تعيش تونس على وقع احتقان اجتماعي ينذر بالانفجار بينما تستعد البلاد لخوض ثاني محطة انتخابية، بعد 25 يوليو (تموز)، في 17 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وهي الانتخابات التشريعية التي ستفرز برلمان المسار الجديد الذي بدأه رئيس الجمهورية قيس سعيد، وسط حال من الانقسام السياسي بين من يعارضه ويقاطع جميع محطاته السياسية ومن يسانده.
وفي السياق شهدت منطقة دوار هيشر في محافظة منوبة، ومنطقة مرناق في محافظة بن عروس، في ضواحي العاصمة التونسية، وأيضاً منطقة عقارب في محافظة صفاقس (جنوب) احتجاجات ليلية ضد غلاء الأسعار وفقدان عديد من المواد الغذائية الأساسية على غرار السكر والحليب والمياه المعدنية، وغياب الأفق في التنمية والعمل، وتنامي ظاهرة الهجرة السرية تجاه السواحل الإيطالية، وتزامن هذا الاحتقان الاجتماعي مع احتجاجات أصحاب سيارات الأجرة الفردية، المطالبين برفع سعر التعرفة وذلك إثر الزيادة في أسعار المحروقات، يضاف إلى ذلك احتجاج المعلمين النواب المطالبين بتسوية أوضاعهم المهنية.
وقد شارك في تلك الاحتجاجات المئات ورُفعت شعارات مطالبة بالعمل وخفض الأسعار وتوفير المواد الأساسية وتحسين الظروف الاجتماعية.
وتواجه المالية العمومية في البلاد تحديات خطيرة بعد تأخر صرف القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي لتمويل الميزانية وتوفير ما تحتاج إليه البلاد من نفقات اجتماعية واقتصادية.
انتحار شاب في مرناق
وقد شهدت منطقة مرناق احتجاجات ليلية إثر إقدام شاب من المنطقة على الانتحار شنقاً في منزله. وقد تضاربت الروايات حول الواقعة، إذ أكدت وزارة الداخلية أن التحقيقات الأولية أظهرت أن الشاب كان يعيش خلافات عائلية حادة، مشيرة إلى أن التحقيقات متواصلة بالتنسيق مع النيابة العمومية للكشف عن ملابسات الحادثة.
في المقابل نفى طارق الدريدي، شقيق الشاب الذي أقدم على الانتحار رواية وزارة الداخلية، موضحاً في تصريح صحافي أن شقيقه لم يقدم على الانتحار بسبب مشكلات عائلية.
ويذكر أن الشاب كان يستغل نقطة عشوائية خارج السوق البلدية في مرناق، وفي إطار تنفيذ قرار بلدي يقضي بمنع التجارة في هذه النقاط، تم حجز آلة الوزن الإلكترونية التي كان يستخدمها ودعوته لتسوية أوضاعه مع مصالح البلدية، مما دفع بعدد من الأهالي والمواطنين إلى الاحتجاج على البلدية والسلطات الجهوية.
التصدي للمحتكرين
وأكد الرئيس التونسي خلال لقائه رئيسة الحكومة نجلاء بودن، الإثنين 26 سبتمبر (أيلول) 2022، ضرورة تزويد الأسواق بالسلع والتصدي للمحتكرين والتجاوزات.
وأكد ضرورة الضغط على توريد المواد الكمالية للحد من اختلال الميزان التجاري مع عدد من البلدان التي تضر بالمالية العمومية ولا تنتفع بها إلا الجهات المصدرة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار سعيد إلى عدد من الأزمات التي يقع افتعالها بهدف توظيفها سياسياً، مبرزاً أن "الشعب لم تعد تخفى عليه هذه المناورات ومن يقف وراءها ومن يريد الاستفادة منها".
اتحاد الشغل يلوح بالتصعيد
وفي هذه الأثناء لوح الاتحاد العام التونسي للشغل بالتصعيد، معلناً أنه سيعقد هيئة إدارية للنظر في المستجدات الاجتماعية قائلاً إن "صبر الاتحاد بدأ ينفد".
وقال أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، الإثنين، على هامش انعقاد منتدى النقابات القاري، إن الاتحاد سيكون "سداً منيعاً ضد الخيارات التفريطية للحكومة".
وجدد الطبوبي موقف المنظمة "الرافض رفع الدعم عن الطبقة الوسطى والفقيرة التي تمثل 80 في المئة من إجمالي الشعب التونسي"، لافتاً إلى أن "انعدام المواد الأساسية هو نتيجة محدودية الموارد المالية للدولة، وليس نتيجة للاحتكار والمضاربة".
ولفت إلى أن الوضع الاجتماعي تفاقم في الأشهر الأخيرة مع ازدياد معاناة المواطنين، مشدداً على أهمية أن تكون "السياسات العامة في خدمة حاجات المواطنين".
صعوبات هيكلية في الاقتصاد
ومن جهته يؤكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية ياسين بن إسماعيل، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "المؤشرات الاقتصادية في تونس منذ 2011 في تدهور مستمر، على غرار مؤشر النمو ومؤشر البطالة والتضخم المالي وعجز الميزان التجاري، بعد أن كانت مستقرة إلى حدود نهاية عام 2010"، لافتاً إلى أن "من تولى السلطة بعد 2011 يجهل دواليب تسيير الدولة والاقتصاد التونسي".
وشدد بن إسماعيل على أن "جهاز الإنتاج يعيش إشكاليات هيكلية، مالية وجبائية، وهو جهاز يقوم على اقتصاد الريع بعد أن كان مبنياً على سياسة الاكتفاء الذاتي"، لافتاً إلى أن "من يقوم على الدولة اليوم لم يبتكر حلولاً اقتصادية واجتماعية جديدة بل واصل في الخيارات القديمة التي أنتجت الفقر والتفاوت الاجتماعي".
ويضيف أن "السياسات النقدية في تونس خاطئة ومعاكسة للتوصيف الحقيقي للاقتصاد الذي فقد نصف رقم معاملاته لفائدة الاقتصاد الموازي".
وحذر أستاذ الاقتصاد من "تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأن الاقتصاد الحالي لا ينتج الثروة، ولا يوفر مواطن العمل"، مشيراً إلى أن "احتياطي البلاد من العملة الصعبة لا يكفي لاستيراد ما يحتاج إليه التونسي من مواد غذائية أساسية، لذلك تعجز الدولة عن التوريد بسبب عدم توافر ما يكفي من السيولة من العملة الصعبة، وهي وضعية ناتجة من انخرام منظومة الإنتاج في الاقتصاد التونسي".
في المقابل زار وزير الشؤون الاجتماعية، مالك الزاهي، الإثنين، الوحدة المحلية للنهوض الاجتماعي بدوار هيشر، برفقة عدد من المسؤولين، للاطلاع على سير إسداء الخدمات لمنظوري الوزارة من عائلات محتاجة ومحدودة الدخل.
والتقى الوزير عدداً من المواطنين الذين تجمعوا بمقر الوحدة المحلية، وعقد جلسة نقاش مع عدد من نشطاء المجتمع المدني، لمعاينة الوضع الاجتماعي بالمنطقة، داعياً كل العاملين بالوحدة إلى مضاعفة الجهود لتحسين وتسريع إسداء الخدمات للمواطنين والتفاعل مع مطالبهم.
تنذر جميع المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية في تونس بحالة من الغليان والاحتقان الاجتماعي بعد تراكم الصعوبات اليومية التي يواجهها المواطن لتحصيل ما يحتاج إليه من المواد الأساسية، وسط ارتفاع متزايد وغير مسبوق لأسعار مختلف المواد، فهل يسبب هذا الاحتقان انفجاراً اجتماعياً يسبق الانتخابات التشريعية المقبلة ويضعها على المحك؟