Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معرض الرياض للكتاب يرسخ صورة الثقافة التونسية

ندوات شملت الأدب والترجمة والإعلام والفن... وجو تفاعلي عميق

الجناح التونسي الرسمي في معرض الرياض (خدمة المعرض)

كان الجناح التونسي الذي تشرف عليه وزارة الثقافة التونسية في معرض الرياض الدولي للكتاب مكتظاً بالزائرين يقلبون الكتب التي تملأ الرفوف حين دخلت الكاتبة السعودية نورة المغربي مديرة دار حبر للنشر، تحمل هدية للوفد التونسي تغطيها ألوان العلمين التونسي والسعودي، ثم انبرت تتحدث بحماسة كبيرة عن الأدب التونسي الذي يمثل، في نظرها، تجربة رائدة في الثقافة العربية، وأشادت على وجه الخصوص بنصوص شكري مبخوت وأميرة غنيم. كانت الكاتبة تتحدث عن الأدب التونسي حديث من قرأ هذا الأدب قراءة متأنية واطلع على نماذجه الكبرى اطلاعاً واسعاً.

ويعد هذا الاطلاع على الأدب التونسي الحديث ومعرفة أهم رموزه أمراً جديداً في المشرق العربي. فإلى وقت قريب جداً كان أبو القاسم الشابي هو الشاعر التونسي الوحيد الذي وصل صوته ونصه إلى كل بلاد المشرق العربي، ليستقر في الأذهان رمزاً للثقافة التونسية. وربما زاحمه في مرحلة ثانية الكاتب الكبير محمود المسعدي الذي استطاع هو أيضاً تجاوز الحدود ليصبح إحدى علامات السرد العربي في العصر الحديث.

إذا استثنينا هذين الاسمين العلمين فإن بقية رموز الثقافة التونسية ظلت مجهولة في الشرق العربي لم ينعطف عليها أحد من النقاد في الشرق العربي بالنظر والتحليل. ثمة اعتقاد استبد بأذهان الدارسين في تلك الفترة مفاده أن الشابي زهرة برية نبتت في غفلة من الطبيعة في أرض موات، ولهذا لم يكلفوا أنفسهم مهمة البحث عن أسماء أخرى مختزلين الثقافة التونسية في الشابي، والشابي في عدد من الأبيات الحماسية فحسب.

حضور الثقافة التونسية

إن إعلان تونس ضيف شرف لمعرض الرياض الدولي للكتاب دليل على أن الأمر قد تغير على نحو لافت. فالثقافة التونسية باتت من أكثر الثقافات العربية حضوراً وقوة وإشعاعاً، من خلال إبداع مبدعيها، ومباحث مثقفيها، ودراسات أساتذتها الكبار الذين نقلوا أحدث النظريات النقدية الغربية إلى الثقافة العربية، وأثروا تأثيراً حاسماً في أجيال من الجامعيين العرب.

في هذا السياق الجديد تم احتفاء معرض الرياض الدولي للكتاب بالثقافة التونسية. إنه احتفاء بثقافة مأخوذة بالحداثة والتجديد، مأخوذة بفكرة التقدم، مشغولة بسؤال التطور، ومهتمة بالحوار تعقده مع الآخر.

تذهب الكاتبة التونسية آمال مختار إلى أن احتفاء المعرض بالثقافة التونسية يرتد إلى فرادة التجربة الثقافية التونسية التي نهلت من موجات التنوير التي هبت وتهب على البلاد التونسية منذ القدم، أي منذ وضع أول دستور تونسي وعربي سنة 1861، ومنذ أن قدم خير الدين باشا أول إصلاحاته للبلاد التونسية، ومنذ أن كتب الطاهر الحداد كتابه الشهير "امرأتنا في الشريعة والمجتمع" وصولاً إلى الاستقلال ومسك الزعيم بورقيبة بزمام عملية التنوير وقد اهتم بالركائز الثلاث التي يمكن أن تنهض عليها دولة حديثة متنورة، وهي التعليم والثقافة وتحرير المرأة.

 ندوات متعددة

تعددت الفعاليات الثقافية التونسية في المعرض مستقطبة عدداً كبيراً من المثقفين السعوديين والعرب، ومن ضمنها ندوة مهمة حول "فعل الترجمة وسؤال المثاقفة" قدم خلالها الأكاديميون التونسيون الثلاثة، توفيق بن عامر وعبداللطيف بن عامر وفوزي البدوي أوراقاً تناولت فعل الترجمة بالنظر والتأمل، مؤكدين أن الترجمة وسيلة من وسائل الاتصال، وقناة من قنوات المعرفة وتبادل الأفكار والمفاهيم بين الحضارات والشعوب. وتساءلوا عن معنى المثاقفة في ظل حوار غير متكافئ بين بلدان ناهضة وأخرى ما زالت في طريق النمو. فالحوار بوصفه تفاعلاً لا تستتب مقوماته إلا بين أطراف متكافئة، فإذا انتفى ذلك فقد الحوار معناه وبات خطاباً من طرف واحد.

ومن الندوات المهمة نشير إلى الندوة الحوارية التي أسهم فيها الكاتب التونسي شكري مبخوت والروائي السوداني منصور الصويم، وقد دارت حول "تسلط المكان على الرواية العربية"، وعن طريقة تأثير المكان في حرية الكاتب وفي القارئ وتلقيه. إن الدراسات الحديثة أولت المكان عنايتها الكبرى وقسمته إلى أنواع كثيرة مثل المكان الروائي والفضاء، والفضاء الجغرافي. وقد حظي كل من الفضاء والمكان في الرواية باهتمام الدارسين، لأن المكان في النص الروائي يتجاوز كونه مجرد عنصر صامت، أو خلفية تقع فيها أحداث الرواية، فهو عنصر مهيمن في الرواية حامل للدلالة مفعم بالرموز.

ومن محاور الندوة التي جذبت انتباه الحاضرين محور العلاقة القائمة بين المكان والحدث، إذ أكد المبخوت أن أهمية المكان مرتبطة بالحدث، أو انتقال الشخصية فيه. وأوضح أن تقريب المكان إلى ذهن القارئ يستدعي كثيراً من الوصف، وهو أمر غير محبذ عند القارئ. والوصف كما عرفه القدامى هو "ذكر الشيء كما فيه من الأحوال والهيئات"، وتواتره داخل العمل الروائي من شأنه أن يقطع حبل السرد. لهذا نعت المبخوت بعض الأدباء بالأذكياء مثل ربيع جابر الذي وضع في أعماله رسوماً للمكان وخرائط شتى من أجل تقديم صورة أوضح للمكان الذي تتحرك فيه الشخصيات من دون اللجوء إلى الوصف. ومهما يكن من أمر فإن المكان في الرواية مكان متخيل وبناء لغوي تقيمه الكلمات انصياعاً لأغراض التخييل وحاجته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما ندوة "الإبداع والإعلام: حدود المساحة والعزلة" التي أدارتها باقتدار الشاعرة التونسية آمنة الوزير، فاهتمت بالمكانة التي أولتها وسائل الإعلام التقليدية كالراديو والتلفزيون للإبداع عامة وللإبداع المكتوب على وجه الخصوص. وعرجت على طرائق تقديمه وأساليب عرضه. وقد أبرز المتدخلون النسبة الضئيلة للبرامج التي تدور حول الإبداع، والتي ما فتئت تتقلص باستمرار، لكن الندوات لم تقتصر على الأدب فحسب فقد انعقدت ندوات حول "المألوف التونسي" و"السينما التونسية" و"الأغنية التونسية" كان الغرض الأول منها تقديم صورة متكاملة عن الثقافة التونسية في تنوعها وتعددها واختلافها.

لم يتجل الحضور التونسي من خلال الندوات فحسب، بل تجلى من خلال تنظيم المعرض وتهيئة فضائه. فقد ارتفعت في كل أركان المعرض الإعلام التونسية وأطلقت الهيئة المديرة للمعرض على القاعات المخصصة للندوات أسماء تونسية مثل: مسرح قرطاج ومسرح القيروان ومسرح تونس الخضراء. وانتظمت في بعض أجنحة المعرض حفلات تونسية لعل أهمها الحفلة التي أحياها الفنان التونسي زياد غرسة. وانتشرت الكتب التونسية من خلال حضور 16 دار نشر قدمت للقارئ العربي آخر إصداراتها. ومن بين هذه الإصدارات نذكر "الموسوعة الإسلامية"، هذا العمل الضخم الذي أسهم في ترجمة فصوله عدد كبير من الأكاديميين التونسيين، والذي يعد نشره إنجازاً علمياً مهماً.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة