Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

علم الآثار لديه القدرة على تعريفنا بعالمنا المجنون والعصري

لا يمكننا امتلاك تصور مستقبلي ما لم نغص في ذاكرة ماضينا، كما أن إنكار التاريخ وعلم الآثار لا يقلل من شأن ماضينا أو يخل بحاضرنا فحسب، بل يعوق أيضاً المستقبل

في حين أن المتاحف المليئة بالغبار وجدت نفسها تخسر الحروب الثقافية، فإن علم الآثار بكل الغبار الذي فيه يستمتع بنهضة بارزة (غيتي)

لاحظتُ أمراً غريباً يحدث. ففيما خسرت المتاحف المليئة بالغبار الحروب الثقافية، تشهد الآثار المغبرة نهضة بارزة اليوم. وفي وقت يعرض علينا باستمرار آخر وأحدث إصدارات الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية والحواسيب، نلاحظ أن الطرازات الغابرة والقديمة، أصبحت الآن من أكثر المنتجات المرغوبة.

وفي عالم رقمي، غالباً ما يكون افتراضياً، يصبح للواقع قيمة مطلقة وغريبة. فالقطع الأثرية القديمة هي الرموز المميزة غير القابلة للاستبدال. وعلم الآثار يعد تجربة لمسية مثالية أستطيع أن أشهد بها شخصياً: إن لمس قطعة من ذهب أو من فخار لدى استخراجها من الأرض، هو أمر مثير للمشاعر على نحو لا ينسى.

كذلك شكل رفع غطاء نعش تويا، جدة توت عنخ آمون في متحف القاهرة تجربة مذهلة للغاية. فرائحة الراتنج [نوع من الصمغ] ما زالت تفوح من نعشها اليوم كما في ما مضى عندما دفنت قبل نحو 3500 عام. وعندما كان يتم التنقيب عن المرفأ البيزنطي في يني كابي في إسطنبول أخيراً، عثر في التربة على أوراق شجر يبلغ عمرها 1500 عام ولا تزال خضراء، تماماً كما كانت عليه عندما كان الأباطرة الرومان ما زالوا على قيد الحياة. لكن بعد مرور 15 دقيقة عليها في الهواء الطلق للقرن الـ21، ذبلت أوراق الشجر الزمردي الزاهية تلك، وتحولت إلى اللون البني في الأيادي المرتجفة للخبراء. إن علم الآثار هو حقاً علم غامض وسحري.

ويتمحور عدد لا يحصى من التجارب الآسرة على الإنترنت أو في ألعاب الفيديو - مثل لعبتي "أساسينز كريد" Assassin’s Creed  و"مارس، غاد أوف وور"Mars, God of War  - حول الحياة القديمة. وعلى رغم أن كثيراً من محتوى الألعاب هو خيالي تماماً، إلا أن عشاقها ما زالوا مفتونين بالحقائق التي يتم تقديمها كمحتوى مرغوب فيه داخل الألعاب - بدءاً من الأدلة القاطعة على الإصابات الناجمة عن الحروب التي خاضها المحاربون الأسبارطيون، وصولاً إلى أجزاء البارثينون [المعبد اليوناني] على هضبة أكروبوليس في أثينا، والمواد الخام المستخدمة في صناعة مشبك الحزام الروماني.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن أبطالنا الخارقين هم في الواقع أبطال قدامى. فـ"المرأة الخارقة" Wonder Woman هي أمازونية [سلالة أسطورية من المحاربات في الميثولوجيا الإغريقية]. وثور Thor هو الإله ثور [في الميثولوجيا الاسكندنافية الذي يستخدم المطرقة ويرتبط بالبرق والرعد والبساتين والأشجار المقدسة والخصوبة]. ويجتمع كل من غلغامش البابلي Babylonian Gilgamesh [الملك التاريخي لدولة الوركاء السومرية، والبطل المهم في ميثيولوجيا بلاد الرافدين القديمة] و"غايا الإغريقية" Greek Gaea [إلهة الأرض وأم كل حياة بحسب الميثولوجيا اليونانية] و"راماتشاندرا" Ramachandra الملك في الأساطير الهندوسية، في قائمة امتيازات الأبطال الخارقين، ليتصدروا الصفحات والشاشات. لذا، فإن الأجيال التي نشأت على بيرسي جاكسون [سلسلة روايات مغامرة خيالية تستند إلى الميثولوجيا الإغريقية]، ومسلسل "هوريبل هيستوريز" Horrible Histories  [كوميديا تاريخية في بريطانيا]، وحتى "هاري بوتر"، تتجه الآن بفارغ الصبر نحو روايات مثل "سيرس" Circe [الساحرة في الأسطورة اليونانية] و"أغنية أخيل"Song of Achilles  للمؤلفة مادلين ميلر، و"ميثوس" Mythos لستيفن فراي. أما أولئك الذين كانوا يطلقون صفير نغمة "غلادياتور" Gladiator، فأصبحوا يستمتعون الآن بدندنة أغنيةAchilles Come Down  لفرقة الروك "غانغ أوف يوث" Gang of Youths.

ولا يتعلق الأمر فقط بالسلوك، بل بالتصرف الفعلي. فقد أمضيت أخيراً يوماً ممتعاً في بايا، بالقرب من بومبي Pompeii التي تعد "لاس فيغاس العالم الروماني" والتي دمرها انفجار بركاني. وكنت في فترة ما بعد الظهر برفقة موسيقي شاب يعزف الجاز بدوام جزئي ويدعى ديونيسيوس، فيما كان يجوب بحماسة في أرجاء المتحف في قعر البحر، إذ إن فهم هذا التراث العالمي يحتاج إلى محاربين في مجال الآثار لحمايته. وتستقطب مخططات حماية علم الآثار المغمورة بالمياه الباحثين عن المتعة من جيل الألفية، مما يشجع ذوي اللياقة البدنية والشباب على أن يصبحوا مواطنين أمناء على الماضي.

إننا في النهاية مخلوقات الذاكرة. لا يمكننا أن نفكر في المستقبل ما لم نبادر إلى الغوص في ذاكرة ماضينا. إن إنكار التاريخ وعلم الآثار لا يقلل فقط من شأن ماضينا، أو يخل بحاضرنا إلى الأبد، لا بل يعوق أيضاً المستقبل.

تستضيف البروفيسورة بيتاني هيوز (تحمل "وسام الإمبراطورية البريطانية"  OBE) والدكتورة لوسي بلو، بودكاست  Dive & Dig الذي تنتجه "مؤسسة أونور فروست" Honor Frost Foundation وشركة الإنتاج "ساندستون غلوبال"  SandStone Global، وتعرضه الآن خدمة "سبوتيفاي".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات