عوامل التاريخ عادة ما تفسر أسباب الخسارة والحرب في ليبيا. كما هي حال مدينة غريان، التي سقطت في يد قوات حكومة الوفاق، الأربعاء الماضي، بعد أكثر من شهرين من ترحيب أهلها بقوات الجيش الوطني الليبي.
ولم يخل أي تصريح من قادة الجيش من وصف ما حدث في غريان بـ"الخيانة" من قبل أهلها، حتى أن القيادة سمت العملية الجوية التي أعلن عنها، الاثنين في 1 يوليو (تموز)، بـ"عاقبة الغدر". وحفلت تدوينات نشطاء وسياسيين بالتذكير بأدوار زعماء سابقين للمدينة تتقلب فيها مواقفهم تبعاً لمن ترجح كفته. وذكرت تدوينات باحتضان المدينة لكتيبة سحبان، أقوى كتائب معمر القذافي، لأشهر عام 2011، قبل أن تسلمها طوعاً إلى الثوار. كما استحضروا ذكرى الشارف الغرياني الموالي للغزو الإيطالي ودوره في إجهاض حركة الجهاد. كما أن مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، الذي لم تتوقف فتاواه التحريضية التي تصف الجيش بـ"الطاغوت"، ينتمي إليها أيضاً.
لكن عبد المجيد القاضي، أحد أعيان المدينة، يرفض ذلك. ويؤكد أنه خرج من المدينة لموقفه المؤيد للجيش، بل كان أحد الفاعلين لتغيير موقف المدينة من الجيش وضرورة فتح أبوابها له سلماً.
ويوضح القاضي في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، أنه "لم يسبق أن شهدت مدينتنا أي قتال أو اشتباكات، فطبيعتها تحصنها وتجعلها هدفاً للتموضع لأي عسكري أو طامح للسيطرة في الغرب الليبي".
العامل الاجتماعي
تعتبر مدينة غريان الواقعة في مفتتح سلسلة الجبل الغربي العاصمة الإدارية لمناطق الجبل، وطريق الاتصال بين الغرب والجنوب الليبي عبر مدينة مزدة. كما أنها من جهة أخرى تشرف على الطرقات المؤدية إلى العاصمة طرابلس وطوقها، وصولاً إلى العزيزية وترهونة، وحتى إلى مصراته عبر مدينة بني وليد.
ولا ينكر القاضي موقف مدينته الداعم لميليشيات فجر ليبيا في وقت سابق. لكنه قال إن أبرز مسلحي المدينة انضموا إلى الجيش عندما تحددت مواقفه، وهم حتى اليوم جزء منه في معركة طرابلس. لكنه يشير إلى أن المدينة تتوفر أيضاً "على عدد غير قليل من داعمي الإرهاب والمنخرطين في عملياته".
وأضاف "العامل الاجتماعي هو المحرك في السيطرة على المدينة. وما حدث أخيراً كان بسبب تواصل عناصر مجلس شورى بنغازي الإرهابي مع موالين لهم داخل المدينة، ما سهل عليهم عملية الالتفاف ودخول المنطقة بمساعدة ميليشيات مصراته، التي لا تزال تحتضن حتى الآن عناصر شورى بنغازي الفارة"، مؤكداً أنه حتى الآن لا وجود فعلياً لقوات الحكومة.
ولأن الحاضنة الاجتماعية هي العامل الأول في عملية السيطرة على المدينة، يقول القاضي إن "عناصر مجالس الشورى في المدينة يعلمون ذلك. فجرائم التصفية وإحراق البيوت والتهجير لكل موال للجيش تجري بشكل واسع حتى الآن لضمان إضعاف هذا العامل المهم". لكنه يلقي باللائمة على قيادة الجيش، التي لم تلتفت إلى حاجات الناس، فالوضع المعيشي تردى بشكل كبير وأصبحت المدينة في عهد سيطرة الجيش بائسة تماماً، ما زاد من السخط المحلي ضده.
خطة جاهزة
هذه الخلفيات التي قد تكشف حقيقة ما جرى في غريان، لا يبدو أنها قلصت قوة الجيش. فالمتحدث العسكري باسم القيادة العامة للجيش أحمد المسماري، أكد في مؤتمر صحافي من بنغازي، الاثنين، أن القيادة لديها "خطة جاهزة للتنفيذ من أجل استرجاع غريان والوحدات تنتظر أوامر القيادة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولا يفصح آمر المنطقة الغربية العسكرية اللواء إدريس مادي عن شكل الخطوة المقبلة، لكنه أكد في حديثه إلى "اندبندنت عربية،" أن المرحلة الأولى بدأت بإطلاق عملية جوية واسعة مكنت سلاح الجو من السيطرة على كامل سماء المنطقة الغربية. وأضاف "الضربات الجوية باتت أكثر كثافة منذ يومين، وأدت إلى خسارة كبيرة في صفوف الميليشيات سواءً في الأرواح أو العتاد". ويرى مادي أن "الضربات الجوية التي دمرت طائرة تركية الأحد الماضي مع إعلان الموقف من التدخل التركي أمام المجتمع الدولي سيضطر تركيا إلى مراجعة موقفها".
ويشير مادي إلى أنه "قريباً ستعلن القيادة العامة أخباراً سارة للجميع بشأن المعركة، وستتابعون تطورات مهمة"، منبهاً إلى أن الهدف وإن كان تحرير طرابلس إلا أن ميدان المعركة قد يكون أوسع خلال المرحلة المقبلة.
وعلى العكس من تقديرات الخبراء، فإنه لا يبدو أن السيطرة على غريان ستؤثر بشكل كبير في المواقع الرئيسية للمواجهات في جنوب طرابلس. فمواقع السيطرة للطرفين لا تزال على حالها من دون أن يتقدم أو يتراجع كلاهما حتى الآن، مقابل نشاط واسع لسلاح الجو التابع للجيش في قصف مواقع قوات الحكومة، أكد المسماري أنها وصلت إلى "30 موقعاً". وفي إشارة إلى توسع العملية العسكرية في الأيام المقبلة، أضاف المسماري أن الضربات الجوية "ستستمر ليلاً ونهاراً في محيط طرابلس وغريان وككلة".