Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تتزايد جرائم الكراهية في الولايات المتحدة؟

تحدث كل ساعة وتحفزها 733 جماعة غالبيتها من العنصريين البيض

تظاهرة رافضة لجرائم الكراهية في ميشيغان الأميركية (أ ف ب)

تحدث جرائم الكراهية كل ساعة تقريباً في الولايات المتحدة، ووصل إجماليها خلال عام 2020، وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي"، إلى 8263 جريمة ضد 11 ألفاً و126 ضحية، وبينما ينتظر الإعلاميون والسياسيون والجماعات الحقوقية ومنظمات العدالة القانونية إصدار تقرير "أف بي آي" لعام 2021 خلال أيام، تبدو المؤشرات الأولية سلبية، وفقاً لبيانات الشرطة التي جمعها مركز دراسة الكراهية والتطرف، والتي أكدت زيادة جرائم الكراهية في 52 مدينة أميركية بنسبة 30 في المئة العام الماضي، وما يزيد القلق أن جرائم الكراهية تميل إلى الارتفاع خلال النصف الثاني من العام، بخاصة مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي بسبب حدة الخطاب السياسي، والانقسامات الحزبية.

 فما هي جرائم الكراهية؟ ولماذا تتزايد باطراد في أميركا على رغم القوانين التي تكافحها؟

ما هي جريمة الكراهية؟

يعرف مكتب التحقيقات الفيدرالي جريمة الكراهية بأنها جريمة جنائية مدفوعة، كلياً أو جزئياً، بتحيز الجاني ضد شخص أو جماعة على أساس العرق، أو الدين، أو النوع، أو التوجه والهوية الجنسية، لكن منظمات متخصصة في العدالة القانونية مثل مركز قانون الفقر الجنوبي، تشير إلى أن نقطة البداية لفهم جرائم الكراهية وتأثيرها، هي إدراك أن النشاط الإجرامي بدافع التحيز يختلف عن أي سلوك إجرامي آخر، نظراً لأن هذه الجرائم تحدث بسبب تحيز الجاني أو كراهيته للضحية على أساس وضعها الحقيقي أو المتصور لدى الجاني، بسبب العرق أو الدين أو الجنس، وفي غياب السمة الشخصية للضحية لن تحدث جريمة على الإطلاق.

ولأن عنف الكراهية يستهدف عن قصد الأفراد والمجموعات بسبب خصائصهم الشخصية غير القابلة للتغيير، فغالباً ما تنتج منه آثار نفسية في الضحية والمجتمع الذي تنتمي إليه، إذ تحدث جروح جسدية قد تخيف بشكل فعال أعضاء آخرين في مجتمع الضحية، ما يجعلهم يشعرون بالرعب والعزلة والضعف وعدم حماية القانون، ويؤدي لجعل مجتمع الضحية خائفاً وغاضباً ومرتاباً من المجموعات الأخرى، ومن السلطة التي من المفترض أن تحميهم، بالتالي يمكن أن تدمر هذه الحوادث نسيج المجتمع وتفككه.

حجم المشكلة

ولأنه من المستحيل معالجة مشكلة جرائم الكراهية في الولايات المتحدة من دون قياسها بدقة، يقوم مكتب التحقيقات الفيدرالي بجمع بيانات جرائم الكراهية كجزء من نظام الإبلاغ عن الجرائم منذ عام 1991، ومع ذلك لا تزال هذه البيانات غير كاملة بشكل واضح، حسبما تشير منظمات للعدالة القانونية، فعلى سبيل المثال، وثق مكتب التحقيقات الفيدرالي 8263 جريمة كراهية عام 2020، أبلغت بها أكثر من 15 ألف وكالة لإنفاذ القانون في جميع أنحاء أميركا.

ومع ذلك، تشير بيانات أجراها مكتب إحصاءات تابع لوزارة العدل، أن ربع مليون جريمة كراهية وقعت كل عام بين عامي 2005 و2019، وفقاً للمسح الوطني السنوي لضحايا الجريمة، الذي يضم عينات من حوالى 95 ألف أسرة، ولهذا من المحتمل أن يكون العدد الفعلي لجرائم الكراهية في مكان ما بين تقدير مكتب وزارة العدل والعدد الذي أبلغ عنه مكتب التحقيقات الفيدرالي.

وتحذر أروشا جوردون من لجنة المحامين للحقوق المدنية، من أن بيانات جرائم الكراهية التي يصدرها مكتب التحقيقات الفيدرالي، تميل إلى التقليل من العدد الحقيقي للحوادث.

أصحاب البشرة السمراء أكثر الضحايا

وحتى وفقاً لبيانات مكتب التحقيقات الفيدرالي حول جرائم الكراهية لعام 2020، وهي عبارة عن تجميع سنوي للحوادث المدفوعة بالتحيز في الولايات المتحدة، فقد زاد العدد الإجمالي للحوادث المبلغ عنها بمقدار 949، ما أسهم في إجمالي 8263 حادثة جريمة كراهية ضد 11 ألفاً و126 ضحية، ما يعني أن جرائم الكراهية لا تزال مصدر قلق للمجتمعات.

وبحسب بيانات 2020، تم استهداف 62 في المئة من الضحايا بسبب تحيز الجناة تجاه العرق، التي لا تزال تمثل أكبر فئة دافعة للتحيز بواقع 5227 حادثاً، بزيادة قدرها 32 في المئة مقارنة مع عام 2019، إذ لا تزال جرائم الكراهية ضد أصحاب البشرة السمراء أو الأميركيين من أصل أفريقي، هم أكبر فئة من ضحايا حوادث التحيز، مع 2871 حادثاً في عام 2020، بزيادة قدرها 49 في المئة عن العام السابق، في حين  أبلغ عن 279 حادثة ضد الأميركيين الآسيويين في عام 2020، بزيادة قدرها 77 في المئة مقارنة مع عام 2019. كما تشمل الفئات الأكبر الأخرى من جرائم الكراهية، الحوادث المعادية للأميركيين اللاتينيين المنحدرين من أميركا اللاتينية، بعدد 517 حادثة.

اليهود والمسلمون أكثر المستهدفين

وعلى رغم انخفاض الحوادث المتعلقة بالدين بنسبة 18 في المئة عن عام 2019، إلا أن عدد الحوادث مازال مرتفعاً مع تسجيل 1244 حادثة، تضمنت الفئة الأكبر 683 حادثة معادية لليهود بانخفاض 28 في المئة، و110 حوادث معادية للمسلمين بانخفاض 38 في المئة، و89 حادثة ضد السيخ بزيادة 82 في المئة، و15 حادثة ضد البوذيين بزيادة 200 في المئة.

أما الحوادث المتعلقة بذوي الاحتياجات الخاصة فبلغت 130 حادثة بانخفاض قدره 17 في المئة عن عام 2019، فيما ازدادت الحوادث المتعلقة بالهوية الجنسية بنسبة تسعة في المئة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مجموعات الكراهية العنصرية

وبحسب موقع "ستاتيستا" وهو بوابة إلكترونية توفر بيانات إحصائية عن الاقتصاد الرقمي العالمي والقطاعات الصناعية والأسواق والرأي العام، كانت هناك 733 مجموعة كراهية نشطة في الولايات المتحدة العام الماضي 2021، انخفاضاً من 1020 في عام 2018، ويشمل مصطلح "مجموعات الكراهية" المجموعات التي لديها معتقدات أو ممارسات تهاجم أو تسيء إلى فئة كاملة من الناس، ويمكن أن تشمل أنشطتهم الأعمال الإجرامية، أو تنظيم تجمعات، أو اجتماعات، أو الخطب وإصدار البيانات والنشرات.

غير أن أغلب هذه المجموعات تنتمي إلى العنصريين البيض على اختلاف تصنيفاتهم، إذ شكلت 98 مجموعة من القوميين البيض، و61 مجموعة معادية لليهود، و54 مجموعة من النازيين الجدد، و50 مجموعة معادية للمسلمين، و18 مجموعة مختلفة من كو كلوكس كلان المعادية للسود، و18 مجموعة ضد المهاجرين، و17 من حليقي الرؤوس، و16 مجموعة من أنصار الكونفيدرالية الجدد، و65 مجموعة مناهضة لمجتمع "الميم"، و11 مجموعة موسيقية تحض على الكراهية، وتسع مجموعات من الكاثوليك المتشددين، فضلاً عن 274 مجموعة كراهية عامة.

أسباب تصاعد الكراهية

ويصف رشاوان راي الخبير في معهد "بوكينغز" في واشنطن، ظهور مجموعات الكراهية وزيادة عدد جرائم الكراهية في الولايات المتحدة بالوباء، مشيراً إلى أنه على مدار الأعوام العشرين الماضية، ارتفع عدد مجموعات الكراهية في الولايات المتحدة بنسبة تزيد على 100 في المئة. وعلى رغم انخفاض عدد مجموعات الكراهية خلال نهاية الفترة الرئاسية الأولى لباراك أوباما، إلا أنها ارتفعت بشكل حاد في منتصف فترة ولايته الثانية، واستمرت في الارتفاع خلال فترة رئاسة دونالد ترمب، حيث كانت جرائم الكراهية أعلى بنسبة 200 في المئة في الأماكن التي خاض فيها ترمب حملته الانتخابية عام 2016.

ويشير راي إلى أنه غالباً ما يستخدم متطرفو العرق الأبيض الخوف من وضعهم في التسلسل الهرمي العرقي كمبرر للعنف، وهم يرسمون على بنادقهم شعار الرقم 14 الذي يرمز إلى 14 كلمة أصبحت تمثل شعار التفوق الأبيض، وتعني "يجب علينا تأمين وجود شعبنا ومستقبل الأطفال البيض". هو شعار يحتضن بالكامل نظرية الاستبدال الرائجة في أوساط العنصريين البيض، التي تعكس مخاوفهم من استبدال البيض بمرور الوقت بغير البيض في الولايات المتحدة، وهو افتراض أيديولوجي بأن البيض سينقرضون في النهاية أو على الأقل يفقدون القوة الاقتصادية والسياسية.

ويشمل ذلك ليس فقط ما هو غير أبيض، بل أيضاً غير المسيحيين البروتستانت بمن فيهم اليهود والمسلمون والبوذيون والسيخ والملحدون واللادينيون.

ماذا يحفز مرتكبو الكراهية؟

في كل عام ومنذ 1991، يوثق مكتب التحقيقات الفيدرالي أن التحيز العنصري كان العامل المحفز في معظم جرائم الكراهية، لكن العوامل الأخرى التي تنطوي على نفسية الجاني كانت أيضاً موضوعاً للبحث. ففي إحدى الدراسات، صنف عالما الاجتماع جاك ماكديفيت وجاك ليفين مرتكبي الكراهية على أنهم يمتلكون أربعة دوافع رئيسة هي، البحث عن الإثارة، والشعور بالتهديد، والانتقام، والاعتقاد بأن لديهم مهمة.

ويحفز البحث عن الإثارة نحو 66 في المئة من جرائم الكراهية، حيث يبحث هؤلاء الجناة ببساطة عن الإثارة، نظراً لأن أكثر من 90 في المئة منهم لا يعرفون ضحاياهم، في حين أن جرائم الكراهية "الدفاعية" التي تنبع من الشعور بالتهديد لأنفسهم أو لهوياتهم أو مجتمعهم، تمثل نحو 25 في المئة من الجرائم، أما الهجمات الانتقامية فتمثل ثمانية في المئة من الجرائم، إذ يتصرف الجناة رداً على جريمة كراهية حقيقية أو متصورة سواء ضد أنفسهم أو ضد مجتمعهم، وتشمل الأمثلة على ذلك الجرائم المرتكبة ضد المسلمين بعد هجوم سان برناردينو الإرهابي عام 2015.

غير أن جرائم الكراهية التي تنبع من اعتقاد مرتكبيها أن لديهم مهمة ينبغي تنفيذها، فتشكل واحداً في المئة، إذ غالباً ما يكتب هؤلاء بإسهاب عن كراهيتهم ولديهم خطط مفصلة ومدروسة مسبقاً لهجماتهم.

دور القانون

وفقاً لموقع وزارة العدل الأميركية، تعود القوانين الفيدرالية المناهضة للكراهية إلى فترة الستينيات، حين أقر الكونغرس الأميركي منذ عام 1968، في عهد الرئيس ليندون جونسون وفي خضم فورة الحريات المدنية آنذاك، أول قانون فيدرالي لجرائم الكراهية، الذي جرم استخدام القوة أو التهديد باستخدامها للتدخل عن عمد مع أي شخص بسبب العرق أو اللون أو الدين أو الأصل القومي، كما اعتبر أن استخدام القوة أو التهديد للتدخل في حقوق السكن جريمة بسبب عرق الضحية أو لونها أو دينها أو جنسها أو أصلها القومي، وفي عام 1988، تمت إضافة تدابير الحماية القانونية ضد الكراهية على أساس الحالة الأسرية وذوي الاحتياجات الخاصة، ثم في عام 1996، أقر الكونغرس قانوناً يحظر تشويه أو إتلاف أو تدمير الممتلكات الدينية بسبب عرق أو لون أو عرق الأشخاص المرتبطين بالممتلكات.

وفي عام 2009، أقر الكونغرس في عهد أوباما كأول رئيس للولايات المتحدة من أصول أفريقية، قانون ماثيو شيبرد وجيمس بيرد جونيور لمنع جرائم الكراهية، الذي وسع التعريف الفيدرالي لجرائم الكراهية، وعزز مجموعة الأدوات القانونية المتاحة للمدعين العامين، وأزال عقبات الاختصاص القضائي القائمة أمام الملاحقات القضائية لبعض أعمال العنف بدوافع العرق والدين، وأضاف حماية فيدرالية جديدة ضد الجرائم القائمة على الجنس أو الهوية الجنسية أو التوجه الجنسي.

وفي شهر مايو (أيار) الماضي، عقب استهداف عديد من الأميركيين من أصل آسيوي بسبب انتشار وباء "كوفيد-19"، الذي قال الرئيس السابق دونالد ترمب إن منشأه صيني، أقر الكونغرس ما يسمى بقانون جرائم الكراهية "كوفيد-19"، الذي وقعه الرئيس جو بايدن، وأنشأ بمقتضاه منصباً جديداً في وزارة العدل لتسريع مراجعة جرائم الكراهية المتعلقة بـ"كوفيد-19". وقالت وزارة العدل في تقرير صدر بمناسبة الذكرى السنوية الأولى للقانون، إنها وجهت اتهامات إلى أكثر من 40 شخصاً بجرائم كراهية مرتبطة بالوباء منذ يناير (كانون الثاني) 2021.

وإضافة إلى القوانين الفيدرالية، يوجد في 46 ولاية وفي العاصمة واشنطن (مقاطعة كولومبيا) قوانين جرائم ضد الكراهية، التي تختلف في نواح كبيرة وتغطي جميع التحيزات القائمة على العرق أو الدين، لكن كثيراً منها لا يشمل النوع أو التوجه الجنسي، ولا يوجد في أركنسو وإنديانا وساوث كارولينا ووايومنغ قوانين جرائم الكراهية، لكنها لا تزال تبلغ بيانات جرائم الكراهية إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي.

هل ينبغي عمل المزيد؟

وعلى رغم القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات لا تزال جرائم الكراهية في ازدياد، بخاصة خلال الأعوام الأربعة الأخيرة، وهو ما يستدعي عمل المزيد للاستجابة للزيادات الكبيرة في الإبلاغ المجتمعي عن جرائم الكراهية، لا سيما ضد الأفراد والمؤسسات في مجتمع الأميركيين الآسيويين والأميركيين من أصول أفريقية، وذلك من خلال تعزيز دور وزارة العدل في تكريس نفسها لمكافحة أعمال الكراهية غير القانونية، بما في ذلك من خلال تحسين الإبلاغ عن الحوادث، وزيادة التدريب على إنفاذ القانون والتنسيق على جميع مستويات الحكومة، وإعطاء الأولوية للتواصل المجتمعي والاستفادة بشكل أفضل من آليات الإنفاذ المدنية، بما يؤدي إلى ردع جرائم الكراهية والحوادث المرتبطة بالتحيز، ومعالجتها  لحظة وقوعها، ودعم ضحاياها وتقليل الآثار الضارة لهذه الحوادث في المجتمع الأميركي.

المزيد من تحقيقات ومطولات