Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عجز الميزان التجاري الغذائي التونسي يرتفع إلى 671 مليون دولار

وسط مضاعفة واردات القمح والضغوط على مدفوعات الحكومة

عكست وضعية الميزان التجاري عجز تونس عن تحقيق الأمن الغذائي على رغم ارتباطه الوثيق بعوامل خارجية (أ ف ب)

عانى الميزان التجاري الغذائي في تونس عجزاً مطرداً خلال الأشهر الأخيرة، وتراجعت نسبة تغطية الصادرات للواردات من المواد الغذائية الفلاحية والمصنعة بحساب الانزلاق السنوي، وفق ما أعلنه المرصد الوطني للفلاحة (حكومي).

وسجل العجز التجاري في المجمل مستويات قياسية بنهاية شهر أغسطس (آب) الماضي، وزاد بنسبة 61 في المئة ليبلغ مستوى 16.9 مليار دينار (5.2 مليار دولار)، مقابل 10.4 مليار دينار (3.2 مليار دولار) خلال الفترة ذاتها من عام 2021، بحسب المعهد الوطني للإحصاء (حكومي).
ولم تنحصر عوامل تفاقم العجز في تزايد الأسعار لبعض الواردات وحسب، بل تعدته إلى زيادة ملحوظة في توريد عدد من المواد الغذائية، كما عجز الارتفاع المسجل في قيمة بعض الصادرات من المواد الفلاحية عن مجاراة نسق الواردات بفعل الزيادة في جميع أسعار السلع المستوردة على حساب الصادرات التي شهدت تذبذباً من حيث الكم، بأن تراجعت عائدات بعضها مقارنة بالسنة المنقضية مما أدى إلى تراجع نسبة التغطية إلى 63.8 في المئة خلال أغسطس 2022 في مقابل 68.6 في المئة خلال الشهر ذاته من عام 2021.

وعكست وضعية الميزان التجاري عجز تونس عن تحقيق الأمن الغذائي على رغم ارتباطه الوثيق بعوامل خارجية طارئة متعلقة بالحرب الأوكرانية في السنة الراهنة، وارتفاع أسعار الحبوب والزيوت بخاصة.

وأوضح اختصاصيون أن هذه العناصر عمقت العجز السابق الذي لا يعود لتراجع الإنتاج وتنامي الاستهلاك وحسب، بل يتجاوزه إلى إشكالات هيكلية أثرت في قيمة الصادرات الغذائية في تونس، وتتعلق بعدم التمكن من إضفاء القيمة المضافة على السلع لتحقيق العائدات المالية المرجوة والتخلي عن دعم منظومة الإنتاج وارتفاع كلف التمويل.

تراجع الإيرادات

وبلغ العجز التجاري الغذائي خلال أغسطس الماضي 2.15 مليار دينار (671 مليون دولار) مقابل 1.3 مليار دينار (406 مليون دولار) في أغسطس 2021، وأدت زيادة وتيرة توريد الحبوب إلى زيادة العجز، فقد سجلت ارتفاعاً كمياً بنسبة 48.9 في المئة، كما ارتفعت واردات الزيت النباتي بنسبة 109.5 في المئة والسكر بنسبة 65.6 في المئة، في حين عرفت قيمة توريد القمح الصلب زيادة بنسبة 89.6 في المئة والشعير بنسبة 62.4 في المئة والقمح اللين بنسبة 61 في المئة والذرة بنسبة 44.2 في المئة والزيت النباتي بنسبة 62.8 في المئة والسكر بنسبة 46.7 في المئة.

ويعود هذا الفارق في القيمة المالية لهذه الواردات إلى الحرب الروسية - الأوكرانية التي أثرت في أسعار هذه المواد في السوق العالمية، وارتفعت قيمة الصادرات الغذائية لتونس بنهاية شهر أغسطس 2022 بنسبة 30.6 في المئة لتصل إلى 3.8 مليار دينار (1.18 مليار دولار).

في المقابل تنامت قيمة الواردات من المواد الغذائية لتصل إلى 5.6 مليار دينار (1.75 مليار دولار) مما شكل ارتفاعاً بنسبة 40.7 في المئة.

واستفادت تونس من ارتفاع أسعار زيت الزيتون وسجلت صادراتها منه إلى حدود شهر أغسطس الماضي تحسناً صافياً على مستوى متوسط سعر البيع في الأسواق الخارجية بنسبة 31.7 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021.

ووفرت صادرات زيت الزيتون عائدات ناهزت 1.5 مليار دينار (468 مليون دولار) وحققت صادرات منتوجات الصيد البحري مداخيل بقيمة 409.6 مليون دينار (128 مليون دولار) مما شكل زيادة بنسبة 8.5 في المئة، وصادرات الحوامض زهاء 20.4 مليون دينار (6.37 مليون دولار) إلى حدود نهاية أغسطس 2022.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن إيرادات تصدير التمور تراجعت بنسبة 4.4 في المئة حتى أغسطس 2022، مقارنة بالفترة نفسها من 2021، في حين تقلصت صادرات الطماطم بنسبة 3.7 في المئة.

وبلغت قيمة عجز الميزان التجاري الغذائي 1.6 مليار دينار (500 مليون دولار) في يونيو (حزيران) 2022، في مقابل عجز بقيمة 806.9 مليون دينار (252.1 مليون دولار) في يونيو 2021، لتتراجع نسبة التغطية إلى 66.9 في المئة مقابل 75.1 في المئة في 2021.

وصدرت تونس من إجمالي صادراتها الغذائية زيت الزيتون بنسبة 42.1 في المئة خلال النصف الأول من السنة الحالية، تليه التمور بما يعادل 13.6 في المئة، ثم منتوجات الصيد البحري 9.7 في المئة، فزيوت أخرى ومشتقاتها بنسبة 7.6 في المئة والطماطم بنسبة 4.5 في المئة والعجين الغذائي بنسبة 3.8 في المئة.

وتعمق عجز الميزان التجاري لتونس مع نهاية السداسي الأول من السنة الحالية بنسبة 56.3 في المئة، وقدر بـ 11.7 مليار دينار (3.65 مليار دولار) في مقابل 7.5 مليار دينار (2.34 مليار دولار) في 2021.

وتطور إجمال واردات تونس من 30.3 مليار دينار (9.46 مليار دولار) في 2021 إلى 40.2 مليار دينار (12.56 مليار دولار) في 2022، أي بزيادة قدرها 32.4 في المئة.

أما الصادرات فزادت بنسبة 24.6 في المئة لتمر من 22.8 مليار دينار (7.12 مليار دولار) في 2021 إلى 28.4 مليار دينار (8.8 مليار دولار) في 2022. ومثلت صادرات المواد الغذائية 11.1 في المئة من إجمال الصادرات، أما الواردات الغذائية فبلغت 11.7 في المئة من إجمال الواردات.

وارتفعت حصة العجز التجاري الغذائي في عجز الميزان التجاري الإجمالي بنسبة 2.5 نقطة مقارنة بالفترة ذاتها من 2021، لتمر من 10.7 في المئة إلى 13.2 في المئة.

ضعف التسويق

ومن أهم عوامل استفحال العجز الارتفاع المسجل في أسعار القمح الصلب الذي بلغ 90.2 في المئة مقارنة بالسنة الماضية، في حين سجلت بقية منتجات الحبوب من القمح اللين والشعير والذرة زيادة تتراوح بين 44 في المئة و55 في المئة.

يذكر أن تونس تنتج 80 في المئة من حاجاتها من القمح الصلب وتستورد 20 في المئة منها، في حين لا يتجاوز الإنتاج المحلي من القمح اللين 20 في المئة من الحاجات، ويتم التعويل على التوريد لتغطية الاستهلاك.

وبلغت محاصيل القمح الصلب للسنة الحالية 1.1 مليون طن، والقمح اللين 117 ألف طن، و520 ألف طن من الشعير.

وعانى قطاع الحبوب مصاعب شتى انعكست سلباً على مردوديته وفاقمت الحاجة إلى التوريد، ومن أهمها عدم توفر الأسمدة مما أثر في مستوى الإنتاج. وكشف عضو المكتب التنفيذي للاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري (منظمة نقابية مستقلة) محمد رجايبية أن "إشكالات قطاعية تحول دون تحقيق تونس لاكتفائها الذاتي، وهي انخفاض الأسعار عند البيع والاضطرابات في توفير الأسمدة بسبب تذبذب إنتاج مجمع الفوسفات، الموفر الأساس للمادة الأولية للأسمدة، مما يحول دون تحقيق الأمن الغذائي واللجوء إلى التوريد الذي كلف الدولة 1.2 مليار دينار (375 مليون دولار) في 2021.

ويبلغ معدل استهلاك تونس 3 ملايين طن سنوياً من الحبوب، لا توفر منها غير مليون طن كمعدل سنوي مما حولها إلى أحد أكبر موردي القمح في العالم.

من جهة أخرى، لم تتمكن تونس من رفع مستوى تغطية الصادرات للواردات على رغم الارتفاع المسجل في أسعار زيت الزيتون خلال العام الحالي، بالنظر إلى المرتبة التي تحتلها تونس على المستوى العالمي كثالث مصدر لهذه المادة.

ويعود ذلك "للمعضلة الهيكلية الأساس عند تصدير هذا المنتوج الحيوي، وهو انخفاض الكميات المعلبة عند التصدير" وفق محمد النصراوي، الكاتب العام للجامعة الوطنية لمنتجي الزياتين (هيئة مستقلة)، صلب الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري، إذ يبلغ المعدل السنوي للصادرات بين 170 و180 ألف طن، لا يتجاوز حجم الزيوت المعلبة منها 20 ألف طن، أي 10 في المئة من مجموع الصادرات، مما يفقد المنتوج القيمة المضافة المؤهلة لتنمية الأسعار ورفع مداخيل العملات.

وتفتقر المنتجات الغذائية التونسية إلى سياسة تسويقية محكمة تمكنها من غزو أسواق جديدة حول العالم، وآلية تخزين منتظمة حتى يجري التحكم في عملية التسويق بالنظر إلى تطور الأسعار في السوق العالمية على مدار السنة، والرفع من إيرادات المواد الغذائية المصدرة للضغط على كلف الواردات قصد تغطيتها.

وتمثل صعوبة الوصول إلى الاقتراض وغياب خطوط تمويل بنكية وكلف الإقراض الباهظة، أبرز عراقيل الإنتاج وأول عائق يجابهه المستثمرون في مجال الأغذية إجمالاً وتنمية الإنتاج لتحقيق الاكتفاء الذاتي ومجابهة العجز وتوقي إنهاك ميزان المدفوعات.