Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا جنت مصر من ترشيد الاستيراد؟

ذكر متخصصون أن مواد خاماً بقيمة 11 مليار دولار محتجزة بالموانئ المصرية بسبب شح الدولار

اتفق الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، مع وزارة الصناعة والتجارة على بدء حصر المصانع المتعثرة في البلاد (أ ف ب)

هاجم الدولار الأميركي بضراوة الاقتصاد المصري على كل المستويات على مدار الستة أشهر الماضية، فبعد أن أسقط الجنيه المصري مستنزفاً أكثر من 27 في المئة من قيمته ودفع أسعار السلع الأساسية وغيرها إلى مستويات قياسية، بدأت العملة الخضراء الأميركية تنخر في أحد أعمدة الاقتصاد المصري الثلاثة.
وتستند الاقتصادات العالمية وليس الاقتصاد المصري وحده إلى ثلاثة أعمدة رئيسة وهي: التجارة والزراعة والصناعة، ولم يكتف الدولار الأميركي بما حققه من مكاسب مقابل الجنيه المصري منذ مارس (آذار) الماضي ليطور هجومه وينخر في عصب ثالث الأعمدة الرئيسة التي يرتكز عليها الاقتصاد المصري بعد منع الإمدادات الخارجية من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، وهما أبرز ما يعتمد عليهما أي مصنع في أي من القطاعات الصناعية.
كما أن التداعيات السلبية الناتجة عن توقف دوران الآلات والمعدات لا تنتهي عند تقلص الناتج المحلي الإجمالي المصري أو تراجع معدل النمو فحسب، بل تمتد لترفع أسعار السلع مع نقص المعروض وزيادة الطلب علاوة على زيادة أعداد المتعطلين عن العمل.
وفي مطلع مارس 2022 أوقف البنك المركزي المصري التعامل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد والعمل بنظام الاعتماد المستندي بدلاً منها باستثناء 15 سلعة من السلع الأساسية، مما خلق أزمة لدى المستوردين لعدم قدرتهم على توفير العملة الأجنبية وتسبب القرار بتكدس البضائع في الموانئ المصرية، وبدأت آثاره تنعكس على السوق المحلية بخاصة في ما يتعلق بندرة بعض السلع واتجاه التجار إلى رفع أسعارها بنسب قياسية في القطاعات التجارية كافة.

احتجاز مواد خام ومستلزمات إنتاج في الموانئ

ووصف محللون ومتخصصون أزمة الصناعة المصرية في الوقت الحالي بالصعبة، مرجعين إياها إلى أسباب خارجية وأخرى داخلية فيما حمل بعضهم الحكومة المصرية النصيب الأكبر من الأخطاء مع إغلاق المصانع بسبب تقييد عمليات الاستيراد في ظل شح العملات الأجنبية. وقال نقيب المستثمرين الصناعيين محمد جنيدي إن "أصحاب المصانع يعيشون أوقاتاً صعبة منذ مارس الماضي وحتى الآن"، مضيفاً أن "قرارات ترشيد الاستيراد التي طبقها البنك المركزي المصري قبل ستة أشهر تسببت باحتجاز ملايين الأطنان من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج بالمنافذ الجمركية المصرية المختلفة"، موضحاً أن "هناك مواد خاماً ومستلزمات إنتاج محتجزة تصل قيمتها إلى نحو 11 مليار دولار أميركي"، مشيراً إلى أن "العملية الاستيرادية بين المستورد في القاهرة والمورد في الخارج تبدأ بالتفاوض ثم الاتفاق على إرسال البضائع مع صور عن العقود والأوراق والمستندات اللازمة والفواتير المستحقة للإفراج الجمركي وبمجرد الوصول إلى الموانئ المصرية يحول المستورد في مصر مستحقات تلك الفواتير بالدولار الأميركي حتى يرسل أصول المستندات والأوراق ولذلك يلجأ المستورد إلى البنوك المحلية لتحويل مستحقات المورد بالدولار فترفض البنوك بحجة شح الدولار".

30 في المئة من مصانع "أكتوبر" مغلقة

وكشف نقيب المستثمرين الصناعيين، أن "نسبة المصانع التي توقفت عن الإنتاج تماماً في مدينة السادس من أكتوبر الصناعية بمحافظة الجيزة اقتربت من 30 في المئة، إذ إن إجمالي عدد مصانع المدينة الصناعية يبلغ 1500 مصنع، خرج منها عن الإنتاج 500 مصنع"، مؤكداً أن "الـ1100 مصنع التي لا تزال تنتج تعمل بـ25 في المئة من طاقتها الإنتاجية".
وطالب جنيدي الحكومة المصرية بالتدخل السريع "لإنقاذ ما يمكن إنقاذه والحفاظ على ما تبقى من مصانع في كل المحافظات المصرية عبر توفير العملة الأجنبية أمام المستوردين أو السماح لهم بتدبيرها، إضافة إلى الإسراع في صرف دعم الصادرات الذي أعلنت عنه وزارة المالية ولم يتم صرفه حتى الآن"، مشيراً إلى أن "استمرار سياسة البنك المركزي الحالية ستزيد من أعداد المتعطلين عن العمل بإغلاق المصانع كما سترفع أسعار السلع مع توقف إمداد الأسواق المحلية بالسلع المنتجة داخل مصر".
على الجهة المقابلة، أعلن وزير المالية المصري، محمد معيط أن وزارته ستسدد ملياري جنيه (نحو 102 مليون دولار أميركي) ضمن مبادرات السداد النقدي لبرنامج دعم الصادرات، مضيفاً في مؤتمر صحافي عقد، الأربعاء 5 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي في القاهرة، إن "إجمالي ما تم صرفه خلال عامين بلغ نحو 33 مليار جنيه (1.6 مليار دولار) منذ بداية تنفيذ مبادرات السداد النقدي"، مشيراً إلى أن "الحكومة خصصت 6 مليارات جنيه (305 ملايين دولار) في موازنة العام المالي الحالي لدعم تكلفة الكهرباء على القطاع الصناعي" (يهدف برنامج دعم الصادرات المصرية، من منتجات وخدمات، لدعم الشركات المصرية وتأهيل المصدرين وتجهيزهم لزيادة قدراتهم التنافسية لاجتياح الأسواق الخارجية).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مصانع تعمل بنصف طاقتها الإنتاجية

من جانبه، قال رئيس جمعيات مستثمري مدينة بدر الصناعية، شمال القاهرة، بهاء العادلي، إن "قرار ترشيد الاستيراد من قبل البنك المركزي المصري تسبب في خروج عدد كبير من المصانع عن الإنتاج في المدينة الصناعية بالفعل"، مؤكداً أنه "يجري في الوقت الحالي حصر عدد المصانع المتوقفة وكذلك المصانع التي تعمل بـ50 في المئة من طاقتها الإنتاجية لرفع مذكرة عاجلة إلى رئيس مجلس الوزراء للتدخل السريع"، قائلاً إن "البنك المركزي أراد الحفاظ على قيمة الجنيه المصري في أسواق الصرف بحبسه عن المستوردين ما تسبب في عدم قدرتهم على توفير العملة الصعبة لدفع مستحقاتهم للموردين بالخارج فتراجعوا عن عقد صفقات جديدة مع المستوردين المصريين، ومع نفاذ المخزون لدى المصنعين في الداخل ستتوقف الحياة الإنتاجية تماماً"، مطالباً بتدخل حاسم من الدولة "قبل فوات الأوان".
في الأثناء، اتفق الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، مع وزارة الصناعة والتجارة المصرية على بدء حصر المصانع المتعثرة في البلاد، إذ قال رئيس الاتحاد، محرم هلال إن "تعثر المصانع في مصر أصبح أمراً شائعاً في الوقت الحالي. عقدنا اجتماعات أخيراً مع وزير الصناعة أحمد سمير واتفقنا على حصر المصانع المتعثرة والمهددة بالتعثر حالياً وتوضيح أسباب التعثر ورفع قائمة كاملة بعددها. وناشدت أكثر من 40 جمعية من جمعيات المستثمرين في مصر الوزير بالتدخل وإيجاد حلول".
وأكد رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين أن "أسباب التعثر واضحة للجميع ولا تحتاج إلى توضيح، إذ إن نقص مستلزمات الإنتاج وقطع غيار المعدات بسبب فجوة النقد الأجنبي هو السبب الرئيس والوحيد، ومعه تكدست البضائع والحاويات في الموانئ المصرية"، مطالباً بالتعامل مع المواد الخام باعتبارها سلعاً أساسية وتوفير العملة الأجنبية لاستيرادها من الخارج، ما سيسهم في تشغيل المصانع والحفاظ على العمالة وتوفير مزيد من فرص العمل، ومن ثم خفض البطالة وتشغيل الاقتصاد القومي وزيادة الصادرات المصرية.
وكانت وزارة المالية أوقفت الشهر الماضي، تحصيل الغرامات الجمركية من المستثمرين والمستوردين المتأخرين في إنهاء الإجراءات الجمركية بسبب المستندات المطلوب استيفاؤها من الجهات ذات الصلة، في محاولة لتخفيف الأعباء عنهم، وفقاً لبيان رسمي.

القطاع الخاص غير النفطي يواصل الانكماش

في غضون ذلك، واصل القطاع الخاص غير النفطي في مصر انكماشه للشهر الثاني والعشرين على التوالي في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد أن تأثر اقتصاد البلاد بالأزمة الاقتصادية العالمية. ووفقاً لنتائج مؤشر خاص لمديري المشتريات الصادر عن مؤسسة "ستاندرد أند بورز غلوبال"، الثلاثاء الماضي، قبع مؤشر مديري المشتريات في مصر من دون تغيير عن أغسطس (آب) عند 47.6 نقطة، وهو ما يقل عن مستوى الـ50 نقطة الفاصل بين النمو والانكماش. وأوضحت "ستاندرد أند بورز غلوبال" أن "أوضاع العمل في الاقتصاد غير النفطي في مصر لا تزال تعاني ضغوط التضخم وترشيد استخدام الطاقة وقيود الاستيراد وضعف الطلب في نهاية الربع الثالث من العام الحالي.
ويصل عدد المنشآت الصناعية في مصر إلى نحو 41682 منشأة يعمل فيها أكثر من 2.2 مليون عامل، بينما يصل عدد المناطق الصناعية في المحافظات إلى 146 منطقة يعمل فيها أكثر من مليوني عامل وفق بيانات "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار" التابع لمجلس الوزراء المصري.

شح الدولار يعطل صفقات القمح للقطاع الخاص

في سياق متصل، نقلت وكالة "رويترز" عن عدد من تجار الحبوب والقمح، الأسبوع الحالي، أن سعر القمح والدقيق المستخدمين في صنع الخبز غير المدعوم ارتفع في مصر في وقت يواجه فيه المستوردون صعوبة في دفع ثمن شحنات القمح العالقة في الموانئ في ظل نقص الدولار.
وأشارت رسالة صادرة في 26 سبتمبر الماضي، من غرفة صناعة الحبوب ومنتجاتها في اتحاد الصناعات المصرية، لوزير التموين، إلى أن "الجمارك لم تفرج عن نحو 700 ألف طن من القمح، مما تسبب في توقف نحو 80 في المئة من المطاحن التي تنتج الخبز والمعكرونة وغيرهما من السلع التي تباع بالسعر التجاري، عن العمل تماماً"، إذ قال نائب رئيس غرفة الحبوب المصرية حسين البودي، إنه "فيما تراجعت أسعار القمح العالمية إلى مستويات ما قبل الحرب الروسية - الأوكرانية، ارتفعت الأسعار في مصر بسبب نضوب المخزونات"، موضحاً أنه "لم يعد بإمكان المستوردين في مصر تجديد مخزوناتهم من القمح في ظل نقص الدولار".
في المقابل، قال وزير التموين المصري، على المصيلحي في تصريحات نقلتها "رويترز" إن "الحكومة ستساعد في مسألة تراجع مخزونات القمح للقطاع الخاص".
في تلك الأثناء، سجل سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي نحو 19.68 جنيه للبيع و19.61 جنيه للشراء، وذلك يعني أن العملة المحلية فقدت أكثر من 26 في المئة من قيمتها في أسواق الصرف العالمية منذ قرارات تقييد الاستيراد ورفع أسعار الفائدة إذ كان سعر الجنيه يعادل في مطلع مارس 2022، نحو 15.5 جنيه للبيع و15.46 للشراء.