماضي، لكن الشرطة أقرت حدوث الحفلات وانتهاك القانون وأصدرت غرامات بحق كبار رجال الحكومة ومنهم جونسون نفسه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسحبت أغلبية نواب الحزب الحاكم ثقتها في حكومة بوريس جونسون، وعلى الرغم من أنه فاز في تصويت سحب الثقة في البرلمان لكنه اضطر للاستقالة مع استقالة العشرات من أعضاء حكومته وفي مقدمتهم وزير الخزانة آنذاك ريشي سوناك.

ودخل حزب المحافظين في صراعات داخلية، واتهم عدد قليل من النواب المؤيدين لجونسون سوناك بأنه من بدأ عملية انهيار حكومة جونسون. وأجرى الحزب انتخابات داخلية لاختيار زعيم جديد له يخلف جونسون في رئاسة الوزراء. وتنافس أكثر من 10، وخلال جولات الانتخابات من قبل نواب الحزب في البرلمان كان ريشي سوناك المتقدم في كل جولة حتى الجولة الأخيرة التي تختار اثنين فقط من المرشحين لطرحهما على أعضاء الحزب من الجمهور (أقل من مئتي ألف بريطاني) للاختيار بينهما.

ووصلت ليز تراس إلى المرحلة الأخيرة بأصوات نواب أقل من سوناك، لكن أعضاء الحزب انتخبوها، في الأغلب كما قال كثير من المراقبين ليس لبرنامجها الانتخابي ولكن لأنها إنجليزية وريشي سوناك مهاجر من أصل هندي، وحذر سوناك في الحملة الانتخابية من أن شعارات تراس الاقتصادية بخفض الضرائب لتشجيع النمو من دون مواجهة مشكلة ارتفاع الأسعار ستأتي بنتائج كارثية.

وتحققت كل تحذيرات وزير الخزانة السابق، وأدت ميزانية تكميلية أعلنها وزير خزانة حكومة تراس كوازي كوارتنغ إلى فقدان الأسواق والمستثمرين الثقة في الحكومة والاقتصاد البريطاني وقدرتها على الاقتراض الهائل. وانهار سعر صرف الاسترليني وهوى سعر السندات البريطانية وارتفع العائد عليها إلى نحو نسبة خمسة في المئة.

وعلى الرغم من تراجع حكومة تراس عن بعض الإجراءات فإن ذلك لم يفلح في استعادة الثقة بالأسواق، حتى اضطرت إلى إقالة وزير الخزانة كوازي كوارتنغ وتعيين جيريمي هنت الذي كان من مؤيدي ريشي سوناك في المنافسة على خلافة جونسون. وألغى هنت كل الإجراءات التي وصفت بالكارثية، وأعلن عن ملامح سياسة مالية واقتصادية تتضمن زيادة الضرائب وخفض الإنفاق لتقليل حجم الدين العام على أن يعلن تفاصيلها نهاية هذا الشهر.

لكن قدرة تراس على الاستمرار في الحكم بعد ستة أسابيع فقط من توليها رئاسة الوزارة أصبحت منعدمة فاستقالت قبل يومين. وقرر حزب المحافظين الحاكم تسريع عملية اختيار خليفة لها لتفادي فترة اضطراب سياسية طويلة قد تودي بالاقتصاد البريطاني إلى الانهيار. ويخشى الحزب الذي تشير استطلاعات الرأي إلى تراجع التأييد له بقوة مقابل حزب العمال المعارض، من خسارة مدوية في الانتخابات العامة المقبلة.

جونسون والاقتصاد

يقرر الحزب الحاكم، الإثنين، المرشحين الذين تمكنوا من ضمان تأييد 100 نائب لكل منهم لدخول السباق، على أن يطرح مساء اليوم نفسه المرشحين الاثنين الأعلى تأييداً على أعضاء الحزب للتصويت السريع، ويعلن رئيس الوزراء الجديد يوم الجمعة.

وبحسب ما تتناقله الصحف ووسائل الإعلام حتى صباح السبت، فقد تمكن ريشي سوناك من الحصول على تأييد 100 نائب من حزب المحافظين، بينما هناك أكثر من 30 نائباً يؤيدون ترشيح بوريس جونسون، وأقل من 20 نائباً يؤيدون ترشيح بيني موردنت وزير شؤون مجلس النواب في حكومة ليز تراس.

بالتالي يبدو حتى الآن أن بوريس جونسون سينافس ريشي سوناك في انتخابات أعضاء الحزب، الذين يمكن أن يكرروا اتجاه التصويت السابق في يوليو (تموز) ويختاروا بوريس جونسون للسبب ذاته الذي اختاروا على أساسه ليز تراس قبل نحو شهرين.

وأصدر المحللون في بنك "برينيرغ" الاستثماري مذكرة خلصوا فيها إلى أن حكومة يقودها بوريس جونسون "ستزيد المخاطر في السوق"، أما حكومة يقودها ريشي سوناك أو بيني موردنت "فقد تكون أكثر مسؤولية وتصرفاتها متوقعة" كحكومة يمين وسط مستقرة.

وقال المحللون في مذكرة للمستثمرين في البنك "مع الأخذ في الاعتبار أن أغلبية نواب حزب المحافظين ربما لا يريدون أن يكون بوريس جونسون زعيماً للحزب فإن احتمالات الاستقالات من الحكومة وعودة الفوضى السياسية مرة أخرى ستكون كبيرة".

ويرى عدد من مؤيدي بوريس جونسون، ومن بينهم وزير الدفاع بن والاس، أن جونسون هو القادر على ضمان نجاح الحزب في الانتخابات المقبلة، لكن أحد رموز الحزب الحاكم السير روجر غيل أعلن أنه سيستقيل من الحزب إذا عاد جونسون، مشيراً إلى أن تحقيق البرلمان في تضليل جونسون له لم ينته بعد، وإذا  خلص التحقيق إلى أنه كذب على النواب فسيتم طرده من البرلمان وستكون فوضى كبيرة.

عن القلق والفضائح

أما زعيم حزب المحافظين السابق اللورد ويليام هيغ، فقال إن عودة جونسون للحكم ستكون "أسوأ فكرة سمع بها طوال 46 عاماً من عضويته" في الحزب الحاكم. وقال هيغ في مقابلة مع "تايمز راديو"، إن عودة بوريس جونسون ستضع حزب المحافظين "على طريق الموت" المحقق.

ونقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن رئيسة قطاع استراتيجية العملات في "رابو بنك" جين فولي قولها، إن فترة حكم جونسون السابقة شهدت "فقداناً كاملاً للقيادة من قبل حكومة مشغولة بمواجهة فضيحة تلو الأخرى. واحتمال العودة إلى هذا الوضع مرة أخرى لن يكون أمراً محل ترحيب من الأسواق".

إلا أن احتمال فوز ريشي سوناك الذي يقول أنصاره إنه سيبقي على جيريمي هنت وزيراً للخزانة، ربما يضمن بعض الاستقرار الاقتصادي كما ذكر الاقتصادي في شركة "بانميور غوردون" سايمون فرنش في مقابلة مع "فايننشال تايمز". ويتوقع فرنش أن حكومة يقودها سوناك ووزير ماليتها هنت يمكن أن تضيق فجوة فارق عجز الدين العام ما بين بريطانيا وبقية دول مجموعة السبع بنحو نصف نقطة مئوية. وسيعني ذلك خفض تكلفة الدين العام التي تدفعها الحكومة البريطانية بنحو ثمانية مليارات دولار (سبعة مليارات جنيه استرليني) خلال عامين.

وتنتظر الأسواق بقلق ما سيعلنه حزب المحافظين الحاكم يوم الإثنين، أول أيام تعاملات الأسواق حول العالم، لتقرر رد فعلها حيال وضع سعر الاسترليني وسندات الدين البريطاني والعائد عليها. وكذلك، ستزداد الخلافات والانقسامات بين نواب الحزب الحاكم في البرلمان حال تأمين أنصار بوريس جونسون تأييد 100 نائب له لينافس سوناك في التصويت من قبل أعضاء الحزب.