Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تعني "الأحكام العرفية" في المناطق المنضمة لروسيا؟

الصراع تجاوز "أزمة الكاريبي" وبات يتطلب "تحولات جذرية" تعتمد على الحلول الوسط

بداية جديدة يكتنفها الغموض بعد إعلان الرئيس الروسي حالة الطوارئ في المناطق المنضمة حديثا (أ ف ب)

لم تكد تقترب الإجراءات الخاصة "بالتعبئة الجزئية" من نهايتها في روسيا، حتى عاد الرئيس فلاديمير بوتين ليعلن فرض حالة الطوارئ في أربع من المناطق جرى ضمها أخيراً، مما يعني بداية مرحلة جديدة يكتنف الغموض كثيراً من جوانبها. فمن قائل إنها بداية لمرحلة مغايرة تشير إلى توجه واضح نحو الرغبة في سرعة حسم المعركة على خطوط المواجهة مع القوات الأوكرانية المدعومة من جانب الولايات المتحدة وبقية بلدان حلف الناتو، إلى آخر يقول إنها تستهدف تأمين هذه الكيانات الأربع ضد محاولات استهدافها من جانب القوات الأوكرانية التي لا تكف عن تصعيد تحركاتها استعداداً لاستعادتها بالقوة العسكرية، إلى ثالث يؤكد أنها تبدو أقرب إلى أن تكون مرحلة انتقالية، على طريق استمرار الحرب التي لا تلوح لها في الأفق نهاية.

الأحداث الراهنة على خطوط التماس الروسية - الأوكرانية، وما يصاحبها من تطورات على صعيد التحالف القائم بين روسيا وبيلاروس، تقول إن موسكو في سبيلها إلى استراتيجية مغايرة تختلف عما سبق، واستهلت بها "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا.

وثمة ما يشير إلى أن هذه الاستراتيجية ستعتمد بدرجة كبيرة على ما طرأ من تغيرات جيوسياسية لطالما كانت حديث العامة والخاصة، منذ أعلنت موسكو نتائج استفتاءات الكيانات الأوكرانية السابقة (دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون)، وما تلا ذلك من اتخاذ إجراءات ضمها إلى أراضي روسيا الاتحادية، وذلك بعد أن فرضت هذه التطورات واقعاً جديداً يقول بعدم جواز إعادتها، أو طرحها موضوعاً لأي مفاوضات أو مباحثات مع أي كائن كان نظراً إلى وضعيتها الدستورية كجزء لا يتجزأ من أراضي الدولة الروسية بموجب نصوص دستور وقوانين روسيا الاتحادية.

تلك الاستراتيجية تعني ضمناً ضرورة التحول صوب البحث عما يمكن أن يكون حلاً وسطاً للتوصل إلى التسوية المنشودة، مع أطراف تطرح "الأقصى" هدفاً تقول إنها لا تحيد عنه، وهو العودة لخطوط ما قبل 24 فبراير (شباط) 2022، وإن كان هناك من يقول في موسكو إن السلطات الأوكرانية ليست الطرف المؤهل لخوض هذه المباحثات.

نظام استثنائي قانوني

من هنا تجيء إجراءات إعلان حالة الطوارئ والأحكام العرفية، في المناطق الأربع وما يشهده بعضها من إجلاء جماعي للمواطنين على غرار ما جرى ويجري في خيرسون في محاولة لإنقاذ المدنيين في هذه المقاطعة، لتكون مواكبة لما يجري من تحركات على صعيد دعم الجبهة الغربية في بيلاروس تحسباً لمواجهة محتملة مع قوات الناتو أو هجوم قد تقدم عليه القوات الأوكرانية ضد جارتها في الشمال الغربي، في الوقت الذي أعرب فيه الرئيس الأوكراني عن مخاوفه أن يكون ذلك مقدمة لهجوم روسي من ناحية الشمال. وإن كان هناك من يقول أيضاً إن ذلك قد يكون توطئة لعمليات "تكتيكية" جديدة تستهدف قطع طرق الإمدادات العسكرية والشرايين الاستراتيجية لتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمعدات العسكرية من ناحية الغرب، وذلك إضافة إلى ما جرى من تغييرات كبيرة في الكوادر القيادية العسكرية للمنطقتين العسكريتين الغربية والشرقية.

وفي هذا الصدد ننقل عن وزارة الدفاع الروسية ما قالته حول تشكيل قيادة مشتركة للقوات الروسية في منطقة "العملية العسكرية الخاصة"، بقيادة الجنرال سيرغي سوروفكين، المعروف بخبراته القتالية الهائلة في كل من الشيشان وسوريا، وبما يتمتع به من قوة إرادة وحسم، فضلاً عما يقال حول إنه "لا يخشى اتخاذ قرارات مستقلة ويأخذ على عاتقه المسؤولية عنها".

أما عن "حالة الطوارئ" أو "الأحكام العرفية" التي أقر مجلسا الاتحاد والدوما سريانها في المناطق "الروسية الجديدة الأربع" اعتباراً من 20 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فتقول المصادر الروسية الرسمية إنها وبموجب النص الدستوري "نظام استثنائي قانوني خاص" يعلنه رئيس الدولة في حال تعرض روسيا أو بعض من أراضيها لعدوان عليها أو تهديد بالعدوان.

وبحسب المصادر الرسمية فإنها تتضمن أربع درجات تتباين ألوانها، ومنها وبحسب وكالة "نوفوستي"، "إجراءات درجة الجاهزية الأساسية (الخضراء)، التي تشمل جميع أراضي البلاد، وتستهدف تعزيز حماية السكان والمواقع المدنية والعسكرية والخاصة بالبنية التحتية، وكذلك فرض نظام خاص لعمل مواقع البنية التحتية. وهناك أيضاً درجة التأهب المرتفعة (الصفراء)، في المناطق التي تشمل عدداً من مقاطعات الدائرتين الفيدراليتين الوسطى (بما فيها العاصمة موسكو) والجنوبية، وتنص إجراءاتها على تدابير الرقابة على عمل المرافق المهمة للبنية التحتية واستخدامها لسد احتياجات الدفاع، وتقييد حرية التنقل وتفتيش وسائل النقل. أما مناطق درجة الجاهزية الوسطى (البرتقالية)، التي تشمل ثماني مقاطعات متاخمة لمناطق القتال، فيجري فيها تطبيق نظام خاص للدخول والخروج، كما تتم عمليات إجلاء سكان بشكل موقت إلى مناطق آمنة. أما مناطق درجة الجاهزية القصوى (الحمراء) التي تشمل دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون، التي تفرض فيها الأحكام العرفية بما تتضمن من تقييدات للحقوق الفردية والحريات العامة، فإضافة إلى كل الإجراءات سالفة الذكر، يجري فيها تشكيل قوات دفاع إقليمية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الجاهزية القصوى

ومن هنا يمكن تفسير ما تشهده مقاطعة خيرسون من إجراءات استثنائية بموجب إعلانها كإحدى أهم مناطق "الجاهزية القصوى"، وما يقتضيه ذلك من "نقل موقت للسكان إلى مناطق آمنة مع توفير أماكن سكن ثابتة أو موقتة، فضلاً عن تطبيق نظام خاص والحفاظ عليه للدخول والخروج من الأراضي التي تم فرض الأحكام العرفية عليها، وكذلك تقييد حرية التنقل فيها، وحظر أو تقييد اختيار مكان السكن أو مكان الإقامة".

وفي هذا الصدد أيضاً تنص الأحكام العرفية على "تعليق أنشطة الأحزاب السياسية والجمعيات العامة الأخرى والجمعيات الدينية التي تقوم بالدعاية والتحريض، فضلاً عن الأنشطة الأخرى التي تقوض الدفاع والأمن في روسيا"، إلى جانب حظر أي استفتاءات أو إجراء أي انتخابات خلال فترة فرض الأحكام العرفية، وذلك إضافة إلى "فرض الرقابة على تشغيل المرافق التي تضمن عمل النقل والاتصالات، واستخدام المطابع ومراكز الكمبيوتر والأنظمة الآلية ووسائل الإعلام لتلبية الاحتياجات الدفاعية، وحظر تشغيل محطات الإرسال والاستقبال اللاسلكية للاستخدام الفردي"، و"إحكام الرقابة العسكرية على المواد البريدية والرسائل المرسلة باستخدام أنظمة الاتصالات السلكية واللاسلكية، فضلاً عن التحكم في المحادثات الهاتفية، وإنشاء هيئات رقابية تتعامل مباشرة مع هذه القضايا". ومن اللافت فيما تنص عليه هذه الإجراءات، ما أوردته حول مشروعية حظر أو تقييد سفر مواطنين خارج الأراضي الروسية، واعتقال وفقاً لمبادئ وقواعد القانون الدولي المعترف بها مواطني الدولة الأجنبية التي هي في حال حرب مع روسيا".

وماذا بعد؟

يتوقف مراقبون كثيرون عند توقعات تقول إن إعلان حالة الطوارئ في المناطق الأربع التي جرى ضمها إلى روسيا حديثاً، قد يكون مؤشراً نحو اقتراب الصراع الروسي - الأوكراني من ذروته، في وقت يقول فيه آخرون إنه قد يكون مقدمة لمرحلة لاحقة يمكن أن تكون فيها روسيا مضطرة إلى مزيد من التصعيد، بما في ذلك ما تكون معه قريبة من استخدام الأسلحة النووية.

ونتوقف في هذا الصدد عند ما نشرته صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" من تصريحات نقلتها عن فيدور لوكيانوف أحد أهم الخبراء السياسيين في الساحة السياسية الروسية. وكان لوكيانوف الذي يشغل منصبي رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، ورئيس "مجلس الشئون الخارجية والدفاع" المعروف بعلاقاته الوثيقة مع كل من الكرملين ووزارة الخارجية الروسية، كشف عن موقف مغاير يقول بما هو على النقيض من هذه التوقعات. قال لوكيانوف إنه لا يعتقد في أن الأحداث يمكن أن تبلغ الذروة قريباً. وأضاف أن السياق العام للأحداث، وعلى العكس من ذلك، لا يوحي بزمن محدود، مؤكداً أن "لا نهاية تلوح في الأفق".

ومضى الخبير الروسي الذي يشغل أيضاً موقع المدير التنفيذي لمنتدى "فالداي"، الذي من المقرر أن يستضيف الرئيس فلاديمير بوتين في 27 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، ليقول إن "هذا صراع استنزاف، وكل الصراعات من هذا النوع تصل في مرحلة ما إلى التفاوض، عندما يتضح أنه لا يمكن تحقيق أي شيء بالوسائل العسكرية. أو عندما يستنفد أحد الطرفين موارده العسكرية. ومثل هذه النتيجة لم تظهر بعد".

ولمزيد من التفسير استطرد لوكيانوف ليقول إن "الموارد الروسية، وعلى رغم كل الخسائر المفهومة وأوجه القصور لدينا، كبيرة جداً، بشرياً وتقنياً. أما الموارد الأوكرانية، فهي في الواقع أقل من ذلك بكثير، لكن مقاولي كييف الغربيين يسدون النقص بكل قوتهم. لذلك فإن كلا الجانبين قادر على الاستمرار في هذه المواجهة لفترة طويلة". ومع ذلك فإن لوكيانوف لا يستبعد في الوقت نفسه مزيداً من احتمالات التصعيد التي قال إنها تظل قائمة، وهو ما أشار إلى أنه "أفق خطر للغاية، هذا تصعيد يقترب من النووي".

ومضى ليقول "يبدو لي أن الغرب وبخاصة الأوروبيين متحمسون، ولديهم رغبة في وضع روسيا عند حدها، وتحقيق النصر من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك تخوف من أن يكون ثمن هذا الانتصار بالنسبة إليهم أعلى من الحد المقبول اقتصادياً واجتماعياً وسياسيا". وخلص لوكيانوف إلى القول إنه "لا يرى أي أفكار ملموسة حتى الآن، لكن ربما يظهر شيء ما في المستقبل من هذا الطلب. ربما تعطي التصريحات المتكررة التي تدلي بها شخصيات مختلفة بالحاجة إلى عملية سياسية ودبلوماسية مؤشراً على السير في هذا المنحى، على رغم أنه أمر لا يزال بعيداً جداً. حتى الآن، الوضع على الجبهات هو الذي يحدد كل شيء".

التصعيد النووي

وإذا كان لوكيانوف لمح من بعيد إلى ذلك "التصعيد الذي يقترب من النووي"، فإن هناك من المعلقين الروس من أشار صراحة إلى احتمالاته، ومن هؤلاء يلينا بانينا مديرة معهد الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية الدولية التي كتبت في صحيفة "إزفيستيا" مقالة اختارت لها عنوان "الإخلاص للالتزامات"، أشارت فيها إلى "تصعيد نووي محتمل". وفي هذه المقالة قارنت بانينا بين الأوضاع الراهنة، وما جرى إبان أحداث "أزمة الكاريبي" منذ 60 عاماً.

وتناولت الأوضاع الراهنة، وما وصفته بـ"تورط الولايات المتحدة وحلف الناتو في الصراع الأوكراني"، والتلويح بالابتزاز النووي، بما يكاد يوصل العالم إلى حافة الهاوية والسقوط من جديد في براثن احتمالات الحرب النووية، وهو ما يتجاوز كثيراً ما شهده العالم إبان "أزمة الكاريبي".

غير أن الأهم فيما كتبته بانينا على صفحات "أزفيستيا" قد يتلخص فيما قالته حول الاختلافات الجوهرية بين ما جرى منذ 60 عاماً وما يجري اليوم. وفي هذا الصدد أشارت الخبيرة الاستراتيجية الروسية إلى أن الأوضاع إبان "أزمة الكاريبي" كانت أكثر وضوحاً في توقيت كان الجانب الروسي يتفاوض فيه مع رئيس كان يمارس كامل سلطاته في الولايات المتحدة. وفي مقارنة بين الرئيسين الأميركيين، الحالي جو بايدن، والأسبق جون كينيدي، وصفت بانينا الرئيس كينيدى بأنه كان "رئيساً فعلياً على رأس البلاد، وقائداً مسؤولاً يعبر عن المصالح الوطنية في المقام الأول". أما عن الرئيس الحالي فقالت إنه "في الظروف الأميركية الراهنة، تبدو شخصية الرئيس واجهة، إن لم تكن ديكوراً لنظام سياسي لا يتخذ القرارات في العلن".

ولم تكتف بانينا بما ذكرته في حق الرئيسين الأسبق والحالي، بل مضت إلى ما هو أبعد باتهامها للقيادة الأميركية الحالية بعدم وفائها وإخلاصها لما تعد به من التزامات. وننقل عنها ما قالته حول أنه "من الجدير بالذكر أن التوافق بين الولايات المتحدة والغرب ككل، تراجع منذ أزمة الكاريبي بحدة. في السابق، كان أحد ثوابت الثقافة السياسية الأميركية الالتزام بالعقود والاتفاقات. ووفقاً لذلك التقليد حافظ كينيدي تماماً على الوعود الممنوحة للاتحاد السوفياتي. أما اليوم، فقد تلاشت فكرة الإخلاص للالتزامات عند الطبقة السياسية الأميركية والدائرة الأوسع نطاقاً، وذلك هو ما اعترف به جوزيب بوريل (المفوض السياسي للاتحاد الأوروبي)، في إعلانه حول أن خداع واشنطن لموسكو (حكاية) لا تعني شيئاً، بعد أن وعدتها في مطلع التسعينيات بعدم توسيع الناتو إلى الشرق".

وخلصت مديرة معهد الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية الدولية إلى القول إنه "في الظروف التي يبقى فيها الردع النووي العامل الوحيد الذي يحول دون نشوب حرب عالمية، يكون الاستعداد للحوار، والوصول إلى حلول وسط ضامناً للسلام ولبقاء البشرية على قيد الحياة"، وذلك ما يظل بعيد المنال لأسباب أوجزتها يلينا بانينا في ختام مقالتها على صفحات "أزفيستيا" بقولها إن "عدم القابلية للاتفاق وانعدام المسؤولية بين القادة الأميركيين يولد مزيداً من الشكوك حول إمكانية الوصول إلى حلول وسط في الواقع الحالي".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل