Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هي قصة البيان "الغامض" لوزير الثقافة اللبناني؟

مثقفون يردون عليه ويصوبون أخطاءه ويدعونه إلى تشجيع الانفتاح

وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضى وحملة الصمود والتصدي (وزارة الثقافة)

أصدر وزير الثقافة اللبناني في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى بياناً قبل أيام قليلة جاء فيه "لبنان متشبث بالانفتاح الثقافي والتلاقي الفكري بين حضارات الأمم، ونرحب بأي تعاون ثقافي بين الدول والشعوب، كما نثمن أي انفتاح على الفكر العالمي وتجلياته المعرفية". وقد حذر فيه من "استغلال الحراك الثقافي في سبيل الترويج للصهيونية وخططها الاحتلالية العدوانية الظاهرة والخفية التي بدأت بالأرض ولن تنتهي بالعقول. التطبيع الثقافي أشد ضرراً على الوطن وكيانه ومستقبله من أي تطبيع سياسي أو أمني أو عسكري. وما دامت القوانين اللبنانية التي تعبر عن مشيئة الشعب بكامل أطيافه، وكذلك قيم أبناء هذا الوطن وأخلاقياتهم وتضحياتهم، تحظر كل أنواع التطبيع مع إسرائيل، بما فيها التطبيع الثقافي مباشرة أو مواربة، فإن وزارة الثقافة في لبنان لن يكون بمقدورها، قانوناً وانتماءً إلى الحق، أن تفتح الباب لثقافة صهيونية ولو مقنعة، أو أن تشرع لبنان ليكون منبراً دعائياً لأدب صهيوني المحتوى ولأدباء صهيوني الأهداف والمقاصد والهوى". وقد أتى هذا البيان إثر تبلغ وزارة الثقافة أن "جهات أجنبية صديقة رتبت نشاطاً ثقافياً يبدأ بعد أسابيع قليلة ويتضمن زيارة مجموعة من الأدباء إلى لبنان لإقامة ندوات متنقلة في أكثر من مكان، وأن من بينهم عدداً من معتنقي المشاريع الصهيونية فكراً وممارسة وداعميها، سواء في أعمالهم الأدبية أو في حياتهم العادية"، وفق ما ذكرت وزارة الثقافة.

هذا وكان وزير الثقافة قد حضر في الأسبوع الماضي افتتاح فعاليات "منصة لمه 2022" في بيروت بمشاركة عشرات الشخصيات الفلسطينية من نشطاء وكتاب وإعلاميين، وقد جدد خلال الافتتاح موقفه الشخصي وموقف بلاده الرافض للتطبيع، وعاد وحذر من نشاط ثقافي سيقام في بيروت، مشيراً إلى أن الأسماء المقترحة فيه لأدباء سيزورون لبنان، ارتبطت أسماؤهم بالترويج للخطاب الصهيوني.

بيان غامض وترجيحات

 

وبخلاف ما كان متوقعاً، لم يحدث هذا البيان الذي وصف بـ"الغامض" لاعتباره لم يتضمن إشارة واضحة إلى الجهة المعنية وإلى النشاط الثقافي المعني بذلك، ردود فعل قوية، بل على العكس، مر مرور الكرام من دون أن ينتج عنه أي فعل أو رد فعل، وتساءل كثيرون عن الجدوى منه في هذا الوقت بالذات. في المقابل، ولأن الوزارة، كما يبدو واضحاً، تعمدت عدم الإشارة إلى الجهة المعنية بشكل مباشر، حاول البعض التكهن حول ما قصده الوزير بالإشارة إلى "نشاط ثقافي" و"الدولة الأجنبية الصديقة". وقد أشارت الترجيحات إلى أن المقصود قد يكون "مهرجان كتاب بيروت" الذي ينظمه ويشرف عليه المركز الثقافي الفرنسي، والذي يحل هذا العام محل "صالون الكتاب الفرنكوفوني"، ويقام بين 19 أكتوبر (تشرين الأول) إلى 30 منه، ويشارك فيه 50 كاتباً فرنكوفونياً يعقدون لقاءات في بيروت ومناطق مختلفة. وكان المعرض أصبح محطة أساسية في المشهد الثقافي اللبناني، وجرت العادة أن يقام في بيروت طوال العقود الثلاثة الأخيرة، وقد أجريت الدورة الـ25 منه في عام 2018، وكانت الأخيرة، فألغي في عام 2019 بسبب التظاهرات، ثم حالت جائحة كورونا دون انعقاده.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونظراً إلى الظروف الاقتصادية الخانقة وارتفاع أسعار الكتاب الفرنسي والأجنبي عموماً، مقابل انخفاض كبير لليرة اللبنانية، يحل "مهرجان كتاب بيروت" الفرنكوفوني اليوم، دعماً للثقافة في ظل التدهور الحاصل في هذه الظروف ودعماً للمشهد الأدبي اللبناني. والحدث اللافت سيتمثل في حضور أعضاء أكاديمية غونكور ليعلنوا من بيروت في اليوم الأول من المهرجان أسماء الكتاب الأربعة في اللائحة القصيرة، المتأهلين للمرحلة النهائية للجائزة الأدبية.

في حديثه مع "اندبندنت عربية" نفى المرتضى أن يكون معرض الكتاب الفرنكوفوني المقصود في البيان، مؤكداً أن البيان لم يتضمن إشارة واضحة إلى أي جهة. في الوقت نفسه لم يوضح من هي الجهة المعنية في البيان ولا النشاط الثقافي الذي قصده.

وسواء كان "معرض الكتاب الفرنكوفوني" مقصوداً في البيان أو أي نشاط آخر، يتطلع لبنان واللبنانيون حالياً، وأكثر من أي وقت مضى، إلى إقامة نشاط ثقافي يمكن أن يعيد لبيروت مكانتها. وقد أتى البيان في وقت يعتبر لبنان، في أمس الحاجة إلى هذا المتنفس. تعبر الروائية علوية صبح عن رأيها بالبيان، مشيرة إلى أن بيروت بأمس الحاجة اليوم لأي نشاط يمكن أن يفعل الحياة الثقافية. أما الأدباء والمفكرون والكتاب الذين يشاركون في نشاط ثقافي فهم ليسوا من السياسيين حتى يتخذ منهم موقف مماثل. وتعبر عن رفضها التام لهذا البيان، لأن أي مهرجان أدبي، سواء قصد الوزير "معرض الكتاب الفرنكوفوني" فعلاً أو غيره من الأنشطة الثقافية التي تقام في لبنان، يستقطب أدباء من العالم ويضيء الحياة الثقافية. ومن الطبيعي الترحيب بأي نشاط ثقافي في البلاد، فهو ليس نشاطاً سياسياً حتى يتم إقحام السياسة فيه... "أدعو إلى فصل الثقافة عن السياسة. في النهاية إرادة القارئ هي الحكم في أي نشاط ثقافي يقام. أما وزارة الثقافة اللبنانية، فلتؤد واجباتها تجاه المبدعين والمثقفين اللبنانيين والمسرح والسينما في لبنان. فهي طالما كانت غائبة تماماً عن المشهد الثقافي وغير فاعلة فيه، ولم تدعم يوماً الأنشطة الثقافية. أما إذا كانت وزارة الثقافة مجرد منبر سياسي أو الهدف من وجودها التصويت في البرلمان، فلتبق بعيدة عن الثقافة".

مديرة تحرير "لوريان ليتيرير" الكاتبة هند درويش أكدت أن الغموض الذي في البيان يشكل بذاته نوعاً من الإرهاب الفكري، فيما شددت على الرفض التام للغة التخوين، لأن الثقافة في مرتبة أعلى وأهم بكثير، ولا يمكن وضعها عند هذا المستوى. واعتبرت أنه إما أن يكون الوزير مقتنعاً بما يفعل، فيقول الأمور بصراحة ووضوح، وإلا فالأفضل ألا يقولها أصلاً، معتمداً لغة التخوين والتحذير، هذه التي لا تصوب إلى جهة محددة. إنما خير دليل على عدم أهمية هذا البيان أنه لم تحصل أي ردود فعل عليه. فما من أحد يظهر حماسة في هذه الظروف التي تمر بها البلاد، للرد على أمور مماثلة ليس لها قيمة، خصوصاً بعد اتفاق الترسيم... "أضع هذا البيان في خانة الاستهزاء بعقول الناس، ومن الجيد أنه لم تكن له أصداء. رجحنا أن يكون المقصود بذلك "معرض الكتاب الفرنكوفوني"، بما أن الأنشطة الثقافية ليست كثيرة حالياً في لبنان. إنما يبدو ذلك مستغرباً لأن الأدباء والمفكرين الذي يشاركون فيه، هم من المناهضين للفكر الصهيوني. في كل الحالات، نحن اليوم في مكان آخر، والناس لا يمكن أن يتأثروا بذلك. المطلوب من وزير الثقافة ألا يصدر بيانات مماثلة، وأن يشجع أي نشاط ثقافي، وأن يشجع أيضاً على مواجهة الفكر بالفكر. فهذا ما قد يحفظ للبنان كيانه وثقافته وهويته، بدلاً من أن نستمر بالتغني بالأمجاد السابقة التي نفتقد اليوم كثيراً منها. تبقى مصلحة البلد فوق كل اعتبار فيما لكل فرد أفكاره الخاصة وآراؤه".

بين الدفاع عن الحريات ورفض التطبيع

انطلاقاً من دوره كمثقف أكد الشاعر شوقي بزيع في حديثه مع"اندبندنت عربية" دفاعه بكل ما لديه من قوة عن الحريات التي لا وجود للبنان من دونها، معتبراً أن المس بها اغتيال لروح الثقافة، خصوصاً أن الثقافة والإبداع قد يكونان خط الدفاع الأخير عن لبنان الذي تم تدميره بشكل منهجي ومنظم منذ عقود. في الوقت نفسه يوضح أن دفاعه عن الحريات الشاملة، لا يعني قبوله بالتطبيع بمعناه الضيق، فأشار إلى أنه ضد التطبيع إذا كان في ذلك تواطؤ أو تأييد للعدو الإسرائيلي الذي أعتقد بضرورة مواجهته بجميع السبل... "الموضوع ليس تنصلاً من تأييد أو دحض لموقف وزير الثقافة، ولكن هو فقط تريث. كنت أتمنى لو تريث في موقفه حتى نلمح حقيقة وفعلاً آثار السم الصهيوني في هذا النشاط الثقافي. فالمواقف الاستباقية ليست في مكانها. وإذا ما صحت هذه المخاوف، كان حرياً به أن يضع المواطنين والمثقفين بشكل خاص في صورة من هم هؤلاء الأدباء القادمون إلى لبنان ومن يحمل منهم شبهات صهيونية واضحة. أما إذا لم يحدث ذلك، فأنا ضد البيان وضد المعارك الاستباقية في الشأن الثقافي. أما إذا صحت مخاوف الوزير فأنا ضد أن تكون أيضاً الأنشطة الثقافية مدخلاً لتسويق مشاريع ومخططات صهيونية، وإن كنت أستبعد ذلك، ولا أرى هنا ما يمكن أن يبرر هذه المخاوف. وما أخشاه أن يكون هناك بعض المغالين الذي يعيشون على مسألة مقاومة الغزو الثقافي الصهيوني، قد وضعوا الوزير في هذه الصورة الخاطئة حتى يصدر بياناً مماثلاً".

النائب "التغييري" مارك ضو أكد موقفه الرافض تماماً لبيان الوزير، مشيراً إلى أن وزير الثقافة عبر مراراً عما لديه من أفكار تخوينية ومن منطق لا يمت بصلة إلى الثقافة اللبنانية التي تفتخر بعظماء كفيروز ووديع الصافي ومارون عبود، وغيرهم ممن يشكلون الوجه الحقيقي لثقافة لبنان... "من يناقشنا بأفكار نناقشه بأفكار، بدلاً من اعتماد لغة التخوين ووضع معيار سياسي يتم فرضه على المجتمع، كما أنه إذا كان للوزير رأي محدداً وواضح فليذكره، وإلا فلا يمكنه فرض أيديولوجيا خاصة على الناس".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة