Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كتب رائدة من القرن العشرين عن أوروبا الغربية

ثلاثة اتجاهات اجتماعية غذّت التحولات في السياسة الخارجية

من الكتب الرائدة التي تناولت تاريخ أوروبا الغربية في القرن العشرين (اندبندنت)

بمناسبة الذكرى المئوية لإصدار المجلة، اختار كل من مراجعينا مجموعة من الكتب الأساسية لفهم القرن الماضي، ومجموعة أخرى لتخيل ما قد يخبئه القرن المقبل. وهذه الكتب هي: 

الكتب المختارة:  الدبلوماسية (منشورات تاتش ستون)، بقلم هنري كيسنجر، دار نشر سايمون أند شوستر، 1994، و التداعيات الاقتصادية للسلام بقلم جون ماينارد كينز، دار نشر هاركور وبريس وهاو، 1919، وأولوية السياسة: الديمقراطية الاجتماعية وصنع القرن العشرين في أوروبا بقلم شيري بيرمان مطبعة جامعة كامبريدج، 2006.

على مدى آلاف السنين، كانت أوروبا قارة متناحرة تميزت بتحالفات متغيرة بين دول خاضعة لسلالات حاكمة تسعى بلا رحمة إلى فرض سيطرة إقليمية وعالمية. وعلى الرغم من ذلك، طوال السنوات الـ75 الماضية، برزت المنطقة باعتبارها مكاناً يعمه سلام لا مثيل لها من الازدهار التسامح والاستقرار، ويعتبر وجوده مفيداً على المستوى العالمي. اليوم، تهيمن الدول الأوروبية على قوائم الأنظمة السياسية الأكثر إثارة للإعجاب والأماكن الأكثر جاذبية للعيش.

في الواقع، انبثق هذا التحول الاستثنائي من التطور السياسي المحلي الذي دام قرناً من الزمان، نحو تقرير المصير وتوفير الرعاية الاجتماعية والديمقراطية الليبرالية. في كل منطقة، تعلمت أوروبا دروساً مستفادة من تاريخها المضطرب وطبقتها.

ربما لم يكن هذا التقدم ممكناً من دون تحول أساسي في التوازن العالمي للقوة العسكرية. في تاريخه في السياسة الخارجية عام 1994 على مدى القرنين الماضيين، أصر كيسنجر على أن أوروبا مدينة لفترة السلام لظهور الولايات المتحدة المهيمنة، الذي قلب التوازن العسكري في حربين عالميتين ثم وفر درعاً رادعة أبقى "الاتحاد السوفياتي خارجاً، الأميركيون في الداخل، والألمان في الأسفل"، كما قال الأمين العام الأول لحلف الناتو، ليونيل إسماي. لا تزال هذه النظرة الواقعية القائلة إن استقرار أوروبا يعتمد كلياً على الهيمنة العسكرية الأميركية تنتشر على نطاق واسع في مؤسسة واشنطن.

قد تكون القوة العسكرية ضرورية، ولكن في النهاية، لا يمكنها فعل أكثر من الحفاظ على الوضع المسلح الراهن. لتحقيق السلام الأعمق والدائم الذي نشهده في أوروبا اليوم- حيث أصبحت الحرب غير واردة، والحدود الداخلية غير مهمة، السلع ورأس المال والأشخاص يتحركون بحرية، كانت هناك حاجة إلى تغييرات أكبر.

كذلك، كان على الأوروبيين أن ينبذوا القادة الرجعيين جذرياً، مثل نابليون بونابرت وأدولف هتلر، وهم رجال تبنوا أهدافاً متطرفة لا يمكن تحقيقها إلا بقوة السلاح. وعوضاً عن ذلك، تعلم الأوروبيون أن ينظروا إلى النظام الإقليمي القائم على أنه نظام شرعي في الأساس ثم التزموا بالتعاون المكثف داخله.

غذت ثلاثة اتجاهات اجتماعية هذا التحول في السياسة الخارجية. أولاً، انتشار حق تقرير المصير الوطني. ابتداء من مطلع القرن التاسع عشر، بدأت الشعوب بالثورة على الإمبراطوريات من أجل إنشاء دولها القومية. حتى كيسنجر، الذي ينتقد مثالية الرئيس الأميركي وودرو ويلسون الذي نفد صبره في صياغة معاهدة فرساي في عام 1919، لا يسعه إلا أن يثني على الذي تنبأ بأن تقرير المصير سيصبح المعيار التأسيسي في سياسة العالم الحديث. بعد قرن من الزمان، شعرت الدول الأوروبية بالرضا: لا أحد يحلم بتغيير الحدود أو فرض أيديولوجيات سياسية متطرفة بالقوة، والجدير بالذكر أن الإجراءات الروسية العدوانية على الطرف الشرقي للقارة هي الاستثناء الذي يثبت القاعدة المذكورة. 

 

 

والنزعة الثانية كانت تبني مبدأ دولة الرعاية الاجتماعية في جميع أنحاء أوروبا. في نقده الشهير لمعاهدة فرساي، تنبأ كينز بأن التسوية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى لا يمكن أن تستمر. في العصر الحديث للسياسة الجماهيرية والاعتماد المتبادل العابر للحدود، ناقش منطقياً أن الاستقرار الاقتصادي الدولي والعدالة هما شرطان مسبقان ينبغي توافرهما من أجل إحلال السلام. وتنبأ كينز بأنه نظراً إلى المطالب الاقتصادية القاسية المفروضة على ألمانيا، فإن الاستياء من نظام ما بعد فرساي وعدم المساواة الشديدة والمقاومة الاجتماعية وصدمات الاقتصاد الكلي ستؤدي حتماً إلى خيبة أمل لدى المعتدلين وستولد سياسات راديكالية، وهو تنبؤ ثبتت صحته عندما أوصل الكساد العظيم هتلر إلى المستشارية الألمانية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد ذلك بجيل واحد، حظيت أوروبا بفرصة ثانية مع خطة مارشال وإنشاء دول الرفاهية الاجتماعية وتأسيس نظام بريتون وودز، الذي لعب فيه كينز دوراً مؤثراً مرة أخرى. في المقابل، تتبعت بيرمان الطابع الأوروبي الفريد الذي تميزت به معتقدات الديمقراطية الاجتماعية الحديثة ومؤسساتها، موضحة إلى أي درجة هي راسخة في السياسة الأوروبية. وأكدت أنها النموذج السياسي الأكثر نجاحاً في العالم اليوم.

أما النزعة الثالثة، فكانت انتشار الديمقراطية الليبرالية في فترة ما بين الحربين العالميتين، قلت الحكومات الديمقراطية حقاً وحوصرت بالمتاعب. وعلى الرغم من ذلك أدت الحرب العالمية الثانية إلى تشويه سمعة اليمين الفاشي، وأسهم التهديد السوفياتي في ترويض اليسار الشيوعي. في كتابه الوقور الذي يتناول السياسة والمجتمع الأوروبيين على مدار الـ75 عاماً الماضية ويحمل عنوان ما بعد الحرب: تاريخ أوروبا منذ 1945(دار بنغوين للنشر، 2005)، يوضح جودت كيف أن الديمقراطية، جنباً إلى جنب مع الحق في تقرير المصير والرفاهية الاجتماعية، مهدت الطريق أمام ثلاثة أجيال من السياسة المعتدلة والازدهار الاقتصادي والتسامح الاجتماعي. ومثلما تنبأ الفيلسوف التنويري إيمانويل كانط في أواخر القرن الثامن عشر كانت النتيجة سلاماً دائماً على ما يبدو لم يسبق له مثيل في أوروبا.

 

أما فيما خص القارة الأوروبية ودور دول الاتحاد الأوروبي فثلاثة كتب لا غنى عن الإطلاع عنها لفهم التوازنات في العالم، وهي تأثير بروكسل: كيف يحكم الاتحاد الأوروبي العالم، بقلم آنو برادفورد، مطبعة جامعة أكسفورد، 2020، والهندسة الانتخابية: قواعد التصويت والسلوك السياسي بقلم بيبا نوريس مطبعة جامعة كامبريدج، 2004، وبطانيتان وثلاث ملاءات بقلم روضان الغليدي. ترجمة جوناثان ريدر دار نشر وورلد إديشنز، 2020. هل سيزدهر نظام أوروبا الفريد بالسلام والازدهار والتسامح في القرن الحادي والعشرين؟ يستشهد المتشائمون والمتشككون بالنمو الاقتصادي البطيء، وعودة ظهور اليمين الراديكالي، والتوترات داخل المجتمعات المتعددة الثقافات بشكل متزايد، باعتباره دليلاً على هشاشة النظام السلمي في أوروبا. وعلى الرغم من ذلك فإن الاستجابة القوية التي تبديها القارة وصمودها الملحوظ في مواجهة الأزمات طوال 15 عاماً تعتبر أمراً مطمئناً، ما زال اليورو محافظاً على مكانته وتراجعت الهجرة وأصبحت القوى الشعبوية أكثر اعتدالاً ولم يشكل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تشجيعاً لأي من الدول الأخرى بأن تحذو حذوها، إضافة إلى ذلك، تراجع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب عن سياسة حافة الهاوية [السياسة المحفوفة بالمخاطر] التجارية مع الحلفاء الأوروبيين، وصار عمالقة التكنولوجيا الأميركيون يقبلون الآن باللوائح الأوروبية وينفذونها، وبطريقة موازية فإن دفاع أوكرانيا الشديد عن حقها في تقرير المصير مهما كانت نتائجه يوضح عجز روسيا المطلق عن تشكيل تهديد عسكري حقيقي لحلف شمال الأطلسي. 

لكن الأوروبيين يواجهون التحديات السياسية الأساسية المشتركة بين جميع البلدان الصناعية. على الرغم من أنه يبدو في الوقت الحالي أنهم يمتلكون وسائل مؤسسية أفضل من أجل معالجة هذه الصعوبات مقارنة مع أشخاص آخرين في أي جزء آخر من العالم، تبرز ثلاثة شواغل.

أولها، مشكلة تنظيم العولمة. يعكس الكتاب الذي حرره بلانشارد ورودريك بعنوان "محاربة عدم المساواة: إعادة التفكير في دور الحكومة"، أوليفييه بلانشارد وداني رودريك (مطبعة معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، 2021)، قلق كينز من اضطرار الحكومات إلى الموازنة بين مزايا العولمة والرغبات المشروعة لدى البلدان الفردية من أجل ضمان المساواة والاستقرار والحماية القانونية بطرق تتماشى مع الأولويات المحلية لمواطنيها، ولكن كما أظهر الكتاب المثير الذي ألفته برادفورد، فإن أوروبا في وضع جيد يخولها إدارة هذا التوتر. وهي لم تحل محل الولايات المتحدة باعتبارها الجهة التنظيمية الرائدة في العالم فحسب، بل نجحت في فرض معاييرها التنظيمية العالية على المستوى الدولي.

التحدي الآخر هو تشجيع الاعتدال السياسي، لا سيما مع تنامي نفوذ الشعبويين اليمينيين المتطرفين في جميع أنحاء القارة. يذكرنا عمل نوريس الكلاسيكي الغني بأن جميع الدول الأوروبية تقريباً تنتخب حكوماتها من خلال أنظمة التمثيل النسبي المتعددة الأحزاب وأن مثل هذه الأنظمة تحفز الاعتدال السياسي والحلول التوفيقية من خلال الحكومة الائتلافية. بالتأكيد ليس من قبيل المصادفة أن الاستقطاب والتطرف أكثر انتشاراً بكثير في عدد صغير من البلدان الأوروبية حيث يتم انتخاب السياسيين بأغلبية الأصوات في الدوائر التي تتمثل بعضو واحد، ما يولد سياسة الحزبين، ومن بين تلك البلدان المملكة المتحدة والمجر (وأبعد من ذلك، الولايات المتحدة).

أخيراً، مع اقتراب نسبة المواليد الأجانب المقيمين في أوروبا من تلك المسجلة في الولايات المتحدة، كافحت الدول الأوروبية من أجل قبول المهاجرين ودمجهم. غالباً ما تكون قصص الخيال والسير الذاتية هي الأنسب لتصوير الألم الجسدي والمعاناة القانونية الشديدين اللذين يواجههما المهاجرون من أجل الدخول إلى أوروبا، فضلاً عن التوتر القائم بين اندماجهم السياسي من جهة ورغبتهم الطبيعية في الاحتفاظ بسماتهم الثقافية المميزة من جهة أخرى. في مذكراته المأساوية، عبر الجليدي، وهو مهاجر عراقي إلى هولندا، عن الإحساس السوداوي بالعزلة خلال عملية استقراره في أوروبا، التي تعتبر محنة على الرغم من أنها تمت بنجاح في نهاية المطاف. 

في الواقع، يجب أن تتغلب أوروبا على هذه التحديات لأن استمرار نجاحها ضروري من أجل أي رؤية واقعية لمستقبل حميد في السياسة العالمية. وتعد أوروبا مهمة ليس لأنها ما زالت، في الوقت الحالي، الحليف العسكري الرئيس للولايات المتحدة وأكبر اقتصاد تجاري في العالم والمصدر الأكثر قدرة على التأثير غير العسكري فحسب بل لأنها أيضاً، قبل كل شيء، تحظى بأهمية كبيرة في القرن الحادي والعشرين لأن بلدانها تشكل النموذج العالمي الأكثر صدقية للسياسة التقدمية.

منذ عام 1980، حلت أوروبا ببطء محل الولايات المتحدة باعتبارها النموذج الأكثر شرعية لكل عنصر أساسي تقريباً من عناصر الحياة الديمقراطية الحديثة. وهي تتفوق الآن على الولايات المتحدة (ناهيك بالصين والهند) في نزاهة الانتخابات، واعتدال السياسة، وتوفير الرعاية الاجتماعية والطبية ورعاية الأطفال، والسيطرة على العنف، وسيادة القوانين المحلية والدولية، وحقوق الأقليات واحترام السلامة الجسدية للمرأة، وحماية البيئة وتنظيم التكنولوجيا والحراك الاجتماعي التصاعدي وتوفير المساعدة الإنمائية وإنفاذ إجراءات مكافحة الفساد والضوابط على التدخل العسكري والانفتاح الاقتصادي. إذاً أوروبا اليوم إذا استخدمنا عبارة أبراهام لينكولن الشهيرة، هي "الأمل الأفضل والأخير بالنسبة إلى كوكب الأرض".

مترجم من فورين أفيرز،سبتمبر (آب) / أكتوبر (تشرين أول) 2022

اقرأ المزيد

المزيد من كتب