Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الهوس بالمشاهير من التقليد والتشبه إلى المطاردات والقتل

الضحايا يسقطون من الجانبين والظاهرة تزيد بشكل ملحوظ في فترات الأوبئة والحروب وتذكيها النكبات الشخصية

تعرض كاظم الساهر لاقتحام معجبات له في أكثر من مناسبة المسرح أثناء غنائه (حساب الفنان الرسمي على إنستغرام)

اقتحام المسارح على المطربين من قبل المعجبين، أو تقمص شخصيات بعض السياسيين ولاعبي الكرة والاتحاد تماماً معهم تفاصيل لا ينبغي أن تمر أبداً على أنها مجرد أخبار عابرة، لأن تلك المحبة التي تتجاوز حدود المعقول في بعض الأوقات أثبتت أنها قد تتطور إلى ما هو أبعد، وتشكّل تلك الأفعال ضغطاً شديداً على الطرفين على السواء، بل وتؤدي إلى الأذى النفسي والبدني.

شعبية رجال السياسة والرياضة والفن بل وحتى المجرمين تأخذ أشكالاً متعددة، لكن الترصد والترقب والتماهي معهم والتعلق بهم بشكل هوسي أمر يثير دوماً القلق والمخاوف، لا سيما أن بعض تلك الحالات وصلت إلى إطلاق الرصاص. إنها فتنة النجومية التي قد تقضي على الفاتن والمفتون في آن معاً.

ما بين الهوس والاكتئاب

يرى علم النفس أن الهوس هو المناقض تماماً للاكتئاب، حيث الحماس المفرط والسعادة والابتهاج، مقابل السقوط في الظلام وعدم الشعور بلذة الحياة، فالإنسان المهووس يعيش وهماً كاملاً، ويبني حياة لا علاقة لها بمحيطه، وقد حاولت الطبيبة والكاتبة الأميركية كاي ردفيلد جاميسون سرد تجارب مليئة بالتفاصيل لمحاولة الاقتراب من الأزمات المصاحبة لهذين المصطلحين من خلال كتابها الشهير "عقل غير هادئ: سيرة ذاتية عن الهوس والاكتئاب والجنون" الذي ترجمه حمد العيسى وصدر عن الدار العربية للعلوم.

تقول جاميسون  في مقطع منه، "في النهاية لا يبقى سوى ذكريات الآخرين عن سلوكك، تصرفاتك الغريبة المسعورة الهائمة، لأن الهوس له في الأقل بعض النعمة، حيث يمحو الذاكرة جزئياً".

فيما يحاول الطبيب النفسي والمعالج النفساني علي شوشان تحليل بعض ظواهر الهوس، بخاصة تلك المتعلقة بالمشاهير في مجالات مختلفة، مشيراً إلى أن "الشخص المهووس يعيش في حلم ويمتلئ تماماً بالأوهام"، لافتاً إلى أن "الفرق بين العقل والجنون هو أن الأول يعيش صاحبه في أرض الواقع بجميع معطياته، أم الثاني فهو يضع نفسه تحت تصرف خيالاته المحضة".

لكن هل الأمر يكون بتلك البساطة من خلال تصنيفات حادة وحاسمة أم هناك بالفعل من يعرفون كيف يسيطرون على ولعهم بنجم ما ويفرقون بين تلك الحالة وواقعهم المادي الطبيعي؟ بالطبع هناك حالات تظهر ردود فعل مبالغاً فيها بلحظات معينة.

لكن في ما بعد يبدو الوضع طبيعياً، وهو ما بدا واضحاً للغاية في تصريحات الفتاة التي اقتحمت المسرح وعانقت المطرب كاظم الساهر أثناء إحيائه حفلاً بوسط القاهرة قبل أسابيع، إذ جاءت تعليقاتها عقلانية، وتشير إلى أنها كان ترغب بالتقاط صورة مع مطربها المفضل، ووجدت أن الحفل كاد ينتهي، وأن حلمها الذي انتظرته أكثر من عشر سنوات مهدد بالإلغاء. وأضافت أن التصرف كان عفوياً وغير مخطط له.


المشاهير يخسرون أيضاً

لكن غير الطبيعي هو أن المعجبات يصل بهن تعلقهن من طرف واحد إلى الطلاق بسبب نجومهن المفضلين، وهو أمر تكرر مراراً بحفلات كاظم الساهر منذ عقود، حين صرخت إحداهن علانية لتؤكد له أنها انفصلت عن زوجها من شدة إعجابها به، فيما علق الساهر الذي يلقبه محبوه بـ"القيصر" على تلك الظاهرة في أكثر من لقاء تلفزيوني، مؤكداً أنها تزعجه كثيراً.

وقال الساهر إنه يتمنى أن يتزوج محبوه بسبب أغنياته وليس العكس. وكان زميله المطرب هاني شاكر، نقيب الموسيقيين المصريين الأسبق، قد تعرض لموقف وصفه من حوله بالمحرج، حينما فوجئ بفتاة تحتضنه وتقبله على هامش وجوده في العاصمة السورية دمشق أخيراً لإحياء حفل هناك.

وحينها وقفت زوجته السيدة نهلة تتابع المشهد في دهشة. الفيديو أثار جدلاً كبيراً، لا سيما أن شاكر معروف بوقاره وبجديته الشديدة في ما يتعلق بالتعامل مع المعجبين، مما جعله يصدر بياناً رسمياً يوضح فيه ملابسات الواقعة رداً على الانتقادات.

وفي ما يتعلق بالرصانة فإن الواقعة الشهيرة التي تعرضت لها "كوكب الشرق" أم كلثوم على مسرح الأولمبيا في باريس عام 1967 تعتبر من أكثر وقائع الهوس انتشاراً، حين فوجئت بمعجب منتش من أدائها قصيدة الأطلال يصعد إلى المسرح محاولاً تقبيل قدميها، لتسحبها أم كلثوم بعفوية شديدة وبسرعة كبيرة رافضة هذا التصرف لتسقط أمام الجمهور، وتلتقط لها صورة شهيرة في هذا الوضع الذي تسبب فيه هوس المعجب.

والأذى هنا لحق به، لكنه أيضاً لحق بصورة أكبر بالمطربة التي كان لها قواعد لا تقبل العبث في التعامل. واللافت أن الحفل نفسه شهد تهديداً بإطلاق النار، حيث ذهب أحدهم لحجز تذكرة ليجدها جميعها قد بيعت فوقف مهدداً موظف المسرح بإطلاق النار عليه من سلاحه الخاص قبل أن تتدخل أطراف عدة لتحل الموقف المتأزم.

لكن هذا التهديد تحول إلى حقيقة مرعبة للفنان راغب علامة على هامش إحيائه حفلاً بالأردن نهاية تسعينيات القرن الماضي، حين خلصت التحقيقات حينها إلى أن مطلق النيران هو أحد معجبي النجم اللبناني وقد سبق والتقط عشرات الصور معه في مناسبات مختلفة، إذ أطلق أربع رصاصات أصابت إحداها ساق علامة.

وتحدث راغب عن بعض تفاصيل الواقعة بعد سنوات طويلة، مؤكداً أنه في وقت سابق من هذا الحفل تلقى تهديدات صريحة بالقتل، ومشيراً إلى أن الأمر ربما يكون مرتبطاً بعلاقة عاطفية عاشها في تلك الفترة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جهة أخرى، خرج الوضع عن السيطرة في مواقع أخرى بالنسبة إلى معجبي بعض النجمات اللبنانيات، حين فوجئن بعدد من "الفانز" الذين يجرحون أجسادهم بآلات حادة من أجل كتابة عبارات حب لهن، وظهروا في فيديوهات يستعرضون تلك التصرفات، حينها سارعت مطربات مثل إليسا وميريام فارس إلى التعبير عن انزعاجهن من تلك التصرفات مع دعوة صريحة للمعجبين إلى التعقل وعدم اللجوء إلى أذى النفس.

فيما حول أحد المحبين نفسه بالماكياج وإجراءات التجميل إلى نسخة من المغنية مايا دياب، والشيء نفسه بالنسبة إلى المغنية يارا، كما امتلأت حفلات ماجد المهندس وهيفاء وهبي ووائل كفوري ونوال الزغبي ونجوى كرم ونانسي عجرم وتامر حسني بكثير من الاقتحامات من قبل المهووسين بهم، حتى إن أحد المعجبين انتظر نانسي عجرم في بهو أحد الفنادق ليطلب منها الزواج.

ويعتبر الفنان محمد رمضان من أكثر المشاهير الشباب حرصاً على إظهار شعبيته لدى الجمهور، والتأكيد أن هناك هوساً خاصاً به وبشخصياته التي يقدمها في أعماله، وأصر أخيراً على الذهاب إلى مدينة الإسكندرية والجلوس بأحد مقاهيها للتدليل على جماهيريته الواسعة رداً على حملات المطالبة بإلغاء حفل له هناك، فنشر فيديوهات لأعداد هائلة من المعجبين الذين طاردوه في الشارع لالتقاط الصور معه.

كما أن هناك دوماً لقطات لمحبيه من أعمار مختلفة يحاولون فيها تقليد حركاته وطريقة كلامه وحتى قصات شعره في أعماله الشهيرة، والأمر بالطبع يتكرر عالمياً كثيراً، وأبرزها في حفلات نجوم ونجمات البوب الكوري حيث الهوس بهم على أشده وبشكل خاص بين معجبيهم من المراهقين.

