Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل كلنا قتلة محتملون؟ ماذا يقول الخبراء في هذا الشأن

تتناول دراما "بي بي سي" الجديدة "إنسايد مان" فكرة أننا جميعاً قادرون على قتل أحد ما، ولا يتطلب الأمر سوى مقابلة الشخص المناسب. يتحدث توم أوو إلى أحد الخبراء لكشف الحقيقة وراء النظرية

ستانلي توتشي في دور جيفرسون غريف في "إنسايد مان" (بي بي سي)

هل أنت قادر على قتل شخص ما؟ ماذا لو كنت في مزاج سيئ للغاية؟ ماذا لو كان شخص ما يستحق ذلك حقاً [يستفزك لتقوم بذلك]؟ في الدراما الجديدة "إنسايد مان" Inside Man المعروضة على قناة "بي بي سي" BBC، اتهم ديفيد تينانت الذي يلعب دور القس، اتهاماً باطلاً بأنه يحتفظ بصور غير لائقة لأطفال. وهو يواجه المعضلة اليومية التالية: هل ينبغي أن يسمح للمفترية عليه بأن تنشر تلك الأكاذيب؟ أم يجب أن يتخلص منها عندما تسنح له الفرصة؟ وهكذا يبدأ المسلسل بتناول فكرة أن "الكل مجرمون. ولا يتطلب الأمر سوى مقابلة الشخص المناسب [الذي يوقظ هذا الجانب فيك]."

هذه الكلمات قالها الممثل ستانلي توتشي حين أدى دور جيفرسون غريف، وهو يتحدث انطلاقاً من تجربته الشخصية: فهو مسجون في قسم المحكوم عليهم بالإعدام وينتظر تنفيذ الحكم. ولكن هل هو على حق؟ هل يوجد في داخل كل شخص غير قاتل مجرم يحاول الخروج؟ ديفيد ويلسون، الأستاذ الفخري في علم الجريمة في جامعة برمنغهام سيتي، لا يعتقد ذلك. وهو أيضاً يتكلم انطلاقاً من خبرته، فقد أمضى حياته المهنية في العمل مع رجال ارتكبوا جرائم قتل، وأشرف عليهم كمدير للسجن وأجرى مقابلات معهم بصفته بروفيسوراً.

وبحسب ويلسون، ففكرة أن كل شخص هو قاتل محتمل مجرد "كلام فارغ"، (وهذا أمر يبعث على الراحة)، فنحن قد نواجه جميعاً أياماً سيئة، "ونلتقي جميعاً بأشخاص لا نحبهم. ولكن إذا كنا نقتل بالطريقة التي ذكرتها لنا [شخصية توتشي]، فإن عدد القتلة سيكون أعلى بكثير مما هو عليه في الواقع". والجدير بالذكر أن اللقاءات التي تحدث صدفة لا تصنع مجرمين.

ويقول إن معدل جرائم القتل شهد تراجعاً طويل الأمد منذ عقود. في الواقع، سجلت الشرطة 710 جرائم قتل في إنجلترا وويلز خلال عام 2021/2022، ما مثل زيادة مقارنة مع عدد الجرائم الـ 570 المسجلة في العام السابق، لكن هذا أقل بكثير من الـ 1047 جريمة المرتكبة في فترة 2002/2003. ويشير ويلسون إلى النقطة التي أثارها الأكاديمي الأميركي ستيفن بينكر بأن البشرية، بشكل عام، أصبحت أقل عنفاً. وعلى الرغم من ذلك، فإن رغبتنا في مشاهدة مسلسلات القتل الدرامية والبودكاست (المدونات الصوتية) حول عالم الإجرام لم تكن يوماً بهذه الشدة. "دامر"، وهو مسلسل عن السفاح الأميركي جيفري دامر، هو حالياً البرنامج الأكثر مشاهدةً على "نتفليكس". ويضيف ويلسون أن موضوع الجريمة "يمثل روح العصر في الوقت الحالي".

لماذا؟ يعتبر ويلسون أنه لا داعي للقلق من فكرة أن مواضيع جرائم القتل تشغل بالنا أكثر مما كانت تشغل بال أسلافنا. "لطالما كان القتل خبراً شعبياً وفكرة درامية شائعة منذ أوائل العصر الفيكتوري. لن أدخل حتى في نقاش حول اهتمامنا بذلك الآن أكثر من أسلافنا، ففي النهاية، كانت أيام الشنق تعتبر عطلات رسمية وقد جذبت جماهير ضخمة".

وأولئك الذين يجدون برامج الجريمة والقتل آسرة، كانوا ليجلسوا في حقبة أخرى في الصف الأول لمشاهدة عمليات الإعدام العلنية. في الحقيقة، إن افتتان الإنسان بالموت متجذر وقديم. ويقول ويلسون: "نحن ننجذب إلى قصص من هذا النوع لأسباب مختلفة، بيد أن الكاتب، أو الراوي، يستخدم تلك القصص لأنها تخلق دراما". ويضيف أنه في 90 في المئة من جرائم القتل البريطانية، قبض على الجاني، وغالباً ما كان شخصاً تعرفه الضحية. "لكن هذا الواقع المنطقي الإجرامي لا ينتج دراما جيدة جداً."

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عوضاً عن ذلك، يميل كتاب برامج التلفزيون إلى التركيز على موضوعين متكررين رئيسين: جرائم القتل التي لم تحل، وفكرة أننا جميعاً قتلة محتملون. وتعتبر الفكرة الأخيرة مقنعة بقدر ما هي مرعبة، لذا فليس من المستغرب أن يلجأ الكتاب إليها كثيراً.

ولكن وفق ما يقوله ويلسون، فهذا ليس صحيحاً. وهو ليس خاطئاً فحسب، لا بل يجعلنا أيضاً نفكر في الأمور من منظور داعم للقتلة: إنها حجة يقدمها عادةً المجرمون الذين يحاولون إثارة التعاطف من خلال الارتباطية والتماهي [خلق إحساس لدى الآخرين بوجود صلة وتقارب وشبه بينهم وبين المجرمين]. "ومن خلال التلميح إلى أننا جميعاً على بعد خطوة واحدة من كوننا قتلة، فهم يحاولون تجنب تحمل اللوم والمسؤولية الشخصية. وعملي في الحقيقة، هو في أغلب الأحيان جعلهم يدركون الآتي: "أنتم من فعل ذلك وعليكم التكفير عن ذنوبكم، بقدر ما تستطيعون، وعلينا مساعدتكم في معرفة كيف وصلتم إلى مرحلة أنهيتم فيها حياة أناس آخرين".

ويلفت ويلسون، أن القتلة المتسلسلين على وجه الخصوص، "لطالما أحبوا تصوير أنفسهم على أنهم أكثر استعداداً إلى حد ما للقيام بتلك الخطوة الإضافية التي قد نتخذها جميعاً لو كنا نتمتع بنفس القدر من الشجاعة والبصيرة الذي يتمتعون به". ويتذكر محادثة مع دنيس نيلسن، القاتل المتسلسل الاسكتلندي ونيكروفيلي [مهووس بممارسة الجنس مع الجثث] الذي قتل ما لا يقل عن 12 فتى وشاباً. وكما أوضح ويلسون، وصف نيلسن نفسه بأنه "رجل عادي، توصل إلى استنتاج غير عادي"، على غرار الحجة التي قدمتها شخصية توتشي في "إنسايد مان". "وكان عليك أن تقول لدينيس نيلسن، ’لم تكن يوماً رجلاً عادياً. وهذا 'الاستنتاج غير العادي' هو جريمة، ويسمى جريمة قتل، والناس لا يفعلون ذلك‘".

واستطراداً، يقول ويلسون إن افتراض أن القتل هو شيء يمكن لأي شخص أن يفعله، أو كتابة دراما قائمة على هذه الفكرة، يعني تلميع صورة القاتل والترويج لها. ويشرح "كثير من القتلة المتسلسلين الذين عملت معهم حريصون جداً على التلاعب بنظرة الناس إليهم ورسم صورة خاصة بهم. إذا أعطيتَ الأولوية للقصة التي يخبرونها، ولأفكارهم حول ما ارتكبوه، فأنت تسمح لهم بسرد القصة بالطريقة التي تناسبهم".

 

في بعض الحالات، تضفي الأفلام والبرامج التلفزيونية على القتلة هالة من التألق. ويستشهد ويلسون بفيلم "صمت الحملان" (ذي سيلانس أوف ذي لامبز) The Silence of the Lambs، وكذلك برواية توماس هاريس، التي يستند إليها الفيلم. "ترى أمامك عبقرياً شريراً يتحدث عن الهندسة المعمارية الفلورنسية والأطعمة الفاخرة ويحب مقطوعة توكاتا التي ألفها باخ. صدقوني، لم أصادف قط قاتلاً متسلسلاً لديه أي من هذه الاهتمامات".

ويضيف ويلسون أنه عوضاً عن الترويج لتلك الصورة عرضياً بهذا الشكل، يجب أن نأخذ في الاعتبار المشكلات الاجتماعية التي تسبب القتل وترافقه. "في حالة دامر، كان الأمر حقاً يتعلق برهاب المثلية الجنسية، وإخفاقات شرطتنا، كما كانت الحال في حالة دينيس نيلسن".

وفي سياق متصل، لعب تينانت دور نيلسن في دراما من ثلاثة أجزاء "ديس" Des، في عام 2020، وهو عرض تلفزيوني اعتبره ويلسون جيداً من ناحية سرد القصة بطريقة لم تكن متعاطفة مع نيلسن بشكل مفرط، "إذ أعطى الأولوية لصوت براين ماسترز، كاتب سيرة نيلسن، الذي ركز فعلياً على استجواب نيلسن عوضاً عن السماح له بسرد القصة وفقاً لما يناسبه. والشخص الآخر في الدراما كان رئيس المحققين الذي ألقى القبض على نيلسن، بالتالي سلط ذلك الضوء على الضحايا في القصة".

في المقابل، توحي شخصية تينانت في "إنسايد مان" بأنه على شفير ارتكاب جريمة قتل محتملة. قالت له زوجته: "بالأمس، كنت أنت القس. واليوم أصبحت رجلاً اعتدى على امرأة وسجنها في قبو منزله لأنك كنت بحاجة ماسة إلى حماية ابنك".

إذاً ما هو رأي ويلسون في الأعمال الدرامية مثل "إنسايد مان"؟ قال بشكل مفاجئ نوعاً ما: "أنا لا أعترض عليها". قد يتم تصوير شخصية تينانت بتعاطف مفرط، ولكن مثل هذه العروض، كما يأمل ويلسون، قد تسهم في تحسين النقاش العام حول القتل. ويشير قائلاً: "ما أريد فعله هو الاستفادة من افتتان الجمهور بهذه الأنواع من الأعمال الدرامية، واستخدام ذلك الافتتان لجعلهم يفكرون في أشياء أخرى". كذلك، يقول إن القتلة المتسلسلين يستهدفون الفئات الضعيفة، ومن المفيد أن نفكر في ذلك. "إذا تحدينا رهاب المثلية الجنسية، وأقمنا نقاشاً واعياً حول البغاء، وإذا فكرنا في مكانة كبار السن في ثقافتنا، فإننا نسهم أكثر بكثير في تقليل حدوث جرائم القتل المتسلسلة."

يبقى أن نرى ما إذا كان "إنسايد مان" سيضيف شيئاً جديداً. لكن بفضل ويلسون، يمكننا على الأقل مشاهدة العرض من دون أن نخاف من ارتكاب جريمة قتل بشكل غير متوقع.

ديفيد ويلسون وإميليا فوكس يقدمان بودكاست "إف إت بليدز إت ليدز" If It Bleeds, It Leads. سيتحدثان عن هذا الموضوع في مركز إيمانويل، لندن، في 28 أكتوبر (تشرين الأول).

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات