يبدو أن "الأراجوز" المصري سيخرج من حيز القرى والحواري والعروض المحلية إلى فضاء إنساني أوسع، إذ يقدم عروضه في الولايات المتحدة الأميركية للمرة الأولى بالتعاون مع فنانين أميركيين وبمشاركة مع جامعة "إمري"، وستتحدث الشخصية المصرية الأصيلة بمزيج يجمع بين اللغة العربية والإنجليزية في عرض يمثل همزة وصل بين تراث الشرق والفنون الغربية.
كانت فرقة ومضة لخيال الظل والأراجوز قد بدأت أولى جولاتها الخارجية بتقديم عرض "ميلاد السخرية" بإخراج مصري - أميركي مشترك بين مؤسس ومدير فرقة ومضة نبيل بهجت ودونالد مكمانوس أستاذ الدراما بجامعة إمري، على مسرح الجامعة، ومن المقرر أن يشارك ضمن عروض مهرجان عرب أتلانتا وكذلك على مسارح بعض الولايات الأميركية المختلفة خلال الفترة المقبلة.
ويقوم عرض "ميلاد السخرية" على فكرة استلهام مفردات عروض الأراجوز المصرية وأسلوب الكوميديا "دي لارتي" الغربية، ومزجها مع قصص أبطال السير الشعبية العربية والحكايات التراثية المختلفة من سير عنترة وعلى الزيبق ومزجها مع شخصية "ألدوا ما نيفوا" المستلهمة من التراث الإيطالي بمشاركة مجموعة من الفنانين.
الأراجوز هو واحد من أهم الفنون الشعبية والتراثية في مصر على مدار العصور، وسجل منذ سنوات على قوائم التراث العالمي لـ "يونيسكو" اعترافاً بأهميته كواحد من الفنون الشعبية مصر، ودائماً ما استخدم لرفض الواقع والتعبير عن المشكلات بالسخرية، وكان أداة للتعبير عن الأحداث الاجتماعية والسياسية بشكل غير مباشر.
تجربة جديدة
وتعتمد التجربة الأخيرة بتقديم عروض الأراجوز في الولايات المتحدة الأميركية على فكرة الخروج عن الشكل المألوف للعروض ودمجها مع عناصر من الثقافة الغربية بطريق جديد، في إطار مد جسور للتواصل الثقافي بين الشرق والغرب، وعنها يقول نبيل بهجت مؤسس فرقة ومضة للأراجوز وخيال الظل لـ "اندبندنت عربية" إن "أهمية مثل هذه التجارب تأتي في أنها تلقي الضوء على ما لدى الثقافة العربية من إمكانات تستطيع من طريقها أن تنقل وعيها بالعالم ووجهة نظرها عن الوجود للطرف الآخر".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويضيف، "ظل عالمنا فترة طويلة يحيا على ما تنتجه الثقافة الغربية من نماذج للبطولة مهملاً تقديم أبطاله ونماذجه، وهو ما ينعكس بالسلب عن صورتنا لأنفسنا وتصور الأجيال المقبلة أيضاً عن ثقافتها، ومن هنا فأهمية مثل هذه التعاونات تأتي في المقام الأول لخلق ما يعرف بالعدالة الثقافية في بناء التصورات عن الذات والآخر".
ويتابع، "كما تؤكد أيضاً على قدرتنا كبشر من ثقافات مختلفة على العمل جنباً إلى جنب، كما أنها تلفت الانتباه لإمكان تحويل التراث لمصدر للاقتصاد وجلب العملة الصعبة، وذلك بالبحث عن الأسواق الثقافية المناسبة له، وهو ما يسهم في توسيع دوائر العمل والانتشار الثقافي لنا، وتعزز مثل هذه التجارب الوعي بمفهوم الصناعات الثقافية وتعزيز ما يمكن أن نسميه اقتصادات التراث، وهو ما يجعل التراث والثقافة أيضاً محوراً مهماً في خلق فرص العمل وفتح أسواق مختلفة".
الإقبال من الجمهور الأجنبي
وعن الفكرة العامة للعرض ومدى إقبال وتفاعل الجمهور الأجنبي في الولايات المتحدة مع عروض الأراجوز يقول بهجت، "يحاول العرض من خلال أحداثه الإجابة عن عدد من الأسئلة حول طبيعة السخرية ووظائفها، إذ يسعى البطل لمواجهة أشكال الظلم والقبح معتمداً على خبرة الأراجوز في ذلك، ويقاوم عدداً من الغاصبين الذين سلبوه أرضه وأسرته ليتحول همه من الخاص الضيق إلى العام من خلال طرح عدد من الأسئلة، إذ تمتزج المقاومة بالسخرية الواعية لرفع المستوى الجمعي وتصبح هي خلاصه الشخصي، وهو ما يقوم بتعليمه إياه الأراجوز، وتعرض الأحداث من خلال فرقه متجولة تختار يومياً ما تقدمه للجمهور".
ويضيف، "الإقبال الجماهيري كبير والتفاعل كان واضحاً لأن الجمهور في الخارج دائماً ما يسعى خلف اكتشاف العوالم الجديدة عليه، وكذلك فإن الأسلوب الشعبي للأراجوز والذي يدمج الجمهور في العرض ويجعله أحد مفرداته يصنع حالاً من الدهشة والمتعة معاً للجمهور الذي اعتاد الشكل المألوف للمسرح، فالعرض يستثمر تفاعلات الجمهور منذ اللحظة الأولى من خلال الغناء، ثم يبدأ البطل في مناقشة بعض ما يعانيه بشكل يوحي أن ما يعانيه مشكلة كل الحضور، ويتداخل عالم الدمى مع الأقنعة والتمثيل المباشر لخلق تعدد الأصوات داخل العرض، ثم تأتي السخرية من الفاسدين كأداة ينتصر بها الإنسان على واقعه المأزوم ويتحرر نحو الفعل وتغيير واقعه نحو الأفضل".