جنون التقليد

وتداولت وسائل الإعلام قبل ثلاثة أعوام صوراً لشاب أرجنتيني يدعى ليو بلانكو من العاصمة بوينس آيرس، وقد بدا شبيهاً للغاية بنجم البوب الراحل مايكل جاكسون، وتحدث الشاب العشريني عن تعلقه الشديد بأسطورة مايكل جاكسون، كاشفاً بالتفصيل عن العمليات الجراحية التي خضع لها ليبدو صورة طبق الأصل من جاكسون وبينها جراحات في الأنف وعظام الفك والذقن، ووصل إجمالي ما أنفقه على مظهره للتشبه بالمغني الأميركي الشهير إلى 30 ألف دولار أميركي.

الوسائل المتطرفة في التعبير عن الحب والإعجاب ليست مقتصرة أبداً على مشاهير الفن، فمعجبو الرياضيين الذين يطاردونهم من أجل الفوز بنظرة أو توقيع يملأون المدرجات، كما أن كثيرين من المعجبين بخاصة الأصغر سناً يكرسون يومهم لتقليد لفتات هؤلاء الرياضيين في ما يتعلق بأسلوب ملابسهم وقصات شعرهم وتصرفاتهم، وهو أمر تكرر مع لاعبين مثل ميسي ومحمد صلاح وكريستيانو رونالدو ومارادونا.

المفاجأة أن التماهي مع هؤلاء الرياضيين لا ينتج عنه عادة محاولات للتشبه بهم في اتباع الأساليب الصحية في الطعام أو نظام رياضي جيد، أو حتى ممارسة أي نوع من الرياضة، وهي أمور من شأنها أن تفيد المقلدين بدنياً وصحياً، لكن يتم الاكتفاء بتقليد القشور فقط في غالب الأحوال.

السياسيون أيضاً لهم نصيب، فبحسب المعلومات المتداولة فإن كثيرات من النساء كن مغرمات بأدولف هتلر الزعيم النازي رغم مما عرف عنه من ديكتاتورية وشراسة ومن تنكيله بالمعارضة، لكن كانت هناك فئة من النساء مفتونات به ويرين فيه رمزاً للرجولة الحقيقية.

كذلك حتى الآن يظهر رجال متيمون بهتلر وبأفكاره ويحاولون تقليده في الملبس والمظهر، بل ويتباهون بأفعالهم، وهو أمر يذكر بفكرة الهوس بأناس عرفوا باستخدامهم العنف، وبينهم القتلة المتسلسلون والمغتصبون مثل "تيد باندي" الذي حظي بقائمة طويلة من العاشقات أثناء محاكمته بتهم القتل والاغتصاب في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إذ تزوج بالسجن من إحدى معجباته، فمنهن من تركت أعمالها وعائلتها وذهبت وراءه إلى حيث يحاكم، وكرست حياتها لمتابعته، باعتباره في رأيها رمزاً للقوة والتمرد. الهوس أيضاً كان على أشده في قضية الرياضي الأميركي أو جيه سيمبسون الذي قتل زوجته ولكن تمت تبرئته وسط عاصفة جبارة من الالتفاف الشعبي حوله، في منتصف تسعينيات القرن الماضي.

ويقول علي شوشان الطبيب والمعالج النفساني إن "الهوس مرض اجتماعي قد يكون سببه اكتئاب بالأساس، ومن خلاله يحاول الشخص تعويض نقص ما لديه". لافتاً إلى أن "الإعجاب الصحي موجود وطبيعي، لكن في بعض الأوقات يخسر الشخص حياته وقيمته في سبيل هوس بنموذج معين، كأن يكون هذا الإنسان عاشقاً لشخصية رياضية أو سياسية أو فنية ناجحة، لكنه هو نفسه فاشل في حياته أو فاشل حتى في الحفاظ على لياقته وبعيد كل البعد من النموذج الذي هو معجب ومتعلق به، فيقوم بالتشبه الظاهري به ومطاردته، فيحدث ضرر للطرفين، وبالطبع الفئة الأكثر عرضة لهذا الأمر هم المراهقون والشباب الصغار".

ويشدد شوشان على نقطة أساسية وهي أن "تلك الظاهرة موجودة منذ قديم الأزل"، ولكنها في رأيه "تزيد بشكل ملحوظ في أيام الحروب والهزائم الكبرى، مثل الأوبئة والركود التضخمي، وكذلك حينما يكون لدى الإنسان نكبة شخصية، فيفرغ مشكلته في هذا الهوس غير العقلاني".

إذاً في ظل الظروف السياسية والاقتصادية التي يعيشها العالم في الوقت الحالي، إضافة إلى الطوارئ الصحية التي تسيطر على كوكب الأرض منذ ثلاث سنوات تقريباً فإن هناك بيئة مثالية لتفريغ الطاقات السلبية والأزمات النفسية في أنواع مختلفة من الهوس، وهناك نصيحة دائمة هي أن على الإنسان أن يعيش واقعه، وأن يبحث عن جماليته كي لا يجد نفسه وقد خسر على صعد عدة.


ومن الحب ما قتل... حرفياً

بالعودة إلى ظاهرة الهوس الذي أدى بصاحبه وبالمهووس به أيضاً إلى نقطة اللاعودة، يمكن تذكر مارك ديفيد تشابمان، الذي يقبع في سجن شديد الحراسة بالولايات المتحدة، منذ أن كان في العشرينيات من عمره بينما هو تجاوز الآن الستين، حيث حوكم بتهمة قتل أسطورة فريق البيتلز، جون لينون، في عام 1980، فيما كان الأخير في الأربعين من عمره، وكان يتمتع بشعبية جارفة وبأعمال منفردة ملهمة، بينما قاتله كان من بين معجبيه، وحصل بالفعل على توقيعه قبل إطلاق النار عليه، مبرراً فعلته بأنه كان يعيش في وحدة وعزلة.

وفي عام 1989 كانت الممثلة والعارضة ريبيكا سشيفر لا تزال في مطلع العشرينيات من عمرها حينما قتلت رمياً بالرصاص على يد أحد معجبيها ويدعى روبرت باردو، الذي شعر بالغيرة عليها حين ظهرت في مشهد عاطفي في أحد الأعمال الفنية.

وحكم على باردو بالسجن المؤبد بعد فعلته التي ارتكبها حينما ذهب بكل بساطة إلى منزل الممثلة الشابة لتفتح له الباب وينفذ جريمته، بينما توفيت المطربة المكسيكية الأميركية سيلينا كوينتانيلا في الثالثة والعشرين من عمرها في مارس (آذار) 1931، حينما أطلقت مديرة نادي المعجبين الخاص بها النار عليها، وتمضي يولاندا سالديفار عقوبة السجن مدى الحياة، وقد فسر تصرفها حينها بأنه نوع من حب التملك والهوس المرضي.

كذلك لقي مصمم الأزياء البارز جياني فيرساتشي مصرعه في صيف عام 1997 على يد معجب مهووس به ادّعى مراراً أنه على علاقة خاصة معه، وفي عام 2016 شهد مسرح مدينة أورلاندو بفلوريدا الأميركية مأساة أخرى، حيث قتلت المغنية الشابة نجمة برنامج "ذا فويس" كريستينا جريمي حين كانت تهدي توقيعها لمعجبيها، فباغتها أحدهم وأطلق النار عليها ثم انتحر.

وتعود قصته إلى إعجابه الشديد بها ووقوعه في حبها من بعيد، لدرجة قيامه ببعض عمليات التجميل ليبدو وسيماً في نظرها، وبعد أن يئس من لفت انتباهها وتعرضه للسخرية من أصدقائه الذين قالوا له بأن لديها حبيباً بالفعل أقدم على تصرفه الصادم.

الضحايا إذاً يتساقطون من الجانبين، والخسائر البشرية والنفسية بلا حدود، ففي حين شهدت بلدان عربية على مدى الأشهر والأسابيع الماضية حوادث قتل، بسبب الحب والتعلق المرضي، إذ أقدم شباب على قتل فتيات بحجة أنهن خططن لخداعهم ليتبين في ما بعد أن الطرف المعتدي يعيش حباً مرضياً من طرف واحد وهوساً أوصله إلى تلك الحالة، تبدو الحاجة ماسة إلى مزيد من النصائح حول كيفية التعامل مع تلك الأزمات.

يقول الطبيب النفساني شوشان إن "بعض الناس يكرس مجهوده لإرضاء متطلبات هوسه بطرف ما، والنتيجة أنه يخسر تماماً حياته ويصبح منعزلاً اجتماعياً ولا يهتم بالتقدم الحقيقي، فيحدث لديه تشبع بالوهم". مشيراً إلى أنه رغم أن الكبار يكونون أكثر خبرة ووعياً فإنهم يقعون في الفخ نفسه في أوقات كثيرة.

وختم حديثه بتأكيد أن "العيش في الواقع يعطي لأصحابه أشياء أجمل من الخيال"، لافتاً إلى أن "الواقع غني والخيال فقير بعكس ما يتصور بعضهم، فمهما كانت أحلام اليقظة براقة فإنها هباء، بينما بالبحث في ما حولنا هناك كثير يمكن الاستمتاع به".

المزيد من ثقافة