Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسار تحولات بايدن السياسية في أميركا والعالم منذ عقود

لا يوجد شخص يمكنه التأثير فيه على رغم انفتاحه لسماع آراء مختلفة

اتسمت مسيرة الرئيس الأميركي جو بايدن الطويلة بالعديد من التحولات السياسية (أ ف ب)

خلال أكثر من نصف قرن على دخول الرئيس الأميركي جو بايدن عالم السياسة للمرة الأولى كعضو في مجلس مقاطعة نيو كاسل في ولاية ديلاوير مسقط رأسه، مروراً بعضويته في مجلس الشيوخ وتوليه منصب نائب الرئيس وانتهاءً بمنصبه الرئاسي، غير بايدن رأيه مرات عدة في قضايا مختلفة وسط تحولات سياسية كبيرة خاضتها الولايات المتحدة، مما جعله هدفاً لانتقادات كثيرة، وبخاصة بعد أن أصبح مسؤولاً عن أهم منصب في العالم، فما سبب هذه التغييرات؟

اتسمت مسيرة جو بايدن السياسية الطويلة بعديد من التحولات السياسية، سواء كان ذلك في السياسة الخارجية تجاه روسيا والصين وغيرهما، أو في السياسة التي تتعلق بالداخل الأميركي مثل قضايا الهجرة والإجهاض وحقوق المثليين، على رغم ما يقوله المقربون منه إن "إقناعه بأنه مخطئ يتطلب كثيراً من الجهد والوقت، نظراً إلى أن خبرته الطويلة في عالم السياسة منحته خطاً عنيداً ومزاجياً في بعض الأحيان".

بوتين وروسيا

أحدث علامات التحول في مواقف الرئيس الأميركي، جاءت في مقابلته الأخيرة قبل أيام على شبكة "سي أن أن"، حينما قال إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يمكن أن يظل في السلطة إذا غادرت القوات الروسية أوكرانيا. ووصف بوتين بأنه شخص عقلاني على رغم وصفه السابق للرئيس الروسي خلال زيارته إلى بولندا في شهر مارس (آذار) الماضي بأنه "جزار"، وتصريحه المثير للجدل بأن بوتين لا يمكنه البقاء في السلطة، وهو الأمر الذي دفع كبار مسؤولي إدارته لاحقاً إلى تصحيح الموقف.

لم يكن بايدن قد عاد بعد إلى الولايات المتحدة قبل أن يشرع موظفوه في محاولة التخلص من تصريحاته المحفوفة بالمخاطر، إذ فسر مسؤول في البيت الأبيض أن وجهة نظر الرئيس كانت أنه لا يمكن السماح لبوتين بممارسة السلطة على جيرانه أو المنطقة، وأنه لم يكن يناقش سلطة بوتين في روسيا، أو تغيير النظام، كما لاحظ مراسل صحيفة "واشنطن بوست" آرون بليك، أن بايدن نفسه كان مدركاً تماماً أن تعليقه كان زلة لسان، حتى إنه ساعد في التوقيع على بيان يخفف من ملاحظاته المرتجلة.

تايوان والصين

ويبدو أن بايدن يصبح أكثر ميلاً للتعبير عن رأيه بشكل متسرع، من دون تمعن في حساب الأضرار التي يمكن أن تلحق بالاستراتيجية الأميركية الأوسع، وبخاصة عندما يتم طرح موضوع تايوان، إذ إنه خلال الأشهر الماضية وقبل سبتمبر (أيلول) الماضي، قال بايدن ثلاث مرات بعبارات لا لبس فيها، إن "الولايات المتحدة ستدافع عن الدولة الجزيرة إذا استخدمت جمهورية الصين الشعبية القوة ضدها".

وفي كل من تلك المناسبات الثلاث، سعى البيت الأبيض إلى إعادة توصيف تعليقات الرئيس، ليس فقط من أجل الحفاظ على سياسة "الغموض الاستراتيجي" التي تتبعها الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة فيما يتعلق بالتزاماتها تجاه تايوان، ولكن أيضاً بغرض الامتثال للقانون، إذ صرحت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض آنذاك جين ساكي للصحافيين، في المرة الأولى التي عكر فيها بايدن هذه المياه، بأن علاقة أميركا الدفاعية مع تايوان تسترشد بقانون العلاقات مع تايوان، في إشارة إلى قانون أصدره الكونغرس عام 1979، يلزم الولايات المتحدة بتزويد تايبيه بقدرات الدفاع عن النفس، لكنه لا يلزم القوات الأميركية بالدفاع عن الجزيرة في حالة وقوع هجوم صيني عليها.

وبعد ذلك، أوضح بايدن التوافق على سياسة "الصين الواحدة" أي الاعتراف بدولة واحدة هي الصين الشعبية، لا "الصين الوطنية" وهي تايوان، لكنه استطرد بأن فكرة أن ذلك يمكن أخذه بالقوة فقط، ليست مناسبة. ومع ذلك، أكد المتحدثة باسم البيت الأبيض في وقت لاحق أنه لم يتم تقديم "التزام" بالدفاع عن تايوان.

لكن في سبتمبر الماضي، وعلى رغم تكرار موقف بايدن الدفاع عن تايوان عسكرياً إذا تعرضت لهجوم من الصين، لم يصححه المسؤولون في الإدارة والبيت الأبيض مثل المرات السابقة، فقد أدى التآكل المستمر لسياسة "الغموض الاستراتيجي" الأميركية تجاه الصين وتايوان إلى زوالها، وأصبح من المستحيل عملياً مواءمة تعليقات بايدن، على رغم أن رؤساء الولايات المتحدة تجنبوا عموماً اتخاذ موقف في شأن هذا الموضوع.

أفغانستان

غير بايدن رأيه أيضاً حول قضية الانسحاب الأميركي من أفغانستان. فعلى رغم مساندته قرار الرئيس السابق دونالد ترمب بتقليص الوجود العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، فإنه أضح عدم نيته سحب القوات الأميركية بالكامل. وقال لصحيفة "ستارز أند سترايبس" الدفاعية الأميركية، إنه يعتزم ترك نحو 1500 إلى 2000 جندي أميركي في أفغانستان "لأنه لا يزال يتعين علينا القلق في شأن الإرهاب".

ولكن حينما تولى سدة الحكم في البيت الأبيض، قرر بايدن التراجع عن موقفه وسحب جميع القوات وإجلاء جميع الأميركيين والمتعاونين معهم من الأفغان، ولم يستمع إلى آراء مستشاريه حول المشكلات الناشئة عن التوقيت واللوجيستيات الخاصة بالانسحاب، الأمر الذي أدى إلى كارثة عرضته لانتقادات شديدة خلال الأسبوعين اللذين سبقا الموعد النهائي للانسحاب في 31 أغسطس (آب) 2021.

حرب العراق

وحتى قبل وصول جو بايدن إلى السلطة التنفيذية في منصب الرئيس أو كنائب للرئيس باراك أوباما، تحولت آراؤه السياسية في قضايا متعددة، من بينها السياسة الخاصة بالحروب الخارجية للولايات المتحدة. فبعد تجنيد بايدن في حرب فيتنام أثناء دراسته القانون في الجامعة، فشل في التأهل الجسدي للالتحاق بالجيش بسبب إصابته بالربو، لكنه ظل ينتقد الحرب، واصفاً إياها بالسياسة الرديئة، والتزم بموقفه حين وصل مجلس الشيوخ وصوت عام 1991، ضد التفويض بشن حرب الخليج الأولى لتحرير الكويت من قوات الرئيس العراقي صدام حسين.

ولكن في عام 2002، غير بايدن موقفه السابق وصوت لصالح الغزو الأميركي للعراق عام 2003، معرباً عن اعتقاده أن التفويض ليس اندفاعاً نحو الحرب، ثم وقف وراء الرئيس الأميركي آنذاك جورج دبليو بوش عندما وقع على تفويض حرب العراق عام 2003، قائلاً إنها مسيرة نحو السلام والأمن. ومع ذلك بدل رأيه مرة أخرى عام 2020، قائلاً في مقابلة مع شبكة "أم أس أن بي سي" إنه كان من الخطأ الوثوق بكلمة الرئيس بوش، الذي قال إنه لن يخوض الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الهجرة

تبدل مواقف بايدن في السياسة الخارجية يتماثل أيضاً مع تحولاته في السياسة الداخلية الأميركية. ففي ملف الهجرة على سبيل المثال، كان على بايدن، الذي شغل منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس السابق باراك أوباما لمدة ثماني سنوات، أن يفسر موقفه من قرار إدارة أوباما بإبعاد أكثر من ثلاثة ملايين مهاجر غير شرعي من الولايات المتحدة بين عامي 2009 و2016، لكنه تحت ضغط منافسيه في مناظرة أولية للحزب الديمقراطي عام 2020، قال إنه اقترح ومرر 750 مليون دولار لغواتيمالا والسلفادور وهندوراس، ليتمكن من تغيير الظروف التي أدت إلى فرار الناس في المقام الأول.

ولتغيير موقفه الذي عرضه لانتقادات، اقترح بايدن خطتين للهجرة لإنهاء الفصل بين الأطفال المهاجرين وأولياء الأمور على الحدود الأميركية، وإحياء برنامج العمل المؤجل للقادمين من الأطفال، وإصلاح نظام اللجوء للفارين من المواقف التي تهدد حياتهم.

حقوق الإجهاض

في عام 1974، حينما أقرت المحكمة العليا الأميركية حق الإجهاض، كان السيناتور الديمقراطي في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير جو بايدن، مناصراً للإجهاض، لكنه كان أيضاً شديد الحساسية في شأن هذه القضية. فبعد ثلاثة أعوام فقط، صوت بايدن ضد حل وسط كان من شأنه أن يسمح بتمويل التأمين الصحي لعمليات الإجهاض في حالات الاغتصاب أو سفاح القربى أو حينما تكون حياة الأم معرضة للخطر. وفي عام 1999، دعم مشروع قانون للحفاظ على قاعدة تمنع النساء العسكريات الأميركيات من استخدام أموالهن لإجراء عمليات إجهاض في المستشفيات العسكرية في الخارج.

لكن عندما حان الوقت لكي يتنافس بايدن مرة أخرى على ترشيح الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة، غير موقفه في شأن شرط تقييد الإجهاض المعروف باسم تعديل "هايد"، بعد أن تعرض لانتقادات شديدة من المرشحين والنشطاء المتنافسين. وكانت مجموعات حقوق المرأة غاضبة بشكل خاص من أن المرشح الأوفر حظاً للترشيح، لديه وجهة نظر بعيدة كل البعد عن خطى حزبه.

وبعد إسقاط المحكمة العليا حكمها السابق في شأن الإجهاض وجعل القرار في يد المشرعين في الولايات الأميركية، بدا بايدن غاضباً من الحكم، ووجه نداءً عاطفياً لمقاومة إلغاء حق الإجهاض، وتعهد استخدام مكتبه لمساعدة النساء في إجراء عمليات الإجهاض إذا كن في الولاية التي يحظر فيها ذلك، وناشد الناخبين مساعدته في انتخابات الكونغرس يوم 8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الحصول على كونغرس يقنن حق الإجهاض في جميع أنحاء البلاد.

حقوق المثليين

في عام 1996، صوت بايدن لصالح قانون الدفاع عن الزواج، الذي عرف الزواج على أنه اتحاد رجل وامرأة واحدة، وسمح للولايات برفض الاعتراف بزواج المثليين ومنعهم من الحصول على المزايا الزوجية الفيدرالية، لكن في مقابلة عام 2012 في برنامج "واجه الصحافة" الإخباري عبر شبكة "أن بي سي"، تخلى بايدن عن موقفه السابق، قائلاً إنه "مرتاح تماماً لحقيقة أن الرجال الذين يتزوجون من الرجال والنساء اللاتي يتزوجن من النساء، كلهم يتمتعون بجميع الحقوق المدنية التي يتمتع بها الأزواج الآخرون.

وخلال حملته الرئاسية، قال بايدن إنه يدعم التشريعات التي تحمي أعضاء مجتمع الميم، وتحديداً الأشخاص المتحولين جنسياً، من جرائم الكراهية والتمييز. وانتقد بايدن الذي أيدته واحدة من أكبر مجموعات الدفاع عن مجتمع الميم في البلاد، الحظر الذي فرضه بايدن عام 2017 على المتحولين جنسياً في الجيش، وغرد أن "كل أميركي وطني مؤهل للخدمة في جيشنا يجب أن يكون قادراً على ذلك".

بايدن ليس استثناءً

غير أن بايدن ليس وحده الذي يبدل مواقفه بين الرؤساء الأميركيين، إذ يقول الكاتب السياسي شون براسويل إن الظروف غالباً ما تتطلب أن يتعارض الرئيس مع مبادئه أو تصريحاته السابقة. وهو درس تعلمه جورج بوش الأب بالطريقة الصعبة، فبعد أن اشتهر في حملته الانتخابية بتعهده "اقرأ شفتي: لا ضرائب جديدة"، إلا أنه عندما اجتمع مع الكونغرس الذي يقوده الديمقراطيون حول عجز الميزانية المتزايد، اضطر إلى الموافقة على زيادة الضرائب، وكلفه مخالفة وعده السابق خسارته الانتخابات أمام بيل كلينتون عام 1992.

كما غير نجله جورج دبليو بوش (الابن) موقفه الذي حدده في الانتخابات بتجنب التشابكات الأجنبية والعمل على بناء الأمة، لكن برنامجه الانتخابي والرئيس نفسه تغير إلى الا بد بعد أحداث 11 سبتمبر. وكذلك فعل باراك أوباما الذي بدل موقفه من زواج المثليين.

وقبل ذلك، حول الرئيس أبراهام لينكولن من موقفه حيال العبودية، وغير الرئيس هربرت هوفر موقفه من عدم تدخل سلطة الحكومة الفيدرالية بقوة بعد انهيار سوق الأسهم عام 1929 الذي هز الأمة الأميركية، باعتباره "حادثة عابرة"، لكنه حينما غير مساره بعد مرور عامين على الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، وبدأ الانصياع للضغط العام لتوسيع الإغاثة الفيدرالية الطارئة، كان الأوان قد فات، وتم استبدال هوفر عام 1932 بالرئيس فرانكلين روزفلت، الذي كان على استعداد لاتخاذ مزيد من الإجراءات الصارمة.

ولكن نادراً ما ينجح الرؤساء في إقناع الجمهور أو أعضاء الكونغرس بتغيير رأيهم والانتقال من معارضة سياسات معينة إلى دعمها، ونتيجة لذلك فإن الرئيس يكون أحياناً غير قادر على تغيير المشهد السياسي وخلق فرص للتغيير، وعلى النقيض، يدرك الرؤساء الناجحون الفرص الموجودة بالفعل في بيئاتهم السياسية ويستغلونها بمهارة.

مستمع جيد

وبالنسبة لبايدن، فإن من يعرفونه جيداً وعملوا معه على مر السنين، يقولون إنه عادة لا يوجد شخص واحد يمكنه التأثير عليه، حتى لو كان منفتحاً على سماع مجموعة من الآراء حول أي قضية، وفقاً لموقع "ذي هيل". ومع ذلك فهو مستمع جيد كما يشير أحد مستشاريه المقربين، وهو يحيط نفسه بأشخاص لديهم آراء مختلفة عن قصد، ويريد أن يثبت خطأه. وقد أظهر مراراً أنه قادر على فهم الناس والقضايا التي يواجهونها بسبب كل المآسي الشخصية التي تعرض لها، بما في ذلك وفاة زوجته الأولى وطفله في وقت سابق من حياته، ولاحقاً في وفاة ابنه "بو" عام 2015، وهي الأحداث الصعبة التي شكلت بشكل واضح صعوده إلى المنصب الرئاسي.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات